كيف تحفظ القرآن في ستين يوماً

الحمد لله رب العالمين.. الحمد لله علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان والصلاة والسلام على أشرف الأنام وخير من نطق بالبيان نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد يسر الله - تعالى - القرآن للذكر وللحفظ، ورتب على حفظه الدرجات العلى في الجنان لما ورد في السنن من حديث عبد الله بن عمرو "يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"، ومن اشتغل بحفظ القرآن فإنه يجمع بين أجر التلاوة والحفظ، وكفى بالقرآن شغلاً فالعيش في ظل القرآن عيش طيب وحياة سعيدة في الدارين، وإن هذه الدورات كشفت للناس أن شباب هذه الأمة على مستوى عالٍ، وعندهم من الطاقة والعزيمة ما يفجر الجبال وهذا من نعم الله، فقد خص الله هذه الأمة بقوة الحفظ يوم أن سلبها من الأمم الماضية حيث ضيعوا الكتب المنزلة، فلله الحمد من قبل ومن بعد، فأقول لإخواني الشباب: شمروا مادام هذا الباب فتح لكم، وما دام أن الله أعطاكم النعم والوقت والأمن والإيمان والفتوة، وإني أكتب هذه الكلمات لعل الله أن ينفعني وينفع غيري من طلاب الدورات وغيرهم بها موضحاً ما يلي:
1 - الطريقة المناسبة لتوزيع الحفظ في هذه المدة.
2- أهل الدورة (الفترة).
3 - الطريقة السليمة للمراجعة اليومية والأسبوعية والنصفية والنهائية.
4 - الطريقة المناسبة للحفظ.
5 - الطريقة المناسبة للتدبر والفهم.
6 - الطريقة المناسبة للاختبارات.
7 - الطريقة المناسبة لوقت التسميع ومقداره.
8 - الطريقة المناسبة لتوزيع المجموعات والمشرفين والمتابعة.
9 - الحد الأدنى من أحكام التجويد للاستمرار في مثل هذه الدورات.
10 - تنبيهات مهمة وتوجيهات قبل الحفظ.
11- تنبيهات مهمة وتوجيهات مع الحفظ.
12- تنبيهات مهمة وتوجيهات بعد الحفظ.
13 – ملحق بأمور يجب مراعاتها في القراءة والأداء والأخطاء التي يقع فيها كثير من الطلبة.
14 – من الكلمات التي يخطئ فيها بعض الطلبة.

1-الطريقة المناسبة لتوزيع الحفظ:
إذا كانت الدورة ستين يوماً فقد يقول القائل القضية محلولة كل يوم نصف جزء لكن أقول: لابد من الجمع بين المراجعة والحفظ، فبدون برنامج المراجعة احتمال كبير أن يخفق الطالب في إتقان القرآن فإني أقترح الجدول التالي (رسم 1) لتوزيع الحفظ حسب السور (ما يعادل 12 وجهاً يومياً تقريباً باستثناء أيام المراجعة )، ويناسب هذا الجدول من أراد أن يضبط ويراجع القرآن.

2-أهل الدورة:
وأقولها بكل صراحة: إن هذه المدة الوجيزة ليست كافية في حفظ وتدبر كلام الله، ولا أرى أن هذا هو المنهج الذي سار عليه سلف الأمة، فكتاب الله يحتاج إلى وقوف وضبط وتعاهد وتأمل، لكن أوصي الشباب بوضع برنامج ولو لسنتين، بحيث يعطي القرآن حقه من التجويد والضبط والتفسير وغيره، لكن ربما تناسب شريحة من الطلاب يتصفون بما يلي:
- طالب سبق أن حفظ القرآن، ويريد أن يجمع ما تفلت منه.
- طالب قد حفظ جزءاً كبيراً من القرآن وما بقي عليه إلا القليل.
- طالب ذكي، وعنده قوة حافظة مع الحرص والتجلد والمصابرة، ويريد أن يتفرغ للمراجعة القوية بعد الدورة بحيث يختم بأقل من أسبوع.

3 – المراجعة:
أ – المراجعة اليومية: لابد من إلزام الطالب بترديد حفظ اليوم أكثر من مرة في آخر النهار مع مراجعة حفظ الأمس للربط، وحبذا أنه يشترط ألا يبدأ بالحفظ اليومي حتى يقرأ حفظ الأمس، وهذا يعد الحد الأدنى للمراجعة اليومية، ومن زاد على ذلك فهو خير.
ب-المراجعة الأسبوعية: يتفرغ الطالب في اليوم السابع للمراجعة فقط دون الحفظ، وذلك بعد الأيام الستة حسب الجدول المقترح، فإن المراجعة الأسبوعية من أهم أيام الدورة، حيث يتم ربط حوالي ثلاثة أجزاء ونصف، ولا يسمح للطالب بأي عذر من الأعذار في التخلف عن الاختبار؛ لأن طبيعة بعض الطلاب يريد العجلة، وقد لا يهتم بالمراجعة والضبط، ومن المصلحة إلزام الطالب بذلك.
ج – المراجعة النصفية: يتم تفريغ ثلاثة أيام حسب الجدول لمراجعة تقريباً نصف القرآن، وهذه المراجعة تثبت للطالب أنه قادر على المراجعة في هذه المدة حتى يعتاد الطالب على قراءة نصف القرآن في ثلاثة أيام، وليس ذلك على همة وعزيمة الشباب بصعب وبعيد، وتعد هذه المراجعة مقياس لنجاح الطالب في هذه الدورة، فإن العبرة ليست بالحفظ فقط إنما بالضبط والإتقان.
د – المراجعة النهائية: وذلك للقرآن كاملاً، وهذه تعد من شروط إكمال هذه الدورة، ويفرغ الطالب الأيام الأخيرة حسب الجدول حتى يعطى شهادة أنه حفظ القرآن كاملاً.

4 – الطريقة المناسبة لكيفية حفظ الوجه:
أ - تلاوة الوجه أكثر من ثلاث مرات، ومحاولة الفهم مع الحفظ، فهو أدعى لسرعة الحفظ، وأفضل وأنفع لحافظ القرآن.
ب- تقسيم الوجه إلى قسمين أو ثلاثة حسب قدرة الطالب.
ج - تحديد وقت معين تلزم نفسك بالحفظ حتى تعتاد عليه مثلاً الوجه يأخذ عشرة دقائق أو خمسة عشر دقيقة.
د - تكرير القسم الأول حتى يتم حفظه.
ل - تكرير القسم الثاني حتى يتم حفظه.
ك- ربط الوجه جميعاً وتكريره حتى يتم ضبطه، وكلما زدت في التكرار كان الضبط أقوى.
هـ- ربط الوجه الأول بالوجه الثاني وهكذا.
و- قراءة أربعة أوجه جميعاً بدون النظر إلى المصحف.
ي- قراءة الحفظ على المسمِّع.

5 - الطريقة المناسبة للتدبر تكون بما يلي:
أ- اختيار مصحف خاص للحفظ يكون على الهوامش معاني الكلمات، وهو موجود في المكتبات.
ب- اختيار أحد كتب التفاسير المختصرة؛ كالجلالين وغيره من التفاسير الكثيرة، والمرور على المعنى الإجمالي للآيات.
ج- التأمل والتدبر من قبل الطالب، وجعل الهم ليس الحفظ فقط، بل إشغال العقل والاستفادة من الآيات، فإن الآيات واضحة المعنى لكن تحتاج إلى توقف يسير، وهذا النوع من أقوى الطرق لفهم الآيات، وحتى لا يكون القارئ كـالأعجمي الذي يقرأ ولا يفهم، وحتى لا تنطبق عليه الآية "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" (محمد:24) ولله المثل الأعلى لو أعطاك شخص رسالة، هل يليق أن تقرأ حرفاً فيها بدون فهم للمقصود؟ فكتاب الله أحق وأولى أن تفهم ما يريد الله منك.

6 - الطريقة المناسبة للاختبارات:
الاختبار ضروري للطالب؛ لأنه يبين الضابط من غيره، وسبب رئيس لاعتياد الطالب على المراجعة، فيتم الاختبار كالتالي:
أ- طباعة كشف يوضح فيها الأسماء وأعمدة للمقاطع التي تعطى للطالب والدرجات النهائية.
ب- إعطاء الطالب الفرصة لقراءة أكثر من ثلاثة مقاطع، ولتكن متفرقة ولا يلزم أن تكون من أول الوجه.
ج- تحديد وقت الامتحان، وليكن في نهاية أيام المراجعة.
د- يجب التشديد وعدم التساهل في الدرجات، وإعلان أسماء البارزين والمخفقين ليحصل التنافس وانسحاب من لم يكن قادر على المواصلة في الدورة.

7 – الطريقة المناسبة لوقت التسميع ومقداره:
تختلف ظروف الدورات من حيث المكان في هذا الوقت لكن أقترح:
أ- التسميع يكون على فترتين أو ثلاث في اليوم.
ب- يكون التسميع أولاً تلاوة لضبط الآية والتأكد من عدم اللحن ومراعات التجويد قبل حفظ الوجه، وهذا يخضع لمستوى الطلاب وعدد المسمعين، فلكـل دورة ظروفها.
ج- تكون الفترات بعد الفجر والظهر والعصر وباقي الوقت للمراجعة، ويكون المقدار على أربعة أوجه أو حسب ما يراه المشرفون مراعاة لمستوى الطالب وانسجامه مع البرنامج.

8 – الهيكل الإداري:
تحتاج الدورة إلى هيكل إداري متكامل لنجاح الدورة على النحو التالي:

9 – الحد الأدنى من المعلومات في التجويد والضبط:
ويكون بتعليم النقاط التالية:
أ- النطق السليم للآية بدون لحن جلي.
ب- تعلم أحكام النون الساكنة والتنوين / الإدغام / الإخفاء / الإظهار / الإقلاب (انظر جدول النون الساكنة والتنوين الملحق).
ج - تعلم أحكام المدود وأحكام المتصل والمنفصل والعارض للسكون والمد اللازم (انظر جدول المدود الملحق).
وبعد ذلك يمكن التوسع في تعلم أحكام التجويد بالتفصيل بعد الدورة، أو أثناء الدورة وهذا حسب نوعية المدرسين ومستوى الطالب.

10 – تنبيهات قبل الدخول في الدورات:
أ- تجريد النية وتجريد غرضك وهدفك من حفظ القرآن، هل هو طلب مرضات الله ونيل الدرجات العلى ونفع الناس، والخلوة والأنس بترتيل وتدبر آياته أم أنه التقليد والمباهاه، وحب الشهرة؟ فإن كانت الأولى فأقدم وأبشر، وإن كانت الثانية فتب وراجع نيتك وجاهدها، واعلم أن من طلب شيئاً من الدين لا يريد إلا عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة - كما ورد في السنن في هذا المعنى - فتنبه إلى هذا.
ب- أنت أعرف الناس بنفسك، فإذا كنت لا تستطيع أن تحفظ القرآن في هذه المدة القليلة، فابحث عن دورة أخرى أقل كنصف القرآن أو ثلثه مع الضبط حتى لا يحصل عندك ردة فعل وإحجام عن مشروع حفظ القرآن، وأقترح أن تجرب مع نفسك أن تحفظ خلال ثلاثة أيام 30 وجهاً من القرآن وتقيس مدى حفظك وضبطك.
ج- يجب أن تعرف أنه لا يلزم من كونك ترغب حفظ القرآن دخولك في دورة، فقد يحول بينك وبين هذه الدورة بعض الأعراض فلا تعجز عن ترتيب وقتك والبحث عن صديق تتعاون معه على هذا الدرب وما أكثرهم - ولله الحمد-، وبالإمكان عند عدم توافر مكان للطالب في هذه الدورات أن يتفق ثلاثة أو أكثر والتعاون والتعاضد على هذا المشروع فيما بينهم.
د- احرص على الدورات التي فيها برنامج للمراجعة والاختبارات، فهي أفيد لك وأضبط، وحذاري يا أخي أن يقال لك: حافظ للقرآن وأنت مضيع للقرآن، ولو أعطيت وجهاً من القرآن للقراءة بعد الدورة لضربت أخماساً في أسداس، لذا أوصيك بالدورة التي تهتم بالمراجعة أكثر من اهتمامها في الحفظ.
هـ- قد تسمع من أحد الناس أن حفاظ الدورات غير ضابطين للقرآن فلا تلتفت إلى هؤلاء، فالناس يختلفون، فمنهم السابق للخيرات الضابط المجاهد، ومنهم العادي المنصف الذي يعرف من نفسه التقصير ويجاهدها، ومنهم المفرط الذي أهمل نفسه فكن مفتاحاً للخير معيناً عليه، ولاتكن من المثبطين الذين لا همّ لهم إلا اللمز وربما تجدهم من أكسل الناس.
و- اعتماد طبعة واحدة للحفظ، وأفضل طبعة في هذا الزمان - فيما أراه - طبعة مجمع الملك فهد.

11- تنبيهات وملاحظات أثناء الدورات:
أ- الاعتناء بالمتشابه والمتقارب، وابتكار طريقة تناسبك لربط الآية بشيء معين ليسهل استذكارها، وهناك كتب كثيرة في هذا المجال .
ب- ملازمة أحد الحفاظ للمراجعة الدائمة معه في الدورة وفي غيرها - إن تيسر ذلك-.
ج- الصبر و المصابرة والدعاء بالتوفيق والإعانة على إكمال المشوار.
د- التقليل من الطعام، فالبطنة تذهب الفطنة وتجلب النوم.
ل- التفرغ الكامل نفسياً وجسدياً من هموم الدنيا و أشغالها.
ك- خلو المكان من الإزعاج والخلطة وغيرها من المكدّرات.
م- مراجعة المحفوظ في النوافل لتثبيت الحفظ.
ن- اصطحاب مسجل لسماع قارئ مجود حتى يكون الحفظ متقن.
هـ- إياك والفتور أثناء هذه الدورة، فالشيطان سيقف لك في بدايتها ووسطها حتى يعيقك عن إكمال المشوار، فتعوذ منه واستعن بالله من الشيطان الرجيم.

12- تنبيهات بعد الدورات:
أ- تنظيم وقت للمراجعة المستمرة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تعاهدوا القرآن فوا الذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقالها" رواه البخاري.
ويفضل للحافظ أن يجعل جدولاً للمراجعة بمقدار ثلاثة أجزاء يومياً، ويجاهد نفسه ألا ينام حتى يقرأها، بحيث يختم كل عشرة أيام ويجعلها ديناً عليه في كل وقت صلاة يراجع 12 وجهاً.
ب- قد تنسى شيئاً من السور، وقد يأتيك شعور بأنك نسيت وتفلت القرآن منك، لكن هذا الشعور ينتاب أغلب الحفاظ، وهو أمر طبيعي، فإذا أحسست بذلك فلا تطع الشيطان وتيأس من المواصلة والمراجعة، فإن أحسست بذلك حاول أن تتفرغ بعض الأيام لإتقان الحفظ.
ج- محاولة إمامة المصلين في رمضان وفي غيره من الشهور لإتقان الحفظ.
د- لا تعتقد أنك بحفظك للقرآن قد بلغت مراتب العلماء، فاعرف قدر نفسك، وتزود بالعلم النافع، واطلع على كتب التفاسير، وواصل طريق العلم، ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة.
ل- احرص على دخول دورات أخرى للضبط، فهي أكبر معين على ضبط القرآن وإتقانه.
ك- عود نفسك على قراءة محفوظك بدون النظر إلى المصحف حتى لا تعتاد عليه.
م- يقول أحد الصحابة في معركة من المعارك: "بئس حامل القرآن أنا إن فررت".
وأنت قل بئس حامل القرآن أنا إن عصيته وخالفت أمره، فإن المعصية شؤم وسبب لنسيان القرآن كما قال الشافعي - رحمه الله-:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي  

ن- ترنم بالقرآن إذ الناس نائمون، ورتل القرآن ترتيلاً فإن من أسباب تثبيت القرآن القيام به بالليل قال الله – تعالى-: "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ" (الإسراء: من الآية79)، وكما جاء عند الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه".
هـ- اطّلع على بعض الكتب التي تبين آداب حملة القرآن؛ ككتاب (التبيان في آداب حملة القرآن) أو غيره من الكتب.
و- إن مما يعين على تثبيت الحفظ كثرة المراجعة والقراءة، وتذكر حال السلف فإن ذكر الصالحين حياة للقلوب وشحذ للهمم، فخذ بعض النماذج لتكون قدوة لك وميدان فسيح للحوق بهم، ومنها:
1-يروى عن أكثر من واحد من الصحابة أنهم قرؤوا القران كاملاً في ليلة منهم الخليفة الراشد عثمان ابن عفان وغيره.
2- قال ابن جريج: " يذكر عن سعيد بن جبير أنه قال: لأن تختلف النيازك في صدري أحب إلي من أن أسقط من القرآن شيئاً ".
3- جاء بسند صحيح عن الشافعي أنه ختم في رمضان ستين ختمه.
4- أعرف من الشباب في عصرنا من يختم يوم الجمعة وأعرف من ختم القرآن في ليلة، والنماذج كثيرة.