الأصل الثالث أو المحرِّك الدائم : اليوم الآخر
نذكّر بأنّ الأصل الأول في الإسلام هو (الهدف) : (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وبأنّ الأصل الثاني هو (وسيلة تحقيق الهدف) : (الجهاد في سبيل الله).. أي أنّ المسلم مطالَب بالجهاد في سبيل الله بكل أنواعه وأصنافه، إلى أن يتحقق هدف الإسلام في الأرض، وتتحرّر الأوطان والبلاد والعباد من أي شكلٍ من أشكال الظلم والهيمنة الداخلية أو الخارجية، وتتحقق العبودية لله _عز وجل_، ويُحَكَّم منهج الله _عز وجل_ في كل شؤون الحياة.. وإلا فخطر الشرك قائم على كل قاعدٍ متقاعسٍ عن أداء هذه المهمة العظيمة التي أوكلها الله إلينا -نحن المسلمين-!
لقد قلنا : إنّ التخلّي عن فريضة الجهاد في سبيل الله لتحقيق هدف الإسلام في الأرض، سيؤدي إلى نتيجتين مروِّعتين :
1- يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً (وهو الشقاء الدنيوي المروِّع، فضلاً عن عذاب يوم القيامة)!
2- وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ (وهو الهلاك العام الشامل، والزوال التام والذلّ العام، والعبودية للظالمين الطغاة وللأعداء)!
كما قلنا : إنّ مَن يليق به أن ينظِّم حياة الناس، يجب أن يملك القدرة على محاسبة الظالم، والاقتصاص للمظلوم.. حتى بعد الموت ! وبذلك يتحقق العدل، فلا يهرب من الحساب أي إنسانٍ مهما بلغت قوّته وبلغ جبروته، ولا يضيع حق أي إنسانٍ حتى لو ضاع حقه في الحياة الدنيا !.. وإن كلّ ذلك سيتحقق في يومٍ يُحاسَب فيه الناس على كل حركةٍ أو عملٍ أو سكنةٍ في حياتهم الدنيا، وقد حدّد لنا الله _عز وجل_ هذا اليوم، ووصف لنا ما سيحصل فيه من حساب، في كثيرٍ من الآيات القرآنية، منها الآية الكريمة التالية التي توجِز ما نقول من حقائق :
"إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ" (يونس:4)
المفاهيم التي تعرضها الآية الكريمة
1- إنّ يوم القيامة أو اليوم الآخر ضرورة لا بد منها، ولا شك فيها .
2- الثواب مقرَّر من الله _عز وجل_ للمؤمنين، الذين يعملون الصالحات وينفّذون منهجه القويم .
3- العذاب والعقاب مقرَّران من الله _عز وجل_، للكافرين والمشركين، وللمتقاعسين عن أداء فرض الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا .
إذن، فاليوم الآخِر ضرورة ملحّة :
- لأنه يدل دلالةً قاطعةً على صحّة منهج الله _عز وجل_، وعلى رقابته للناس، وعلى قدرته _جل وعلا_.
- لمنح المحسن الطائع ثوابه وجائزته .
- لملاحقة المسيء وإنزال العقوبة المناسبة به .
- للاقتصاص للمظلومين من الظالمين .
وبالنتيجة، فإنّ اليوم الآخر ضرورة لا بد منها، ليستقيم الناس على منهج الله _عز وجل_ الحق :
"أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ" (المؤمنون:115).
أحوال الكافرين والمشركين في يوم القيامة
1- المشركون الذين لا ينفّذون شرع الله _عز وجل_ ومنهجه.. هذه حالهم :
"وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ" (إبراهيم:30).
"وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" (طـه:124).
"وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ" (المؤمنون:117).
نعم.. نعم.. إنه الكفر والشرك، ثم العذاب والنار والعمى و..
2- يحشر الله _عز وجل_ الظالمين المشركين، ويسألهم، ويقرّر مصيرهم :
"احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ" (الصافات:22 و23 و24).
"يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" (غافر:52).
"ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ" (غافر:73 و74).
3- يتبرّأ الأرباب المزيّفون وعبيدهم.. كلٌ من الآخَر :
"وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ" (القصص:62 و63).
"وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ" (البقرة:167).
4- ويتمنى الذين لم يجاهدوا لتحقيق منهج الله _عز وجل_ أن لو فعلوا فجاهدوا، ويعترفون بظلمهم، ويندمون على تفريطهم :
"وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" (الأنعام:27).
"وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ" (الأنعام:30).
"وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ" (إبراهيم:44).
5- ويأمر الله _عز وجل_ بالعذاب.. للمشركين، وللذين ظلموا، وللأرباب المزيَّفين :
"أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ" (قّ:24).
6- ويُساقُ الكافرون والمشركون والأرباب وعبيدهم إلى جهنّم :
"وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ" (الزمر:71).
7- فيعود عبيد الأرباب المزيَّفين للتمني أن لو نفَّذوا منهج الله _عز وجل_، ويعترفون بأنّ مَن وضعوا لهم مناهج لحياتهم قد أضلّوهم، وأوصلوهم إلى هذه النتيجة المروّعة :
"يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً" (الأحزاب:66 و67 و68).
8- ثم يتجادل الأرباب المزيَّفون وعبيدهم، ويسلّمون أخيراً بأنّ مصيرهم جميعاً هو العذاب :
"قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ" (الشعراء:96 و97 و98).
"وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" (غافر:47 و48).
هكذا إذن، فالكافرون والمشركون، أو الأرباب المزيَّفون وعبيدهم :
- يطلبون الخلاص من أعمالهم الشريرة السيئة.. فلا يستطيعون .
- يطلبون الخلاص من أربابهم المزيَّفين.. فيخذلونهم .
- يتمنّون لو أطاعوا منهج الله _عز وجل_، وأطاعوا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ولكن هيهات .. هيهات.
- يطلبون العودة إلى الدنيا، ليعملوا من جديدٍ بمنهج الله _عز وجل_، لكن فات الأوان .
- يستسلمون أخيراً لحكم الله _عز وجل_ فيهم، فيُساقون كلهم : الأرباب المزيّفون وعبيدهم الذين اتبعوهم ونفَّذوا مناهجهم الوضعية الخاطئة الظالمة.. إلى العذاب الشديد في جهنم .
النتيجة النهائية
بشكلٍ آخر نقول : إنّ النتيجة النهائية، هي أنهم (الأرباب والعبيد) يتمنّون أن :
1- لو كفروا بمناهجهم الوضعية الظالمة، واتبعوا منهج الله _عز وجل_ ورسوله _صلى الله عليه وسلم_، أي لو : آمنوا بهدف الإسلام في الأرض : (لا إله إلا الله محمد رسول الله).. وهو الأصل الأول !..
2- لو عملوا بمنهج الله _عز وجل_ أو سعوا لتحقيقه في الأرض، أي لو : اتبعوا وسيلة تحقيق الهدف : (الجهاد في سبيل الله).. وهو الأصل الثاني !..
3- لو نجوا من عذاب الله _عز وجل_ في يوم الحساب، أي لو : آمنوا بأنّ يوماً لا ريب آتٍ، يُحاسَب فيه الناس على أعمالهم في الدنيا (اليوم الآخر).. وهو المحرِّك الدائم والأصل الثالث !..
وهكذا، فالجدال والحوار والأمنيات والاعترافات في يوم القيامة.. كلها تدور حول : (الأصول الثلاثة في الإسلام).. التي ذكرناها في حلقاتٍ سابقة.. إضافةً إلى (منهج الحياة) ودستورها وشرعها !
أيها المسلمون.. عرباً وغير عرب :
- لنؤمن كلنا بإله واحدٍ لا شريك له، هو الذي يضع للإنسان منهج الحياة، ويحرّره من عبودية البشر للبشر..
- ولنجاهد في الله حق جهاده، حتى نحرّر البلاد والأوطان والعباد، من عبادة أميركة وإسرائيل وأنظمة الحكم المتواطئة التي لا تحكم بما أنزل الله.. وإلا فخطر الشرك بالله علينا.. قائم..
- ولنوقن بأن هناك يوماً آخر لا ينفع فيه مال ولا بنون، ولا أميركة ولا إسرائيل، ولا طغاة أو أرباب مزيّفون، مهما بلغت قوّتهم وجبروتهم.. فيه يحاسَب كل امرئٍ على عمله، سواء أكان مفرّطاً، أم ملتزماً بما يفرضه عليه دينه وإسلامه ومنهج ربه الواحد الأحد _عز وجل_ لا شريك له.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تمت بعون الله