إجراءات عمل المرأة ونقدها:
جاء في تقرير المؤتمر العالمي لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم / كوبنهاجن، (1400هـ -1980م) و في تقرير المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم/نيروبي (1405هـ -1985م و في تقرير المؤتمر الدولي المعني بالسكان/مكسيكو، (1404هـ- 1984م) و في تقرير المؤتمر الدولي للسكان والتنمية/القاهرة (1415هـ-1994م و في تقرير المؤتمر العالمي للبيئة والتنمية/ريودي جانيرو، (1412هـ- 1992م) وفي تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية/كوبنهاجن (1415هـ -1995م) مجموعة من الإجراءات المتعلقة بعمل المرأة .
ويمكن تلخيص تلك الإجراءات المتعلقة بما يلي:
1 – العمل على إيجاد فرص كاملة متكافئة للمرأة في مجال العمل – حتى في فترات الانتكاس الاقتصادي -، وأن هذا الإجراء قد يتطلب من المرأة والرجل الجمع بين العمل المأجور والمسؤوليات المنزلية، والعناية بالأطفال –؛ حتى تتمكن النساء من الاندماج في تنمية بلدانهن، وتحقيق الاعتماد على الذات وطنياً.
2 – تشجيع زيادة المشاركة من جانب الرجل في المسؤوليات المنزلية ورعاية الأطفال، وتنفيذ برامج تساعد على ذلك، كمرونة مواعيد العمل، وإجازات الأبوة؛ من أجل تيسير قيام المرأة بالعمل نظير أجر.
3 – الدعوة إلى زيادة ما تحصل عليه المرأة العاملة من الترفيه والثقافة؛ من أجل تخفيف عبء العمل المزدوج الذي تقوم به – خاصة فيما يتعلق بالمهام التقليدية التي تضطلع بها في المنزل.
4 – زيادة عدد النساء في مستوى اتخاذ القرار، في كل من منظمات العمال الوطنية والدولية والهيئات الاستشارية.
5 – مقاومة العوامل التي تنزع إلى عدم إلحاق الفتيات والنساء بالمدارس ومراكز التدريب.
6 – الاعتراف بما للمرأة من إسهام هام في التنمية الاقتصادية، والقيام - في الوقت نفسه – بإجراء التغييرات الملائمة لتلافي بطالة المرأة.
7 – الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل في التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تكفل مشاركتها مع الرجل في جميع ميادين العمل، وجميع الوظائف، وحصولها على الأجر المتساوي عن العمل المتساوي.
8 – تشجيع الحكومات للمشاركة الكاملة للمرأة في المهن التي كانت تعتبر وقفاً على الرجال، وتغيير السياسات والمواقف التي تدعم تقسيم العمل على أساس نوع الجنس.
9 – تجنب الاتجاه نحو أن يكون العمل بدوام جزئي، والعمل المؤقت، والعمل الموسمي، ذا طابع أنثوي.
10 – سن وإنفاذ قوانين لمنع المضايقات والتحرش الجنسي في العمل، أو الاستغلال الجنسي في أعمال معينة، مثل خدمة المنازل.
11 – ينبغي للتدابير المتخذة للتخفيف من البطالة بين الشباب، ألا يكون لها تأثير سلبي على عمالة النساء.
12 – تعزيز الاستقلال الاقتصادي للمرأة، وتخفيف العبء الثقيل الذي تقوم به في المنزل وخارجه، عن طريق إنشاء مزيد من دور الحضانة ورياض الأطفال، وتوفير تقنيات متقدمة تخدم المرأة.
13 – إن النمو الاقتصادي المستدام والتنمية المستدامة، لا يمكن تحقيقهما إلا بتحسين المركز الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والقانوني، والثقافي للمرأة.
14 – الاعتراف بعمل المرأة وبجميع مساهماتها في الاقتصاد الوطني، وإبراز ذلك العمل وتلك المساهمات إبرازاً كاملاً.
15 – دراسة العلاقة بين عمل المرأة بدون أجر، ونسبة الفقر بين النساء وتعرضهن له.
16 – إزالة الممارسات التمييزية التي يقوم بها أرباب العمل على أساس الأدوار والوظائف الإنجابية للمرأة.
17 – الحفز على تنويع الخيارات الوظيفية أمام النساء والرجال على السواء، وتشجيع النساء على الالتحاق بالوظائف غير التقليدية.
18 – أن تكفل الحكومات للمرأة حرية الاشتراك في القوى العاملة وعدم تقييدها عن الاشتراك في ذلك أو إكراهها عليه، لأسباب تتعلق بالسياسة الديموغرافية أو التقاليد الثقافية.
المطلب الثاني: نقد إجراءات عمل المرأة.
مدخل:
قبل نقد هذه الإجراءات سأتحدث – باختصار - عن عمل المرأة الغربية، وأسباب خروجها للعمل وظروفه.
إن المرأة الغربية خرجت إلى ميدان العمل بعد قيام الثورة الفرنسية (1204هـ -1789م)، وبداية تكوّن الرأسمالية، وانهيار النظام الإقطاعي -السائد آنذاك-، حيث كان الإقطاعي يمتلك الأرض ومن عليها. كذلك حينما بدأت معالم التغيير القوية تظهر عند اكتشاف الآلة البخارية، وقيام الثورة الصناعية الكبرى.
عند ذلك هاجر ملايين من القرويين والفلاحين فارين من ملاكهم الإقطاعيين الذين كانوا يسومونهم الخسف والهوان إلى المدن الكبرى، فتلقفتهم المصانع الجديدة الباحثة عن العمال.
وقد كان من حال هؤلاء العمال أنهم فروا من ظلم الإقطاعي فوقعوا في براثن الرأسمالي الجشع، الذي يعطيهم الفتات مقابل ساعات طويلة من العمل، كما أن حالة هؤلاء العمال كانت بالغة السوء، وما يتلقونه من السيد الجديد لا يكاد يفي بحاجات الطعام اليسيرة؛ وبذلك انقطعوا عن أسرهم في الأرياف، فلم يستطيعوا أن يرسلوا لهم ما يكفل لهم العيش، وكذلك لم يتمكنوا من إحضارهم ليعيشوا معهم في تلك المناطق البالغة السوء من حيث القذارة، وعدم ملاءمتها للسكن.
كل هذه الظروف اضطرت النساء والأطفال القابعين في الأرياف إلى الزحف على المدن بحثاً عن لقمة العيش بأي وسيلة وأي ثمن.
ومرة أخرى تلقفهم الأغنياء ليدفعوا بهم إلى أتون المصانع بأقل من ربع أجر الرجل في بعض الأحيان. وقد ساعدت هذه الظروف على رواج تجارة البغاء، وكان لذلك أسباب، نجملها فيما يلي:
أولاً: العوز والفقر الشديد الذي حل بالأسر القادمة من الريف، إذ أصبحت دون عائل.
ثانياً: بقاء الملايين من العمال دون زوجات، ولا بد من الاستجابة لنداء الغريزة الجنسية، فإن لم يكن بالزواج فبالبغاء.
ثالثاً: وجود السماسرة المستفيدين من هذه التجارة الرابحة – بالنسبة لهم-.
وبالجملة فإن الأمور السابقة أدت إلى تحطم نظام الأسرة، وبقاء الرجل دون زوجة أو أطفال، وكذلك بقاء المرأة وحيدة دون زوج أو أطفال، وعدم قدرتها على تكوين أسرة جديدة نتيجة للفقر المدقع، والتمزق الاجتماعي، وبالتالي أدى ذلك إلى خروج المرأة للعمل حتى تكسب لقمة عيشها.
وخلاصة القول في خروج المرأة للعمل في أوربا أنه جاء نتيجة لمخططات الرأسماليين اليهود الذين قاموا بتحطيم نظام الأسرة، واستغلال الرجال أولاً، فلما بدأ هؤلاء يتجمعون لأخذ بعض حقوقهم لجؤوا إلى استغلال النساء والأطفال، الذين دفع بهم العوز والمسغبة إلى براثن الرأسماليين.
ومنذ خروج المرأة من بيتها في أوربا، وهي تدور في الدوامة الرهيبة تلهث وراء لقمة العيش، وتُجتذَب الجميلات منهن لتجارة الرقيق الأبيض الذي يعتبر من أكثر المهن تنظيماً، يقول عضو البرلمان الفرنسي: ((إن حرفة البغاء لم تعد الآن عملاً شخصياً، بل لقد أصبحت تجارة واسعة وحرفة منظمة، بفضل ما تجلب وكالاتها من الأرباح))(1).
(( وكان من نتائج النظام الرأسمالي أن أصبحت المرأة كلاً على زوجها، وأصبح الولد عبئاً على أبيه، وتعذر على كل فرد أن يقيم أود نفسه فضلاً عن أن يعول غيره من المتعلقين به. وقضت الأحوال الاقتصادية أن يكون كل واحد من أفراد المجتمع عاملاً مكتسباً، فاضطرت جميع طبقات النساء من الأبكار والأيامى أن يخرجن من بيوتهن لكسب الرزق رويداً رويداً )) (2).
فالمرأة الأوربية – في السابق - لم تخرج طائعة مختارة، وإنما خرجت مكرهة مجبرة - سداً للرمق – بعد أن قام الرأسمالي بتحطيم الأسرة وأخذ رجلها إلى أتون المصانع، وإلى أقبية المناجم؛ فاضطرت المسكينة للخروج بحثاً عن لقمة العيش. تقول إحدى الغربيات(3):
(( إن المرأة في الغرب تجد نفسها مجبرة على العمل خارج البيت؛ لتحقق ما يطلبه منها المجتمع )).
أسباب خروج المرأة الأوربية للعمل:
أما أسباب خروج المرأة الغربية للعمل في العصر الحاضر – بعد أن تزعزعت عندهم مفاهيم الأسرة والحياة الاجتماعية والأخلاقية -، فيمكن إيجازها فيما يلي:
1 – إن الأب في الغرب غير مكلف بالإنفاق على ابنته إذا بلغت الثامنة عشرة من عمرها؛ لذا فهو يجبرها على أن تجد لها عملاً إذا بلغت ذلك السن، ثم إنه كثيراً ما يكلفها دفع أجرة الغرفة التي تسكنها في بيت أبيها.
2 – إن الناس هناك يحيون لشهواتهم، فهم يريدون المرأة في كل مكان، فأخرجوها من بيتها لتكون معهم ولهم، ويدل على ذلك تسخيرهم لها لشهواتهم الدنيئة من خلال الأفلام الداعرة، والصور العارية، والإعلانات..إلخ.
3 – إن البخل والأنانية شديدان عندهم، فهم لا يقبلون أن ينفقوا على من لا يعمل، إلا إذا كانت أعمالاً بسيطة – في زعمهم -، فهم لا يرون تربية الأولاد أمراً مهماً، ومهمة شاقة؛ لأنهم لا يبالون بدين ولا تربية ولا أخلاق.
4 – إن المرأة عندهم هي التي تهيئ بيت الزوجية، فلا بد لها أن تعمل وتجمع المال حتى تقدمه مهراً – أو ما يسمى عندهم دوطة – لمن يريد الزواج بها. وكلما كان مالها أكثر كانت رغبة الرجال فيها أكثر.
5 – البحث عن الحرية المزعومة، فالمرأة إذا خرجت من بيتها فعملت واستقلت اقتصادياً فإنها تشعر أنها حرة، وبالتالي فإنها تخادن من تشاء، وتصادق من تشاء، وتذهب حيث تشاء، بل وتنام حيث تشاء(4).
وقد استمرت هذه الحياة الفاسدة التي عاشتها المرأة في الغرب، واستمرأ الرجال ذلك منهن.
هذه لمحة عما يتعلق بواقع خروج المرأة الغربية وظروفها، وأسباب ذلك الخروج.
أما فيما يتعلق بالإجراءات السابقة، المتعلقة بعمل المرأة - التي دعت إليها هذه المؤتمرات الدولية -، فيمكن الإشارة إلى الملاحظات الآتية:
1 – إن هذه الإجراءات لم تدْعُ إلى مشاركة المرأة في الأعمال التي تناسب طبيعة المرأة الجسدية والنفسية والعاطفية، كالعمل في القطاع الاجتماعي والصحي وما شابه ذلك، بل دعت إلى مشاركتها في كل مجالات العمل التقنية والمهنية والتقنية، التي لا تتفق - في أغلب الأحيان - مع طبيعتها الأنثوية، ووجهت الرجل - عكس ذلك - إلى العمل في القطاع الاجتماعي!!.
2 - تبعاً لذلك، فإن تقارير هذه المؤتمرات تسوغ وجوب مشاركة المرأة في جميع الأعمال التي يقوم بها الرجل - وإن كانت لا تناسب المرأة - حتى يكون هناك مساواة بينهما في هذا المجال، فتظلم المرأة ويثقل كاهلها بالأعمال التي لا تناسبها، والمسوغ - كما تزعم تقارير هذه المؤتمرات - هو: المساواة بين الرجل والمرأة!!(5).
3 – إن هذه الإجراءات تبين أن المرأة الغربية العاملة تواجه معضلة كبيرة، ألا وهي مشكلة نصيب أجرها من العمل، حيث يقل كثيراً عن نصيب أجر الرجل، مع تساوي العمل.
وبيان ذلك أن دعوى المساواة بين المرأة والرجل نودي بها كثيراً في الغرب، ثم لما حصلت المرأة على مساواتها بالرجل في كثير من الأمور، طالبها الرجل بالعمل والعمل الشاق لتشاطره مصاريف الأسرة – من باب المساواة، ولو كان ذلك على حساب تربية أولادهم، وحرمانهم حقهم في الحنان، والأمن النفسي، والاستقرار-، ولم يقف الأمر عند استغلال زوجها لها والاستفادة من دخلها فحسب، بل تعرضت كذلك لاستغلال رب العمل، فقد أعطاها أجراً أقل مما يتقاضاه الرجل، حتى ولو قامت بعمل الرجل كاملاً.
(( نشرت مجلة (بيتش): إن واقع المرأة الأمريكية هو الأجر المنخفض، وظروف العمل الصعبة، والتحيز المهني، وقلة مؤسسات تربية الأطفال. وفي إيطاليا تحصل المرأة على أجر يقل عن أجر الرجل بنسبة 30%، وفي فرنسا يصل الفرق إلى 33%، وفي اليابان يصل إلى 40%))(6).
وهذا يبين التناقض في دعوى المساواة بين الرجل والمرأة في العمل، ولا تزال المرأة الغربية تعاني من هذه المعضلة إلى هذا اليوم، فتأمل!!.
4 – كما أن هذه الإجراءات تبين أن المرأة العاملة تواجهها معضلة أكبر من سابقتها، ألا وهي معضلة المضايقات والتحرشات الجنسية التي تواجهها المرأة في أماكن عملها المختلطة مع الرجال.
وهذه المضايقات والاعتداءات الجنسية على المرأة العاملة في أماكن العمل المختلطة ليست أمراً جديداً وطارئاً، بل إنه بدأ منذ ظهور الرأسمالية، ومنذ التحاق المرأة بالعمل(7).
ولقد ساهم ابتزاز المرأة جنسياً أثناء العمل في قتل أعداد لا تقدر من النساء العاملات في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؛ وذلك عن طريق انتشار الزهري والأمراض التناسلية؛ وعن طريق طرد المرأة إلى قارعة الطريق إذا رفضت الاستجابة لرغبات رئيسها في العمل، وبالتالي التعرض لأمراض سوء التغذية والأمراض المعدية (8).
ونتيجة لهذه المضايقات الجنسية في العمل فإن آلاف العاملات تحولن إلى مومسات؛ مما جعل هذه الفترة في حياة الأمة الأمريكية – أي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين – تشهد أضخم عدد من المومسات في التاريخ، وقد أثار هذا الأمر الرأي العام والصحافة آنذاك، إلا أن الصحافة سكتت عن آلاف النساء الضحايا اللائي كان يقتلهن الزهري والأمراض التناسلية في كل عام.
إن هذا الاستغلال الجنسي البشع ليس إلا تقريراً دقيقاً لواقع الحال آنذاك، الذي لم يثر أي اهتمام في المجتمع؛ ونتيجة لذلك نرى آثاره المدمرة مستمرة إلى يومنا هذا.
ومما يؤكد الوضع المأساوي الذي تعيشه المرأة العاملة، ما قالته المسؤولة عن اتحاد النقابات العمالية للنساء(9): (( لا يوجد مصنع واحد اليوم لا تحدث فيه حوادث الاعتداء الجنسي بشكل من الأشكال)). ثم تحاول هذه المسؤولة أن تصف علاج هذه المشكلة، فتقول: (( وفي رأيي أن ذلك يمكن القضاء عليه أو على الأقل التخفيف منه، بتثقيف الفتيات العاملات، بدلاً من مهاجمة الشركات!!)). وتختلف معها كل من صديقتها (10)، ومؤلفة كتاب [الابتزاز الجنسي] (11) في وصفها للعلاج؛ حيث ذكرتا أن الفتيات المثقفات أنفسهن يعانين من أنواع مختلفة من الاعتداءات الجنسية المتكررة، ولم تكن الثقافة رادعاً لمثل هذا السلوك العدواني من الرجل(12).
ومما يدلل على خطورة هذه الاعتداءات الجنسية على النساء العاملات، ما فعلته إحدى النساء الأمريكيات؛ حيث نذرت حياتها لمحاربة هذا الاستغلال الجنسي للمرأة في مجال العمل، فجابت الولايات المتحدة الأمريكية من أقصاها إلى أقصاها، داعية ومحاضرة لتحرير المرأة من نير ابتزاز الرجال واستغلالها جنسياً؛ لعلمهم بحاجتها إلى العمل؛ حيث دعت إلى التحرر من رق الجنس في العمل.
وقدمت نظريتها المعروفة باسم ((التحرر الجنسي))، والمقصود بذلك أن تكون المرأة حرة في صيانة عرضها، وألا توجه إليها أي ضغوط، نظراً لفقرها وعوزها وحاجتها إلى العمل.
ونتيجة لهذه الحملة التي قامت بها اعتقلتها السلطات وأودعتها السجن، ولكن ذلك لم يفت في عضدها، واستمرت في دعوتها، وكتبت في رسالة لها بعنوان ((التجارة في النساء)) – أي التجارة في أعراضهن -: (( لا يوجد مكان اليوم تعامل فيه المرأة العاملة على أساس عملها، بل أساس الجنس، ولهذا فإنها لكي تحتفظ بحقها في البقاء والعيش، وبحقها في الاحتفاظ بعملها ومصدر دخلها، فإن عليها أن تقدم مقابل ذلك جسمها وفرجها)) (13).
وتقول صاحبة كتاب [الابتزاز الجنسي]: ((إن الوضع لا يزال كما تركته (إيما جولدمان) (14)، وإن هناك أعداداً لا يمكن إحصاؤها من النساء اللائي اضطررن لبيع أجسادهن في مقابل الاحتفاظ بالعمل، وإن ذلك القسر والإجبار على الزنى قد أدى إلى تعاسة وشقاء لا يمكن تصوره لأولئك النسوة وأهليهن، ليس ذلك فحسب، ولكن أعداداً كبيرة منهن قد أصبن بالأمراض الجنسية الخطيرة، مثل: الزهري، والسيلان، والقرحة..إلخ، وماتت الكثيرات منهن نتيجة لهذه الأمراض، كما ماتت الكثيرات نتيجة للقهر والإذلال وحياة التعاسة والشقاء والفقر، في حالتي الرفض والاستجابة لرغبات الرجال، في المصانع والمتاجر والمكاتب)) (15).
كما تقول: (( إن الاعتداءات الجنسية بأشكالها المختلفة منتشرة انتشاراً ذريعاً في الولايات المتحدة وأوربا، وهي القاعدة وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوع من الأعمال تمارسه مع الرجال)).
وتقول في موضع آخر من كتابها: (( وتقول إحصاءات عام (1393هـ- 1973م): إن 12% من الأسر الأمريكية لا عائل لها؛ نتيجة لوفاة العائل، أو نتيجة للطلاق، أو نتيجة للافتراق؛ وتبقى المرأة لذلك هي العائل الوحيد للأسرة، وإذا علمنا أن إحصاءات عام (1393و1394هـ -1973و1974م) تقول: إن ربع مليون امرأة من هؤلاء المسؤولات عن أسرهن كن عاطلات عن العمل، لأدركنا فداحة الوضع بالنسبة لربع مليون أسرة أمريكية بدون عائل، وبدون عمل للمرأة العاملة والعائل الوحيد لتلك الأسر.
والسبب الرئيس في بطالة هؤلاء العاملات: الاعتداءات والمضايقات الجنسية في مجال أعمالهن)) (16).
وقد ذكرت دراسة قامت بها (منظمة العمل الدولية) أن المضايقات والتحرشات الجنسية تنتشر في أماكن العمل في الدول الصناعية. ويبين التقرير الذي أصدرته المنظمة، أن ما توصلت إليه في ثلاث وعشرين دولة صناعية فوق الكرة الأرضية، يؤكد أن التحرشات الجنسية مشكلة منتشرة، وتؤثر على نسبة كبيرة من النساء العاملات، وذلك طبقاً لما ذكره المدير العام للمنظمة في جنيف(17).
بل إن المضايقات والاعتداءات الجنسية للنساء في أماكن العمل مبيتة سابقاً – أي قبل تعيينهن –؛ فالجاذبية الجنسية في المرأة هي أحد الشروط الهامة للحصول على الوظيفة، - كما هو الأمر في أمريكا، حيث أجريت دراسة على ألفي مؤسسة ومصنع هناك -، وخاصة العاملات على الهاتف، والاستقبال، وأمينات السر، والضاربات على الآلة الكاتبة، وغيرها من الوظائف.
وحتى في وظائف الحكومة الفيدرالية فإن هذه الشروط تبقى ثابتة وغير معلنة.
وأخطر من ذلك الهيئات التي تحارب التفرقة على أساس الذكورة والأنوثة، فإنها هي ذاتها تقوم بابتزاز المرأة العاملة جنسياً (18).
ويكفي في بيان الآثار السلبية للعمل المختلط ما يلي – وذلك على سبيل المثال فقط -:
أ – نشرت مجلة الطب النفسي الأمريكية عن الاعتداء الجنسي خلال العمل أن 42% من النساء العاملات يتعرضن له، وأن أقل من 7% فقط من الحوادث يرفع إلى الجهات المسؤولة، وأن 90% من المعتدى عليهن يتأثرن نفسياً، و12% منهن يذهبن لطلب المعونة الطبية النفسية(19).
ب – أكدت دراسة أجريت في النمسا عام (1406هـ -1986م)، أن 30,5% من النساء أبلغن عن تعرضهن لتحرشات خطيرة غير أخلاقية.
كما بينت دراسة أجريت في ألمانيا عام (1410هـ -1990م) أن 6% من النساء استقلن من العمل لمرة واحدة – على الأقل – نتيجة لذلك.
أما في الدانمارك فقد ذُكر أن نسبة 11% من السيدات اللائي تم سؤالهن في عام (1411هـ -1991م)، أنهن واجهن مضايقات غير أخلاقية في مكان العمل، 8% منهن ذكرن أنهن فقدن عملهن نتيجة لذلك.
كما أظهرت دراسات حديثة أن 21% من الفرنسيات، و58% من النساء الهولنديات، و74% من البريطانيات، تعرضن لتحرشات غير أخلاقية في أماكن العمل، وأن 27% من النساء الأسبانيات واجهن معاكسات لفظية جارحة، واحتكاكات غير مرغوبة.
وأخيراً في النرويج ذكر 41% من النساء - في اقتراع أجري عام (1408هـ -1988م) -، أنهن تعرضن لملامسات غير مرغوب فيها لمرات عديدة، وقالت 38% من النساء أنهن تعرضن لضغوط من أجل ممارسة أفعال غير أخلاقية(20).
ج – أفاد تقرير أن مشكلة المضايقات التي تتعرض لها النساء من رؤسائهن في العمل – بسبب مقاومتهن لرغباتهم الجنسية -، أصبحت من أهم المشكلات التي تثير الجدل في الولايات المتحدة – حسبما يبدو من كلام الخطباء في أحد المؤتمرات التي عقدت في نيويورك عن حقوق الإنسان في الشركات -.
وحسب الإحصاءات التي قامت بها بعض المؤسسات النسائية؛ فإن نصف النساء العاملات في الولايات المتحدة – البالغ عددهن 40 مليون امرأة – يتعرضن لمثل هذه المضايقات الناجمة عن الجنس من رؤسائهن – عدا ما يتعرضن له من قبل زملائهن!! -، ولو لمرة واحدة في حياتهن المهنية، وتمتنع الكثيرات منهن عن الشكوى والتظلم من هذه المضايقات؛ خشية أن يفقدن عملهن (21).
د – في بون أفاد استطلاع للرأي نشر في مجلة ((بيلد إم سونتاغ)) الأسبوعية أن 60% من الألمانيات هن ضحايا المعاكسات والتحرش الجنسي في أماكن عملهن. وأوضح الاستطلاع الذي أجراه معهد ((فورسا)) على عينة من نحو (1000) ألمانية تتفاوت أعمارهن بين 18-60 عاماً أن شكل التحرش الأكثر شيوعاً هو التعليق البذيء (77%) من الحالات، يليه ملامسة النساء (50%)، وأخيراً المزاح الذي يخل بالحياء.
وفي استطلاع آخر للرأي جرى في وزارة الشؤون النسائية أوضح أن 72% من الألمانيات هن ضحايا التحرش والمعاكسات في أماكن عملهن(22).
بل إن الأمر المثير للعجب أن هذه المضايقات والاعتداءات الجنسية، لم تسلم منها حتى موظفات هيئة الأمم المتحدة - التي تتبنى مؤتمرات المرأة -، فقد قدم استفتاء إلى السكرتيرات في الأمم المتحدة حول الابتزاز الجنسي لهن أثناء العمل، وقد تم استجواب (875) منهن، وأفادت 50% منهن بأنهن قد وقعن تحت تأثير هذه المضايقات والاعتداءات الجنسية شخصياً – وذلك قبل مصادرة الاستفتاء من قبل المسؤولين في الأمم المتحدة - !! (23).
وأخيراً ما الحل في مواجهة مثل هذه المضايقات للمرأة العاملة والاعتداءات الجنسية عليها في الغرب ؟؟.
إن العلاج والحل يكمن في الفصل بين الجنسين في مواقع العمل، كما يوجب الإسلام ذلك - وسيأتي بيان ذلك بعد قليل بإذن الله -.
كما أن الغرب بعد أن عاش النتيجة الطبعية لوجود نساء مع رجال في مكان واحد لمدة طويلة – ألا وهي الميل الغريزي والفطري غير المنضبط من الرجل تجاه المرأة -، بدأ بالمناداة بالفصل بين الجنسين في أماكن العمل، حلاً لهذه المشكلة.
فبعد أن تفجرت فضيحة في الولايات المتحدة الأمريكية، حينما ادعت مسؤولة أمريكية أن رئيسها في العمل – وهو أحد كبار قضاة المحكمة الدستورية العليا في أمريكا – يتحرش بها ويعرض عليها عروضاً جنسية، عند ذلك دعت بعض الصحف الأمريكية إلى الفصل بين الجنسين في أماكن العمل والدراسة، ودعت – أيضاً – إلى أن تقلل المرأة من استخدام الزينة والملابس الكاشفة(24).
5 – إن المرأة في الغرب هي التي تعول نفسها – وهذا بخلاف ما عليه المرأة في الإسلام، كما سأشير إلى ذلك بعد قليل –، وهذا ما يدفعها للعمل، وإلا ستواجه مشاكل كثيرة في حياتها.
6 – إن هذه الإجراءات تؤكد – في أكثر من مؤتمر – أن قيمة المرأة عند الغرب تتمثل في عملها خارج المنزل، وأما عملها داخل المنزل لتربية أبنائها ورعاية شؤون زوجها وبيتها فلا قيمة له ولا وزن!!.
7 – وتبعاً لذلك، فإن عمل المرأة داخل منزلها، يعتبر - في نظر القائمين على هذه المؤتمرات - لا اعتبار له، بل هو من أسباب فقر المرأة!!. فعملها المعتبر هو ما كان خارج المنزل، وما سوى ذلك فهو بطالة!!.
والرد على هذا التصور الخاطئ يتبين من خلال ما يلي:
أ – إن ما تقوم به المرأة من عمل داخل بيتها يعد من العمل المعتبر عند الاقتصاديين.
فالعمل في اللغة هو المهنة والفعل، يقال عمل عملاً، أي: فعل فعلاً عن قصد. والعمل في الاقتصاد: مجهود يبذله الإنسان لتحصيل منفعة(25).
وبتأمل عمل المرأة المنزلي نجده يدخل ضمن مفهوم العمل بمعناه اللغوي والاقتصادي، بل إن الاقتصاديين يعتبرون العمل المنزلي عملاً منتجاً، فهذا أحدهم يقول(26): (( إن إهمال تقدير خدمات وأعمال ربات المنازل عند حساب الناتج القومي يؤدي إلى كثير من المغالطات)).
كما أفرد الاقتصاديان (رونالد إيرنبرج و روبرت سميث) في كتابهما [اقتصاديات العمل] فصلاً كاملاً حول الإنتاج المنزلي والأسرة وعرض العمل، تحدثا فيه بإسهاب عن توزيع الوقت المحتاج بين العمل في المنزل وخارجه، ومن يقوم بالعمل في المنزل، ونحو ذلك(27).
وقد كان هناك تقرير صدر في الولايات المتحدة عن لجنة مكونة من دائرة الصحة والتربية والرعاية الاجتماعية، لدراسة شؤون العاملين في ميادين العمل – ومن ذلك عمل المرأة الأمريكية وانعكاساته على أسرتها وأطفالها -، ومما جاء في هذا التقرير المهم ما يلي:
((حين ننظر في عمل المرأة في بيتها، نجد أنه من السخافة أن يقتصر تعريف العمل على الذي يتقاضى صاحبه عنه أجراً، فالمرأة لا تعتبر عاملة طبقاً للتعريف المشار إليه، ولكن عملها في تربية الآخرين يعتبر عملاً، وإن أجورهن تسهم في زيادة الدخل القومي بآلاف الدولارات)).
وجاء في هذا التقرير: (( والحقيقة الواضحة أن رعاية الأطفال يعتبر عملاً بكل ما يفيده مفهوم العمل؛ لأن هذه الرعاية مهمة صعبة وذات أثر خطير على المجتمع الكبير، أكثر من أي عمل آخر تدفع له الأجور.
إن المشكلة ليست في قبول الناس – في مجتمعنا الأمريكي – بهذه الحقيقة أو عدم قبولهم، وإنما المشكلة هي في معتقداتنا وثقافتنا الخاصة. فنحن كمجتمع لم ندرك بعد هذه الحقيقة عن قيمنا وتقديراتنا عن النافع وغير النافع، وسوف يتحقق هذا الإدراك حين نبدأ النظر إلى اللاتي يكرسن أنفسهن للأمومة ورعاية البيت باعتبارهن عاملات منتجات، وندفع لهن أجوراً ورواتب، مقابل هذه الرعاية، وحين نعتبر عملهن في البيت إسهاماً جليلاً في زيادة الدخل القومي)).
كما جاء في هذا التقرير: ((والمشكلة هنا إذا اعتُبِرت الأم عاملة، وتؤدي عملاً جليلاً، فمن يا ترى صاحب العمل المكلف بأن يدفع لها أجراً؟.
ربما قد يكون الجواب: إن الزوج هو المكلف بالدفع؛ لأن عمل زوجته في البيت يسهم في راحته، وزيادة إنتاجه خارج البيت، وإذا لم يكن لربة البيت زوج، فكانت أماً لأيتام – مثلاً – فمن الذي يدفع لها، لقاء رعايتها أطفالها وبيتها؟. الجواب: طالما أن عملهن يفيد المجتمع عامة فمن الواجب أن يُدفع لهن من دخل الأمة )) (28).
ب – تناقض هذه المقولة – أي أن عمل المرأة ليس له اعتبار ولا قيمة – مع المقولة الأخرى لهذه المؤتمرات، التي تنادي بحساب عمل المرأة في المنزل بحسابات مادية، واعتبار ذلك عند حساب الدخل القومي للدولة.
وقد أكدت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة القيمة الاقتصادية لعمل المرأة في البيت، ومن ذلك تقرير صدر عن الأمم المتحدة عام (1405هـ -1985م)، جاء فيه: (( لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية، لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد، ولو قامت الزوجات بالإضراب عن القيام بأعمال المنزل لعمت الفوضى العالم، سيسير الأطفال في الشوارع، ويرقد الرضع في أَسِرّتهم جياعاً تحت وطأة البرد القارس، وستتراكم جبال من الملابس القذرة دون غسيل، ولن يكون هناك طعام للأكل، ولا ماء للشرب.
ولو حدث هذا الإضراب، فسيقدر العالم أجمع القيمة الهائلة لعمل المرأة في البيت.
إن عمل المرأة المنزلي غير منظور لدى الكثيرين، وإن المرأة لا تتلقى أجراً نظير القيام بهذا العمل، وإن هذا العمل حيوي، وعلى جانب عظيم من الأهمية، غير أن هذه الساعات الطويلة من عناء المرأة في المنزل لا يدركه الكثيرون؛ لأنه بدون أجر.
إن المرأة لو تقاضت أجراً لقاء القيام بأعمالها المنزلية، لكان أجرها أكثر من 14500 دولاراً في السنة، وإن النساء الآن في المجتمعات الصناعية يساهمن بأكثر من 25% إلى 40% من منتجات الدخل القومي، بأعمالهن المنزلية )) (29).
بل إن عمل الأمهات في البيوت لا يقدر بثمن، وقد قامت مؤسسة مالية في الولايات المتحدة(30) بدراسة عمل الأم في المنزل (كالتربية، والطبخ، والإدارة المالية، والعلاج النفسي للأسرة..إلخ)، ومحاولة تقديره بحسابات مادية على الورق، فوجدت أن الأم تستحق أجراً سنوياً يصل إلى 508آلاف دولار – محسوباً على أساس الأجور السائدة في الولايات المتحدة -، وقال المحلل المالي(31) لهذه المؤسسة: ((حيث إن الأم تعمل 24 ساعة مستمرة يومياً، توصلنا إلى أنها تستحق أجر وقت دائم سنوي، يساوي أجر 17وظيفة مهمة)).
وقد علقت المنظمة القومية للمرأة في الولايات المتحدة الأمريكية على هذا الأمر فقالت: ((إن هذا التقدير لعمل الأمهات أمر جيد)).
إلا أن محررة (32) في مجلة ((عمل المرأة)) الأمريكية، وصفت مبلغ نصف مليون دولار بأنه منخفض جداً، مشيرة إلى أن كثيراً من الأمهات يؤدين - عملياً - أعمالاً أكثر من تلك التي أشارت إليها هذه الدراسة.
وأضافت هذه المحررة قائلة: (( أعتقد أن الأمهات لم يجدن بعد التقدير الكافي، وأحد أسباب ذلك أن الأمهات يتطوعن بمهام قد لا ينتظرها أحد منهن))(33).
ج - إن دعامة الأسرة هي المرأة، وهذه الدعامة تتمثل في وظيفة المرأة الأساسية، ألا وهي العناية بالأسرة(34)، ويكون ذلك برعاية الأبناء وتنشئتهم التنشئة الصالحة، دينياً، ونفسياً، واجتماعياً، وخلقياً؛ حتى ينشؤوا أسوياء، ويكونوا أعضاء صالحين في مجتمعاتهم، ولا يمكن أن يقوم بهذا الدور إلا الأم؛ لأن الله تعالى جعل فيها من العاطفة والأمومة ما يجعلها قادرة على أداء هذا الدور على أكمل وجه.
وهنا يمكن أن نطرح بعض الأسئلة لمن يعتبر عمل المرأة في منزلها لا اعتبار له، وأنه من أسباب الفقر، فنقول:
إذا أدركنا أهمية دور المرأة في رعاية شؤون بيتها، فهل خروج المرأة لتعمل خارج المنزل يؤثر على عملها النسوي الأصيل؟ ثم ماذا يحدث لو انصرف كل النساء إلى أعمال الرجال؟ هل يتحتم على الرجال عند ذلك أن يقوموا بأعمال النساء؟ وإذا قبلوا ذلك فهل يصلحون له؟ وهل يتقنونه؟.
وللإجابة عن هذه الأسئلة نقول:
(( من الواضح أن عمل الأنثى الأول الذي لا يصلح له غيرها هو النسل، وحفظ النوع؛ لأن تركيب الذكران العضوي لا يسمح لهم بحمل الجنين ولا بإرضاعه، ومن الثابت أن إرهاق المرأة بالعمل يترك أثراً في مزاجها وفي أعصابها، ومن الثابت أيضاً أن ذلك الأثر ينتقل إلى جنينها في حالة الحمل، كما ينتقل إلى طفلها في حالة الرضاعة..ثم إن المرأة بحاجة إلى أن توفر لها الفرصة الكاملة لملازمة طفلها ملازمة كاملة تسمح بأن يصنع على عينها جسماً وعقلاً وخلقاً؛ لكي تغرس فيه العادات الفاضلة، وتجنبه ما قد يعرض له أو يطرأ عليه من عادات قبيحة.
كما أن اعتماد المرأة العاملة على الخدم وعلى دور الحضانة في رعاية وليدها لا يؤدي إلى اكتمال تنشئته؛ لأن الإخلاص له والحرص على ابتغاء الكمال من كل وجه لا يتوافر في أحد توافره في الأم، فإن من وراء إخلاصها وحرصها غريزة الأمومة.
وهذا الجيل الغربي من التائهين الضائعين..المحطمي الأعصاب..المبلبلي الأفكار.. القلقي النفوس، وهذه النسبة الآخذة في الارتفاع – حسب إحصاء الغربيين أنفسهم – للانحراف والشذوذ بكل ضروبه وألوانه، وكل هذه الظواهر والآثار، هي من آثار التجربة التي خاضها الغرب في المرأة؛ لأن هؤلاء جميعاً هم أبناء العاملات والموظفات، الذين عانوا من إرهاق أمهاتهم وهم في بطونهن، ثم تعرضوا لإهمالهن بعد أن وضعنهم. وماذا يبتغي الناس من تجربة فاشلة كهذه؟ ألا يتدبرون؟ )) (35).
وقد أكد هذا الكلام ( أجوست كونت)، حيث يقول:
(( ينبغي أن تكون حياة المرأة بيتية، وألا تكلف بأعمال الرجال؛ لأن ذلك يقطعها عن وظيفتها الطبيعية، ويفسد مواهبها الفطرية، وعليه فيجب على الرجال أن ينفقوا على النساء دون أن ينتظروا منهن عملاً مادياً – كما ينفقون على الكتاب والشعراء والفلاسفة – فإذا كان هؤلاء يحتاجون لساعات كثيرة من الفراغ لإنتاج ثمرات قرائحهم، كذلك يحتاج النساء لمثل تلك الأوقات ليتفرغن فيها لأداء وظيفتهن الاجتماعية من حمل، ووضع، وتربية )) (36).
كما أكد هذا الأمر - أيضاً - المفكر والفيلسوف (برنارد شو)، حيث يقول: (( أما العمل الذي تنهض به النساء.. العمل الذي لا يمكن الاستغناء عنه فهو: حمل الأجنة، وولادتهم، وإرضاعهم، وتدبير البيوت من أجلهم، ولكنهن لا يؤجرن على ذلك بأموال نقدية، وهذا ما جعل الكثير من الحمقى ينسون أنه عمل على الإطلاق، فإذا تحدثوا عن العمل جاء ذكر الرجل على لسانهم، وأنه هو الكادح وراء الرزق، الساعي المجتهد وراء لقمة العيش، وما إلى ذلك من الأوصاف التي يخلعونها في جهل وافتراء، ألا إن المرأة تعمل في البيت، وكان عملها في البيت منذ الأزل عملاً ضرورياً وحيوياً لبقاء المجتمع ووجوده)) (37).
إن الحكم على وظائف المرأة – من حمل وإرضاع ورعاية أبناء وزوج – بأنه لا شيء، وأن بقاءها في بيتها واقتصارها على تلك الوظائف يجعلها عاطلة، يعتبر حكماً سطحياً محجوباً عن تبيين الحقائق (( فإننا حين ننظر في جد لنوازن بين عمل المرأة وعمل الرجل – من حيث الجدوى على الحياة ومجد الدولة -، نرى أن المرأة قد ذهبت باللب، والرجل قد قام من ذلك اللب بدور لا نقول: إنه ثانوي، ولكنه ليس في صميم اللب. فأي الدورين يكون صاحبه عاطلاً – أو في حكم المتعطل – إذا كان مقياس العمل والعطل هو الإنتاج للحياة؟. ماذا يكون أجر من ثمرتها طفل، وأجر من ثمرته جلب حزمة من حطب أو بضع ثمرات من شجرة قريبة؟!.. ولكن الحياة لا تجزي ذلك الأجر النقدي، فإن ثمر المرأة ومقامها أجلّ من أن يقدر بعرض )) (38).
وهذا الإنجليزي (سامويل سمايلس)، وهو من أركان النهضة الإنجليزية يقول: (( إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل، مهما نشأ عنه من الثروة فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية؛ لأنه يهاجم هيكل المنزل، ويقوض أركان الأسرة، ويمزق الروابط الاجتماعية، ويسلب الزوجة من زوجها، والأولاد من أقاربهم، وصار لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة؛ إذ وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية، مثل ترتيب مسكنها، وتربية أولادها، والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام باحتياجاتهم البيتية.
لكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات، بحيث أصبحت المنازل غير المنازل، وأضحت المواليد تشب على عدم التربية، وتلقى في زوايا الإهمال، وانطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة، والمحبة اللطيفة، وصارت زميلته في العمل والمشاق، وصارت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالباً التواضع الفكري، والتواد الزوجي، والأخلاق التي عليها مدار حفظ الفضيلة)) (39).
ثم كيف تكون المرأة في بيتها تعيش بطالة، وهي بالكاد تجد الوقت الكافي للقيام بواجباتها في منزلها على الوجه الأكمل، من رعاية زوجها، وتربية أبنائها، والقيام بشؤون البيت وما يتعلق به؟؟.
د – إن وصف هذه الإجراءات لعمل المرأة في البيت بالبطالة، وأنه مما يسبب الفقر، قد يصدق على حال المرأة في الغرب؛ حيث إنها مسؤولة عن الإنفاق على نفسها، فليس هناك أحد مكلف بالإنفاق عليها.
وأما حال المرأة في الإسلام فهو بخلاف ذلك، فالمرأة غير مكلفة بالإنفاق على نفسها، وإنما الرجل هو المكلف بالإنفاق على المرأة (زوجاً، أو أباً، أو من يلي أمرها).
هـ – كيف يعتبر عمل المرأة في منزلها بطالة ؟ والمرأة إذا خرجت لتعمل ، تستقدم خادمة ومربية - كما هو الحال عند كثير من النساء -؛ لتقوم بأعمال المنزل ورعاية الأطفال، وتعطيهم على ذلك أجراً ؟؟، إذاً فهو عمل مأجور وذو اعتبار – بالرغم من أنه لا يمكن لأحد أن يقوم بنفس الدور الذي تقوم به المرأة في منزلها -، فكيف يكون العمل الذي تقوم به المربية والخادمة عملاً مأجوراً وذا اعتبار، ولا يكون الأمر كذلك إذا قامت به المرأة في بيتها؟؟!!.
يقول (جول سيمون): (( المرأة التي تشتغل خارج بيتها تؤدي عمل عامل بسيط، ولكنها لا تؤدي عمل امرأة! فما فائدة مزاحمتها للرجل في عمله، وتركها عملها ليس له من يقوم به؟ )) (40).
و – إن البطالة الحقيقية تتمثل في خروج المرأة للعمل، وبقاء الرجال عاطلين بلا عمل. ففي كل بلد يوجد الآلاف من الشباب الذين لا يجدون عملاً، ومع ذلك فينادى بخروج المرأة للعمل، بحجج واهية (حقوق المرأة – نصف المجتمع المعطل – نصف الأمة المسجون..المشلول..إلخ). فأيهما المطالب بالإنفاق؟ أليس هو الرجل!!.
ثم أين الفقر الذي تعد به هذه المؤتمرات؟ بل أين الجدوى الاقتصادية من عمل المرأة خارج المنزل؟.
إن الكسب الحقيقي من العمل الخارجي للمرأة لا يخلو من مبالغة أو خطأ في الحساب، ومما يدل على ذلك ما قالته السويسرية (بيناو لاديف) بعد تركها للعمل، إذ تقول: (( فلو حسبت أجر المربية، والمعلمين الخصوصيين، ونفقاتي الخاصة - لو أنني واصلت العمل ولم أتفرغ للأسرة -، لوجدتها أكثر مما أتقاضاه في الوظيفة)) (41).
كما أثبتت دراسة ميدانية أن المرأة العاملة خارج بيتها تنفق من دخلها 40% على المظهر والمواصلات، أما تلك التي تعمل في بيتها فهي توفر من تكلفة الطعام والشراب ما لا يقل عن 30%، وخلصت الدراسة إلى أن المرأة التي تمكث في البيت توفر ما لا يقل عن 70% من الدخل الذي كان بالإمكان أن تحصل عليه، بل يمكنها أن تحقق دخلاً أكثر مما تحققه الموظفة، إذ تستطيع أن تحول بيتها إلى ورشة إنتاجية، بأن تصنع في وقت فراغها ما يحتاج إليه بيتها ومجتمعها(42).
ثم إن المرأة يمكن أن تعمل في بيتها أعمالاً تدر عليها ربحاً مادياً، دون أن تضطر للعمل خارج المنزل؛ حيث إن العمل خارج المنزل ليس الطريق الوحيد للكسب المادي.
ففي أمريكا – مثلاً– يوجد 11,8مليون أمريكي يعملون في المنزل دواماً كاملاً، ويحققون من خلال عملهم هذا كامل دخولهم، بينما يحقق 26,6 مليون أمريكي دخولاً إضافية من أعمال يمارسونها في منازلهم. أي أن أكثر من 38 مليون أمريكي يحققون كسباً مادياً من عملهم في المنزل(43).
كما أن هناك فكرة العمل بما يسمى بنظام [ المكتب المنزلي (44)]، وهو نظام يحقق لمن ترغب من النساء أن تمارس عملاً ما في بيتها، أو تمارس مشاريع استثمارية صغيرة، وفي نفس الوقت ترعى أسرتها. وهذا النوع من العمل منتشر في أمريكا وأوربا، وقد أوجد في أمريكا – وحدها – 41 مليون فرصة عمل، ويحقق العاملون والعاملات منه عوائد جيدة.
وأما نوعية العمل الذي يمكن تأديته من داخل المنزل، فنذكر- على سبيل المثال – ما يلي: ( مساعدة إدارية – تخطيط – تحرير صحافي – معالجة إدخال بيانات – تحليل مالي – باحثة إنترنت – تدقيق لغوي – مبيعات وتسويق – ترجمة لغات – طباعة – معالجة نصوص – إعلانات – تصميم فني – تصميم ديكور – صناعات تقليدية )، وغيرها من المهن التي تناسب طبيعة المرأة.
_____________
(1) انظر: عمل المرأة/محمد البار ص113.
(2) الحجاب/أبو الأعلى المودودي ص68.
(3) واسمها (كريستيان ساينس مونيتور)، انظر: صحيفة المدينة – العدد (( 4978))، الصادرة بتاريخ 14/10/1400هـ الموافق .
(4) انظر: المرأة المسلمة/وهبي سليمان غاوجي ص180، بتصرف يسير.
(5) وهذا يؤكد المفهوم الخاطئ للمساواة بين المرأة والرجل عند الغرب، كما سبق بيان ذلك. انظر: الفصل الأول من الباب الأول من هذه الرسالة.
(6) إلى غير المحجبة/محمد سعيد مبيض ص88.
(7) كما تقول ذلك (لين فارلي) في كتابها [الابتزاز الجنسي]، نقلاً عن كتاب: عمل المرأة في الميزان/محمد البار ص168.
(8) نفس المرجع ص169.
(9) واسمها: روز شنيدرمان.
(10) واسمها: بولين نيومان.
(11) واسمها: لين فارلي.
(12) انظر: عمل المرأة في الميزان/محمد البار ص175،176. ولا شك أن علاج هذه الاعتداءات الجنسية يكمن في فصل عمل المرأة عن عمل الرجل – كما سنشير إلى ذلك عند الحديث عن عمل المرأة في الإسلام-، بحيث لا يكون هناك اختلاط، لأن اختلاط الرجل بالمرأة يؤدي إلى مثل هذه المفاسد – كما سبق أن بينت ذلك أثناء الحديث عن الاختلاط في التعليم-. انظر: ص561 وما بعدها.
(13) انظر: عمل المرأة/محمد البار ص176، بتصرف واختصار.
(14) صاحبة نظرية ((التحرر الجنسي))، الذي مر ذكرها قبل قليل.
(15) نفس المرجع ص177.
(16) المرجع السابق: ص178.
(17) انظر صحيفة الرياض العدد ((8929 )) بتاريخ 10/6/1413هـ الموافق 4/12/1992م، وتكنولوجيا المعلومات والمرأة العربية في التسعينات/ غسان عبدالله ص2 – بحث ألقي في المؤتمر الإقليمي ((التحديات الاقتصادية والاجتماعية في التسعينات))، القاهرة، ومجلة (النفس المطمئنة) العدد ((51)) – يوليو 1997م ص7.
(18) عمل المرأة/محمد البار ص187.
(19) انظر: مجلة الطب النفسي الأمريكية (يناير 1994م-رجب 1414هـ)، نقلاً عن كتاب أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة/ بشر البشر ص79.
(20) انظر صحيفة الرياض العدد ((8929 )) بتاريخ 10/6/1413هـ الموافق 4/12/1992م.
(21) انظر: من أجل تحرير حقيقي للمرأة/محمد رشيد العويد ص166.
(22) نقلاً عن: صحيفة (الرياض)، العدد ((8530 )) بتاريخ 25/4/1412هـ الموافق 1/11/1991م.
(23) انظر: عمل المرأة/ محمد البار ص189.
(24) نقلاً عن: صحيفة (المسلمون)، العدد (( 458 )) بتاريخ 28/5/1414هـ الموافق 12/11/1993م.
(25) المعجم الوسيط/ إبراهيم أنيس وآخرون ج2 ص189
(26) وهو الدكتور عبدالرحمن يسري أحمد في كتابه: التحليل الاقتصادي ص28، نقلاً عن كتاب: عمل المرأة/سالم عبدالعزيز السالم ص52.
(27) نفس المرجع والصفحة، وانظر: الطاقات النسائية العربية/زهير حطب و عبس مكي ص136.
(28) انظر الأمومة ومكانتها في الإسلام/ مها الأبرش ج2 ص934-936.
(29) انظر: رسالة إلى حواء (الرسالة الثالثة)/محمد رشيد العويد ص73.
(30) اسم هذه المؤسسة [خدمات إدلمان المالية]، وتقع في مدينة فيرفاكس بولاية فرجينيا.
(31) اسمه (ريك إديلمان).
(32) واسمها (جودسين كولبريث).
(33) نقلاً عن صحيفة (الاقتصادية)، العدد ((2056))، الصادرة بتاريخ 24/1/1420هـ - الموافق 10/5/1999م.
(34) انظر: نحو فكر نسائي حركي منظم/ صلاح قازان ص70 وما بعدها.
(35) انظر: حصوننا مهددة من داخلها/محمد محمد حسين ص90-94 باختصار وتصرف يسير.
(36) نقلاً عن كتاب: إسلامنا/ السيد سابق ص220.
(37) الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة/البهي الخولي ص230، وانظر ترجمته في ملحق التراجم ص1031.
(38) المرجع السابق ص232.
(39) دائرة المعارف/فريد وجدي، نقلاً عن: عمل المرأة/سالم السالم ص18،19.
(40) نقلاً عن كتاب: المرأة المسلمة/ وهبي غاوجي ص230.
(41) انظر: كتاب عمل المرأة/ سالم السالم ص72.
(42) نفس المرجع والصفحة، وانظر: نظام الأسرة بين المسيحية والإسلام/محمود شعلان ج1 ص361 وما بعدها، ووظيفة المرأة المسلمة في عالم اليوم/ خولة عبداللطيف العتيقي ص57 وما بعدها.
(43) هذا ما ذكره (دونا جاكسن) في كتابه : كيف نجعل العالم مكاناً أفضل للمرأة. نقلاً عن المرجع السابق ص 73.
(44) وهي فكرة طرحتها مديرة اللجنة النسائية بجمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت (سعاد الجار الله) من خلال مؤتمر صحافي عقد لأجل هذا الأمر. انظر: صحيفة الشرق الأوسط العدد ((7087)) الصادرة بتاريخ ( 27/12/1418هـ، الموافق 24/4/1998م).