هل يستويان؟!
13 محرم 1426

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

طريقة القرآن في إثبات ألوهية الله _عز وجل_ كما أفهمها:
قال الله _تعالى_: "اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" (آل عمران:2) هذه الآية جملتان؛ جملة خبرية، وجملة تعليلية؛ الجملة الخبرية "اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ"، وكأنه سأل سائل أو تعجب متعجب: لماذا؟! فأتت الجملة الثانية تعلل: "الْحَيُّ الْقَيُّومُ"، وكأنه _جل شأنه_ يقول: لأن الله هو الحي القيوم لذلك لا يستحق العبادة إلا هو، ومثلها تماماً "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ" (البقرة:163)،
و"رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً" (الكهف: من الآية14)، و"اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ" (الأنعام: من الآية102).

وهذه هي قضية القرآن الأولى تتكرر بأسلوب لا يتكرر، وتدبر "قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً" (فصلت: من الآية9)، "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ" (الأنعام:1) ، "وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" (النحل:51).

ونفس الطريقة استخدمها الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في الدعوة إلى الله، ففي سنن الترمذي (3405) من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لِأَبِي: "يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا؟" قَالَ أَبِي: سَبْعَةً. سِتَّةً فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ: "فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟" قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ.

وهي هي ذات الطريقة التي يستخدمها القرآن في نفي الألوهية عن غير الله _عز وجل_.
"أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ" (الأعراف:191، 192).
"إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (الأعراف:194)، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" (الحج:73).

فالقرآن يُظهر للناس استحقاقات الله _تعالى_ للأمر والنهي ـ أو قل الطاعة أو العبادة ـ وذلك ببيان أسمائه وصفاته وآثار ذلك في مخلوقاته... دعا الناس إلى التدبر في هذا الأمر ليعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وأن الله حَكَمٌ عدل، وبالتالي يرجى وعده ويخشى وعيده ولا يُرد أمره ولا يشك في حكمته، وهذه هي العبادة جملةً.

فالتدبر والتفكر يكون في استحقاقات الأمر والنهي المستلزم للطاعة، وهو ما اصطلح على تسميته ـ عند علماء العقيدة ـ بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، وإن جاء شك في الحكم أو لم يتفق مع العقل يتذكر المرء أن الله أعلم وأحكم "قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ" (البقرة: من الآية140).
هذا ما نطق به قرآن ربنا وهو يدعو الناس إلى التوحيد، وهي الطريقة التي اتخذتها الدعوة في بادئ الأمر وهي تخاطب الجاهلية يومها، وإن شاء الله وقدر أفردت لهذا مقالاً.

وأريد أن أقف قليلاً مع النموذج الغربي، أعني الخطاب الكنسي في العصور الوسطى، وكيف تسبب فساد هذا الخطاب في فصل الدين عن الحياة وهو ما يسمى وبالتالي بيان أنه لا يمكن قياس الخطاب الديني الإسلامي على الخطاب الكنسي الضال.

أقول: حصر الأحبارُ والرهبانُ فَهم الدين والتحدث به في أشخاصهم ثم راحوا يفرضون على الناس ـ باسم الدين ـ مسلمات لا يمكن أن يسلم بها العقلاء لوضوح كذبها ووجود أدلة تنافيها، وإليك بعض الأمثلة:
ادعوا أن هذه الدنيا ناقصة بطبيعتها، وأنه لا سبيل إلى إصلاحها أو تقويم معوجها، ولا بد من انصراف الإنسان عن هذه الحياة الدنيا والانصراف إلى الآخرة ـ وهم في ذات الوقت منغمسون فيها ـ ، وأنه بقدر ما ينصرف الإنسان عن هذا العالم والتفكير فيه ـ بالرهبانية ـ يكون أقرب إلى الصلاح، وأقرب إلى الفوز بملكوت الرب في العالم الآخر! ثم أرهبته كي لا يحاول الإصلاح، بل كي لا يفكر في الإصلاح.

ومما ادعوه كمسلمات باسم الدين أن المرأة هي السبب في كل ما انتشر في المجتمع من منكر؛ وأن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه، وأن الأعزب أكرم عند الله من المتزوج، وأعلنوا أنها باب الشيطان، وأن العلاقة بالمرأة رجس، وأن السمو لا يتحقق إلا بالبعد عن الزواج... كل هذا، ثم تشككوا في إنسانيتها وعقدوا مؤتمراً يبحثون فيه: هل المرأة إنسان أم غير إنسان؟! وهل لها روح أو ليس لها روح؟! وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أو إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانية؛ فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ ثم ًقرَّروا: إنها إنسان ولكنها خُلقت لخدمة الرجل فحسب!!

ثم اتجهوا إلى الظواهر الطبيعية يعطونها تفسيرات [مقدسة]... خاطئة... لا تقبل النقاش وفي ذات الوقت يملك عقل المُحْدثين من الباحثين في هذا الفن الأدلة على خطئها، ككروية الأرض مثلاً.

وتسلطوا على أموال الشعب باسم الدين (صكوك الغفران)، بل طالت أيديهم الملوك والأمراء والشعوب واستطاعوا معاقبة من أرادوا ممن خالفهم بسلطانهم القوي المتمثل في حق الحرمان وما أنشئوه من محاكم تفتيش.

فبكذبهم على ربهم وقومهم انصرف الناس عن الحياة الدنيا ودبَّ التخلف في كل مناحي الحياة وسُلبت المرأة حقها، لذا وجد العلماء (غير الدينيين) مبررات للتربص بالكنيسة ومحاولة الخروج على سلطانها، ووجد بعض رجال الدين مثل " مارتن لوثر " ـ اليهودي الأصل ـ ثقباً ينفث منه سُمَّه ليُحدث شرخاً في كيان الضالين.

هذا هو خطاب القرآن.. خطابُ العزيز الحميد، وهذا هو افتراء العبيد.. الخطاب الكنسي.
فهل يستويان؟!
لا. لا يستويان خطاب القرآن حق لابد أن يتبع، وخطاب الكنيسة باطل يجب هجره والخروج عليه إلى الخطاب الصحيح... إلى كلام العزيز الحميد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن أصدق من الله قيلاً، ومن أصدق من الله حديثاً، وإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.