دور الوقف في تلبية حاجات المجتمع
12 شوال 1438
عبد الله بن عبد اللطيف الحميدي

  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فتتعدد احتياجات الناس وتتنوع على مرّ العصور والأزمان، ويبقى الوقف الإسلامي شامخاً ملبياً كافة هذه الاحتياجات البشرية والإنسانية مؤكدا كمال الدين الإسلامي ومواكبته لكل زمان ومكان قال الله - تعالى – (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) [المائدة: ٣].

    كان الوقف في عصور الإسلام الأولى يقوم على ما يلبي جميع الاحتياجات على مستوى الدولة وعلى مستوى الأفراد، فالتعليم كان يقوم على الوقف في إنشاء المدارس وحلق العلم والكتاتيب، والقيام بواجب العلماء وسدّ احتياجاتهم، كما كان الوقف يقوم على تلبية الاحتياجات الاجتماعية ومنها توفير المساكن للمحتاجين وتجهيز الأعراس ومساعدة الأيتام والأرامل، وعلى المقابر وشؤون الموتى ونحو ذلك .  

    كما كان للوقف دوره في تذليل الطرق وخدمة المسافرين وتنظيم شؤون البلد بشكل عام .

    والمتأمل في واقع المسلمين اليوم مع انتشار الإسلام وتعدد جنسيات أهله وبلدانهم ولغاتهم يجد أن الحاجة ماسّة إلى التجديد في مصارف الأوقاف بما يلبى هذه الاحتياجات ويقوم عليها ومن ذلك :

  1. الوقف على الأقليات الإسلامية في بلدان العالم المختلفة وإنشاء المراكز الإسلامية والجوامع وكفالة الأئمة والدعاة إلى السنّة، لاسيما مع انتشار بعض المذاهب البدعية الظاهرة كالرفض والتشيع والتصوف والمذاهب التكفيرية والجماعات الارهابية التي تشوه صورة الإسلام وتحاربه من الداخل، والله المستعان.
  2. الوقف الاجتماعي ومراعاة احتياجات بعض فئات المجتمع كالأرامل والمطلقات والمعاقين حركيا أو عقليا ونحوهم .
  3. الوقف على المناشط الدعوية للشباب المسلم كالأوقاف على المخيمات الدعوية والملتقيات الشبابية وحملات الحج والعمرة ونحوها .
  4. الأوقاف على الملتقيات العائلية أو الصناديق الأسرية وتوفير مقرّات للعوائل والأسر للقاءات الدورية بين أفراد الأسر لتحقيق شعيرة صلة الرحم والتواصل بين الأرحام والأقارب .
  5. الأوقاف على الإعلام الهادف من قنوات فضائية أو مواقع إلكترونية أو مجلّات وصحف دعوية أو برامج ومشاركات إعلامية هادفة تدعو إلى الخير وترغب الناس فيه .
  6. الأوقاف على العناية بالمسافرين من حيث توفير المصليات المناسبة ، ودورات المياه المهيأة والخدمات المساندة، وتوفير فرق المساعدة والمعونة على خطوط السفر ونحو ذلك .
  7. أوقاف التقنية كالأوقاف على إنتاج البرامج الحاسوبية الهادفة، والتطبيقات العلمية النافعة، والشاشات الإلكترونية الدعوية في المساجد والطرقات وأماكن المشي ونحوها .
  8. الوقف على طلاب العلم الوافدين إلى البلاد الإسلامية وهم من اصطلح على تسميتهم بـ «طلاب المنح» حيث يَقدُم هؤلاء من بلاد شتى إلى البلاد الإسلامية لينهلوا من العلم الذي يفتقدونه في بلادهم، ثم يعودون سفراء إلى بلادهم وقد حصّلوا من العلوم- وبالأخص العلوم الشرعية - ما يعينهم على القيام بواجب البلاغ والإصلاح والدعوة إلى الله في بلدانهم .
  9. الوقف على صيانة المساجد والعناية بها وإصلاحها وتزويدها بكافة الاحتياجات الاستهلاكية ونحوها .
  10.  الوقف على النواحي الصحية كإنشاء المستشفيات وإقامة الحملات الصحية وتوفير مراكز غسيل الكُلى والأجهزة والأدوات الطبية لا سيما في الهجر والضواحي البعيدة عن العواصم والمدن، ويتأكد مثل ذلك في بعض البلدان الإسلامية الفقيرة .
  11.  الوقف على الجمعيات والمؤسسات الخيرية المنتشرة - ولله الحمد - في طول بلاد المسلمين وعرضها لاسيما الجهات الموثوقة والمعروفة بمنهجها السليم وتوجهها المعتدل المتمسك بالكتاب والسنة .
  12.   الوقف على الأيتام واللُقطاء ومجهولي الأبوين وتوفير المحاضن التربوية الملائمة لهم وسدّ احتياجاتهم الدراسية والاجتماعية والمالية وتهيئتهم ليكونوا لَبِنات صالحة في المجتمع .
  13.   تتنوع الاحتياجات، فعلى المسلم أن يبحث عن أبواب الخير التي تلامس احتياج الناس وتلبي رغباتهم وتعينهم على الخير والطاعة، وعلى المسلم أن يجتهد في البحث عن الثغرات التي يحتاجها المسلمون فيسدّها ويعين عليها سواء بالوقف بماله أو بدلالته على الوقف أو بتقديم المشورة والرأي للقادرين على الأوقاف وبذل النصح لهم .

والملاحظ : أن بعض الموسرين والقادرين ماليا يحتاجون إلى المشورة والرأي في الأوقاف وإن كانوا أهل حكمة ودراية ومعرفة في أمور التجارة والأموال :

شــــاور سواك إذا نابتك نائبة

يوما وإنْ كُنْتَ من أهل المشوراتِ

فالعين تــــنظر ما دنا ونــأي

ولا ترى نــفسهـا إلا بــــــمرآةِ(1)

 

وليعلم الناصح الأمين والمشير أنه مؤتمن فعليه أن يبذل جهده في النصح والمشورة وأن يحفظ سرّ من استشاره وطلب نصحه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المستشار مؤتمن » (2)  فعليه أن يقوم بالواجب وأن ينصح لإخوانه المسلمين .

وليبشر من دلّ الناس على الخير وكان سببا فيه فإن أجره كأجر المتصدق والباذل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدال على الخير كفاعله »(3) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا  » (4) .

---------

([1])الأبيات لأبي الحسن الجرجاني، وله ديوان مطبوع.      

(2)أخرجه أبو داود (5128)، والترمذي (2526) و (3033) ، وابن ماجة (3746) ، وصححه الألباني .

(3)   أخرجه  الترمذي (2670)،وقال الألباني حسن صحيح  .

(4)   أخرجه مسلم (2674)  .