وظيفة العلماء
21 رجب 1443
إبراهيم الأزرق

ماذا صنع العلماء؟

هل أقاموا دولة؟

هل صنعوا مركبة تجوب القمر!

ما أثرهم والناس في شغل عنهم؟

من تخطر له أمثال هذه التساؤلات لم يعرف وظيفة العلماء! ولا أدرك جل أثرهم.. هو كمن يقول ما صنع الأمهات هل أقاموا دولة أو صنعوا ذرة ما أثرهم خارج بيوتهن!

ما صنع الآباء؟

ما صنع المدرسون؟

بل ما صنع جمهور المهندسين.. ما صنع جمهور المثقفين؟

اعقل يا هذا! الوزن لا يقاس بالمتر! عندما تستعمل المقياس الخاطئ فبدهي أن تخرج بمؤشر خاطئ!

أما جمهور العلماء فقد صنعوا جمهور هؤلاء الذين سميت وغيرهم! ممن يصنعون الدول، أو يفترض أن يكونوا قادرين على ذلك، بل قد قدروا عبر التاريخ كثيرا.

قضية العلماء تعليم الناس:

١- دينهم، ليعبدوا ربهم على وجه صحيح يبلغهم رضوانه فيسعدوا بعمارة آخرتهم.

٢- معاملاتهم، والفطن من أصحاب العلوم الأخرى الذي يتبع العلماء ليعلم حدوده، ما يأتي وما يذر في تعامله وعمله بعلمه، فيتحرز من أسباب سخط ربه، وخسارة دينه ودنياه.

إن أبا حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.. لم يقيموا دولة لكن رسم علمهم وعلم من اقتبس منهم أسس قيام الدولة في الإسلام، بل وعامة تفاصيل أجهزتها وأحكامها.

إن أبا حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.. لم يصنعوا مركبة تجوب الفضاء.. لكن حفظوا ديناً من تدين به جاب الجنان!

في وقتهم ربما سجنوا ربما حبسوا ربما ضربوا ربما اختفوا أو أخفوا فلم يصنعوا شيئا إزاء واقع سياسي، ولم يتحرك لهم الناس، بل ربما كانوا عليهم برهة.. لكن بقي أثرهم وظهر في تعاملات الناس وعباداتهم لأكثر من ألف عام!

وكذلك قل لمن يقول: ما صنع النووي المتقشف المتزهد الإمام! ما غير دولة ولا أقام حكومة ولا صنع الذرة!

أتدري في كم نسمة أثرت تقريراته واختياراته في العبادات والتعاملات المتعلقة بهم!

يراه ما غيّر شيئا في واقعه وأنا أرآه صنع في ملايين البشر إلى يومنا هذا أشياء! ولا يزال يصنع وسوف يصنع حتى وإن لم تكن له غير (الأربعون النووية)، فكيف وهو مجدد مذهب الشافعي ومحرره ومرتبه وأحد الشيخين عند عامة المتأخرين، في أقطار شافعية تعاقب على سكنها الملايين إثر الملايين!

وكذلك قل في كل من له قدم صدق من العلماء الذين لا يراهم الجاهل شيئا في واقع الناس!

فدعك من ضيق الأفق، وارتفع لترى ماذا يصنع! ارتفع عن هم ما باله لم يشتغل بما إن لم يكن يراه جيفة تتنازعها كلابها، فهو يرى أن لا يد له بإصلاحه أو تغييره!

إن عليه إلا البلاغ! إن عليه إلا تحرير المقالة وقد فعل، تحريرها بشمولها دون إغراق، وهذا الذي ينفع وقد نفع! وسوف ينفع بإذن الله!

أما أنت يا مشتغلا بالمنازعة والتغيير فأخشى عليك أن يذهب وقتك، ويضيع عمرك، وتلقى الأذى، ثم لا تستفيد شيئا ولا تفيد! وإن أفدت فأنت كمن صنع الذرة، أضفت ما لا يرى إلى ما لا ينحصر كثرة!

بلغت القمر - تنزلا أو تطلعا!.. فكان خير منك من مشى إلى المتجمد الشمالي فرجة! انبسط وجاء يقص على بطون خاوية أنه رأى خلاء وجرداء لا تضاهيها غير بطونكم القاحلة!

وهبه نجح مقصدك وأقمت دولة! فقصارى أمرك أن تقيم دولة وتفرض واقعا فيشكرك خلقٌ ويلعنك آخرون! ولن يبقى لك ذخرا إلا صدورك عما يشير عليك به العالمون.

فأقول اعرفوا قدر العلماء واشكروا نعمة الله إذا رأيتم بعضهم بشكرهم، ولا أقول:

أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم = من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا!

فهؤلاء هم حلقة الوصل التي يصل بها الدين أحفادكم، ويستقيم لهم من أمر الدنيا والآخرة إن أخذوا بتوجيهاتهم،

ما لم يستقم لكم لما كان شغلكم: الأسئلة السخيفة في مستهل المقالة!