الحمد لله الذي يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، والصلاة والسلام على خير الصابرين وسيد ولد آدم أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
فلما أخبر أبناء يعقوب _عليه السلام_ أباهم بخبر احتجاز بنيامين قال لهم: "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ"، كلمة سوَّل تعني أن النفس تزين للإنسان أن يعمل عملاً فيندم عليه. "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ" (يوسف: من الآية18) ليس معه تشكٍ، والصبر أنواع منه صبر الاضطرار وهو أن يصبر الإنسان رغماً عنه، أما الصبر الجميل فليس كذلك، هو الصبر الذي ليس معه تشكٍ ولا تأفف، وهذا ما فعله يعقوب _عليه السلام_.
من الوقفات كذلك أن يعقوب _عليه السلام_ قال: "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً" (يوسف: من الآية83)، لم يكتف فقط بالصبر، بل إنه أضاف إلى ذلك حسن المعاملة فلم يؤنبهم، ولم يضربهم، ولم يشتمهم، ولم يطردهم، بل سأل الله _جل وعلا_ أن يأتي بهم جميعاً يعني الثلاثة، لم يقل: عسى الله أن يأتيني بهما أي يوسف وبنيامين، بل حتى الذي بقي هناك وهو يعده شريكاً لإخوته فيما فعلوا مع يوسف وأخيه، مع ذلك دعا الله أن يأتيه به مع أخويه. بعض الآباء إذا أخطأ أبناؤه، وقد يكون خطؤهم أقل من ذلك، يطردهم من بيته. وسبق الإشارة إلى قصة نوح _عليه السلام_ وابنه كافر ومع ذلك يقول: "يَا بُنَيَّ ارْكَب مَعَنَا" (هود: من الآية42). دعاه إلى الإسلام "وَلا تَكُن مَعَ الْكَافِرِينَ" (هود: من الآية42)، ودعاه إلى الركوب، كل هذا حرصاً منه على نجاته وهدايته. ومع كفره لم ييأس من هدايته، ولم يعاتبه الله على ذلك، وإنما عاتبه لقوله: "إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ" (هود: من الآية45)، حيث وعده الله بنجاة أهله، فبين الله له أنه ليس من أهله فلا يدخل في الوعد الذي وعده الله.
الآباء يحتاجون إلى أن يقفوا مع هذه النماذج العجيبة في القرآن والسنة من أجل أن يتعاملوا مع أبنائهم تعاملاً صحيحاً. هناك خلل في تعامل بعض الآباء مع الأبناء، حيث يتصور الأب والأم أن طرد الابن أو ضربه أسلوب من أساليب التربية، وهذا خطأ، بل هو قصور وعجز وعدم صبر. الله _سبحانه وتعالى_ يقول: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (فصلت: من الآية34) إذا كان مع الذي بينك وبينه عداوة ادفع بالتي هي أحسن فكيف مع ابنك، ابنك أولى أن تعامله بالتي هي أحسن.إن الآباء بحاجة إلى هذا الأسلوب الرائع الحكيم في تعاملهم مع تصرفات أبنائهم، دون إفراط أو تفريط، دون غلظة أو تساهل، والرفق ما صاحب شيئاً إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، وتلك هي الحكمة "وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" (البقرة: من الآية269)، "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" (فصلت:35)، "وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (الشورى:43).
اللهم زيِّنا بالعلم، وجملنا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وصلِّ على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.