املك نفسك عند الغضب
23 رجب 1426

الحمد لله كما ينبغي لجليل وجهه وعظيم سلطانه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:

فمازالت الوقفات مع سورة نبي الله يوسف تترى، ونقف هنا مع مشهد آخر يبين عظمة هذا النبي الكريم. لما ظن إخوة يوسف أن بنيامين سرق _حسبما رأوا من شواهد_ قالوا ليوسف _وهم لا يعرفونه_: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل. كيف كان رد يوسف _عليه السلام_ وهو عزيز مصر، ويعلم أن هؤلاء الذين أمامه هم إخوانه الذين فعلوا به ما فعلوا، وكل ما جرى له ولأبيه ولأخيه من مصائب بسببهم؟

يتوقع أن تكون ردة فعل الحاكم أشد، لكن يوسف _عليه السلام_ لم تستغرقه اللحظة الحاضرة، مع أنه لو حدث العكس لا يستغرب بحكم طبيعة الملك والسلطان، وهم مخطئون مستحقون للعقوبة، لكن يوسف _عليه السلام_ ضبط أعصابه "فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً" (يوسف: من الآية77)، حتى هذه الكلمة لم ينطقها يوسف _عليه السلام_، ولذلك لما ذكر الله الأنبياء في سورة الأنعام ومنهم يوسف _عليه السلام_ قال: "أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ" (الأنعام:90) بمثل هذا نقتدي. ما أحوجنا إلى ضبط اللسان. والله لو ضبطنا ألسنتنا مع زوجاتنا وأولادنا وجيراننا وإخواننا لتغيرت أحوالنا. "أمسك عليك لسانك" يقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم– وعندما سأله معاذ: يا رسول الله ونحن مؤاخذون بما نتكلم به، قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم. كيف يحدث الطلاق؟ بسبب هذا اللسان. كيف يحدث القتل؟ بسبب هذا اللسان. كيف تحدث العداوات؟ بسبب هذا اللسان، ولذلك أثنى الله _جل وعلا_ على من كظم غيظه وضبط لسانه "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران: من الآية134) وفي قوله _تعالى_: "وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت:34).

إخوة يوسف قالوا هذه الكلمة وهم يعتقدون أن الذي يتكلمون أمامه ليس يوسف، لا شك عندهم في ذلك، والواقع خلاف ذلك. كم من الناس يتحدث أحياناً في مجلس من المجالس فيصيب قوماً بجهالة وهو لم يتصور أن الذي أمامه هو المعني، فقد يسب الإنسان عائلة وسب العائلة لا يجوز أصلاً، لكن لم يكن يتصور أن يكون أحد أفراد هذه العائلة موجود في المجلس، بل ربما قد يذكر قصة ليست مناسبة، هو لا يعلم من هو صاحبها، يفاجأ بعد ذلك بعد أن يذكر القصة أن الناس يبتسمون لماذا؟ لأن صاحب القصة موجود في المجلس فيقع في حرج شديد، بل قد تترتب على ذلك مفاسد عظيمة، ولو تأدب الناس بأدب الإسلام لسلموا من مثل هذا.

نسأل الله _تعالى_ أن يهدينا لأحسن الأخلاق، وأن يصرف عنا سيئها، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.