المقدمة
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدَّر فهدى، له ما في السموات، وما في الأرض، وما بينهما، وما تحت الثرى،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فأتقن، وشرع فأحكم، وعلَّم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله المصطفى، وخليله المجتبى، صلَّى الله عليه وعلى آله، وجميع أصحابه، ومن بهداهم اهتدى. أمَّا بعد:
فإنَّ موضوع «أحكام التصوير في الحدِّ والتعزير» من النوازل الجديدة، التي لم يطرقها بالبحث فقهاؤنا الأجلاء قديمًا؛ نظرًا لعدم وجود آلات التصوير في عصورهم، ولا تطرَّق إلى بحثها أحدٌ من الفقهاء المعاصرين على حدِّ علمي، رغم عموم البلوى بوجود آلات التصوير بأشكالٍ وتقنياتٍ مختلفة، حتى غدتْ -بسبب كثرتها- مما عمَّت به البلوى.
والموضوع المذكور لم يكن يخطر لي على بال، لولا أني رأيته يطبَّق في واقع الناس؛ إذْ كنت يوماً من الأيام في مدينة الرياض، من أرض المملكة العربية السعودية المباركة، فرأيتُ تنفيذ حدٍّ من حدود الله تعالى، وكان الحضور كثيرين، ورأيتُ بعضاً منهم يحاول تصوير المشهد -خفيةً- عن طريق جهاز الجوال، فذكَّرني ذلك الموقف بشدَّة الحاجة إلى جمع مسائل هذا الموضوع، وبيان أحكامها، وإبرازها للناس؛ ليكون حكم الله تعالى بيناً في كلِّ مسألةٍ من مسائله، إباحةً، وتحريماً.
والغريب في الأمر: أني حاولتُ -قبل الشروع في بحث مسائله وجزئياته- العثور على بحثٍ مكتوبٍ فيه، أو حتى على جوابٍ لسؤالٍ فيه، أو في مسألةٍ من مسائله، فلم أجد فيما وقفتُ عليه شيئاً يذكر.
فأدركتُ-حين ذاك- أهمية بحث هذا الموضوع، فاستعنتُ بالله تعالى وشرعتُ بجمع ما يتعلَّق به من المسائل، وكونتُ خطَّته، وتمَّ بحثه بفضلٍ وعونٍ من الله تعالى حسب الخطَّة التي رسمتْ له.
ورغم ما بذلته من الجهد في بحث المسائل التي تضمَّنها الموضوع فلا أعتقد: أني وفَّيتُه حقَّه من جميع جوانبه، وعذري: أنه من النوازل الجديدة كما أسلفتُ، وهذه طبيعة كلِّ جديدٍ في بحثه، ولكن حسبي أني بذلتُ فيه قصارى جهدي، وخلاصة أفكاري؛ طلباً للوصول إلى الأكمل والأفضل، ولا أستغني عن موافاتي بأيِّ ملحوظةٍ، أو فائدةٍ تخدم الموضوع من أيِّ كائنٍ، وأكون شاكراً وداعياً له سراً وعلانية. والله تعالى أعلم، وصلَّ الله وسلَّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهمية البحث:
تتمثَّل أهمية بحث: «أحكام التصوير في الحدِّ والتعزير»فيما يأتي:
1- أنه بسبب كثرة التقاط الصور لأيِّ مشهدٍ من المشاهد؛ لكثرة آلاتها، وخصوصاً عن طريق (جهاز الجوال) فمتىما أقيم حدٌّ، أو تعزيرٌ على أحدٍ من الناس، بادر كثيرٌ من الحاضرين إلى تصوير ذلك. فنحن بحاجةٍ إلى معرفة هل يعد هذا التصوير زيادةً على الحدّ، أو هو ضربٌ من شهود العذاب المأمور به في الآية الكريمة.
2- أنَّ المحدود، مستحق عقوبة التعزير، وقرابتهما يشعرون بألمٍ نفسيٍّ، قد يكون أشدذ عليهم من الحدِّ أو تعزير قريبهم، فربما أدَّى تصوير المشهد إلى النزاع والخصام، الذي قد يفضي إلى الانتقام ممن صوره،فمن المهمِّ هنا: معرفة الحكم الشرعي؛ ليلتزم الناس به، ويعاقب من خالفه حال منعه شرعاً، أو نظامًا وقانونًا.
3- أنَّ التصوير في الحدود والعقوبات التعزيرية قد يكون التصوير جزءًا مقصوداً من العقوبة، فمن المهمِّ معرفة الفرق بين ما يكون جزءًا من العقوبة، وما لم يكن كذلك.
أهداف البحث:
أهداف بحثي لهذا الموضوع كثيرة، أبرزها ما يأتي:
1- بيان الأحوال والأقسام المباحة والمحرَّمة في جزئيات ومسائل (التصوير في الحدود والتعزيرات).
2- بيان الأسباب والمقاصد الباعثة على التصوير في الحدود والتعزيرات، وبيان الحكم الشرعي لكلِّ سببٍ ومقصدٍ منها.
3- بيان مدى الاعتماد على الصورة، كوثيقةٍ وحجِّةٍ أمام الآخرين.
4- إيضاح المفاسد، أو المصالح التي قد تترتَّب على التصوير في كلٍّ من الحدود والتعزيرات.
مشكلة البحث:
تظهر مشكلة البحث في عدم وضوح الرؤية بالنسبة لحكم تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ عليه، هل يعدُّ تصويره جزءًا من الحدِّ المشار إليه في قوله تعالى:﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَةٌ مِنَ المؤْمِنين...﴾(1). فيكون واجباً كوجوب الحدِّ، أو أنه زيادة على الحدِّ، فيكون حراماً؟ وهل هناك فرقٌ في التصوير بين الحدِّ والتعزير، أو لا فرق بينهما؟ إلى غير ذلك من الإشكالات، التي لا تتضح إلاَّ في ثنايا بحث مسائل وجزئيات الموضوع.
الدراسات السابقة:
رغم مضاعفة الجهد في البحث والتفتيش في المكتبات العامَّة والخاصَّة، ومراكز البحث العلمي، بل ومحركات البحث في المواقع الإلكترونية، والبرامج المحوسبة: لم أقف على كلامٍ لأحدٍ من أهل العلم حول موضوع «أحكام التصوير في الحدِّ والتعزير» مطلقاً، لا في بحثٍ ولا في غيره، ولا حتى في فتاوى لبعض أهل العلم، فغالب ظني: أنَّ هذا الموضوع لم يكتب فيه، أو يتطرَّق إليه في قليلٍ ولا كثير، رغم وقوع التصوير حال تنفيذ أيِّ حدٍّ أو تعزير على مرأى ومسمعٍ من الناس، بسبب توافر آلات التصوير، بل وأجهزة هواتف الجوال التي يمكن التصوير بها لدى كلِّ الناس، أو أغلبهم والسواد الأعظم منهم.
منهجية البحث:
وبيانها في الآتي:
1- قمت بتصوير المسألة المراد بحثها قبل بيان حكمها، بقدر ما يبين المقصود من دراستها.
2- قمت بتحرير محلِّ النزاع في المسألة، إذا كان بعض صورها محلَّ خلافٍ، وبعضها محلَّ وفاق.
3- اتَّبعتُ المنهج المعروف في دراسة المسائل الفقهية، المتمثِّل بذكر الأقوال في المسألة، وذكر أدلَّة كلِّ قولٍ، مع المناقشة والترجيح، والتوثيق من المصادر الأصلية.
4- قمت بتفسير ما ورد في البحث من الكلمات والألفاظ الغريبة، معتمداً في ذلك على غريب القرآن والحديث، والمعاجم والقواميس اللُّغوية.
5- حاولت -جهدي- التزام الموضوعية والحياد المتَّبَع في منهج البحوث العلمية، بشقيه: المتعلَّق بذات البحث، والمتعلَّق بذات الباحث، فتجنَّبْتُ الاستطراد خارج حدود موضوع البحث، وحصرتُ الجهد في مسائل وجزئيات الموضوع ذاته.
وألزمتُ نفسي حيادية الباحث في بحثه مسائل وجزئيات الموضوع، وعدم التعصَّب لقولٍ معينٍ، أو ضدَّه، متحرِّياً ما يؤيِّده الدليل.
6- ختمتُ البحث ببيان أهمِّ ما توصلتُ إليه من النتائج في «أحكام التصوير في الحدِّ والتعزير».
7- قمتُ بعزو الآيات القرآنية، بذكر اسم السورة، ورقم الآية في الهامش.
8- خرَّجتُ الأحاديث النبوية من مصادرها الأصلية، مع بيان ما ذكره أهل الشأن في درجتها، إن لم تكن في الصحيحين، أو أحدهما، وما كان فيهما، أو في أحدهما: فإني اكتفيتُ بذلك عن غيرهما.
خطَّة البحث:
في مفهوم التصوير والحدِّ والتعزير، وبيان مشروعية العقوبات، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: تعريف التصوير لغةً واصطلاحاً.
المطلي الثاني: تعريف الحدِّ لغةً واصطلاحاً.
المطلب الثالث:تعريف التعزير لغةً واصطلاحًا.
المطلب الرابع:الحكمة من مشروعية العقوبات.
المبحث الأول: تصوير المحدود عند إقامة الحدِّ بدون إذن الحاكم، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ بقصد الفرجة والتسلية.
المطلب الثاني: تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ بقصد الشماتة بالمحدود.
المبحث الثاني: تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ بأمر الحاكم، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ بقصد اتعاظ الآخرين.
المطلب الثاني: تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ زيادةً في عقوبة التعزير.
المبحث الثالث: تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ لأجل التوثيق في الجهات الرسمية.
المبحث الرابع: حكم التصوير عند تنفيذ التعزير، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التصوير حال تنفيذ التعزير بغير إذن الحاكم.
المطلب الثاني: التصوير حال تنفيذ التعزير بأمر الحاكم، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: كون عقوبة التعزير بالتصوير دون غيره.
المسألة الثانية: إضافة التعزير بالتصوير إلى عقوبةٍ تعزيريةٍ أخرى.
الخاتمة: وتتضمَّن بيان أهمِّ النتائج التي توصلتُ إليها في بحث هذه المسألة.
التمهيد: في مفهوم التصوير والحد والتعزير، وبيان مشروعية العقوبات،
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: تعريف التصوير لغةً واصطلاحاً.
المطلب الثاني: تعريف الحدّ لغةً واصطلاحاً.
المطلب الثالث: تعريف التعزير لغةً واصطلاحًا.
المطلب الرابع: الحكمة من مشروعية الحدِّ والتعزير.
المطلب الأول: تعريف التصوير لغةً واصطلاحاً.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريف التصوير في اللُّغة.
الصاد والواو والراء: كلماتٌ كثيرةٌ متباينة الأصول(2).
والتصوير في اللُّغة: التخطيط والتشكيل، صوَّر يصوِّر، تصويراً، فهو مصوِّرٌ، والمفعول مُصَوَّرٌ، أي: جعل له شكلاً وصورةً مجسَّمةً، أو مسطَّحةً، أو بآلة تصويرٍ(3).
المسألة الثانية: تعريف التصوير في الاصطلاح.
عُرِّف التصوير اليدوي: بأنه فنُّ تمثيل المخلوقات، والمصنوعات، بصورةٍ مجسَّمةٍ، أو نقشها بالألوان على سطوح الورق، أو الجدران(4).
وعرِّف التصوير الآلي بأنه: نقل صور الأشياء بانبعاث أشعةٍ ضوئيةٍ من الأشياء التي تسقط على عدسةٍ مثبَّتةٍ في جزأيْ آلة التصوير الأمامي، ثمَّ إلى شريطٍ أو زجاجٍ حسَّاسٍ في جزئها الخلفي، فتطبع عليه الصورة بتأثير الضوء فيه تأثيراً كيميائياً، وقد يكون ثابتاً، وهو ما يعرف بالتصوير الفوتوغرافي، وقد يكون متحرِّكاً، وهو ما يعرف بالتصوير السينمائي، أو الفيديو، والمراد به:التصوير الذي ينقل الصوت والصورة المتحرِّكة بكلِّ ما تضمنته هذه الفترة من أحداثٍ ووقائع بعد زمنٍ ماضٍ من وقوع الحدث، وقد يكون التصوير الآلي مباشراً، وهو الذي ينقل الصوت والصورة، وما صاحبهما في وقت الحدث نفسه، بطريق الدفع الكهربائي، ونتيجةَ تأثير الضوء المنعكس من الجسم المراد تصويره على لوح الميغا، والمغطَّى بعددٍ هائل من الحبيبات الدقيقة المصنوعة من مادةٍ حسّاسةٍ للضوء، وهذا النوع من التصويريحوّل الصورة مباشرةً إلى إشاراتٍ إلكترونية، ثم إلى موجاتٍ كهرومغناطيسية، ترسَل عن طريق هوائي الإرسال؛ لتستقبلها هوائيات الاستقبال لأجهزة التلفاز، ضمن المدى الذي يمكن أن تصل إليه(5).
المطلب الثاني: تعريف الحدود لغةً واصطلاحًا.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريف الحدود في اللغة:
«الحدود»: جمع حدٍّ، ويطلق الحدُّ في اللُّغة على المنع والفصل بين شيئين حسيين، أو معنويين، يقال: هذا حدُّ الأرض، وحدُّ الملك، وفلانٌ محدودٌ: إذا كان ممنوعاً، ويقال للبواب حدَّاد؛ لمنعه الناس من الدخول، وسمِّيَ الحديد حديداً لامتناعه وصلابته وشدَّته، ويطلق على طرف الشيء ومنتهاه، كحدِّ السنان والسيف ونحوه(6).
وتطلق الحدود في كتاب الله تعالى على المحرَّمات، وعلى الواجبات، فمن إطلاقها على المحرمات-في باب ما يحرم على الصائم- قول الله سبحانه وتعالى:﴿تِلْكَحُدُودُاللَّهِفَلاَتَقْرَبُوهَا﴾(7) والمراد بحدود الله هنا: المحرَّمات التي نهى الله عباده عنها أثناء الصيام، فهذه المحرمات حدَّها لهم، ونهاهم عن قربانها في أوقات الصيام(8).
ومن إطلاقها علىالواجبات قوله تعالى في باب مايجب على المطلَّقات:﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ﴾(9)حدود الله:كلُّ ما منع الشرع من المجاوزة عنه.
ومعنى الآية الكريمة: تلك أحكام الله التي شرعها وأحلَّها لكم،فلا تتعدَّوا ما أحلَّ لكم من الأمور التي بينها وفصَّلها لكم من الحلال، إلى ما حرَّم عليكم، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته، فمن طلَّق على غير هذا فقد ظلم نفسه، وتعدَّى حدود ربه(10).
المسألة الثانية: تعريف الحدود في الاصطلاح:
والحدُّ في اصطلاح الفقهاء:«عقوبةٌ مقدرةٌ شرعاً في معصية؛ لتمنع من الوقوع في مثلها، وتكفِّرَ ذنب صاحبها»(11).
فخرج بقيد «العقوبة المقدرة»:العقوبة غير المقدَّرة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «واضربوهمعليها لعشر»(12)، ففي هذا الحديث لم يحدِّد هذا الضرب بعددٍ معين، والقاعدة: أنَّ العقوبة إذا لم تكن مقدَّرةً فهي تعزيرٌ وليست حدًّا(13).
وخرج بقيد «المقدَّرة شرعاً»: العقوبة التي يقدِّرها القاضي اجتهاداً، فإذا قال القاضي: حكمتُ على فلانٍبخمسين جلدةً، فليس هذا حداً؛ لأنَّ قائلها هو القاضي، وليس الشارع(14).
وقوله: «في معصية»هذا بيان للواقع؛ أي: أنَّتلك العقوبات إنما تكون على معاصٍ، وليس هناك عقوبةٌفي شرع الله على غير معصية(15).
وسميّت هذه العقوبات حدودًا؛ لأنها تحُدُّ، أي: تمنع من إتيان ما جُعلت عقوبات فيها(16).
المطلب الثالث: تعريف التعزير لغةً واصطلاحاً.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريف التعزير في اللغة:
التعزير لغة: مصدر عزَّر من العزر، وهو الردُّ والمنع، ويقال: عزَّر أخاه بمعنى: نصره؛ لأنه منع عدوه من أن يؤذيه، ويقال: عزَّرته بمعنى: وقَّرْتُه، وأيضًا: أدَّبته، فهو من أسماء الأضداد. وسميت العقوبة تعزيرًا؛ لأنَّ من شأنها أن تدفع الجاني وتردُّه عن ارتكاب الجرائم، أو العودة إليها(17).
المسألة الثانية: تعريف التعزير في الاصطلاح:
التعزير في المصطلح الفقهي: هو عقوبةٌ غير مقدرةٍ شرعاً، حسيّةً كانت أو معنويةً، تجب حقًّا لله، أو لآدمي، في كلِّ معصيةٍ ليس فيها حدٌّ ولا كفارة غالباً(18).
المطلب الرابع: الحكمة من مشروعية العقوبات
ليس المقصود من الحدودوالتعزيراتمجرَّد العقوبة والآلام الحسية أو المعنوية التي تكرهها النفس بطبعها البشري، بل لها حِكمٌ عظيمةٌ، وغاياتٌ سامية، من أجلِّها وأعظمها أمورٌ ثلاثة:
أولها: أنها تمنع منقد وقع فيها أولَ مرَّةٍ أن يفعلها هو أو غيره مرةً ثانية، وهي بهذا الاعتبار زواجر تمنع الناس من الوقوع والتلبس بأيٍّ من الجرائم المعاقب على ارتكابها بحدٍّ أو تعزير، والدليل على ذلك: أنَّ اللهتعالى أمر أن تقام الحدود علانيةً، لا خفيةً، وأمر أن يشهدها طائفة من المؤمنين اتعاظاً واعتباراً، فإذا أقيمت هذه الحدود أحيت قلوب الناس، وانزجروا، فقلَّ أن يقتل شخصٌ غيره عمدًا عدوانًا إذا عاين وقوع حدِّ القصاص على القاتل، أو يطلق لسانه راجماً لمحصنٍ،متى رأى تألُّم القاذف بالجلد حسًّا ومعنًى، واستعاذ بالله: أن يقع فيما وقع فيه المرجوم، وإذا رأت عيناه تألَّمَ الزاني الذي يقام عليه حدُّ الجلد؛ فإنه يتألَّم لذلك، وينكفُّ وينزجر، فهي -بهذا الاعتبار- زواجر وروادع تمنع وتزجر، وكذلك الأمر في التعزيرات(19).
وثانيها: أنها تحقِّقُ الحفاظ على الضروريات الخمس(20)، التي جاءت الشرائع السماوية بالحفاظ عليها، وترسِّخ الأمن والاستقرار في المجتمع، وهذا منبثقٌ عن زجر العصاة بتطبيق الحدود عليهم(21).
وثالثها:أنها تكفير لذنب صاحبها وتطهيرٌ له، لما يأتي من الأدلَّة:
الدليل الأول:حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنهمرفوعاً في البيعة، وفيه: «ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارته»(22).
الدليل الثاني:حديث خزيمة بن ثابترضي الله عنه مرفوعاً أنه صلى الله عليه وسلم قال:«من أصاب حداً أقيم عليه ذلك الحدُّ، فهو كفارة ذنبه»(23).
الدليل الثالث:أنه لماَّ أقام الحدَّ على الغامدية التي زنت قال صلى الله عليه وسلم: «لقد تابت توبةً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وَجَدْتَ أفضل من أن جادت بنفسها لله عزّ وجل؟!»(24).
الدليل الرابع: قولهصلى الله عليه وسلمعن ماعز بن مالكٍ الأسلمي: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَيْنَ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ»(25).
الدليل الخامس:أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بين في خطبته أنَّ من أقيم عليه الحدُّ فهو كفارة له، ومن لم يقم عليه الحدُّ، ومات ولم يتب من ذنبه فهو إلى مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبه بعدله، وإن شاء غفر له بفضله. فهذا يدلُّ على أنَّ الحدَّ يكفِّر الذنب، وإجماع العلماء قائمٌ على أنَّ الله لا يجمع عليه بين عقوبة الدنيا والآخرة(26).
فالمتأمِّل -بإنصافٍ- في تشريع الحدود، وما يترتب على تطبيقها في المجتمعات الإسلامية من المحاسن العائدة على البلاد التي تقوم بتنفيذها: يدرك بأنّ الممتثلين لأمر الله تعالى في تطبيق الحدود الشرعية يعيشون في سعادةٍ وأمنٍ على الحرث والنسل، وفي رغدٍ من العيش، على عكس ما تعيشه كثيرٌ من البلدان المتمرِّدة على الله عز وجل وعلى شرعه الحكيم من القلق، ومخاوف ارتكاب الجرائم المتتالية والمتنوعة بين الفينة والأخرى، كلُّ ذلك حاصلٌ بسبب بعدهم عن الله وشرعه المطهَّر، ووالله ما اختلَّ ميزان الأمن، ولا انتهكت الحرمات -علناً- إلاَّ في البلدان التي لا تأبه بشرع الله الحكيم، ولا تطبِّق حدوده التي أمر بها، ولو استجابوا لأمر خالقهم لعاد عليهم ذلك بالأمن والإيمان، ورغد العيش لو كانوا يعلمون؛ لأنَّ الخالق، والرازق، والمحيي والمميت هو العليم بما يصلح الخلق وما يفسدهم، وما ينفعهم وما يضرُّهم، فشرع كلَّ عقوبةٍبما يناسب جريمتها، وعلى أساس محاربة الدوافع الغريزية التي تدفع إليها كل جريمة، فهي لم توضع اعتباطاً، وإنما وضعت على أساس طبيعة الإنسان وفهمٍ لنفسيته وعقله، فشرعها الخالق دواءً للنفس البشرية الأمّارة بالسوء، ولا يعلم بدوائها على الوجه القطعيِّ إلا خالقها؛ ولهذا كانت العقوبة في الشريعة الإسلامية قائمةً على واقعيةٍ علميةٍ فنيةٍ تامَّةِ الضبط والإحكام،ومما لا شك فيه أنَّ العقوبة التي تقوم على أساس العلم بالطبيعة البشرية، وفهم نفسية المجرم هي العقوبة التي يكتب لها النجاح بإذن الله تعالى؛ لأنها تحارب الإجرام في نفس الفرد وداخله، قبل أن تحاربه في حسِّه وظاهره، الأمر الذي يجعل الشخص يبتعد حتى عن مجرد التفكير في اقتراف المنكر.﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾(27).
المبحث الأول: تصوير المحدود من غير إذن الحاكم
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ بقصد الفرجة والتسلية.
المطلب الثاني: تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ بقصد الشماتة بالمحدود.
المطلب الأول: تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ بقصد الفرجة والتسلية.
قد يحكم على المرء بعقوبة الحدِّ بسبب زنا، أو قتلٍ، أو قذفٍ، أو سرقةٍ، فما حكم تصوير المحدود عند إقامة الحدِّ عليه بجلدٍ، أو قتلٍ، أو قطع يدٍ أو رجلٍ في حدِّ السرقة؟
بالنظر في أدلَّة الشريعة ومقاصدها العامَّة يظهر لي: أنه يحرم تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ عليه، متى كان تصويره بقصد الفرجة والتسلِّي، وحبِّ تكرار مطالعة المشهد، وإطلاع الآخرين عليه؛ وذلك لما يأتي من الأدلَّة:
الدليل الأول: أنَّ التصوير محرَّمٌ في شرع الله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم»(28)، ولا يباح إلاَّ لضرورةٍ، أو حاجةٍ ماسة، أو مصلحةٍ عامَّةٍ، تفوق مفسدة التصوير، وليس ثمَّة ضرورةٌ ولا حاجةٌ، ولا مصلحةٌ شرعية في هذه الحال من التصوير.
فإن قيل: التصوير المحرَّم هو ما له ظلٌّ، أو كان نقشاً باليد، أمَّا التصوير الآلي-الثابت منها والمتحرِّك- فلا يدخل في التحريم؛ لأنه نقل لخلق اللهتعالى ليس إلاَّ، فهذا النوع من التصوير جائز، قياساً على صورة الإنسان في الماء والمرآة ونحوهما من الأجسام الصقيلة.
فالجواب: من وجهين:
الوجه الأول: أنَّ التصوير الآلي هو مجرَّد تطورٍ لمهنة التصوير، كما تطورت سائر المهن، فكما أنَّ الثوب- مثلاً- كان ينسج ويخاط باليد، ثمَّ تطورت صناعته بالآلات، فكذلك مهنة التصوير، التي كانت تتمُّ بالطريقة اليدوية، فتطورت حتى أضحت تصنَّع بالآلات بدلاً عن اليد.
الوجه الثاني: أنَّ قياس التصوير على الماء والمرآة ونحوهما قياسٌ مع الفارق، ولا يصحُّ القياس إلاَّ إذا اتفق الفرع والأصل في العلَّة، والفارق هنا: أنَّ الصورة التي على المرآة ونحوها لا تظهر إلاَّ إذا كان الشاخص أمامها، فإذا زال الشاخص زالت الصورة، بينما الصورة الآلية تبقى دائماً، حتى بعد موت صاحبها، فهذا فارقٌ واضحٌ بين الفرع المقيس والأصل المقاس عليه، والقياس مع الفارق فاسد الاعتبار؛ لأنَّ العلَّة إذا اختلفت لزم فساد القياس؛ لعدم الاتحاد في العلَّة بين القياسين(29).
الدليل الثاني: أنَّ تصوير المحدود بدون أمر الحاكم تشهير به، فيكون عقوبةً زائدةً على الحدِّ الشرعي، والزيادة على الحدِّ الشرعي محرَّمةٌ بقول اللهتعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾(30)أي: لا تتجاوزوها إلى ما لم يأمركم به، ومن تجاوزها فهو ظالم لنفسه ولغيره(31).
فالحدود عقوبةٌ مقدَّرةٌ شرعاً بحدٍّ محدود، لا تجوز الزيادة عليها، ولا النقص منها، سواءً كان الحدُّ جلداً، أو قصاصاً، أو قطعاً؛ لأنَّ الله تعالى لماَّ بين في كتابه الكريم حدوده التي أمربامتثالها، قال: فلا تعتدوها، وبين حدوده التي نهى عن قربانها، فقال بشأنها: ﴿تِلْكَحُدُودُاللَّهِفَلاَتَقْرَبُوهَا﴾(32)فقسَّم عز وجل الحدود قسمين، منها حدود الأمر بالامتثال، وحدود النهيبالاجتناب، ثم أخبر- تعالى- فقال:﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾(33).
الدليل الثالث: أنَّ تصوير المحدود دون أمر الحاكم، أو مصلحةٍ تقتضيه قد يكون وسيلةً إلى الخصومات، والبغض والكراهية، بل ربما أفضى إلى التضارب والتقاتل بين المحدود وأقاربه من جهة، وبين القائمين بتصويره من جهةٍ أخرى، سيما إن كان الحدُّ الذي صُوِّرَ فيه المحدود بسبب الزنا، أو السرقة، أو نحوهما من الجرائم الأخلاقية، التي يستعيبها الناس، ويستقبحون من تصدر منه، ويترتب عليها بغض من صدرت منه، وعزله عن المجتمع في كثيرٍ من شؤون الحياة. والله تعالى أعلم.
المطلب الثاني: تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ بقصد الشماتة بالمحدود
الشماتة في اللُّغة: الفرح بما ينزل بالعدوِّ من المصائب، والشماتة والحسد متلازمان(34)؛ لأنَّ الحسود يفرح بمصائب المحسود(35). ولا يخرج تعريفها الاصطلاحي عن تعريفها اللُّغوي(36).
وعليه: يمكن أن يقال: إنَّ تعريف الشماتة في الاصطلاح: "فَرح عدوك بالمصيبة التي نزلت بك، وفرحك بالمصيبة التي نزلت بعدوك"(37).
وأما حكم تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ عليه، بقصد الشماتة والسخرية به: فقد اتفق جماهير أهل العلم على تحريم الشماتة بكل صورها وأشكالها، ولا يعلم لهم مخالف(38) وذلك للأدلة النقلية والعقلية التالية:
الدليل الأول: أنَّ الشماتة بالغير خُلُق الكافرين والمنافقين، الذين قال الله فيهم: ﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾(39)،وعليه فلا يجوز لمسلمٍ التخلُّق بأخلاق الكافرين مطلقاً.
الدليل الثاني:قول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍعَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾(40).
وجه الدلالة: أنَّ الله جل جلالهنهانا عن السخريةمن بعضنا بعضاً، مخاطباًلنا بوصف الإيمان؛ ليكونذلك أدعى لاستجابتنا لأمر ربنا،وتصوير المحدود-حال ضعفه وذلَّته- من أعظم أنواع الشماتة المفضية إلى الاستهزاء والسخرية به في محيطه ومجتمعه، بل لدى كلِّ من شاهد صوره حال إقامة الحدِّ عليه، وربما شوهدت تلك المناظر عن طريق وسائل التقنية الحديثة على نطاقٍ واسع، وهذا ما يزيد الأمر تعقيداً، والحكم تحريماً(41).
الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تُظهِر الشَّماتَةَ بأَخيكَ فيَرحَمه اللهُ ويَبتليكَ»(42).
وجه الدلالة: النهي الصريح عن إظهار الشماتة بالأخ الذي تجمعك به رابطة الدِّين القويم؛ لأنَّ هذه الأخوة مقام إحسانٍ ونفع، لا مقام جنايةٍ وإساءةٍ وإيذاءٍ بشماتةٍ أو غيرها من أنواع الإساءات، وتصوير المحدود في الحال المكروهة لدى كلِّ عاقلٍ من أعظم أنواع السخرية والشماتة والأذى(43).
الدليل الرابع: أنَّ سخرية الساخر وشماتته بغيره وسيلة إلى وقوع الساخر والشامت فيما وقع فيه المشموت به والمسخور منه؛ لأنَّ قاعدة الشريعة: (أنَّ الجزاء من جنس العمل في الخير والشر)(44) فمن أقال نادمًا أقال الله عثرته يوم القيامة، ومن ضارَّ مسلمًا ضارَّ الله به، ونصوص الشريعة متواترة في الدلالة على هذه القاعدة من القرآن والسنَّة، فليعلم الشامتون بغيرهم أنَّ الأيام دولٌ، كما قال الله تعالى:﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾(45) فربَّ ساخرٍ اليوم يكون مسخوراً به في الغد، ورب مفضولٍ اليوم يكون فاضلاً في الغد، وهذا شيء مجرَّب، وصدق الشاعر إذْ يقول:
إذا مَا الدَّهْر جرَّ على أنَاسٍ *** شراشره أَنَاخَ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا *** سيلقى الشامتون كما لقينا(46)
الدليل الخامس: أنه يلزم من الشماتة والسخرية بمن ابتلي بإقامة الحدِّ عليه: السخرية بقضاء الله تعالى وقدره، وهذا فعلٌ محرَّمٌ، وإيذاءٌ لمقدِّر الأقدار على الخلائق. وإلى هذا المعنى يشير قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الدهر، فإنَّ الله هو الدهر»(47)وقول الله عز وجلفي الحديث القدسي: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»(48).
فإنَّ الميزان بيد الله، والحكم لله، فالسوط الذي ضرب به هذا العاصي بقدر الله وحكمته، قد يضرب به الشامت غداً بقدر الله أيضًا، والقصد إقامة الحدِّ لا الشماتةوالتعيير والتثريب، ولا يأمن كرات القدر وسطوته إلاَّ أهل الجهل بالله، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به، وأقربهم إليه وسيلةً:﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَلَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً﴾(49)، وقال يوسف الصدِّيقصلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾(50)، وقال النبيُّصلى الله عليه وسلم: «إذا زنت أمة أحدكم فليقم عليها الحدَّ ولا يثرِّبْ»(51)، أي: لا يعير، مأخوذٌ من قول الله تعالى عن يوسفصلى الله عليه وسلملإخوته:﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْم يَغْفِرُ اللهُ لكَمْ وهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾(52).
ومفاد هذه النصوص: أنه يجب على الإنسان أن يتأدب بما أدبه الله به، فلا يسخر من غيره(53).
المبحث الثاني: تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ بأمر الحاكم،
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أمر الحاكم بتصوير المحدود لأجل اتعاظ الآخرين.
المطلب الثاني: أمر الحاكم بتصوير المحدود زيادةً على الحدِّ تعزيراً.
المطلب الأول: أمر الحاكم بتصوير المحدود لأجل اتعاظ الآخرين
صورة المسألة: أن يجتهد القاضي بإصدار أمرٍ بتصوير المحدود؛ بناءً على غلبة ظنِّه أنَّ في ذلك عظةً وزجراً للآخرين، وإن كان المحدود لا يستحقُّ التشهير بعقوبة التصوير؛ لعدم وجود سببها في جنايته.
فالذي يظهر: أنَّ تصوير المحدود لأجل زجر واتعاظ الآخرين أمرٌ محرَّم، ولو كان باجتهادِ وأمرِ القاضي؛ لما يأتي من الأدلَّة:
الدليل الأول: ما سبق ذكره من الأدلَّة في المطلبين الأول، والثاني من المبحث الأول.
الدليل الثاني: أنَّ فتح مجال تصوير من يقام عليه الحدِّ لكلِّ من هبَّ ودرج زيادةٌ على الحدِّ الشرعيِّ الذي أمر الله به، وقد تقدَّم في المطلب الأول من المبحث الأول: أنَّ الزيادة على الحدِّ من الظلم الذي نهى الله عنه بقوله: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(54) أي: ومن يخالف أمر الله إلى غيره فأولئك هم الظالمون(55).
وجه الدلالة من هذه الآية وأمثالها: أنَّ الظالم اسم ذمٍّ وتحقير. فوقوع هذا الاسم عليه يكون جارياً مجرى الوعيد على تعدِّي الحدود التي حدَّها الله تعالى، وهذا يفيد تحريم تصوير المحدود عند إقامة الحدِّ عليه بقصد اتعاظ الآخرين؛ لأنَّ إقامة الحدِّ المقدَّر شرعاً كفى به واعظاً. واجتهاد القاضي -في هذه الحال- اجتهادٌ في غير محلِّه، ولا يظهر من ورائه مصلحة معتبرة(56).
الدليل الثالث: أنَّ تصوير المحدود يفتح هذا الباب أمام القاصي والداني، خصوصاً في عصر انتشار آلات التصوير لدى أغلب من يحملون جهاز الجوال، وهذا يفضي إلى توسيع دائرة التشهير بالمحدود، فمفسدة التصوير-في هذه الحال- بالغة متعدِّية الضرر إلى كلِّ من له صلةُ قرابةٍ بالمحدود؛ لأنَّ المحدود لا يرضى هو ولا عشيرته أن ينقل مشهد تنفيذ الحدِّ عليه بالصور التي تنقل الواقع وما صاحبه من الأصوات، والحركات، والأحداث المكروهة لدى المحدود وأهله بكلِّ دقَّةٍ؛ لأنَّ الناس يعدُّون هذا المظهر من أعظم العار على المحدود وعشيرته، بل وقبيلته بأكملها، كلَّما نسي الناس الذين شهدوا تنفيذ حدِّه ذُكِّروا بمشاهدة الصور المحفوظة لدى من قاموا بالتصوير، وغالب الظنِّ أنَّ المحدود وأهله سيحملون في أنفسهم حقدًا وبغضًا على من قام بتصوير المشهد المذكور، ربما حملهم على الانتقام من المصور، والناشر لها، وهذه مفسدة، ودفع المفسدة مقدَّمٌ جلب المصلحة.
فإن قيل: إن الله سبحانه وتعالى حدّه الزنا بقوله: ﴿وَلْيَشْهَدْعَذَابَهُمَاطَائِفَةٌمِّنَالْمُؤْمِنِينَ﴾، وتصوير المحدود نوعٌ من إشهار حدِّه وشهوده، فيكون بهذا داخلاً ضمن المأمور به في الآية الكريمة(58).
فيجاب: بأنه لا ريب أنَّ في الاطلاع على تنفيذ الحدِّ الشرعي من قبل الطوائف التي لم تحضر تنفيذ الحدِّ عظةً وعبرةً بالغةً، فكم من متهورٍ، أو مجاهرٍ بالمعاصي إذا رأى كيفية تطبيق الحدود الشرعية ارتعدت فرائصه، وأوقعت في صميم نفسه الأمَّارة بالسوء هيبة الدولة المسلمة، فهذه مصلحةٌ ظاهرة، ولكنَّ تصوير المحدود مفسدةٌ أكبر من مصلحة تصويره؛ نظرًا لما يفضي إليه التصوير المذكور من الحقد والكراهة بين أفراد المجتمع المسلم، الذي قد يكون سبباً إلى التقاتل وتمزيق أفراد الأمَّة. والله تعالى أعلم.
المطلب الثاني: أمر الحاكم بتصوير المحدود زيادةً على الحدِّ تعزيرًا
لا ريب أنَّ تصوير من وجب عليه حدٌّ حال إقامته عليه يعدُّ -والحال ما ذكر- عقوبةً زائدةً على الحدِّ الشرعي، وهو من باب التعزير، فهل يجوز للقاضي أن يأمر بعقوبةٍ زائدةٍ على المقرَّر شرعاً، من حبسٍ، أو توبيخٍ، أو تصويرٍ، أو تغريمٍ بمال...؟ نظراً لعظم جناية الجاني، أو شناعتها، أو مكره بالمجني عليه مكراً كبارًا، وما شابه ذلك.
الذي يظهر من مبادئ الشريعة ومقاصدها العامَّة: أنه يجوز للقاضيالذي يعلم شرع الله عز وجل بقواعده، وأصوله، ويحكم به أن يحكم على من وجب عليه حدٌّ شرعيٌ بعقوبةٍ زائدةٍ على الحدِّ تعزيراً، طالما وجد القاضي مسوغاً لذلك، وغلب على ظنِّه، أو تيقَّنَ أنَّ المصلحة العامَّة تقتضيه، لاعتباراتٍ شرعيةٍ، وعقلية، فلا مانع من زيادة التنكيل به وفضحه، والتشهير به بين الناس بأيِّ وسيلةٍ من وسائل التشهير؛ ليعرف ويشتهر أمره؛ كي يحذره الناس، ويرتدع غيره ممن قد يفكر أن يفعل مثل فعلة هذا الجاني الماكر.
والفرق بين اجتهاد القاضي في هذا المطلب والذي قبله في أمره بتصوير المحدود: أنَّ اجتهاده بتصوير المحدود لأجل اتعاظ الآخرين اجتهادٌ خاطئ، في مقابلة النصوص التي نهت عن الزيادة على الحدِّ الشرعيِّ بدون سبب، وبدون سببٍ من الجاني يقتضي الزيادة ويسوغها، وأمَّا أمره بتصوير المحدود في هذا المطلب فله مسوغٌ شرعيٌ، وهو عظم جناية الجاني، فاستحقَّ التعزير بتصويره مقابل عظم جنايته.
ومتى وجد المسوغ للزيادة على الحدِّ تعزيراً هو ما يكاد يتفق رأي الفقهاء عليه في المذاهب الفقهية المعتمدة(59).
قال في منح الجليل شرح مختصر خليل(60): «(وإن زاد) الضرب (على الحدِّ) الشرعي عند الإمام مالك وابن القاسمرضي الله تعالى عنهما وهو المشهور... وفي صحة الزيادة على الحدِّ باجتهاد الإمام؛ لعظم جرم الجاني ومنعها قولان للمشهور وغيره؛ لنقل الشيخ رواية مطرِّف: من أخذ سكران في الأسواق، وقد آذى الناس برميٍ، أو سيفٍ أرى أن يزاد في عقوبته، فيبلغ به مع الحدِّ نحو الخمسين والمائة والمائتين».
وقال في الإنصاف(61): «وإن كان فيها حدٌّ: فقد يعزَّر معه، وقد تقدم بعض ذلك في مسائل متفرقة. منها: الزيادة على الحدِّ إذا شرب الخمر في رمضان. قال الزركشي: ولا يشرع التعزير فيما فيه حدٌّ إلاَّ على ما قاله أبو العباس بن تيمية رحمه اللهفي شارب الخمر؛ يعني: في جواز قتله، وفيما إذا أتى حدًّا في الحرم؛ فإنَّ بعض الأصحاب قال: يغلَّظ. وهو نظير تغليظ الدية بالقتل في ذلك».
وعلى ذلك يمكن الاستدلال على جواز تصوير المحدود-حال إقامة الحدِّ عليه- بالأدلَّة التالية:
الدليل الأول: أنَّ من مقاصد الشريعة زجر المجرمين، وقطع دابر الجريمة، بجميع أشكالها وصورها بكلِّ وسيلةٍ مباحةٍ، يغلب على الظنِّ تحقيقها لذلك المقصد؛ ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى أن يشهد حدَّ الزاني طائفةٌ من المؤمنين؛ فإنَّمقصودها الأكبر الإغلاظ على الزناة، والتوبيخ بحضرة الناس؛ ليتَّعظ بذلك الشاهد والمشهود، ويزدجروا لأجله، ويشيع حديث المحدود، فيعتبر به مَنْ بعدَه(62)، وزيادة التصوير على حضور الطائفة لمن عظمت جريمته، أو مكره هي من وسائل زيادة التنكيل به، وإشهاره لعموم الناس؛ كي يتقوا شرَّه، ويحذروا مكره، وهذا يحقِّق مصلحةَ الردع للجاني المذكور، ومصلحةَ اتقائه والحذر منه لعموم الناس.
الدليل الثاني: أنَّ قاعدة الشريعة (الجزاء من جنس العمل)(63) فكلَّما ازداد عِظَمُ الجريمة ازدادت عقوبتها، وهذا هو مقتضى عدل اللهعز وجل أن يزاد في عقوبته على الحدِّ الشرعي تعزيراً له؛ وردعاً لغيره، وأخذاً لحقِّ المجنيِّ عليه بما يناسب جريمة الجاني، وهو ما سار عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلموفهموه من هذه القاعدة؛ ومن هذا القبيل: (ضرب عمر رضي الله عنهلشارب الخمر ثمانين سوطاً، زيادةً على ما كان عليه الأمر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنهمن ضرب الشاربأربعين)(64)كما (ضرب عمر-أيضًا- من نقش على خاتمه مائةً)(وضرب ضبيعاً أكثر من الحدِّ)(65) (وأُتِيَ عليٌرضي الله عنه برجلٍشرب الخمر في نهار رمضان، فجلده الحدَّ ثمانين، وعشرين سوطاً لفطره في رمضان)(66).
الدليل الثالث: أنَّ تصوير المحدود هي عقوبة تعزير، والأصل في مشروعية التعزير: أنه من باب السياسة الشرعية؛ التي شرعت لأجل استصلاح الخلق(67)، وهو بابٌ واسع جدَّاً، وعقوبته تختلف باختلاف جريمة الجاني، واختلاف المجنيِّ عليه زماناً ومكاناً، فليست عقوبة من يرتكب جريمة السرقة خفيةً كمن تلبَّس بزيِّ جنود الدولة؛ حيلةً على سرقة أموال الناس، ولا من زنى بامرأةٍ طواعيةً، كمن اغتصبها قهراً بتخطيطٍ وترتيبٍ مسبقٍ، ولا من أجرم في الأيام، أو الأماكن الفاضلة كمن أجرم في غيرها، فباب التعزير قد تصل عقوبته إلى القتل، وقد يُقتصر فيه على التوبيخ، أو الهجران لأيامٍ محدودة، وقد تكون العقوبة وسطاً بين ذلك، وكلُّ ذلك راجعٌ إلى تقدير أهل الحلِّ والعقد من القضاة، والعلماء ونحوهم، والله أعلم.
المبحث الثالث: تصوير المحدود لأجل التوثيق في الجهات الرسمية
المراد بهذا المبحث: بيان حكم تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ عليه وتنفيذه، سواء كان التصوير ثابتاً، وهو المعروف بالفوتوغرافي، أو متحرِّكاً، وهو ما يعرف بالتصوير السينمائي، يعني: الذي ينقل الصوت والحركة في أثناء الحدث.
وصورة المسألة: أن تقوم الحاجة لدى أيِّ جهةٍ من الجهات الرسمية في الدولة إلى تصوير من يقام عليه الحدُّ الشرعي، إمَّا لغرض توثيق إقامة الحدِّ، وعرضه على من له المطالبة به شرعاً، ممن لا يستطيع شهود تنفيذه؛ بسبب مرضٍ، أو سجنٍ، أو سفرٍ بعيدٍ، أو غير ذلك من الأسباب؛ كي يتيقنَّ صاحب الحقِّ -عن طريق تصوير المحدود- من إقامة الحدِّ على خصمه، واطمئنان نفسه وشفاء غليله.
وإمِّا أن تقوم الحاجة إلى تصوير المحدود: لغرض تبرير موت المحدود، أو تدهور حالته الصحيَّة أمام ما يعرف الآن بالهيئات، ومنظَّمات حقوق الإنسان، والقوانين العالمية، بحيث يبرِّرون أمام تلك الجهات أنَّ موته، أو تضرُّره لم يكن بسبب تنفيذ الحدِّ عليه لو فرضناه جلداً، أو قطعاً؛ فإنه يثبت من خلال الصورة المتحرِّكة (السينمائية) بأنَّ الجلد، أو القطع كان حسب الضوابط الشرعية، أو بإشرافٍ طبيٍّ، من قبل الجهات المختصَّة.
بعد بيان المراد بهذا المبحث، وبيان الأسباب الداعية لتصوير المحدود حال تنفيذ الحدِّ تدعو الحاجة إلى بيان حكم التصوير في الأحوال المذكورة في صورة المسألة، وما شابهها. فأقول:
رغم طول البحث والتفتيش لم أقف على كلامٍ لأحدٍ من المعاصرين حول هذه المسألة، ولا غيرها من مسائل الموضوع، والذي يظهر لي من مقاصد الشريعة ومبادئها: أنَّ تصوير تنفيذ الحدِّ على المحدود من قِبَلَ الجهات الرسمية لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يكون التصوير لأجل حاجة الجهات الرسمية إلى التوثيق، كالحاجة إلى توثيق إقامة الحدِّ، وعرضه على من يحقُّ له المطالبة به شرعاً، مثل حدِّ القذف، وحدِّ القطع، إذا كان المطالب به لا يستطيع شهود تنفيذه؛ بسبب مرضٍ، أو سجنٍ، أو سفرٍ بعيدٍ، أو غير ذلك من الأسباب المتقدِّم ذكرها آنفاً. والذي يظهر لي: أنَّ حكم التصوير في هذه الحال مستحبٌ؛ ويؤيِّد الحكم باستحبابه الدليلان الآتيان:
الدليل الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَة»(68) فالحديث يدلُّ صراحةً على أنَّ نقل الحدث عن طريق الإخبار ليس كمعاينته في توطين تصديقه في النفس والاطمئنان، فالمشاهدة المباشرة، أو عن طريق الصورة أبلغ وأعظم من الإخبار به(69).
الدليل الثاني: أنَّ مشاهدة صاحب الحقِّ تنفيذ الحدِّ على المحدود عن طريق التصوير يدخل السرور، ويطفئ غضبه، ويزيل غيض قلبه، وحبَّ الانتقام منه؛ لأنَّ المجنيَّ عليه أو وليَّه لا يزال يشعر بالظلم ويفكِّر بالانتقام حتى يرى أنه فُعِلَ بالجاني كما فَعَلَ بالمجنيِّ عليه، ولا يمكن ذلك إلاَّ بالرؤية المباشرة، أو عن طريق التصوير الآلي، وأعظمها إيضاحاً المتحرِّك منها، وهو ما يسمَّى بتصوير الفيديو، أو السينمائي، أو المباشر؛ لأنه ينقل واقع الحدث بأصواته وحركاته، كما لو شاهده المرء حين التنفيذ مباشرةً، وينتج عن التصوير المذكور تيقن صاحب الحقِّ من إقامة الحدِّ على خصمه، واطمئنان نفسه وشفاء غليله، وهذه معانٍ زائدةٌ على فعل الواجب، الذي هو إقامة الحدِّ على الجاني، حتى ولو لم يشاهده المجنيُّ عليه، وإنما علم به عن طريق الإخبار، لكنَّ مشاهدته مباشرةً، أو طريق وسيلة التصوير أبلغ في التصديق، وأسرع في شفاء غليل المجنيِّ عليه، وإذهاب غيض قلبه، وهذا من مقاصد إقامة الحدود على الجناة، وهذه المعاني تندرج في حكم الاستحباب.
وبناءً على ذلك: يكون حكم تصوير تنفيذ الحدِّ -في هذه الحال- مستحباً؛ للأدلَّة المذكورة، والله تعالى أعلم.
الحال الثانية: أن يكون التصوير لأجل التوثيق من قِبَلِ الجهات الرسمية واجباً، ومن الأمثلة على ذلك: ما تقدَّمت الإشارة إليه قريباً بأنَّ الحاجة أو الضرورة قد تلجئ بعض الجهات الرسمية في الدولة إلى توثيق الكيفية التي تمَّ بها تنفيذ الحدِّ الشرعي؛ لأجل أن تثبت لجهاتٍ أخرى داخليةٍ، أو خارجيةٍ؛ كالهيئات، ومنظَّمات حقوق الإنسان العالمية، والقوانين الدولية: بأنَّ تنفيذ حدِّ القطع مثلاً، أو حدِّ الجلد لم يكن سبباً لموت المحدود، أو تدهور صحَّته؛ وأنَّ تنفيذ الحدود في شريعة الإسلام لا تتمَّ إلاَّ وفق الضوابط الشرعية، والطبية، وبإشرافٍ مباشرٍ من الجهات المعنية على إقامة الحدود الشرعية، فما حكم تصوير المحدود من قبل الجهة المعنية في الدولة؛ لأجل توثيق الكيفية التي تمَّ بها تنفيذ الحدِّ؟
الذي يظهر لي: أنه إذا خافت الجهة المعنية بإقامة الحدود أنها قد تواجه ضغوطاً من جهاتٍ، أو منظمات داخليةٍ، أو حصل غلبة ظنٍّ أن تواجه الدولة بأسرها تهديداتٍ أو ضغوطاً من دولٍ، أو منظَّماتٍ خارجيةٍ فإنَّ تصوير تنفيذ الحدِّ -في الحال المذكورة- يكون واجباً، لكن بشرط أن تكون صور المحدود تحت أيدٍ أمينةٍ، بحيث يحيطونها بسريِّةٍ كاملةٍ، ولا يطَّلع عليها إلاَّ من يعنيهم الأمر وقتَ الضرورة أو الحاجة إلى الاطلاع عليها فقط؛ حفاظاً على حقِّ المحدود وعشيرته من التشهير بهم، والإضرار بسمعتهم.
ويمكن أن يستدلَّ على جواز التصوير في الحال المذكورة بما يأتي:
الدليل الأول: أنَّ الجهة المعنية بتنفيذ الحدِّ الشرعي قد تخشى من رفع دعوى ضدَّها من قرابة المحدود، أو من الهيئات، ومنظَّمات حقوق الإنسان العالمية: بأنه توفي، أو تضرَّر بسبب التعدِّي، أو الإفراط الزائد على الحدِّ الشرعي، أو بسبب التفريط والإهمال في اختيار الحالة الصحية التيكان عليه المحدود عند إقامة الحدِّ، أو اختيار الآلة التي تمَّ بها تنفيذ الحدِّ، فإذا وجد هذا الخوف كان التصوير حاجةً ماسَّةً، وربما بلغ مبلغ الضرورة إذا توقف عليه فصل الخصام، وإزالة النزاع الذي قد يفضي إلى الإضرار بأحد الطرفين، أو بهما معاً. فيكون التصوير -في هذه الحال وأشباهها- واجباً، وقد يكون مستحباً، إن كان أقلَّ شأناً من الحال المذكورة، أو جائزاً إن كان أقلَّ شأناً من درجة الاستحباب، فهو يختلف باختلاف الواقعة، وما يحيط بها من الملابسات.
ويدلُّ لذلك دليلان:
الدليل الأول:قَوْل اللهتَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾(70) فهذه الآية الكريمة دالَّةٌ على نفي الحرج ورفعه أينما وجد في أيِّ زمانٍ، أو مكانٍ، فإذا كان ترك التصوير في هذه الحالة يؤدِّي إلى الحرج والمشقَّة، أو المضرَّة فإنِّ ذلك منفيٌ بهذه الآية وأشباهها، وما انبثق عنها من القواعد الفقهية، كقاعدة (الحاجة تنزَّل منزلة الضرورة، عامةً كانت أو خاصة)(71) وقاعدة (الضرورات تبيح المحضورات) وقاعدة (المشقّةُ تجلب التيسير)(72) وقاعدة (إذا ضاق الأمر اتسع)(73)ومن ثم جاز؛ بل وجب -على الأصح- أكل الميتة للمضطر.
الدليل الثاني: أنَّ إباحة التصوير في الحالة المذكورة تتحقَّقُ به مصلحة عامَّةٌ، إذا كان التوثيق بالصور لتنفيذ الحدِّ لأجل جهاتٍ دولية، أو منظماتٍ حقوقيةٍ؛ لأنَّ التصوير -هنا- يعدُّ إثباتاً لبراءة الجهة المعنية بإقامة الحدود الشرعية، وبراءة الدولة المهيمنة عليها أمام تلك الهيئات الأممية، والمنظمات الحقوقية، التي تتبَّع العثرات إن صدقاً، وإن كذباً؛ لتقوم بتأليب الرأي العالمي، وكيل الاتهامات لهذه الدَّولة أو تلك، وذلك من خلال حملاتٍ إعلاميةٍ مسعورةٍ، ضدَّ أيِّ بلدٍ تسعى لتطبيق أحكام الشرع المطهَّر من دنس التمرُّد على الله تعالى وأحكامه المتقنة، أو بسبب عدم انصياعها لتطبيق سياسةٍ معينة.
ومنع التصوير لتوثيق الواقع الحقِّ، وتزييف الباطل -في هذه الحال- قد يجلب مفاسدَ متعدِّدةً على البلاد وأهلها، ومعلومٌ: أن درء المفاسد في الشريعة الإسلامية مقدَّمٌ -حتى- على جلب المصالح، فإذا ترتَّب على منع التصوير مفسدةٌ محضةٌ كان الحكم بدرئها واجباً؛ درءًا للمفسدة، وجلباً للمصلحة، وبهذا يظهر-جلياً- أنَّ التصوير في الحال المذكورة وأشباهها واجبٌ، فضلاً عن كونه مباحاً؛ لأنه قد يكون وسيلةً-بعد الله تعالى- لدرء خطر العقوبة عن البلاد وأهلها، وهذا ضررٌ يتعين درؤه بكلِّ وسيلةٍ ممكنةٍ، عملاً بقاعدة (ما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به فهو واجب)(74).
ومؤدَّى هذه القاعدة: أنه إذا أمر الله تعالى عبده بفعلٍ من الأفعال وأوجبه عليه، وكان المأمور لا يتوصَّل إلى فعله إلاَّ بفعل غيره وجب عليه كلُّ فعلٍ لا يتوصَّل إلى فعل الواجب إلاَّ به(75).
المبحث الرابع: حكم التصوير عند تنفيذ التعزير
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التصوير حال تنفيذ التعزير بغير إذن الحاكم.
المطلب الثاني: التصوير حال تنفيذ التعزير بأمر الحاكم.
المطلب الأول: التصوير حال تنفيذ التعزير بغير إذن الحاكم.
الذي يظهر من مبادئ الشريعة ومقاصدها العامَّة: أنه لا يجوز تصوير المحكوم عليه بالتعزير ضرباً، أو تشويهاً بحلق شعرٍ، أو تسويد وجهٍ، أو غير ذلك مما يعدُّ عيباً، ويستحيا منه عرفاً إذا كان التصوير بغير إذن الحاكم؛ وذلك لدليلين:
الدليل الأول: أنَّ التصوير في هذه الحال من باب الشماتة بالمسلم، دون سببٍ يقتضي ذلك، وقد تقدَّم في المطلب الثاني من المبحث الأول حكم تصوير المحدود بقصد الشماتة والسخرية، وتقدَّم هناك-أيضاً- بيان الأدلَّة النقلية والعقلية على تحريم الشماتة والسخرية بالمسلم، فالأدلَّة المذكورة في تلك المسألة المشار إليها هي الأدلَّة ذاتها لهذه المسألة، ولا داعي لتكرار ذكرها مرةً أخرى.
الدليل الثاني: أنَّ في تصوير المحكوم عليه بالتعزير عند تنفيذه افتئاتاً على وليِّ الأمر ونوابه؛ لأنَّ الأنظمة المعمول بها تمنع عامَّة الناس من التصوير حال تنفيذ العقوبات، حدوداً كانت، أو تعزيرات؛ ستراً على من ابتلي بذلك وصيانةً لعرضه وسمعته.
الدليل الثالث: أنَّ تصوير المحكوم عليه بالتعزير -بغير إذن الحاكم- مفسدةٌ كبرى؛ نظراً لما قد ينتج عن تصوير المشهد من المفاسد الأخرى؛ كالحقد والكراهية، المفضيين إلى التضارب والتقاتل بين من قام بالتصوير من جهة، ومن أجريت في حقِّه العقوبة وأهله وعشيرته من جهةٍ أخرى؛ لأنَّ تصوير مثل هذه المشاهد يعدُّ في عرف الناس من أكبر العيوب والعار على الشخص نفسه، وعلى من لهم صلةُ قرابةٍ به، فهذا الفعل من الأسباب الباعثة على الانتقام ممن قام بالتصوير، وهذه مفسدة محقَّقة، تسعى شريعة الله تعالى إلى درئها، وإغلاق بابها بكلِّ وسيلةٍ ممكنة.
الدليل الرابع: أنَّ تصوير المحكوم عليه بالتعزير -عند تنفيذه- اعتداءٌ صريحٌ عليه، وظلمٌ له؛ لأنه من باب التشهير الزائد عن عقوبة التعزير بغير حقٍّ، وهذا ضررٌ محقَّقٌ، وقد نهى ربنا سبحانه وتعالى عن سائر أنواع الضرر والاعتداء، وهذا من الظلم الذي علم تحريمه من الدِّين بالضرورة، فقد تواتر ورود النصوص من الكتاب والسنة على تحريم الظلم تواتراً لا يكاد يوجد له نظير، ومن الأمثلة على ذلك: قوله جل جلاله: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين﴾(76)، وقوله عز وجل: ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين﴾(77)، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾(78)، وقالصلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِىلِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»(79)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ياعبادي إني حرَّمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا...»(80)،وقولهصلى الله عليه وسلم:«الظلم ظلمات يوم القيامة»(81) فإنَّ هذه النصوص وأشباهها تعمُّ النهيَ عن سائر أنواع الظلم والاعتداء بغير حقٍّ(82). والله أعلم.
المطلب الثاني: التصوير حال تنفيذ التعزير بأمر الحاكم.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: كون عقوبة التعزير بالتصوير دون غيره.
المسألة الثانية: إضافة التعزير بالتصوير إلى عقوبةٍ تعزيريةٍ أخرى.
المسألة الأولى: كون عقوبة التعزير بالتصوير دون غيره:
إذا حكم القاضي على شخصٍ من الناس بتصويره، ونشر صورته وإشهارها بين الناس؛ تعزيراً له؛ بناءً على تقديره: بأنَّ هذا الحكم مبنيٌ على قدر جريمة الجاني، فله معاقبته بذلك، تحقيقاً للمصلحة، ودرءًا للمفسدة، ويدلُّ لذلك ما يأتي:
الدليل الأول: أنَّ التعزير موكولٌ إلى رأي الإمام؛لأنه الأصل، والقاضي: نائبٌ عنه في النظر والأحكام القضائية(83).
الدليل الثاني: أنَّ التعزير من باب السياسة الشرعية العادلة، وهي تعني: استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة،مما فيه زجر وتأديبٌ، ولو بالقتل، كما قالوا في اللُّوطي، والسارق، والخنَّاق: إذا تكرَّر منهم ذلك حلَّ قتلهم سياسةً؛يعني: حسماً لمادة الفساد، وهذه السياسة هي من الأحكام الشرعية، الداخلة تحت قواعد الشرع،لكنه لم ينصَّ عليها بخصوصها؛لأنَّ مدار الشريعة-بعد قواعد الإيمان- على حسم موادِّ الفساد؛ لأجل بقاء العالم آمناً مستقراً(84).
المسألة الثانية: إضافة التعزير بالتصوير إلى عقوبةٍ تعزيريةٍ أخرى:
البحث في هذه المسألة لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن تكون العقوبة المضافة إلى التعزير بالتصوير حدًّا من حدود الله تعالى، لا عقوبةً تعزيرية، فهذا النوع من العقوبات قد تقدَّم البحث فيها بصورةٍ مفصَّلةٍ في المطلب الثاني من المبحث الثاني، وتبين هناك: أنَّ الحكم بالزيادة على الحدَّ تعزيراً أمره موكولٌ إلى الحاكم، فمتى ظهر له: أنَّ جناية الجاني تحتمل عقوبةً تعزيريةًثانيةًّ، أو ثالثةً فلا مانع شرعاً من ذلك، بل مقتضى عدل الله وحكمته: أن يعاقب الجاني على قدر جنايته كمَّاً، أو كيفاً.
وعلى هذا: فمتى أوصل الحاكم اجتهاده إلى الحكم بتصوير الجاني حال التنفيذ تعزيراً فله ذلك، وحكم العقوبة المضافة إلى التعزير بالتصوير هنا كحكمها في تلك المسألة المتقدِّمة تماماً، وللأدلَّة ذاتها المتقدِّم ذكرها في الموضع المشار إليه، وفي هذا الموضع أولى وأحرى؛ لأن اقتران التعزير بحدّ من الحدود يتحتّم تنفيذه.
الحال الثانية: أن تكون العقوبة المضافة إلى التعزير بالتصوير: عقوبةً تعزيريةً أخرى، أياً كان نوعها، فلو حكم القاضي على من ارتكب معصيةً، لا حدَّ فيها لا كفارة بضربه، وتصويره أثناء الضرب، فالضربعقوبة تعزيرية بمفردها، فهل للحاكم أن يضيف إلى التعزير بالضرب -مثلاً- عقوبة التصوير حال الضرب؟
اتفق الفقهاء على أنه يجب على الحاكم أن يجتهد في عقوبة الجاني التي لم يقدِّرها الشارع بقدر ما يعلم، أو يغلب على ظنِّه أنه ينزجر به، ويصلح به حاله، سواء قدَّر انزجاره وصلاح حاله بعقوبةٍ واحدةٍ، أو بعقوبتين، أو أكثر(85)، واستدلّوا بالأدَّلة التالية:
الدليل الأول: ما روي: (أنَّ معنَ بن زيادٍ عمل خاتماً على نقش خاتم بيت المال، فأخذ به مالاً، فضربه عمر رضي الله عنه مائة جلدة، وحبسه، ثم ضربه مائةً أخرى، ثم ثالثةً، ثم نفاه)(86).
وجه الدلالة: أنَّ عمر رضي الله عنهعزَّر معناً بالضرب مراتٍ، ونفاه إلى غير بلد الإقامة على جناية التزوير لخاتم بيت المال، ومعلومٌ: أنَّ كلَّ ضربةٍ بمفردها عقوبة تعزيرٍ مستقلَّةٍ، والنفي عقوبة مستقلة، فقد جمع عمر-هنا- بين أربع عقوبات على تزوير معنٍ لخاتم بيت المال؛ نظراً لعظم جنايته، وشدَّة حيلته، وأخذه من بيت المال بغير حقِّه، وفتحه باب هذه الحيلة لغيره، فدلَّ على أنه يجوز للقاضي: أن يجمع بين عقوبتين فأكثر على جانٍ واحد، متى قدَّر أنه لا يصلح حاله، ولا ينكَّفُّ شرُّه وخطره إلاَّ بذلك، بشرط كون القاضي مجانباً في حكمه حظَّ النفس والهوى(87).
الدليل الثاني: أنَّ المقصود من التعزير الزجر، والناس تختلف أحوالهم في الانزجار، فمنهم من يحصل له الزجر بأقلِّ الضربات، ويتغير بذلك. ومنهم من لا يحصل له الزجر إلا بالكثير من الضرب، ومنهم من لا ينكفُّ شرُّه، ولا يندفع خطره إلاَّ بالقتل؛ نظراً لاختلاف ذلك باختلاف مراتب الناس، وباختلاف الإقدام والإحجام على المعاصي، وإذاً: فلا غرابة أن يجمع القاضي على من كان على هذا النحو عقوبتين أو أكثر، بقدر ما تتحقَّقُّ به المصلحة، وتندرئ به المفسدة(88)، ويؤيد هذا الاستدلال العقل وجريان الأحداث على مَرِّ الأزمان(89).
الدليل الثالث: أنَّ شأن التعزير -كما تقدَّم- موكولٌ إلى القاضي، يحكم بما يوصله إليه اجتهاده، بقدر ما يحقِّقُ المصلحة ويدرأ المفسدة، وأنه مشروعٌ من باب السياسة الشرعية، بعيداً عن حظِّ نفس القاضي وهواه، فإذا اجتهد القاضي في واقعةٍ ما، ورأى أنه جمع عقوبتين أو أكثر فله ذلك، ولا إشكال. والله تعالى أعلم وأحكم. وصلى الله على نبينا محمد.
خاتمة البحث، وأهمِّ النتائج المستخلصة منه
الحمد لله الذي يسَّر وهدى، وأشهد ألا إله إلا الله رب الأرض والسماء، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله النبيُّ المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه، ومن بهداهم اهتدى.
وبعد الانتهاء من بحثي هذا أسطِّر أهم النتائج التي توصلتُ إليها، وملخَّصها كالتالي:
1- أنه يحرم تصوير المحدود حال إقامة الحدِّ عليه، متى كان تصويره بقصد الفرجة والتسلِّي، وحبِّ تكرار مطالعة المشهد، أوإطلاع الآخرين عليه؛ للأدلَّة النقلية والعقلية.
2- تحريم تصوير المحدود حال تنفيذ الحدِّ عليه، أو التعزير، بقصد الشماتة والسخرية به؛ لأنَّ هذا من الظلم الذي حرَّمه الله تعالىبنصوص الكتاب والسنة.
3- أنَّ تصوير المحدود لأجل زجر واتعاظ الآخرين أمرٌ محرَّم، ولو كان باجتهادِ وأمرِ القاضي؛ بناءً على غلبة ظنِّه أنَّ في ذلك عظةً وزجراً للآخرين؛ لأنَّ المحدود لا يستحقُّ التشهير بعقوبة التصوير في هذه الحال؛ لعدم وجود سببها في جنايته؛ ولأنَّ تصوير المحدود -في هذه الحال- زيادةٌ على الحدِّ الشرعيِّ الذي أمر الله به، والزيادة على الحدِّ الشرعي بدون مبرِّرٍ أمرٌ محرَّم.
4- أنه يجوز للقاضي-الذي يعلم شرع الله تعالى بقواعده، وأصوله، ويحكم به- أن يحكم على من وجب عليه حدٌّ شرعيٌ بعقوبةٍ زائدةٍ على الحدِّ تعزيراً، طالما وجَدَ القاضي مسوغاً لذلك، وغلب على ظنِّه، أو تيقَّنَ أنَّ المصلحة العامَّة تقتضيه، لاعتباراتٍ شرعيةٍ، وعقلية، والفرق بين اجتهاد القاضي في هذا المطلب والذي قبله في أمره بتصوير المحدود: أنَّ اجتهاده بتصوير المحدود بقصد اتعاظ الآخرين اجتهادٌ خاطئ، في مقابلة النصوص التي نهت عن الزيادة على الحدِّ الشرعيِّ بدون سبب، وأمَّا أمره بتصوير المحدود في هذا المطلب فله مسوغٌ شرعيٌ، وهو عِظَمُ جناية الجاني، فاستحقَّ التعزير بتصويره مقابل عِظَمِ جنايته.
5- أنه يستحبُّ تصوير المحدود لأجل حاجة الجهات الرسمية لتوثيق إقامة الحدِّ، وعرضه على صاحب الحقُّ الذي لا يستطيع شهود تنفيذه؛ بسبب مرضٍ، أو سجنٍ، أو سفرٍ بعيدٍ، أو غير ذلك من الأسباب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَة».
6- يجب تصوير تنفيذ الحدِّ متى إذا خافت الجهة المعنية بإقامة الحدود: أنها قد تواجه ضغوطاً من جهاتٍ، أو منظمات داخليةٍ، أو حصل غلبة ظنٍّ أن تواجه الدولة بأسرها تهديداتٍ، أو ضغوطاً من دولٍ، أو منظَّماتٍ خارجيةٍ، عملاً بقاعدة (ما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به فهو واجب) لكن بشرط أن تكون صور المحدود تحت أيدٍ أمينةٍ، تحيطها بسريِّةٍ كاملةٍ؛ حفاظاً على حقِّ المحدود وعشيرته من التشهير بهم، والإضرار بسمعتهم.
______________________________
(1) سورة النور، آية رقم: (2).
(2) «معجم مقاييس اللغة» لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (3/319)، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، نشر: دار الفكر، الطبعة: 1399هـ عدد الأجزاء: 6.
(3) المصدر السابق، و«معجم اللغة العربية المعاصرة»، لـد. أحمد مختار عبدالحميد عمر (2/1332).
(4) «معجم لغة الفقهاء»، لمحمد رواس قلعه جي، وحامد صادق قينبي، (ص133)، مادة (تصوير) و«البيوع المحرمة والمنهي عنها»، د.عبدالناصر بن خضر ميلاد، جامعة الخرطوم (ص298).
(5) «المستجدات في وسائل الإثبات»، لأيمن محمد عمر العمر، (ص96-99)، رسالة دكتوراه، الجامعة الأردنية، 2002، و«التصوير والحياة»، لمحمد سويلم، (ص179)، و«التصوير العادي والملوَّن»، لفيصل محمود، (ص26-27)، و«الموسوعة العربية الميسرة»، دار الجيل، بيروت، ط1 1965، (2/723).
(6) «معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (2/3-4)، و«الصحاح» للجوهري (2/462)، «لسان العرب» لابن منظور (3/40)، «القاموس المحيط» للفيروز آبادي، (ص352). مادة (حد) من الجميع.
(7) سورة البقرة، آية رقم: (187).
(8) «جامع البيان»(3/546)، و«معاني القرآن وإعرابه» لإبراهيم بن السري الزجاج (1/256)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (1/189).
(9) سورة البقرة، آية رقم: (229).
(10) «جامع البيان» 4/583، و«تفسير القرآن العظيم»، لعبدالرحمن بن محمد التميمي، الحنظلي، المشهور بابن أبي حاتم الرازي (2/422)، و«تفسير القرآن»، لمنصور بن محمد السمعاني (1/233).
(11) «المبسوط» للسرخسي (9/36)، و«بدائع الصنائع»للكاساني (7/33)، و«حاشية ابن عابدين» (3/154)، و«مواهب الجليل» للحطاب (6/277)، و«التاج والإكليل» للمواق (6/277)، و«مغني المحتاج»(4/155)، و«الشرح الممتع على زاد المستقنع»(9/344)، و«الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة»(6/9).
(12) أخرجه أحمد (2/180)، و(3/ 404) وأبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، رقم (495) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به مرفوعاً. قال النووي: «رواه أبو داود بإسناد حسن»، «الخلاصة» رقم (687).وأخرجه الترمذي، أبواب الصلاة: باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة، رقم (407)، والحاكم (1/ 201) من حديث سَبرة بن معبد الجُهني. والحديث صححه الترمذي، وابن خزيمة، والحاكم وغيرهم، وصححه الألباني في «إرواء الغليل» (7/190)، برقم (2109).
(13) المصادر السابقة، و«تبيين الحقائق»للزيلعي (3/163)، و«حاشية البجيرمي على الخطيب»(4/140).
(14) المصادر السابقة.
(15) المصادر السابقة، و«كشاف القناع»(6/77)، و«الفقه الإسلامي وأدلته»للزحيلي (7/5274).
(16) «إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري»، لأحمد بن محمد القسطلاني (9/455)، و«عمدة القاري شرح صحيح البخاري»، لمحمود بن أحمد(23/273)، و«الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة»(6/9).
(17) «كتاب العين» للخليل بن أحمد الفراهيدي (1/351)، و«تهذيب اللغة» لمحمد بن أحمد الأزهري الهروي (2/78)، و«مختار الصحاح» لمحمد بن أبي بكر الرازي (ص207)، مادة «عزر» من الجميع.
(18) «المبسوط» للسرخسي (9/36)، و«فتح القدير» للكمال ابن الهمام (7/119)، و«الأحكام السلطانية» للماوردي (ص224)، و«نهاية المحتاج» (7/72). و«كشاف القناع»(4/72).
(19) «المبسوط» للسرخسي (9/36)، و«فتح القدير» للكمال ابن الهمام (7/119)، و«الأحكام السلطانية» للماوردي (ص224)، و«نهاية المحتاج» (7/72). و«كشاف القناع»(4/72)، و«شرح زاد المستقنع» للشنقيطي (6/372).
(20) المراد بالضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية على الحفاظ عليها هي: «الدين، والعقل، والنفس، والمال، والنسب». ينظر: «الإبهاج في شرح المنهاج»، لعلي بن عبدالكافي السبكي (3/178)، و«نهاية السول شرح منهاج الوصول» لعبدالرحيم بن الحسن الإسنوي (364).
(21) «الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة»(1/361).
(22) أخرجه البخاري في المغازي، (5/50)، باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، وبيعة العقبة برقم (3892)، ومسلم (3/1333)، باب الحدود كفارات لأهلها، برقم (1709)، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(23) أخرجه أحمد في «المسند»(5/214)، والدارقطني في «سننه» رقم (397). قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (12/86): «سنده حسن». وصححه الشيخ الألباني في «صحيح الجامع» برقم (6039).
(24) أخرجه مسلم في الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا (1696) (24) عن عمران بن حصين رضي الله عنه.
(25) أخرجه النسائي في «السنن الكبرى»، كتاب الحدود، (6/434)، بابكيف يفعل بالرجل، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك، برقم: (1761)، عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى»، كتاب الحدود (1/206)، باب حد الزاني البكر والثيب، برقم: (813)، عن أبي هريرة رضي الله عنه والحديث احتجَّ به عددٌ من أصحاب الشأن في الحديث، كابن عبدالبر في «التمهيد»(12/114)، وابن حجر في «فتح الباري» (12/130)، والعيني في «عمدة القاري شرح صحيح البخاري»(20/257)، وقال عنه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل»(8/24): «وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير عبدالرحمن بن الصامت، وهو مجهول، وإن ذكره ابن حبان في «الثقات».
(26) «شرح زاد المستقنع» للشنقيطي (6/372)، و«الشرح الممتع على زاد المستقنع»(14/51).
(27) سورة الملك، آية رقم: (14).
(28) أخرجه البخاري كتاب بدء الوحي (7/215)، باب عذاب المصورين يوم القيامة، رقم: (5951)، وأخرجه مسلم بن الحجاج في «صحيحه» (3/1669)، في باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة (2108). كلاهما من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
(29) «المحصول» لابن العربي، القاضي محمد بن عبدالله المعافر، (ص142)، و«الإحكام في أصول الأحكام»، لعلي بن أبي علي الآمدي(4/72)، و«إجابة السائل شرح بغية الآمل»، لمحمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني المعروف بالأمير، (ص180).
(30) سورة البقرة، آية رقم: (229).
(31) «الهداية إلى بلوغ النهاية»، لمكي بن أبي طالب حَمّوش (1/770)، و«تفسير القرآن»، لمنصور بن محمد بن عبدالجبار السمعاني (1/233).
(32) سورة البقرة، آية رقم: (187).
(33) سورة البقرة، آية رقم: (229)، وينظر «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي، تفسير القرطبي (3/146)، و«تنوير المقباس من تفسير ابن عباس»(ص32)، و«فتح القدير» لمحمد بن علي الشوكاني (1/274).
(34) «التفسير الكبير»، لمحمد بين عمر الرازي (3/646)، و«الجامع لأحكام القرآن»، لأبي عبدالله القرطبي (4/183).
(35) «الصحاح في اللُّغة» للجوهري (1/255)، و«معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (3/210)، و«تهذيب اللُّغة» لمحمد بن أحمد بن الأزهري الهروي (11/226).
(36) «القاموس الفقهي»، (ص201)، فإنه عرَّفها بقوله: «شمت شماتة: فرح بمكروهٍ أصابه»، وعرَّفها في موضعٍ آخر بقوله: «الشماتة: فرح العدو بسيئة تنزل بمن يعاديه»، وينظر «التوقيف على مهمات التعاريف» لعبدالرؤوف بن تاج العارفين الحدادي (ص208).
(37) «التيسير بشرح الجامع الصغير»، لعبدالرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي (2/496).
(38) «المبسوط» للسرخسي (10/110)، و«الدر المختار وحاشية ابن عابدين» (1/65)، و«الذخيرة» للقرافي (13/300)، و«الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني» (2/349)، و«حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني» (2/428)، و«الشرح الممتع على زاد المستقنع» (7/241).
(39) سورة آل عمران، آية رقم: (120). وينظر «جامع البيان» لمحمد بن جرير الطبري (7/ 155).
(40) سورة الحجرات، آية رقم: (11).
(41) «تفسير مقاتل بن سليمان» (4/94)، و«جامع البيان» (22/297)، و«تفسير السمعاني» (5/221).
(42) أخرجه الترمذي (4/266) (2506)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (9/120)، والطبراني (22/127)، من طريق حفص بن غياث به. وقال الترمذي: «حسن غريب»، ومكحول قد سمع من واثلة بن الأسقع، وأنس بن مالك، وأبي هند الداري، ويقال: «إنه لم يسمع من أحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هؤلاء الثلاثة. وضعفه الألباني في «الضعيفة» (5426). وقال عبدالرحمن بن أبي بكرجلال الدين السيوطي في كتابه «قوت المغتذي على جامع الترمذي»(2/602):«هذا أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدِّين القزويني على المصابيح، وزعم أنه موضوع. وقال الحافظ صلاح الدِّين العلائي: «هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في «الموضوعات»، وقال: تفرد به عمر بن إسماعيل بن مجالد وهو متروك، عن حفص بن غياث وعُمر بن إسماعيل كما ذكر اتَّفقوا على ضعفه ووهائه، لكن لم ينفرد به، فقد رواه الترمذي من طريق أميه بن القاسم عن حفص قال: شيخنا المزي في «الأطراف»: «كذا وقع في جميع الروايات، أميَّة بن القاسم وهو خطأ، وصوابه القاسم بن أميَّة الحذَّاء العبدِي، رواه عنه محمَّد بن غالب ابن حرب [بن] تمام فقال: حدثنا القاسم بن أميَّة الحذاء بالبصرة، فذكره، وقد ذكرهُ عبدالرَّحمن بن أبي حاتم في كتابه وقال: سئل أبي عنه، فقال: ليس به بأس صدوق وسُئل أبو زرعة عنه، فقال: كان صدُوقًا».
(43) «البناية شرح الهداية» لمحمد بن أحمد العيني (5/251)، و«رد المحتار على الدر المختار» (1/21)، و«المسالك في شرح موطأ مالك» للقاضي محمد بن عبدالله المعافري المالكي (7/270)، و«تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي» (4/96).
(44) «البناية شرح الهداية» (5/251)، و«رد المحتار على الدر المختار» (1/21)، و«تحفة المحتاج»(4/96)، و«الفتاوى الكبرى» لابن تيمية (5/266)، و«طريق الهجرتين وباب السعادتين»، لابن قيم الجوزية، (ص170)، و«الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي» لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي (1/432)، و«توضيح الأحكام من بلوغ المرام» (7/471).
(45) سورة آل عمران، آية رقم: (140).
(46) البيتان للعلاء بن قرظة، خال الفرزدق، كما في «الشعر والشعراء» لعبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (1/468)، وقيل: هما للفرزدق، كما في «عيون الأخبار» للدينوري نفسه (3/131)، و«شرح ديوان الحماسة»لأحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني (ص848)، و«شرح ديوان الحماسة» للتبريزي (2/55).
(47) أخرجه مسلم في «صحيحه»(4/1763)، باب النهي عن سب الدهر، برقم (2246)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(48) أخرجه البخاري في كتاب التفسير (6/133)، باب قول الله تعالى: ﴿وما يهلكنا إلاَّ الدهر﴾ برقم (4826)، وأخرجه مسلم في «صحيحه»(4/1762)، باب (النهي عن سبِّ الدهر) برقم (2246)، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(49) سورة الإسراء، آية رقم: (74).
(50) سورة يوسف، آية رقم: (33).
(51) أخرجه البخاري في البيوع (3/83)، باب: بَابُ بَيْعِ المُدَبَّرِ، برقم (2234)، وأخرجه مسلم في الحدود (3، 1328)، باب: باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، رقم (1703)، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(52) سورة يوسف، آية رقم: (92).
(53) «التيسير بشرح الجامع الصغير»(2/496)، و«مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»(1/195)، و«لقاء الباب المفتوح»، للشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (3/118).
(54) سورة البقرة، آية رقم: (229).
(55) «تنوير المقباس من تفسير ابن عباس» (ص32)، و«تفسير مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخي»(1/195)، و«الجامع لأحكام القرآن»(3/146)، و«تفسير القرآن العظيم» لإسماعيل بن عمر بن كثير القرشي (1/621)، و«فتح القدير» لمحمد بن علي الشوكاني (1/274).
(56) «غرائب القرآن ورغائب الفرقان» للحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري (1/633).
(57) «الموافقات»لإبراهيم بن موسى الشهير بالشاطبي (5/142)، و«حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع» (1/480)، و«التحبير شرح التحرير»، لعلي بن سليمان المرداوي(5/2239).
(58) سورة النور، آية رقم: (2).
(59) «منح الجليل شرح مختصر خليل»(9/357)، «الجامع لأحكام القرآن» لأبي عبدالله القرطبي (12/167)، و«التسهيل لعلوم التنزيل»، لابن جزي (2/60)، و«الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف»للمرداوي(10/239).
(60) (9/357).
(61) «للمرداوي(10/239).
(62) «الجامع لأحكام القرآن» لأبي عبدالله القرطبي (12/167)، و«أنوار التنزيل وأسرار التأويل» للبيضاوي (4/98)، و«التسهيل لعلوم التنزيل» لابن جزي (2/60)، و«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (6/6).
(63) «البناية شرح الهداية» (5/251)، «حاشية ابن عابدين» (1/21)، و«أسهل المدارك» لحسن بن عبدالله الكشناوي (1/296)، و«تحفة المحتاج» لأحمد بن محمد الهيتمي (4/96)، و«شرح مختصر الخرقي» لفضيلة الشيخ عبدالكريم الخضير (35/16).
(64) أخرجه البخاري في الحدود، باب ما جاء في ضرب شارب الخمر، ورقم (6776) من كتاب الحدود، باب الضرب بالجريد والنعال، وأخرجه مسلم في كتاب الحدود، باب حدِّ الخمر،برقم (1706) عن محمد بن المثنى، وأبو يعلى (3127) عن عبيدالله بن عمر القواريري.
(65) ذكره مستدلاً به صاحب «المنتقى شرح الموطأ»سليمان بن خلف بن سعد الباجي (7/ 206)، ولم أقف له على ذكرٍ في كتب الحديث والآثار.
(66) أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار»(2/88)، من طريق عطاء بن أبى مروان عن أبيه قال: «أتى عليٌّ بالنجاشي قد شرب الخمر في رمضان، فضربه ثمانين، ثم أمر به إلى السجن، ثم أخرجه من الغد فضربه عشرين، ثم قال: إنما جلدتك هذه العشرين لإفطارك في رمضان، وجرأتك على الله»، قال في «إرواء الغليل»(8/57): «وإسناده حسن أو قريب من ذلك رجاله كلهم ثقات معروفون غير أبى مروان والد عطاء، وثقه ابن حبان والعجلي، وقال النسائي: «غير معروف».قلت: لكن روى عنه جماعة، وقيل: له صحبة».
(67) «حاشية ابن عابدين على الدرِّ المختار»(4/15)، و«منح الجليل شرح مختصر خليل»(9/357).
(68) أخرجه الإمام أحمد في «مسنده»(3/341)، ضمن مسند عبدالله بن العباس رضي الله عنهما، رقم (1842)، وأخرجه الطبراني في «معجمه الأوسط» (1/12)، باب من اسمه أحمد، رقم (25)، وأخرجه الحاكم في «مستدركه على الصحيحين»(2/351)، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» برقم (1641).
(69) «شرح صحيح البخاري» بابن بطال (9/525)، و«الاستذكار» لابن عبدالبر (1/35)، و«فيض القدير» للمناوي (2/347).
(70) سورة الحج، آية رقم: (78).
(71) «الأشباه والنظائر» لابن نجيم، (ص78)، و«غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر» لأحمد بن محمد مكي الحموي (1/293).
(72) «فتح القدير» للكمال ابن الهمام (4/348)، و«الأشباه والنظائر» لتاج الدين السبكي (1/45).
(73) «الفروق» لشهاب الدين القرافي (4/146)، و«الأشباه والنظائر» للسبكي (1/45)، و«المنثور في القواعد الفقهية»(2/317).
(74) «الفروق» للقرافي (1/166)، و«المستصفى» للغزالي (ص217)، و«العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (2/419)، و«شرح مختصر الروضة» لنجم الدين الطوفي(1/314).
(75) «العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (2/419).
(76) سورة البقرة، آية رقم: (88).
(77) سورة التوبة، آية رقم: (19).
(78) سورة آل عمران، آية رقم: (57).
(79) أخرجه البخاري في صحيحه، باب: قَوْلِهِ (وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ...»(15/319) برقم (4686)، من حديث أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه.
(80) أخرجه مسلم في البرِّ والصلة (8/16)، باب تحريم الظلم، برقم (6737)، من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه.
(81) أخرجه البخاري في باب الظلم ظلمات يوم القيامة (2/864)، برقم (2315)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه مسلم في البر والصلة باب تحريم الظلم رقم (2579)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
(82) «فتح البيان في مقاصد القرآن»، لمحمد صديق خان البخاري القِنَّوجي (4/378)، و«تفسير المنار» لمحمد رشيد بن علي رضا (8/ 407)، و«تيسير الكريم الرحمن» لعبدالرحمن بن ناصر السعدي، (ص89).
(83) «المبسوط» للسرخسي (24/36)، و«بدائع الصنائع»للكاساني (7/234)، و«ردَّ المحتار على الدر المختار» لابن عابدين (3/184 - 185)، و(4/15)، و«كشاف القناع»(4/73)، و«السياسة الشرعية»(ص55).
(84) «ردَّ المحتار على الدُّرِّ المختار» (3/184- 185)، و(4/15)، و«السياسة الشرعية»(ص55).
(85) «فتح القدير» (5/115- 116)، و«تبصرة الحكام»(2/200-204)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (8/487»، و«نهاية المحتاج» (7/175)، (ا/228)، و«كشاف القناع»(4/73-74)، و«السياسة الشرعية»(ص47- 48، و53-54، و55- 56)، و«الطرق الحكمية» لابن القيم (ص106)، و«المغني»(10/347- 348).
(86) لم أقف له على إسنادٍ، ولا على كلام لأهل الشأن في الحديث، رغم طول البحث والتفتيش، ولا ذكره أحدٌ من أصحاب المصنفات، ولا غيرها من المصادر التي تعتني بذكر الآثار، وإنما ذكره-محتجاً به وساكتاً عليه- كلٌ من ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري (8/486)، وعلي سلطان القاري في «مرقاة المفاتيح»(6/2380)، وتداوله كثيرٌ من الفقهاء محتجين به، ومن ذلك على سبيل المثال: «الفتاوى الهندية» (2/190)، و«الذخيرة» للقرافي (12/120)، و«المغني»(10/348)، وغيرها. وقال الحافظ ابن حجر في تخريجه لهذا الأثر: «لم أجده». انظر:«التلخيص الحبير»(4/ 81).
(87) «الذخيرة» للقرافي (12/120)، و«المغني»(10/348)، و«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» لعلي بن سلطان الهروي القاري (6/2380)، و«فتح القدير»(5/115 - 116)، و«تبصرة الحكام»(2/200 - 204)، و«نهاية المحتاج»(7/175)، و«المهذب»(2/228)، و«كشاف القناع»(4/73- 74)، و«السياسة الشرعية»(ص47، 48، 53، 54، 55، 56)، و«الطرق الحكمية» (ص106)، و«المغني» (10/247-348)، و«الحسبة في الإسلام»(ص39).
(88) «حاشية الشرنبلالي على درر الحكام» (2/94-95)، و«حاشية ابن عابدين» (3/183) ط بولاق، و«الفتاوى الهندية»(2/167)، و«سبل السلام»(4/54)، ط مصطفى الحلبي.
(89) المصادر السابقة.