اجتماع الجمعة والعيد
1 شوال 1439
د. فؤاد بن يحيى بن هاشم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده. وبعد.

فذهب أكثر أهل العلم إلى أن اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد ليس سبباً في سقوط وجوب صلاة الجمعة لمن صلى صلاة العيد.

وهذا ما ذهب إليه الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية.

في حين ذهب الحنابلة وهو من مفرداتهم، كما قال المرداوي صاحب الإنصاف: إلى سقوط وجوب حضور صلاة الجمعة لمن صلى العيد، وبهذا قال ابن الزبير وابن عباس وعطاء.

وسبب الخلاف بين الجمهور والحنابلة هو الاختلاف في الآثار الواردة في الباب، والاختلاف يقع على ثلاثة أوجه:

  1. في صحتها من حيث الأصل.
  2. في تعيين الرواية الصحيحة منها.
  3. في فقهها.

والذي أجد أنه أرجح هو قول الجمهور للأسباب التالية:

  1. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع ذلك اليوم بالناس، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فيهما بالأعلى والغاشية في يومٍ واحد، وذلك هو الأصل إلا أن يثبت في ذلك شرعٌ يجب المصير إليه (1).
  2. أن النصوص التي جاءت في الرخصة لمن صلى العيد لم تسلم من الطعن، وفيها كلامٌ معروف لأهل العلم، وأقوى هذه الأحاديث: حديث زيد بن أرقم(2) وحديث أبي هريرة(3):

فأما حديث زيد بن أرقم: ففيه إياس بن أبي رملة راويه عن زيد، وهو مجهول، ليس له إلا هذا الحديث في السنن، كما قرره ابن عبد الهادي الحنبلي(4)، وبه أعله الأئمة، كابن المنذر(5)، وابن القطان(6)، وغيرهما.

وأما حديث أبي هريرة: فهو من رواية بقية، والكلام فيه مشهور، وقد صحح أحمد والدارقطني إرساله(7).

وقد جزم ابن حزم الظاهري: بعدم ثبوت أي حديث في الباب(8)، وابن عبد الهادي مع تقدمه في هذا الشأن، وأخذه بقول أصحابه الحنابلة: فإنما اعتمد على حديث زيد بن أرقم مع ما فيه، لكن تعدد الروايات المرفوعة والموقوفة، يدل على أن للحديث أصلاً، ولاسيما مع قول ابن عباس لعمل ابن الزبير: إنه أصاب السنة، والأصل سيأتي مفسَّراً في السبب التالي إن شاء الله تعالى.

  1. وقع في صحيح البخاري عن عثمان رضي الله عنه ما ينص على أن الترخيص إنما هو لأهل العوالي(9)، وهذا فهم أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم، ومثل هذا لا يستمد من الرأي المصادم للنص، بل الموافق المفسر له، ويعضده ما جاء في النصوص المرفوعة "إنا مجمِّعون إن شاء الله تعالى" (10)، مما يدل على أن الترخيص لجماعة أخرى غير أهل الجمعة، وهذا مسلك الشافعي والطحاوي وابن عبد البر، فحملوا النصوص المرفوعة على غير أهل المصر، من أهل البادية ومن لا تجب عليهم الجمعة (11)، وهذا المسلك يعضده الأصول.

وفي فهم عثمان رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري: جوابٌ مفصَّل على دعوى ابن تيمية في جملة أصحابه الحنابلة أن إجزاء صلاة العيد عن حضور الجمعة هو قول الصحابة بلا مخالف.

  1. ما جاء عن ابن الزبير من ترك إقامة الجمعة مترخِّصاً باجتماعها مع صلاة العيد، ثم موافقة ابن عباس له بأنه أصاب السنة: يشكل عليه أن النصوص المرفوعة فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الجمعة، وإنما رخص في الحضور، فحسب، ولذا فإن عمل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه أرجح من ناحية موافقة النصوص المرفوعة، وإنما فيها زيادة في تفسير محل الرخصة.
  2. أن المعنى المدَّعى في الترخيص إنما يصدق على أهل البادية والقرى ومن كان خارج المصر، فإنما هم الذين يتكلفون حضور صلاة الجمعة، وفي حضورهم مرتين في يوم واحد مشقة ظاهرة، وتكدير لمقصود العيد من الفرحة والسرور، وهذا يشير إليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد صلى العيد في المصلى، وفيه اجتمع الناس، فأخبرهم أن صلاة الجمعة لا تجب عليهم، وإن كانت عادتهم تكلفها، فهو بيان عدم الوجوب لا الترخيص لأهل الوجوب، وهذا ما فهمه الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

في المسألة أقوال أخرى:

القولان السابقان هما القولان المشهوران في المسالة، وفي المسألة أقوال أخرى:

  • أن العيد سنة إذا اجتمعا، وبه قال صاحب الجامع الصغير من الحنفية (12).
  • أن أحدهما يجزئ عن صاحبه. وبه قال النخعي والشعبي (13).
  • أن العيد يجزئ عن الجمعة إذا صلى بعدها ركعتين على طريقة الجمع(14).
  • أن العيد يجزئ عن الجمعة وصلاة الظهر.
  • نقل عن عطاء(15) وابن الزبير(16).

قلت: هذه الأقوال مهجورة، والأصول كلها تشهد بفسادهما، لاسيما القول بالجمع أو بالإجزاء عن صلاة الظهر، وألخص ذلك في لأسباب التالية:

  1. أن إسقاط فرض الظهر والجمعة التي هي بدله لمكان صلاة العيد فخارج عن الأصول جدا إلا أن يثبت في ذلك شرعٌ يجب المصير إليه(17)
  2. أن الله عز وجل افترض صلاة الجمعة في يوم الجمعة على كل من في الأمصار من البالغين الذكور الأحرار فمن لم يكن ففرضه الظهر في وقتها فرضا مطلقا لم يختص به يوم عيد ولا غيره.
  3. أن العيد لا يسقط فرض الظهر في غير يوم الجمعة، فكيف يسقطه إذا وافقه في يوم جمعة؟!
  4. أن الفرضين إذا اجتمعا في فرض واحد لم يسقط أحدهما الآخر، وإنما يجمعا، فكيف أن يَسْقُط فرضٌ لسنة؟.
  5. أنه يحتمل أن القول بإسقاط صلاة الظهر فهم غلطا بسبب عدم خروج ابن الزبير لصلاة الجمعة، وأنه لم يخرج إلا لصلاة العصر، فيجوز أن يكون صلاها في بيته، وهو جواز تؤكده الضرورة الشرعية.
  6. أنه إن صلى مع صلاة العيد ركعتين للجمعة فقد صلى الجمعة خارج وقتها عند أكثر أهل العلم حتى حكي فيه الإجماع، والمخالف في هذه المسألة هم الحنابلة فحسب.

يقول ابن عبد البر رحمه الله:

إذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه لأن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ولم يخص الله ورسوله يوم عيد من غيره من وجه تجب حجته فكيف بمن ذهب إلى سقوط الجمعة والظهر المجتمع عليهما في الكتاب والسنة والإجماع بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث.

ولم يخرج البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثا واحدا وحسبك بذلك ضعفا لها وسنذكر الآثار... إن شاء الله تعالى وإن كان الإجماع في فرضها يغني عما سواه والحمد لله (18).

وقال ابن عبد البر أيضاً:

ما يحضرني من الاحتجاج على من ذهب مذهب عطاء وابن الزبير على ما تقدم ذكرنا له إجماع المسلمين قديما وحديثا أن من لا تجب عليه الجمعة ولا النزول إليها لبعد موضعه عن موضع إقامتها على حسب ما ذكرنا من اختلافهم في ذلك كله مجمع أن الظهر واجبة لازمة على من كان هذه حاله وعطاء وابن الزبير موافقان للجماعة في غير يوم عيد فكذلك يوم العيد في القياس والنظر الصحيح هذا لو كان قولهما اختلافا يوجب النظر فكيف وهو قول شاذ وتأويله بعيد والله المستعان وبه التوفيق (19).

وقال العيني في شرحه على أبي داود

قالت عامة الفقهاء: تجب الجمعة لعموم الآية والأخبار الدالة على وجوبها؛ ولأنهما صلاتان واجبتان فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر مع العيد (20).

------

(1) بداية المجتهد 1/497

(2) عن إياس بن أبي رملة الشامي قال: (شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يصلي فليصل) أخرجه أحمد (رقم 19318) وأبو داود (رقم1071)، والنسائي (رقم 1591)، وابن ماجه (رقم 1310)، والحديث صححه الحاكم، والنووي، والألباني، والأناؤوط. وانظر: البدر المنير (5/98).

(3) عن أبي هريرة مرفوعا: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمِّعون إن شاء الله تعالى) أخرجه أبو داود (رقم 1066)، وابن ماجه (رقم 1311).

(4) التنقيح 2/559

(5) تلخيص الحبير ص1098

(6) الوهم والإيهام 4/204

(7) التنقيح 2/560، تلخيص الحبير ص1099

(8) المحلى 5/89

(9) عن عبيد مولى ابن أزهر أنه شهد العيد مع عثمان فكان ذلك يوم الجمعة فصلى قبل الخطبة ثم خطب فقال: يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر من أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له. أخرجه البخاري (رقم 5572)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/318، 319) وقال: ويروى عن سفيان بن عيينة عن عبد العزيز مقيدا بأهل العوالي وفي إسناده ضعف، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم مقيدا بأهل العالية إلا أنه منقطع السنن الكبرى (3/318)، البدر المنير (5/103)، تلخيص الحبير ص1099

(10) ورد في حديث أبي هريرة السابق.

(11) شرح مشكل الآثار (3 / 187)، التمهيد (10 / 274).

(12) صاحب الجامع الصغير من الحنفية.

(13) الإشراف 2/177

(14) حكاه ابن عبد البر: عن عطاء، وعن محمد بن علي بن الحسين أنه أخبرهم أنهما كانا يجمعان إذا اجتمعا ورأى أنه وجده في كتاب لعلي زعم. التمهيد (10 / 269).

(15) عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال عطاء ابن أبي رباح: إن اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر في يوم واحد فليجمعهما وليصلهما ركعتين فقط حين يصلي صلاة الفطر ثم هي هي حتى العصر.

(16) اجتمعا يوم فطر ويوم جمعة في يوم واحد في زمن ابن الزبير فقال ابن الزبير: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعا جعلهما واحدا فصلى يوم الجمعة ركعتين بكرة صلاة الفطر لم يزد عليهما حتى صلى العصر.

 قال عطاء: فأما الفقهاء فلم يقولوا في ذلك وأما من لم يفقه فأنكر ذلك عليه قال ولقد أنكرت أنا ذلك عليه وصليت الظهر يومئذ. قال: حتى بلغنا بعد أن العيدين كانا إذا اجتمعا صليا كذلك واحدا.

(17) بداية المجتهد 1/497

(18) التمهيد (10 / 277).

(19) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (10 / 285).

(20) شرح أبي داود للعيني (4 / 397، 398).