استثمار أموال الزكاة
الدكتور / محمد عثمان شبير
بسم الله الرحمن الرحيم
افتتاحية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه ، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. أما بعد ..
فإن قضية استثمار أموال الزكاة من القضايا المهمة في فقه الزكاة المعاصر، إذ إنها تثير اهتمام كثير من المؤسسات الزكوية والهيئات الخيرية في العالم الإسلامي، وهي من المسائل الملحة التي تحتاج إلى إجابة شافية. لقد بدأ بهذه القضية بعد تنوع أساليب العمل والإنتاج، وظهور المشاريع الاستثمارية الضخمة التي تدر أرباحا وفيرة على مالكيها فثار التساؤل التالي: هل يجوز توجيه بعض أموال الزكاة إلى إنشاء المشاريع الاستثمارية لتامين مورد مالي ثابت، ودائم للمستحقين الذين تتزايد حاجاتهم؟ هذا السؤال طرح بهذه الصيغة وبغيرها عدة مرات على مجامع فقهية وندوات علمية متخصصة وعلى كثير من لجان الفتوى في البلدان الإسلامية. ولما كانت الإجابات والأبحاث المقدمة مقتضبة وسريعة رأت الهيئة الشرعية العالمية للزكاة طرح هذا الموضوع ضمن موضوعات الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة بغية الحصول على مزيد من التعمق والتفصيل في هذا الموضوع.
فكتب هذا البحث للمشاركة في تلك الندوة المباركة لعلى أسهم في تحقيق أهداف تلك الندوة ولما كان البعد الفقهي هو الأساس في هذه الدراسة فقد اعتمدت على عدد كبير من المراجع والمصادر الفقهية التي تمثل اكبر المذاهب ذيوعا بالإضافة إلى كتب السنة وشروحها.
وقد قسمت هذه الدراسة إلى: ثلاث مباحث وخاتمة :
المبحث الأول: حقيقة استثمار أموال الزكاة
المبحث الثاني: حكم استثمار أموال الزكاة
المبحث الثالث: تكاليف استثمار أموال الزكاة
الخاتمة: ذكرت فيها نتيجة البحث .
والله أسال أن يتقبل منى هذا الجهد المتواضع ويجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون.
المبحث الأول
حقيقة استثمار أموال الزكاة ..
قبل الشروع في بيان استثمار أموال الزكاة لابد من بيان حقيقة استثمار أموال الزكاة كي يتسنى لنا إدراك الأحكام المتعلقة بهذه المسألة وفهمها. إذ بيان الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
أولاً: معنى الزكاة :
الزكاة لغة: النماء والزيادة وتطلق أيضا على التطهير والمدح (1) وهي في الاصطلاح: إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بلغ نصابا إن تم الملك وحال الحول (2) فهي تطلق شرعا على إخراج الزكاة كما تطلق على المخرج من المال، ولذلك عرفها ابن قدامة بأنها : حق يجب في المال (3).
ثانيا: معنى الاستثمار في الفقه الإسلامي:
الاستثمار لغة: طلب الثمر، فيقال أثمر الشجر إذا خرج ثمره وثمر الشيء إذا تولد منه شيء آخر، وثمر الرجل ماله تثميرا، أي كثرة عن طريق تنميته، ومعنى كثرة المال جاء في القران الكريم، ومنه _تعالى_:"وكان له ثمر فقال لصاحبة وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا" (4). أي مال كثير مستفاد كما قال ابن عباس ويقال لكل نفع يصدر عن شيء ثمرته: كقولك ثمرة العلم العمل الصالح وثمرة العمل الصالح الجنة (5).
وعلى هذا فان الاستثمار: هو طلب الحصول على الثمرة، استثمار المال: هو طلب الحصول على الأرباح .. والفقهاء يستعملون هذا اللفظ بهذا المعنى، حيث جاء في المنتقى شرح موطأ الأمام مالك في أول كتاب القراض: أن يكون لأبي موسى الأشعري النظر في المال بالتثمير والإصلاح (6) وجاء في تفسير الكشاف عند قوله _تعالى_: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما" (7) السفهاء المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي، ولا يقومون بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها (8).
ثالثا: الاستثمار في الاقتصاد المعاصر :
الاستثمار في اصطلاح علماء الدراسات الاقتصادية المعاصرة هو: ارتباط مالي بهدف تحقيق مكاسب يتوقع الحصول عليها على مدى مدة طويلة في المستقبل (9). فالاستثمار نوع من الأنفاق على أصول يتوقع منها تحقيق عائد على مدى فترة طويلة من الزمن . ولذلك يطلق عليه البعض إنفاق رأسمالي (10) تمييزا له عن المصروفات التشغيلية أو المصروفات الجارية، وهي التي تتم من يوم إلى يوم: مثل الأجور والمرتبات، والصيانة، وشراء المواد الخام. أما الأنفاق الرأسمالي فإنه يشمل كل المفردات الضرورية لتحقيق تقدم المشروع في الأجل الطويل: مثل بناء مصنع حديد، وشراء آلات وعدد لخط إنتاج جديد، والقيام ببحوث لتحسين سلع قائمة أو إخراج سلع مبتكرة (11). والأنفاق الرأسمالي نوع من إنفاق المال لتحقيق منافع مستقبلية، سواء كان ذلك من مشروعات جديدة أو استكمال مشروعات قائمة، أو تجديد وتحديث مشروعات قديمة، أو التجارة في سلع تجارية أو غير ذلك. والاستثمار بهذا المعنى يتفق مع الاستخدام العلمي الشائع له وهو توظيف الأموال بقصد الحصول على منافع في المستقبل ومع ذلك توجد عدة استخدامات للاستثمار في الواقع اليومي. ومن تلك الاستخدامات: توظيف النقود لأي أجل، والاستثمار بالنسبة للبنوك التجارية -توظيف النقود في أوراق مالية (أسهم وسندات) والاستثمار - بالنسبة للشركات- هو إنفاق استثماري تمييزا له عن الأنفاق الجاري . والاستثمار- بالنسبة للبعض -هو ارتباط بأية أصول خالية نسبيا عن المخاطرة أو الخسارة والاستثمار بالنسبة للبعض الأخر- توظيف الأموال بقصد الحصول على عائد جار. أو بقصد الحصول على قيمة أكبر في نهاية المدة، أي دون عائد جار. والاستثمار قد يكون ماديا بمعنى أن المكاسب يجب أن تكون مادية، وقد يشمل الاستثمار مكاسب غير مادية أي منافع أخرى. كما تستخدم كلمة استثمار بمعنى مشروع استثماري، أي مجرد اقتراح استثماري لم ينفذ بعد: كما قد تستخدم كلمة الاستثمار بمعنى توظيف فعلى للأموال (12). وقد تبنت الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية المفهوم الواسع للاستثمار هو: توظيف النقود لأي أجل، في أي أصل أو حق ملكية، أو ممتلكات أو مشاركات محتفظ بها للمحافظة على المال أو تنميته سواء بأرباح دورية أو بزيادات الأموال في نهاية المدة، أو بمنافع غير مادية (13).
ويلاحظ على هذا التعريف - مع ما فيه من الشمول - عدة ملاحظات منها :
1- انه عبر عن الاستثمار بالتوظيف، والتوظيف كلمة تحتمل عدة معان منها: تعيين الوظيفة، وهي ما يقدر للإنسان في اليوم أو في السنة أو الزمان المعين: من طعام أو رزق ونحوه. ومنها الإلزام، فيقال وظف الشيء على نفسه توظيفا الزمها إياه (14). ولا يقال وظف المال بمعنى زاده، وإنما يقال: نمى المال وثمره فالأولى استعمال تنمية بدلاً من توظيف.
2- انه اقتصر في استثمار الأموال على النقود (العملة). وأموال الزكاة لا تقف عند هذا الشكل من الأموال، بل تتعداه إلى المبالغ العينية، لأن مصادر الزكاة متنوعة الأشكال:
كالزروع والثمار، والحيوانات، وعروض التجارة، والمعادن وغير ذلك، فالأولى التعبير بالأموال .
وبناء على ذلك يمكن تعريف استثمار أموال الزكاة: "بأنه العمل على تنمية أموال الزكاة لأي أجل، وبأية طريقة من طرق التنمية المشروعة لتحقيق منافع للمستحقين.
رابعاً: الألفاظ ذات الصلة بالاستثمار :
يتصل بالاستثمار بعض الألفاظ كالاستغلال، والاستنماء، والانتفاع.
1- الاستغلال :
الاستغلال لغة : طلب الغلة والغلة هي كل عين حاصلة من ريع الملك .(15)
وهذا هو عين الاستثمار ، فما تخرجه الأرض هو ثمرة ، وهو غلة. وللحنفية تفرقة خاصة بين الثمرة والغلة في باب الوصية. فإذا أوصى بثمرة بستانه انصرف إلى الموجود خاصة ، وإذا أوصى بغلته شمل الموجود ، وما هو بعرض الموجود (16).
2- الاستنماء:
الاستنماء لغة: طلب النماء وهو الزيادة، فيقال: نما المال ينمي، ويقال ينمو بمعنى زاد (17) وهو عين الاستثمار ، فما يتولد من الحيوانات هو ثمرة ، وهو نماء .
3- الانتفاع :
الانتفاع لغة: من نفع ينفع نفعا ، والاسم المنفعة . وهو الاستفادة من الشيء (18).
4- الانتفاع:
الانتفاع في الاصطلاح : التصرف في الشيء على وجه يريد به تحقيق فائدة (19) والانتفاع أعم من الاستثمار، لأن الانتفاع قد يكون بالاستثمار وبغيره .
المبحث الثاني
حكم استثمار أموال الزكاة
استثمار أموال الزكاة قد يحصل من المستحقين للزكاة بعد قبضها، أو من المالك الذي وجبت عليه الزكاة، أو من الأمام أو نائبه الذي يشرف على جمع أموال الزكاة ولكل حالة حكمها.
المطلب الأول: حكم استثمار أموال الزكاة من قبل المستحقين :
نص الفقهاء على جواز استثمار أموال الزكاة من قبل المستحقين بعد قبضها؛ لأن الزكاة إذا وصلت أيديهم أصبحت مملوكة ملكا تاما لهم وبالتالي يجوز لهم التصرف فيها كتصرف الملاك في أملاكهم، فلهم إنشاء المشروعات الاستثمارية، وشراء أدوات الحرفة وغير ذلك .
جاء في كشاف القناع: من أخذ بسبب يستقر الأخذ به وهو الفقر، والمسكنة والعمالة والتالف صرفه فيما شاء ، كسائر أمواله ،لأن الله تعالى أضاف إليهم الزكاة بلام الملك .وإن أخذ بسبب لم يستقر الملك به صرفه فيما أخذه خاصة ،لعدم ثبوت ملكه عليه من كل وجه وإنما يملكه مراعي فان صرفه في الجهة التي استحق الأخذ بها، و إلا استرجع منه كالذي يأخذه المكاتب والغارم والغازي وابن السبيل (20). وجاء في مغنى المحتاج: أضاف الأصناف الأربعة الأولى بلام الملك والأربعة الأخيرة بفي الظرفية للأشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى، وتقييده في الأربعة الأخيرة، حتى إذا لم يصل الصرف في مصارفها استرجع بخلافه في الأولى (21). وجاء في الأشباه والنظائر لأبن نجيم: أسباب التملك المعاوضات المالية، والأمهار والخلع، والميراث والهبات والصدقات، والوصايا والوقف والغنيمة، والاستيلاء على المباح والأحياء .. الخ (22). وبالرغم من أن الشافعية قالوا: أن الملك في الأصناف الأربعة الأخيرة مقيد بالصرف في تلك الجهات (وهي تحرير العبيد - وقضاء الدين - والجهاد في سبيل الله - ونفقات طريق ابن السبيل).
إلا أنهم أجازوا لهؤلاء المستحقين استثمار أموال الزكاة التي وصلت إلى أيديهم فقالوا: يجوز للعبد المكاتب أن يتجر فيما يأخذه من الزكاة طلبا للزيادة وتحصيل الوفاء. وهذا لا خلاف فيه (أي بين الشافعية)(23).
وقال النووي: "قال أصحابنا يجوز للغارم أن يتجر فيما قبض من سهم الزكاة، إذا لم يف بالدين ليبلغ قدر الدين بالتنمية"(24).
ما أجاز الشافعية وأحمد في رواية إعطاء الفقراء والمساكين من أموال الزكاة لاستثمارها، فيعطي من يحسن الكسب بحرفة ما آلاتها، بحيث يحصل له من ربحها ما يفي بكفايته غالباً. فإن كان نجاراً أعطى ما يشتري به آلات النجارة. سواء كانت قيمتها قليلة أو كثيرة بحيث تفي غلتها بكفايته.وإن كان تاجراً أعطى رأس مال يفي ربحه بكفايته، يراعي في مقدار رأس المال نوع التجارة التي يحسنها، وقد مثلوا لذلك بما يلي: البقلي يكفيه خمسة دراهم، والباقلاني يكفيه عشرة، والفكهاني يكفيه عشرون، والعطار ألف والبزاز ألفان، والصيرفي خمسة آلاف، والجوهري عشرة آلاف. وإن كان لا يحسن الكسب، ولا يقوى على العمل:كالمريض بمرض مزمن يعطي ما يشتري به عقاراً يستغله، بحيث تفي غلته حاجته، فيملكه ويورث عنه، ويراعي في العقار عمر الفقير الغالب وعدد عياله(25).
المطلب الثاني: حكم استثمار أموال الزكاة من قبل المالك:
إذا أخر المالك إخراج الزكاة عن وقت وجوبها بقصد استثمارها، فهل يجوز ذلك أم لا ؟ الإجابة على هذا السؤال تنبني على مسالة : هل تجب الزكاة على الفور أم على التراخي؟
أولاً: الزكاة تجب على الفور أم على التراخي:
اختلف الفقهاء في فورية إخراج الزكاة بعد وجوبها، فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية- في المختار عندهم- والمالكية في أصل المذهب والشافعية والحنابلة إلى أن الزكاة تجب على الفور (26)
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- قوله _تعالى_: "وآتوا حقه يوم حصاده"(27) فالمراد الزكاة، والأمر المطلق يقتضي الفور (28).
2- قوله _صلى الله عليه وسلم_: "ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته"(29) فالحديث يدل على الفورية، لأن التراخي عن الإخراج مما لا يبعد أن يكون سبباً لإتلاف المال وهلاكه(30)
3- ما روي عن عقبة بن الحارث قال :"صلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ العصر فأسرع ، ثم دخل البيت، فلم يلبث أن خرج، فقلت أو قيل له: كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة، فكرهت أن أبيته فقسمته" (31). فالحدث يدل على فورية إخراج الصدقة قال ابن بطال: "الخير ينبغي أن يبادر به، فإن الآفات تعرض والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود" وزاده غيره: "وهو أخلص الذمة للحاجة، وأبعد من المطل المذموم، وأرضى للرب تعالى، وأمحى للذنب " (32).
4- ولأن حاجة الفقراء ناجزة، فيجب أن يكون الوجوب على الفور.(33) وقال الكمال بن الهمام الأمر بالصرف إلى الفقير معه قرينة الفور، وهي أنه لدفع حاجة وهي معجلة(34).
5- ولأن الزكاة عبادة تتكرر في كل عام، فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوب مثلها: كالصلاة والصوم (35). وذهب الحنفية في قول اختاره أبو بكر الجصاص وغيره إلى أن وجوب الزكاة عمري : أي تجب على التراخي، ومعنى التراخي- عندهم - أنها تجب مطلقاً عن الوقت، ففي أي وقت أدى يكون مؤدياً للواجب، وبتعيين ذلك الوقت للوجوب إذا لم يؤد إلى آخر عمره بحيث يتضيق عليه الوجوب، بأن بقى من الوقت قدر يمكنه الأداء فيه، وغلب على ظنه أنه لو لم يؤد فيه يموت فيموت، فعند ذلك يتضيق عليه الوجوب، حتى إنه لو لم يؤد فيه حتى مات، يأثم. واستدلوا لذلك بما يلي:
1- الأمر بأداء الزكاة مطلق، والأمر مطلق يقتضي التراخي، فلا يتعين الزمن الأول لأدائها دون غيره، كما لا يتعين لذلك مكان دون مكان.
2- وقد استدل الجصاص لذلك بمن عليه الزكاة إذا هلك نصابه بعد الحول والتمكن من الأداء، أنه لا يضمن، ولو كانت واجبة على الفور لضمن، كمن أخر صوم شهر رمضان عن وقته، أنه يجب عليه القضاء (36). وقد أجيب عن اقتضاء الأمر المطلق الفورية أو عدم اقتضائها:
بأن المختار في أصول الفقه أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور ولا التراخي ، بل يقتضي مجرد طلب الفعل المأمور به، والفورية تستفاد من القرائن. وأجيب عن قول الجصاص: عدم الضمان بهلاك النصاب بعد وقت الوجوب: بأن هذه المسألة خلافية، ومبنية على مسألة الأمر المطلق الفورية أو عدم اقتضائها فيضمن عند من يقول بالفورية، ولا يضمن عند من يقول بالتراخي (37) فلا يصلح هذا الدليل للاستدلال به. والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن الزكاة تجب على الفور، لأوامر الشرع التي قامت القرائن على وجوب المبادرة بها، وللأحاديث التي ذكرتها، ولقوله تعالى: "واستبقوا الخيرات (38) وقوله _تعالى_: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين" (39).
وبناء على القول الراجح فلا يجوز للمالك تأخير الزكاة لغير عذر: كدفعها إلى من هو أحق من ذي قرابة أو ذي حاجة، أو لحاجته إليها. أما استثمارها فلا يعد عذراً من أعذار التأخير، فلا يجوز له تأخيرها بقصد الاستثمار، لعدم تحقق الإخراج المأمور به على الفور.
ثانياً: هل يشارك الفقير المالك بعد وجوب الزكاة إذا استثمر الأموال الزكوية في الأرباح؟
إذا أخرج المالك الزكاة،و استثمر المال الذي خالطته الزكاة، فهل يشارك المستحقون المالك في الربح والخاسرة؟ إجابة هذه المسالة مبنية على مسألة تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة. اختلف الفقهاء في تعليق الزكاة، فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، والشافعي في الجديد وهو الصحيح في المذهب وأحمد في راية عليها المذهب إلى أن الزكاة تتعلق بالعين (المال) لا بالذمة(40)
واستدلوا لذلك فيما يلي:
قوله _صلى الله عليه وسلم_: "في أربعين شاة(41) وقوله _صلى الله عليه وسلم_: "فما سقت السماء العشر"(42) وغير ذلك من النصوص الوارد فيها حرف "في" وهي للظرفية. فالواجب جزء من النصاب.
وذهب الشافعية في القديم وأحمد في رواية اختارها الخرقي في مختصره إلى أن الزكاة تتعلق بالذمة لا بالعين، لأن إخراجها من غير النصاب جائز، فلم تكن واجبة فيه: كزكاة الفطر، ولأنها لو وجبت فيه لأمتنع تصرف المالك فيه، ولتمكن المستحقون من إلزامه أداء الزكاة من عينه، أو ظهر شيء من أحكام ثبوته فيها، وأسقطت الزكاة بتلف النصاب من غير تفريط: كسقوط أرش الجناية بتلف الجاني (43). والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن الزكاة تتعلق بالعين، لا بالذمة للنصوص الواردة في ذلك، ولقوله تعالى:
"خذ من أموالهم صدقة" (44). وقوله _تعالى_: "والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" (45) وقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ لمعاذ: "فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم"(46). وأما جواز إخراجها من غير النصاب، فيجاب عنه بأنه أجازها رخصة، وتوسيعها على المالك، لكونها وجبت مجاناً على سبيل المواساة.
فبناء على القول بأن الزكاة تتعلق بالذمة، فإن ملك المالك لا يزول عن شيء من المال، ويصح تصرفه فيه بالبيع والاستثمار وغير ذلك، والربح في حال الاستثمار له، والخسارة عليه. وبناء على القول بأن الزكاة تتعلق بالعين، فإن الفقهاء اختلفوا بمشاركة المستحقين للمالك في ماله، وهي مبنية على الاختلاف في التكييف الفقهي لتعلق الزكاة بالمال بعد وجوب الزكاة فيه: هل هو تعلق شركة، أو تعلق رهن، أو تعلق أرش جناية الرقيق برقبته؟
اختلف الفقهاء في ذلك على عدة أقوال :
القول الأول: ذهب المالكية والشافعية في قول والحنابلة في قول إلى أن الزكاة تتعلق بعين المال تعلق شركة، فينتقل مقدار الزكاة إلى المستحقين بعد وجوبها، ويصيرون شركاء رب المال في قدر الزكاة، واستدلوا لذلك بظاهر قوله تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" (47)… فإن اللام في الآية للتمليك، ولأن الواجب يتبع المال في الصفة من الجودة والرداءة، فتؤخذ الصحيحة من الصحاح، والمريضة من المراض، ولو امتنع المالك من إخراجها أخذها الأمام منه ، فهو كما يقسم المال المشترك إذا امتنع بعض الشركاء من قسمته ولهذا كان للفقير أن يأخذ مقدار الزكاة من المال إذا ظفر به (48).
القول الثاني: ذهب الحنفية والشافعية في قول والحنابلة في قول إلى أن الزكاة تتعلق بعين المال تعلق أرش (49) جناية العبد المملوك برقبته، فلا يزول ملك رب المال عن شيء منه إلا بالدفع للمستحق، لأن الزكاة تسقط بتلف المال قبل التمكن أو من غير تفريط، كسقوط أرش الجناية بتلف الجاني… (50)
القول الثالث:ذهب الشافعية في قول ثالث والحنابلة في قول ثالث إلى أن الزكاة تتعلق بعين المال تعلق الدين بالرهن، وبمال من حجر عليه لفلسه، فلا يصح تصرفه قبل وفائه أو إذن ربه… "(51). بناء على القول بأن الزكاة تتعلق بالعين تعلق شركة قال بعض العلماء: إن المستحقين يشاركون رب المال في الربح الحاصل من استثمار المال الذي خالطته الزكاة، فجاء في العروة الوثقى: "إذا اتجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة كان الربح للفقير بالنسبة والخسارة عليه".(52). وجاء في كتاب الخمس: "فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن ولها "للزكاة" الربح، وإن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شيء، فإن لم تعزلها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح، ولا وضعية عليها" ويعتمد هذا القول على قاعدة "تبعية النماء للملك" (53). ولكن الشافعية الذين قالوا بتعلق الزكاة بالعين تعلق شركة لم يقولوا بذلك ولم يرتبوا عليه تلك النتيجة، ومقتضى قولهم: إن المستحقين لا يشاركون رب المال في الربح والخسارة، إذا استثمر المالك المال الذي خالطته الزكاة لأن التمليك في الزكاة للمستحقين ليس تمليكاً حقيقياً قبل قبضهم لها، فقد جاء في أحكام القرآن للألكيا الهراسي "وإنما لم يجعله تمليكاً حقيقياً من حيث جعله لوصف لا لعين، وكل عين لموصوف فإنه لا يملكه إلا بالتسليم، إلا أن ذلك لا يمنع استحقاق الأصناف لأنواع الصدقات حتى لا يحرم صنف".(54). وبناء على القولين: الثاني والثالث للذين جعلا تعلق الزكاة بالعين تعلق استيثاق كما في الرهن وأرش جناية العبد، فلا يشارك المستحقون رب المال في ربح ما استثمره من أموال خالطتها الزكاة، وقد صرح بذلك الحنابلة حيث جاء في الأصناف: "والتصرف فيه ببيع غيره بلا إذن الساعي، وكل النماء له (أي للمالك).(55).
والذي أراه أن المستحقين لا يشاركون صاحب المال في الربح الذي يحصل له من استثمار أمواله بعد وجوب الزكاة وقبل الأداء، لأن قول الحنفية ومن معهم من أن الزكاة تتعلق بالعين تعلق أرش جناية العبد برقبته أرجح الأقوال في المسألة، فلا يزول ملك رب المال عن شيء من أمواله إلا بالدفع إلى المستحقين، وأما ما ذهب إليه الشافعية ومن معهم من أن اللام في آية توزيع الصدقات للتمليك، فيجاب عنه بأن هذا المبدأ ليس محل اتفاق كما بينت في بحث: مبدأ التمليك ومدى اعتباره في صرف الزكاة"(56)… والتمليك بالنسبة لمن قالوا به ليس على الحقيقة قبل قبض الزكاة- كما بينت سابقاً - فالفقير ليس بمالك للزكاة حقيقة، ولكن له صلاحية أن تصرف إليه، ويستحق هذا القدر على صاحب المالك، وعلى معنى أنه إذا أراد الأداء يجب عليه أن يصرفه إلى الفقير دفعاً لحاجته، ولا يقال لما وجب الصرف إليه لفقره كان المال حقه، فيكون هو مستحقاً له حقيقة، لأنا نقول ما يجب لفقره رزقاً له على الله تعالى، لأنه تعالى هو الضامن للرزق دون العبيد إلا أن الله أمر بصرف هذا الواجب إليه.(57).
وإذا عزل المالك الزكاة عن أمواله فلا يجوز له استثمارها، إلا إذا منع من توصيلها للمستحقين مانع فلا بأس باستثمارها لحين توزيعها بحيث يضمن الخسارة.
المطلب الثالث: حكم استثمار أموال الزكاة من قبل الأمام أو من ينوب عنه:
إذا وصلت أموال الزكاة إلى يد الأمام أو نائبه فهل يجوز له استثمارها في مشاريع ذات ريع أم لا؟
أولاً: آراء العلماء المعاصرين في استثمار الأمام لأموال الزكاة:
اختلف العلماء المعاصرون في حكم استثمار الأمام لأموال الزكاة على قولين:
القول الأول: يرى بعض العلماء عدم جواز استثمار أموال الزكاة من قبل الأمام أو من ينوب عنه، وممن ذهب إلى ذلك الدكتور وهبه الزحيلي، والدكتور عبد الله علوان، والدكتور محمد عطا السيد، والشيخ محمد تقي العثماني(58).
القول الثاني: يرى كثير من العلماء المعاصرين جواز استثمار أموال الزكاة في مشاريع استثمارية سواء فاضت الزكاة أولا. وممن ذهب إلى هذا القول الأستاذ مصطفى الزرقا والدكتور يوسف القرضاوي والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والدكتور عبد العزيز الخياط، والدكتور عبد السلام العبادي، والدكتور محمد صالح الفرفور ، والدكتور حسن عبد الله الأمين، والدكتور محمد فاروق النبهان.
قال الأستاذ مصطفى الزرقا: "الاستثمار الذي هو تنمية المال.. أرى أن كل طرق الاستثمار بمعنى أن يوضع في طريق ينمو به مال الزكاة، فيصبح الواحد اثنين والاثنان ثلاثة…، على شرط أن تمارسها أيد أمينة، وأساليب وتحفظات مأمونة كل هذا جائز، سواء أكان عن طريق تجارة أم عن طريق الصناعة أم عن طريق أي شيء يمكن أن يستثمر. (59). وقال الدكتور يوسف القرضاوي: "بناء على هذا المذهب- أي مذهب إناء الفقير من الزكاة تستطيع مؤسسة الزكاة إذا كثرت مواردها واتسعت حصيلتها أن تنشأ مؤسسات تجارية أو نحو ذلك من المشروعات الإنتاجية الاستغلالية وتملكها للفقراء كلها أو بعضها، لتدر عليهم دخلا دورياً يقوم بكفايتهم كاملة، ولا تجعل لهم الحق في بيعها ونقل ملكيتها لتظل شبه موقوفة عليهم .(60). وقال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: "يجوز استثمار هذه الأموال "أموال الزكاة" بما يعود على المجاهدين الأفغان بالخير بهذه الطريقة المشروعة "المرابحة" وأنتم وكلاء في القبض ، فيمكن أن تكونوا وكلاء في التصرف، وأنتم في مقام المودع إذا أذن له في التصرف".(61).
وقال الدكتور محمد فاروق النبهان: "اقترح أن تنشأ وزارة خاصة يطلق عليها اسم وزارة الزكاة وتكون مهمتها جباية الأموال من الأغنياء، وتوزيعها على مستحقيها من الفقراء.. إليهم دون غيرهم"(62). وقال الدكتور عبد العزيز الخياط عميد كلية الشريعة بالجامعة الأردنية سابقاً: أرى ضرورة توظيف واستثمار بعض أموال الزكوات في المشروعات الخيرية والصناعية والتجارية لصالح جهات الاستحقاق"(63).
وقال الدكتور محمد صالح الفرفور: "أرى جواز استثمار أموال الزكاة استحساناً خلافا للقياس للضرورة أو الحاجة بإشراف ولي الأمر أو من يفوضه كالقاضي (64). وقد أفتى بجواز استثمار أموال الزكاة كثير من العلماء ولجان الفتوى في العالم الإسلامي - كما هو مبين في ملاحق الفتاوى والقرارات-
ثانياً: الأدلة:
يستند كل قول من القولين السابقين إلى حجج وأدلة، وفيما يلي أدلة كل فريق:
1- أدلة القائلين بعدم جواز الاستثمار.
استدل القائلون بعدم جواز استثمار أموال الزكاة بما يلي:
أ - استثمار أموال الزكاة في مشاريع صناعية أو زراعية أو تجارية يؤدي إلى تأخير توصيل الزكاة إلى المستحقين، إذ أن إنفاقها في تلك المشاريع يؤدي إلى انتظار الأرباح المترتبة عليها، وهذا مخالف لما عليه جمهور العلماء من أن الزكاة تجب على الفور. (65)
ب - إن استثمار أموال الزكاة يعرضها إلى الخسارة والضياع، لأن التجارة إما ربح وإما خسارة (66).
ت - إن استثمار أموال الزكاة يعرضها إلى إنفاق أكثرها في الأعمال الإدارية (67).
ث - إن استثمار أموال الزكاة يؤدي إلى عدم تملك الأفراد لها تمليكاً فردياً، وهذا مخالف لما عليه جمهور الفقهاء من اشتراط التمليك في أداء الزكاة، لأن الله تعالى أضاف الصدقات إلى المستحقين في آية الصدقات بلام الملك(68).
ج - لأن يد الأمام أو من ينوب عنه على الزكاة يد أمانة لا تصرف واستثمار(69).
2-أدلة القائلين بجواز الاستثمار:
استدل القائلون بجواز استثمار أموال الزكاة بما يلي:
(أ ) لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ والخلفاء الراشدين كانوا يستثمرون أموال الصدقات من إبل وبقر وغنم ، فقد كان لتلك الحيوانات أماكن خاصة للحفظ والرعي والدر والنسل، كما كان لها رعاة يرعونها ويشرفون عليها، ويؤيد ذلك ما روي عن أنس رضي الله عنه أن أناساً من عرينة اجتووا المدينة(70)، فرخص لهم الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أن يأتوا إبل الصدقة فشربوا من ألبانها وأبوالها، فقتلوا الراعي واستاقوا الذود فأرسل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، وتركهم بالحرة يعضون الحجارة"(71). وعن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: شرب عمر بن الخطاب لبناً فأعجبه، فسأل الذي سقاه من أين هذا اللبن، فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه، فإذا نعم من نعم الصدقة، وهم يسقون، فحلبوا من ألبانها، فجعلته في سقاء فهو هذا، فأدخل عمر بن الخطاب يده فاستقاء(72).
(ب) الاستئناس بقول من توسع في مصرف: "في سبيل الله" وجعله شاملا لكل وجوه الخير: من بناء الحصون وعمارة المساجد، وبناء المصانع، وغير ذلك مما فيه للمسلمين كما نقله الرازي في تفسيره عن تفسير القفال عن بعض العلماء.
(73). فإذا جاز صرف الزكاة في جميع وجوه الخير، جاز صرفها في إنشاء المصانع والمشاريع ذات الريع التي تعود بالنفع على المستحقين.
(ت) الاستئناس بقول من أجاز للأمام- إذا اقتضت الضرورة أو الحاجة- إنشاء المصانع الحربية من سهم " في سبيل الله" وأن يجعل هذه المصانع كالوقوف على مصالح المسلمين. ويستند هذا الرأي إلى ما ذكره النووي في المجموع عن فقهاء خراسان: "إن الأمام بالخيار إن شاء سلم الفرس والسلاح والآلات إلى الغازي أو ثمن ذلك تمليكاً له فيملكه وإن شاء استأجر ذلك له، وإن شاء اشترى من سهم "في سبيل الله" أفراساً وآلات الحرب، وجعلها وقفاً في سبيل الله، ويعطيهم عند الحاجة ما يحتاجون إليه ثم يردونه إذا انقضت حاجتهم، وتختلف المصلحة في ذلك بحسب قلة المال وكثرته"(74). هذا بناء على قول من يرى عدم التوسع في مصرف في "سبيل الله" وقصره على الجهاد في سبيل الله ، فإذا جاز إنشاء المصانع الحربية ووقفها على مصالح الجيش الإسلامي من الزكاة جاز إنشاء المؤسسات الاستثمارية من أموال الزكاة إذا دعت الضرورة أو الحاجة ووقفها على المستحقين للزكاة.
(ث) الاستئناس بالأحاديث التي تحض على العمل والإنتاج واستثمار ما عند الإنسان من مال وجهد ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك قال: "أن رجلا من الأنصار أتى النبي _صلى الله عليه وسلم_، قال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى حلس(75) نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب (76) نشرب فيه الماء. قال: ائتني بهما، فأخذهما رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بيده وقال من يشتري هذين؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً. فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالأخر قدوماً فائتني به، فشد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عوداً بيده ثم قال: اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب خمسة عشر درهماً فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "هذا خير لك من أن تجيء المسالة نكتة في وجهك يوم القيامة، وإن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع (77)، أو لذي غرم مفظع(78) أو لذي دم موجع (79)(80).فإذا جاز استثمار مال الفقير المشغول بحاجاته الأصلية جاز للأمام استثمار أموال الزكاة قبل شغلها بحاجاتهم.
(ج) القياس على استثمار المستحقين للزكاة بعد قبضها ودفعها إليهم بقصد الاستثمار- كما بينا سابقاً - فإذا جاز دفعها إليهم استثمارها لتأمين كفايتهم وتحقيق إغنائهم جاز استثمارها وإنشاء مشروعات صناعية أو زراعية تدر على المستحقين ريعاً دائماً ينفق في حاجة المستحقين، ويؤمن لهم أعمالا دائمة تتناسب مع إمكاناتهم وقدراتهم. والاستئناس بالأحاديث التي تحض على الوقوف والصدقة الجارية، ومن ذلك قوله _صلى الله عليه وسلم_: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو (81) فالصدقة الجارية هي الدائمة المتصلة كالوقوف المرصدة، فيدوم ثوابها للمتصدق مدة دوامها، ويعمل الناظر على تنميتها واستثمارها والتصرف فيها بما يحقق مصلحة الموقوف عليهم، فإذا جاز للناظر التصرف فيها وفق مصلحة المستحقين، جاز للأمام التصرف في أموال الزكاة واستثمارها.
(ح) القياس على جواز استثمار أموال الأيتام من قبل الأوصياء بدليل قوله _صلى الله عليه وسلم_ "ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة"(82) فإذا جاز استثمار أموال الأيتام وهي مملوكة حقيقة لهم جاز استثمار أموال الزكاة قبل دفعها إلى المستحقين لتحقيق منافع لهم فهي ليست بأشد حرمة من أموال الأيتام.
(خ) العمل بالاستحسان في هذه المسألة خلافاً للقياس، فهذه المسألة وإن كان الأصل فيها عدم الجواز إلا أن الحاجة إليها في هذا العصر ماسة نتيجة لاختلاف البلاد والعباد واختلاف الدول وأنظمة العيش، وأنماط الحياة(83) ومن وجوه المصلحة في استثمار أموال الزكاة تأمين موارد مالية ثابتة لسد حاجات المستحقين المتزايدة.
ثالثاً: مناقشة الأدلة:
1ـ مناقشة أدلة القائلين بعدم جواز الاستثمار:
أ - القول إن استثمار أموال الزكاة ينافي الفورية التي عليها الجمهور يجاب عنه، بأن الفورية تتعلق بالمالك لا بالإمام، فإذا وصلت الزكاة إلى يد الأمام أو نائبه تحققت الفورية وجاز له- عند جمهور العلماء- تأخير قسمتها، واستدلوا لذلك بما روي أنس بن مالك قال: "غدوت إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه(84) فوافيته في يده الميسم (85) يسم إبل الصدقة(86) فهو يدل على جواز تأخير القسمة، لأنها لو عجلت لاستغنى عن الوسم"(87). كما يجوز للإمام تأخير الزكاة عند المالك لحاجة المالك نفسه أو المستحقين. فقال المالكية: "يجوز للإمام تأخير الزكاة إلى الحول الثاني، إذا أداه إليه اجتهاده، لأن الإمام وكيل المستحقين وهو مأمور بأن يتحرى المصلحة" (88). وقال الحنابلة "يجوز للإمام والساعي تأخيرها عند ربها لعذر قحط أو نحوه"(89)، وقال أبو عبيد :"وكذلك تأخيرها إذا رأى ذلك الأمام في صدقة المواشي، للأزمة تصيب الناس، فتجدب لها بلادهم، فيؤخرها عنهم إلى الخصب، ثم يقضيها منهم بالاستيفاء في العام المقبل، كالذي فعله عمر في عام الرمادة"(90).
ب - القول إن الاستثمار يعرض أموال الزكاة للخسارة يجاب عنه: بأن احتمال الخسارة في التجارة لا يمنع الاتجار بالأموال، لما فيه من تنمية المال وزيادته، وقد اعتبر ابن عبد السلام الاتجار من المصالح الدنيوية التي تدعو إليها الشريعة الإسلامية، حيث قسم المصالح الدنيوية إلى قسمين أحدهما: ناجز الحصول: كمصالح المآكل والمشارب، والملابس وحيازة المباح والاصطياد والاحتشاش والاحتطاب. والقسم الثاني: متوقع الحصول: كالاتجار لتحصيل الأرباح، وكذلك الاتجار في أموال اليتامى لما يتوقع فيها من الأرباح(91). وقد دعت الشريعة الإسلامية الولاة والحكام إلى حفظ أموال الأمة واستثمارها بما يحقق النفع للمسلمين، فجاء في كتاب الخراج: (فإذا اجتمعوا "أي أهل الخير" على أن في ذلك "رأي في حفر الأنهار" صلاحاً وزيادة في الخراج أمرت بحفر تلك الأنهار، وجعلت النفقة من بيت المال ولا تحمل النفقة على أهل البلد، وكل ما فيه مصلحة لأهل الخراج في أرضهم وأنهارهم وطلبوا إصلاح ذلك لهم أجيبوا إليه إذا لم يكن فيه ضرر على غيرهم(92). وما ذكره أبو يوسف- رحمه الله- من ضرورة حفر الأنهار هو من قبيل التمثيل، لا الحصر كما يفهم من عبارته الأخيرة، "وكل ما فيه مصلحة لأهل الخراج.. أجيبوا إليه". واستثمار الأموال يخضع - في هذا الوقت- إلى دراسات اقتصادية دقيقة قبل الأقدام على أي مشروع استثماري: مثل دراسة فرص الاستثمار، ودراسة الجدوى الاقتصادية. ففي دراسة الفرص يتم تحليل إحصائيات عن الموارد المتاحة والمستخدمة، وعن طلب المستهلكين والعرض المتاح، وعن الحاجات الأساسية والمعروض منها، وعن الواردات والطلب عليها، وعن المنتجات المصنوعة ومدى الحاجة إليها، وعن رغبات التنوع والمناخ الاستثماري العام والتسهيلات المقدمة.(93).
ودراسة الجدوى الاقتصادية تتنوع إلى نوعين: دراسة جدوى مبدئية، ودراسة جدوى تفصيلية، فدراسة الجدوى المبدئية حلقة وسط بين دراسة الفرص ودراسة الجدوى التفصيلية، فإذا ثبت من دراسة الفرص أن الفكرة طيبة وتستحق الدراسة فإنه قد يكون من المرغوب فيه القيام بدراسة مبدئية تهتم بالهيكل العام ودراسة البدائل ولا تنشغل بالتفاصيل الفنية والهندسية، فإذا تبين من هذه الدراسة أن المشروع يستحق القيام به ويحتاج إلى دراسة الجدوى التفصيلية قام بها وهي تعتمد على بيانات تفصيلية في الجوانب الفنية والهندسية والتجارية والمالية والاقتصادية والاجتماعية، ففي الدراسة يتم تحليل أشياء كثيرة منها: الإنتاج والمنتجات، والموقع، والتكنولوجيا، والمدخلات والمخرجات، والأسعار والتسعير والمبيعات والإيرادات، والمصروفات وتكاليف الاستثمار، والتمويل وهيكل التمويل، والربحية المالية والاقتصادية والتجارية، والدراسة الحسابية للتغيرات والمخاطر وغير ذلك وكل جزئية من هذه الجزئيات يتم وضعها في إطار من التفاصيل الدقيقة التي يتم جمعها بأكبر دقة ممكنة دائماً مع عمل الافتراضات التي بنيت عليها الدراسة مثل الطاقة الإنتاجية والسياسية والحكومية …(94).
كل هذه الدراسات تتم قبل اتخاذ قرار الاستثمار، ومن قبل أهل الاختصاص والخبرة، وهي كفيلة بتضييق دائرة احتمال الخسارة في المشروع الاستثماري. وفيما يلي بيان بالمراحل التي تمر بها صناعة قرار الاستثمار بصفة عامة، ودراسة الجدوى الاقتصادية بصفة خاصة.
(ج) وأما القول: إن استثمار أموال الزكاة يؤدي إلى إضاعتها في الأعمال الإدارية فهو مناقض لنص الآية "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها…"(95) فقد جعل الله تعالى للقائمين عليها سهماً منها كما سيأتي تفصيله في تكاليف استثمار أموال الزكاة.
(د) وأما القول: إن استثمار أموال الزكاة مناف لمبدأ التمليك الذي اشترطه جمهور الفقهاء، فيجاب عنه بأن اشتراط التمليك محل نظر، فقد ذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراطه إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ولذا أجاز كثير من العلماء صرف الزكاة بدون تمليك فردي في كثير من الصور، كصرف الزكاة في شراء العبيد وعتقهم، وصرف الزكاة لأبناء السبيل بدون تمليك فردي للمستحق.
وعلى فرض اشتراط التمليك فإن التمليك حاصل في إنشاء المشاريع الاستثمارية، وهي التمليك الجماعي للمستحقين، أو لبيت المال أو بيت الزكاة، وقد اعتبر الفقهاء بيت المال شخصية اعتبارية أو حكمية تملك وتملك.(96).
(هـ) وأما القول: أن يد الأمام على الزكاة يد أمانة لا تصرف واستثمار، فيجاب عنه بأنه غير مسلم، فقد أجاز الفقهاء التصرف في مال الزكاة لضرورة أو حاجة، ولذا أجاز المالكية والشافعية والحنابلة بيع الزكاة للضرورة، فقال الخرشي: "إذا قلنا بنقل الزكاة إلى البلد المحتاج واحتاجت إلى كراء يكون من الفيء .. فإن لم يكن في فيء أو كان ولا أمكن نقلها.. فإنها تباع في بلد الوجوب، ويشتري بثمنها مثلها في الموضع الذي تنقل إليها إن كان خيراً (97). وقال النووي: "لا يجوز للإمام والساعي بيع شيء من مال الزكاة من غير ضرورة، فإن وقعت الضرورة بأن يقف عليه بعض الماشية أو خاف هلاكه، أو كان في الطريق خطر، أو احتاج إلى رد جبران أو إلى مؤونة النقل، أو قبض بعض شاه وما أشبه جاز البيع ضرورة (98).
وقال ابن قدامة: "إذا أخذها الساعي فاحتاج إلى بيعها لمصلحة من كلفة نقلها ونحوها فله ذلك لما روي قيس بن أبي حازم أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء (99) فسأل عنها فقال المصدق: إني ارتجعتها بإبل(100) فالرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها(101).
2- مناقشة أدلة القائلين بجواز الاستثمار:
أ - القول بأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ والخلفاء الراشدين كانوا يستثمرون أموال الزكاة من إبل وغنم وبقر يجاب عنه بأنه غير مسلم، لأن ما حدث كان لمجرد حفظ الحيوانات لحين توزيعها على المستحقين لا للاستثمار، وما يحصل من توالد وتناسل ودر لبن فهو طبيعي غير مقصود، فلا يدل هذا الدليل على جواز إنشاء مشاريع إنتاجية طويلة الأجل، وإنما يدل على جواز استثمار أموال الزكاة في إحدى المصارف الإسلامية لحين توزعها أو توصيلها إلى المستحقين، فإن هذا الاستثمار للحفظ وتحقيق النفع للمستحقين من ريعها، فلا حرج فيه لقوله _صلى الله عليه وسلم_: " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل" (102).
ب - وأما التوسع في مصرف "في سبيل الله" حتى يشمل جميع وجوه الخير فهو غير مسلم ولا معتمد، لأنه ورد في بعض كتب التفسير لفقيه غير معروف، وهو قول مرجوح، والمختار عند الفقهاء والمحققين أن هذا المصرف يراد به الجهاد في سبيل الله ، لا جميع وجوه الخير(103).
ت - وأما القول بأنه يجوز للإمام- إذا اقتضت الضرورة - إنشاء المصانع الحربية من سهم " في سبيل الله" فصحيح، ومن وجوه الضرورة خلو بيت المال عن الأموال التي تفي بذلك، لأن عبء تجهيز الجيوش الإسلامية وتسليحها يقع على عاتق بيت المال من فيء وخراج وجزية، فإذا عجز بيت المال عن تجهيز المجاهدين فلا مانع من تجهيزهم من الزكاة.
ث - وأما حديث الحلس فعام في الحث على الاستثمار والإنتاج، وليس خاصاً باستثمار أموال الزكاة.
ج - القياس على استثمار المستحقين للزكاة أجيب عنه بأنه لا يصح، لأن شرط التمليك متحقق في دفع الزكاة للمستحقين بقصد الاستثمار، ولا يتحقق ذلك الشرط في إنفاق الزكاة في المشاريع الاستثمارية من قبل الأمام. ويجاب عن ذلك بما ذكرت عند مناقشة أدلة المانعين من أن شرط التمليك محل نظر، وأن التمليك الجماعي حاصل في إنشاء المشاريع الاستثمارية.
و- الاستئناس بحديث الصدقة الجارية (الوقوف) أجيب عنه بأنه لا يصح لأن من أركان الوقف أن يكون هناك واقف، وفي استثمار أموال الزكاة لا يوجد واقف، لأن أموال الزكاة قبل قبضها من قبل المستحقين ليست مملوكة لهم حقيقة حتى يقفوها، وهي ليست مملوكة للمزكين أيضاً ولا للإمام. ويجاب عن ذلك بأن هذه الحالة ذات شبه بالوقف من بعض الوجوه، وليست مطابقة له من كل الوجوه وما دام الأمر كذلك فليست بحاجة لتوفر أركان الوقف وشروطه (104).
ز- القياس على استثمار أموال الأيتام أجيب عنه، بأن هذا الاستثمار خاص بالأموال الزائدة عن حاجة اليتيم الأصلية بدليل وجوب الزكاة فيها "حتى لا تأكلها الصدقة" أما أموال الزكاة فلا تزيد عن حاجات المستحقين في الغالب، وإذا زادت في قطر تنقل إلى قطر آخر كما قال الجويني :" وأما الزكوات: إن انتهى مستحقوها إلى مقاربة الاستقلال واكتفوا بما نالوه منها فلا سبيل إلى رد فاضل الزكوات عليهم، فإن أسباب استحقاقهم ما اتصفوا به من حاجاتهم، فإذا زالت أسباب الاستحقاق وزال الاستحقاق بزوالها، فالفاضل عند هذا القائل إن تصور استغناء مستحقي الزكاة في قطر أو ناحية منقول إلى مستحقي الزكاة في ناحية أخرى، وإن بالغ مصور في تصوير شغور الخطة عن مستحقي الزكاة في ناحية أخرى، فهذا أخرق للعوائد وتصوره عسر. ولكن العلماء ربما يفرضون صوراً بعيدة وغرضهم بفرضها وتقديرها تمهيد حقائق المعاني. فإن احتملنا تصور ذلك - أي زيادة أموال الزكاة عن المستحقين - فالفاضل من الزكوات عن هؤلاء مردود إلى سهم المصالح العامة " (105).
فالجويني يستبعد زيادة أموال الزكاة عن حاجات المستحقين في زمنه ويعتبره خارقاً للعادة، فكيف بزماننا الذي شح فيه كثير من الأغنياء عن إخراج ما وجب عليهم من زكاة. فلا يصح قياس استثمار أموال الزكاة المشغولة بحاجات المستحقين على استثمار أموال الأيتام الزائدة عن حاجاتهم.
ح - العمل بالاستحسان أو بما هو خلاف الأصل للحاجة أو الضرورة ينبغي أن يقيد بضوابط وقيود تحمي أموال الزكاة من الضياع- كما سيأتي في القول المختار.
رابعاً: الرأي المختار:
بعد عرض آراء العلماء وأدلتهم ومناقشتها يتبين لي ما يلي:
1- الأصل في أموال الزكاة التي وصلت إلى يد الأمام، أو من ينوب عنه من السعادة أو المؤسسات الزكوية تعجيل تقسيمها بين المستحقين، ولا يجوز تأخيرها.
2- لكن إذا دعت الضرورة أو الحاجة إلى تأخير تقسيمها فلا بأس، وتحفظ حينئذ بالطريقة التي يراها الأمام أو من ينوب عنه، بحيث تؤدي تلك الطريقة إلى عدم ضياعها، وتحقيق المنافع للمستحقين: كحفظها في مصارف إسلامية على شكل ودائع استثمارية لحين الطلب.
3- ويستثنى من الأصل السابق أيضاً جواز تأخيرها للاستثمار، إذا دعت الضرورة أو الحاجة: كتأمين موارد مالية ثابتة للمستحقين وتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل من المستحقين فيجوز استثمارها في مشاريع إنتاجية
ويؤيد ذلك ما يلي:
أ - ما صمد من أدلة القائلين بجواز الاستثمار أمام المناقشة كالقياس على جواز استثمار المستحقين للزكاة بعد قبضها، ودفعها إليهم بقصد الاستثمار وجواز إنشاء المصانع الحربية من الزكاة للضرورة، والحاجة إلى الاستثمار.
ب - القياس على وقف الأرض المفتوحة عنوة بقصد استثمارها وتأمين مورد ثابت للدولة الإسلامية، فقد رأى عمر رضي الله عنه عدم تقسيم أراضي العراق ومصر والشام بين الفاتحين وتركها في أيدي أهلها من أهل الذمة يزرعونها بخراج معلوم. وقال في أهلها: "يكونون عمّار الأرض، فهم أعلم بها، وأقوى عليها"(106). ثم قال: "فكيف بمن يأتي من المسلمين، فيجدون الأرض بعلوجها قد اقتسمت، وورثت عن الآباء، وحيزت ما هذا برأي"(107).فإذا جاز للإمام وقف الأراضي المفتوحة عنوة لمصلحة جميع المسلمين للحاجة جاز له استثمار أموال الزكاة في مشاريع إنتاجية، ووقفا على المستحقين للحاجة.
ت - الاستئناس بحديث أصحاب الغار فقد روي البخاري وغيره عن ابن عمر _رضي الله عنهما_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه.
فقال الثالث: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق من ذرة فأعطيته وأبى ذلك أن يأخذ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقراً وراعيها ثم جاء، فقال يا عبد الله أعطني حقي، فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك، فقال أتستهزئ بي؟ قال فقلت ما أستهزئ بك، ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا، فكشف عنهم"(108).
و في رواية "بفرق أرز" والفرق مكيال معروف بالمدينة. وفي هذا الحديث دليل على جواز استثمار مال الغير بغير إذن مالكه إذا أجازه المالك بعد ذلك (109).
هذا إذا كان المتصرف ليس له حق النظر والتصرف في المال، أما إذا كان له حق التصرف والنظر في المال كالإمام بالنسبة لأموال الزكاة جاز التصرف دون الحاجة إلى إجازة الفقراء.(110).
ث - الاستئناس بحديث عروة البارقي أن النبي _صلى الله عليه وسلم_: أعطاه ديناراً يشتري أضحية أو شاة، فاشترى شاتين، فباع إحداهما بدينار فأتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه فكان لو اشترى تراباً لربح فيه".
وفي رواية عن حكيم بن حزام أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بعث معه بدينار يشتري له أضحية، فاشتراها بدينار وباعها بدينارين، فرجع فاشترى له أضحية بدينار، وجاء بدينار إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ ، فتصدق به النبي _صلى الله عليه وسلم_، ودعا له أن يبارك في تجارته(111).
في الحديث دلالة على أن عروة اتجر فيما لم يوكل بالاتجار به وكذلك حكيم بن حزام فهو يدل على جواز استثمار مال الغير بغير إذن مالكه، لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أقرهما على ذلك، ودعا لكل واحد منهما بالبركة في بيعه، ففي دعائه لهما بالبركة دليل على أنه فعل مستحسن ومستحب، وبخاصة إذا كان يحقق الخير لصاحب المال(112).
فإذا جاز استثمار المال الخاص بدون إذن صاحبه جاز للإمام أو نائبه استثمار المال العام بدون إذن من له نصيب في هذا المال، لأن الأمام له حق النظر والتصرف بالمال بما يحقق المصلحة للمستحقين، ويدفع الضرر عنهم كولي اليتيم والناظر على الوقف، ولذلك قال عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم"(113)…
وقال الإمام مالك: "الأمر عندنا في قسم الصدقات أن ذلك لا يكون إلا على وجه الاجتهاد من الوالي، فأي الأصناف كانت فيه الحاجة والعدد أوثر ذلك الصنف بقدر ما يرى الوالي(114).
وقال أبو عبيد: "الأمام مخير في الصدقة في التفريق فيهم جميعاً، وفي أن يخص بها بعضهم دون بعض إذا كان ذلك على وجه الاجتهاد، ومجانبة الهوى والميل عن الحق وكذلك من سوى الأمام، بل لغيره أوسع إن شاء الله".(115).
وقال ابن حجر: "للإمام أن يخص بمنفعة مال الزكاة دون الرقبة صنفاً دون صنف بحسب الاحتياج (116) وقد بينت عند مناقشة الأدلة أن للإمام حق التصرف في أموال الزكاة بالبيع للحاجة. فيجوز استثمارها إذا رأى الأمام المصلحة في ذلك … والله أعلم.
4- ضوابط استثمار أموال الزكاة من قبل الأمام أو من ينوب عنه.
إذا قلنا بجواز استثمار أموال الزكاة من قبل الأمام أو من ينوب عنه فلا بد من مراعاة الضوابط التالية:
أ - أن لا توجد وجوه صرف عاجلة لتلك الأموال: كسد الحاجات الضرورية للمستحقين من الحاجة إلى الطعام أو الكساء أو السكن، فإن وجدت تلك الحاجات العاجلة، فلا يجوز تأخير صرف الزكاة فيها بحجة الاستثمار، وإذا كانت أموال الزكاة على شكل أصول ثابتة: كالمصانع والعقارات فيجب بيعها وصرف أثمانها في تلك الوجوه.
ب - أن يتحقق من استثمار أموال الزكاة مصلحة حقيقية راجحة للمستحقين: كتأمين مورد دائم يحقق الحياة الكريمة لهم.
ت - أن تكون مجالات الاستثمار مشروعة: كالتجارة والصناعة والزراعة، ولذا فلا يجوز استثمار أموال الزكاة في مجال من المجالات المحرمة: كالربا والاتجار بالمحرمات وغير ذلك.
ث - أن تتخذ كافة الإجراءات التي تضمن بقاء تلك الأموال على أصل حكم الزكاة، بحيث لا يصرف ريعها إلا للمستحقين ولو احتيج إلى بيع الأصول الثابتة في المستقبل ترد أثمانها إلى مصارف الزكاة.
ج - أن يسبق قرار الاستثمار دراسات دقيقة من أهل الخبرة تتعلق بالجدوى الاقتصادية للمشروع الاستثماري، فإذا غلب على الظن تحقق الأرباح من ذلك المشروع باشر من في إنشائه.
ح - أن يسند أمر الأشراف والإدارة إلى ذوي الكفاءة والخبرة والأمانة.
خ - أن يعتمد قرار الاستثمار ممن له ولاية عامة كالإمام أو القاضي، أو أهل الحل والعقد.
المبحث الثالث
تكاليف استثمار أموال الزكاة
إن استثمار الأموال في الإسلام لا يكلف صاحب المال إلا نفقات القائمين على الاستثمار، ودفع الزكاة في نهاية السنة.
أولاً: نفقات القائمين على استثمار أموال الزكاة
الأصل احترام عمل العامل وإعطاؤه ما يستحقه على عمله، فهل تحسم هذه الاستحقاقات من أموال الزكاة عند استثمارها؟ وما مقدار ما يحسم؟
1- هل تحسم نفقات القائمين على استثمار أموال الزكاة منها؟
قد يكون القيام على استثمار أموال الزكاة عاماً ، وقد يكون خاصاً.
أ - الأشراف العام على استثمار أموال الزكاة:
إذا أشرف شخص على استثمار أموال الزكاة إشرافاً عاماً: كالحاكم، أو الوالي، أو القاضي، فلا يعطي من الزكاة لأنه لم يفرغ نفسه لهذا العمل، ولأنه يأخذ رزقاً "راتبا" من بيت مال المسلمين "الخزانة العامة" على وظيفته التي تشمل على الإشراف على جميع أعمال الدولة: ومن بينها الإشراف على جمع الزكاة وحفظها وتوزيعها (117).
قال ابن قدامة: "وإن تولى الأمام أو الوالي من قبله أخذ الزكاة وقسمتها لم يستحق منها شيئاً لأنه يأخذ رزقه من بيت المال".(118) وزاد صاحب مغني المحتاج: "بل رزقهم إن لم يتطوعوا بالعمل في خمس الخمس المرصد للمصالح العامة، فإن عملهم عام، ولأن عمر رضي الله عنه ضرب لبناً فأعجبه، فأخبر أنه من نعم الصدقة، فأدخل أصبعه واستقاءه"(119)
ب - الأشراف الخاص على استثمار أموال الزكاة:
إذا كان الأشراف على استثمار أموال الزكاة خاصاً: بأن فرع نفسه لعمل من أعمال الاستثمار: كالحاسب، والكاتب، والمستثمر، والحافظ، فهل يعطي من أموال الزكاة؟
اختلف العلماء في ذلك، وهذا الخلاف مبني على اختلافهم في جواز إعطاء الحارس والراعي لأموال الزكاة منها. فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنهم يأخذون من الزكاة (120)؛ لأنهم من جملة العمال الذين جعل الله لهم نصيباً من الزكاة في قوله تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم.(121)
قال النووي :"قال أصحابنا: ويعطى الحاشر، والعريف، والحاسب، والكاتب، والجابي، والقسام، وحافظ المال من سهم العامل لأنهم من العمال".(122).
وقال ابن قدامة:" العاملون على الزكاة هم السعاة الذين يبعثهم الأمام لأخذها من أربابها، وجمعها وحفظها ونقلها ومن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها، وكذلك الحاسب والكاتب… وكل من يحتاج إليه فيها، فإنه يعطي أجرته منها؛ لأن ذلك مؤنتها فهو كعلفها (123). وذهب المالكية إلى أن الراعي والحارس ومن في معناه كالمستثمر لا يعطي من أموال الزكاة، وإنما يعطى من سهم المصالح أو بيت المال، لأن الشأن عدم الاحتياج إلى هؤلاء العمال لكونها تفرق غالباً عند أخذها كما قال الدسوقي: "لا يعطى راع وحارس- أي من الزكاة- لأن الشأن عدم احتياج الزكاة لهم، لكونها تفرق غالباً عند أخذها بخلاف الجابي ومن معه، فإن شأن الزكاة احتياجها إليهم، فإن دعت الضرورة لراع أو سائق أو لحارس على خلاف الشأن فأجرتهم من بيت المال مثل حارس الفطرة"(124).
والذي أميل إليه ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن القائم على استثمار أموال الزكاة يعطي من أموال الزكاة، لأنه يقوم بعمل من أعمال الزكاة، وهو عمل يحقق لها الفضل والنماء. هذا هو الأصل في إعطاء من يقوم بعمل خاص للزكاة، لكن إذا رأى الأمام أن يعطيه من بيت المال، أو يجعل له رزقاً من بيت المال، ويقسم جميع الزكوات عليهم على باقي الأصناف جاز، لأن بيت المال لمصالح المسلمين وهذا من المصالح"(125).
ولذلك أرى أن تكون نفقات استثمار أموال الزكاة وبخاصة في بداية المشروع من بيت المال "الخزانة العامة"، فإذا استقر المشروع وأصبح يدر أرباحاً فلا مانع من أن تحسم تلك النفقات من أرباح ذلك المشروع والله أعلم.
3- مقدار ما يعطى القائم على استثمار أموال الزكاة:
اختلف الفقهاء في مقدار ما يعطى العامل، هل يعطى أجرة المثل، أو يعطى على سبيل الكفاية؟ فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يعطي أجرة المثل، ولا فرق بين الغني والفقير في ذلك، لأنه يقوم بعمل كسائر العمال والحكام وجباة الفيء. فالأصل احترام عمل العامل واستحقاقه أجرة مثله فقيراً كان أو غنياً (126).
وذهب الحنفية إلى أنه يعطي على سبيل الكفاية له ولمن يعول، لا على سبيل الأجرة؛ لأن العامل فرغ نفسه لهذا العمل، فيحتاج إلى الكفاية(127).
والذي أميل إليه ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن العامل يأخذ أجرة مثله، فيعطى على قدر سعيه وعمله ولا يبخس منه شيئاً، ولا يزاد عليه لأن عمل العامل هو سبب الاستحقاق، فلابد أن يكون المستحق ملائماً للعمل الذي يقوم به.
ثانياً: زكاة مال الزكاة المستثمر:
الأصل في أموال الزكاة عدم وجوب الزكاة فيها، لأن من شروط وجوب الزكاة في المال أن يكون مملوكاً لمالك معين، أما إذا كان غير مملوك لمالك معين: كأموال بيت المال، وأموال الزكاة فلا تجب فيها الزكاة(128). هذا إذا كانت أموال الزكاة مجمدة في بيت المال لعدة سنوات، أما إذا وجهت تلك الأموال إلى مشاريع استثمارية وإنتاجية، فلها حكم آخر ينبني على حكم زكاة المال الموقوف.
1- زكاة المال الموقوف:
اختلف الفقهاء في زكاة المال الموقوف: فذهب الحنفية إلى عدم وجوب الزكاة في المال الموقوف: كسوائم الوقف والخيل المسبلة لأنها غير مملوكة قالوا: لأن في الزكاة تمليكاً والتمليك في غير الملك لا يتصور(129). وذهب المالكية إلى أن الزكاة تجب في المال الموقوف لأن الوقف- عندهم - لا يخرج عن ملك الواقف، فلو وقف نقوداً للسلف يزكيها الواقف أو المتولي عليها منها كلما مر عليها حول من يوم ملكها هذا إن لم يتسلفها أحد فإن تسلفها أحد زكيت بعد قبضها منه لعام واحد(130). وذهب الشافعية والحنابلة إلى التفصيل فقالوا: إذا كان الوقف على غير معين: كالفقراء والمساجد والمدارس فلا زكاة فيه لأنه لا يتعين له مالك معين. أما إذا كان الوقف على معين: كعلي أو زيد فقد اختلف أصحاب هذا القول في وجوب الزكاة فيه على قولين، وهما مبنيان على الاختلاف في انتقال ملك الموقوف إلى الموقوف عليه.
القول الأول: ذهب الشافعية في قول والحنابلة في وجه وهو المذهب عند الحنابلة إلى أن الزكاة تجب في هذا النوع لأن ملك الموقوف ينتقل إلى الموقوف عليه.
القول الثاني: وذهب الشافعية في الأصح والحنابلة في وجه إلى عدم وجوب الزكاة فيه؛ لأن ملك الموقوف ينتقل إلى الله تعالى فلا زكاة فيه كالوقف على جهة عامة(131). والذي أميل إليه أن الزكاة تجب في المال الموقوف على جهة معينة؛ لأن الموقوف عليه يملك الانتفاع به ملكاً مستقراً لا يزاحمه أحد فيه. وبناء على ذلك فإن الراجح في مسألة زكاة المال الموقوف هو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة من أن الزكاة لا تجب في المال الموقوف على غير معنيين وتجب في المال الموقوف على معينيين.
2- تخريج مسألة زكاة مال الزكاة المستثمر على مسألة زكاة المال الموقوف:
بناء على القول الراجح في مسألة زكاة المال الموقوف نقول:
أ - إذا أعطى الفقير أدوات الحرفة من مال الزكاة، فأصبحت تدر عليه أرباحاً وغلة، وكانت هذه الغلة زائدة عن حاجته الأصلية زكاها في نهاية الحول،إذا كانت بالغة النصاب لأنه يملكه ملكاً مطلقاً.
ب - إذا تم إنشاء مصنع من مال الزكاة، وخصص ريعه لفقراء معينيين كزيد، وعمرو،و كان هذا الريع زائداً عن الحاجة الأصلية لهم، زكوا الزائد من الريع في نهاية السنة إذا كان بالغاً النصاب لأنهم يملكونه ملكاً مطلقاً.
ت - إذا تم استثمار بعض أموال الزكاة لحساب المستحقين للزكاة دون تحديد أشخاص معينيين لا تجب الزكاة في المال، ولا في الربح لعدم جود مالك معين.
الخاتمة
بعد عرض الأحكام المتعلقة باستثمار أموال الزكاة نستطيع أن نوجز أهم ما انتهينا إليه فيما يلي:
1- استثمار أموال الزكاة من قبل المستحقين لها بعد وصولها إليهم جائز، لأنهم يملكونها ملكاً تاماً بعد قبضها.
2- استثمار أموال الزكاة من قبل المالك لا يجوز، لأنه ينبغي أن يبادر إلى إخراجها عند وقت وجوبها، فإذا أخرها من أجل الاستثمار كان ضامناً للخسارة.
3- الأصل في استثمار أموال الزكاة من قبل الأمام أو من ينوب عنه عدم الجواز، ويستثنى من ذلك ما دعت إليه الضرورة أو الحاجة ويراعى في ذلك الضوابط التالية:
أ - أن لا توجد وجوه صرف عاجلة لأموال الزكاة، كسد الحاجات الضرورية للمستحقين من طعام وكساء ومسكن وغير ذلك.
ب - أن تتحقق من استثمار أموال الزكاة مصلحة حقيقية للمستحقين.
ت - أن يتم استثمار أموال الزكاة في مجالات الاستثمار المشروعة.
ث - أن تتخذ كافة الإجراءات التي تضمن بقاء تلك الأموال على أصل حكم الزكاة.
ج - أن تسبق قرار استثمار أموال الزكاة دراسات دقيقة من أهل الخبرة في الجدوى الاقتصادية لمشاريع الاستثمار.
ح - أن يعتمد قرار استثمار أموال الزكاة ممن له ولاية عامة: كالإمام أو القاضي أو أهل الحل والعقد.
خ - أن يسند أمر الأشراف والإدارة إلى ذوي الكفاءة والخبرة والأمانة.
د-أن تكون نفقات الاستثمار من أجرة القائمين عليه وغيرها من بيت المال، وبخاصة في بداية المشروع الاستثماري أما إذا استقر المشروع وأصبح يدر ربحاً، فلا مانع من أن تحسم تلك النفقات من أرباح ذلك المشروع.
ذ-أموال الزكاة المستثمرة لا تخضع لوجوب الزكاة، إذا كان الاستثمار لحساب المستحقين عامة، أما إذا استثمرت لحساب شخص معين، فإن الزكاة تجب في غلتها سواء ملكت الأصول الثابتة له أو لم تملك.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصباح المنير للفيومي، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني مادة، زكا.
(2) جواهر الإكليل للأبي1/188
(3) المغني لأبن قدامة 2/572.
(4) آية: 34 من سورة الكهف.
(5) لسان العرب لأبن منظور، القاموس المحيط للفيروز آبادي، المفردات للأصفهاني، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي، أساس البلاغة، مادة: ثمر.
(6) المنتقي للباجي 5/150.
(7) آية 5 من سورة النساء
(8) الكشاف للزمخشري1/500.
(9) الاستثمار والتمويل للدكتور سيد الهواري ص43
(10) الموسوعة الاقتصادية لراشد الباروي ص17
(11) بتصرف من الاستثمار والتمويل للهواري ص43-44.
(12) الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية- الاستثمار للسيد الهواري 6/28
(13) الموسوعة العلمية -6/16
(14) لسان العرب لأبن منظور، والقاموس المحيط ومختار الصحاح، مادة: وظف
(15) المصباح المنير للفيومي، القاموس المحيط ، مادة : غل
(16) فتح القدير للكمال بن الهمام 10/491
(17) المصباح المنير، القاموس المحيط، مادة:نما.
(18) القاموس المحيط مختار الصحاح للرازي، مادة : نفع
(19) معجم لغة الفقهاء للقلعجي وقنيبي ص91.
(20) كشاف القناع للبهوتي 2822/.
(21) المغني المحتاج للشربيني الخطيب 3/106
(22) الأشباه والنظائر لأبن نجيم ص346.
(23) المجموع للنووي 6/150
(24) المرجع نفسه 6/156.
(25) المجموع 6/139، مغني المحتاج 3/114، حاشية قليوبي 3/200.. ، نهاية المحتاج للرملي 6/162، حاشية البجيرمي 3/314. الأنصاف للمرداوي 3/238.
(26) البدائع 2/3، درر الحكام لملأ خسرو 1/174، حاشية الدسوقي 1/503، المجموع للنووي 5/286، مغني المحتاج 1/413، المبدع 2/399، المغني 2/684.
(27) آية : 141 من سورة الأنعام.
(28) المبدع 2/399.
(29) نيل الأوطار 4/167 وصعفه السيوطي في الجامع الصغير، وقال البيهقي: تفرد به محمد قال الذهبي في المهذب ضعيف، وفي الميزان عن أبي حاتم منكر الحديث. ثم عد من مناكيره هذا الخبر (فيض القديري للمناوي 5/443).
(30) نيل الأوطار 4/167.
(31) صحيح البخاري 2/118.
(32) فتح الباري 4/41، نيل الأوطار 4/168.
(33) المغني 2/684 ،المبدع 2/399
(34) فتح القدير للكمال بن الهمام 2/155.
(35) المغني لأبن قدامة 2/685.
(36) البدائع 2/3، درر الحكام لملأ خسرو 1/174
(37) البدائع 2/3
(38) آية :48 من سورة المائدة
(39) آية :133 من سورة آل عمران
(40) حاشية ابن عابدين 2/283، بداية المجتهد لأبن رشد 1/249، المجموع 5/323، رحمه الله 72، مغني المحتاج 1/419، المنثور في القواعد 1/466، حاشية الجمل 2/293، الأنصاف 3/35، الإفصاح 1/2.9، أحكام القرآن لأليكا الهراس 4/73، المغني 2/679.
(41) سنن أبي داود (2/97) والبيهقي، وقال: إسناده صحيح وكلهم ثقات.
(42) صحيح البخاري 2/133.
(43) المجموع 5/ 323، رحمة الأمة 72، المغني لأبن قدامة 2/679، الأنصاف 3/35.
(44) آية :103 من سورة التوبة.
(45) آية : 24 من سورة المعارج.
(46) صحيح البخاري 2/108.
(47) آية:60. من سورة التوبة.
(48) المعيار المعرب للونشريسي 1/399، المجموع 5/323، مغني المحتاج 1/419، حاشية قليوبي 2/47، حاشية الجمل 2/292، المنثور في القواعد 1/366 أحكام القرآن لأليكا الهراس 4/83 ، رحمة الأمة للدمشقي ص72، الأنصاف 3/38، القواعد لأبن رجب 207.
(49) الأرض: هو اسم للمال الواجب على ما دون النفس…
(50) حاشية ابن عابدين 2/283، المجموع 5/323، الأنصاف 3/38.
(51) المجموع 5/323، الأنصاف 3/38.
(52) العروة الوثقى للطبطبائي 2/39.
(53) الخمس للسيد عبد الكريم السيد علي خان ص118.
(54) أحكام القرآن للألكيا الهراس 4/83.
(55) الأنصاف للمرداوي 3/38.
(56) انظر: بحث: "مبدأ التمليك ومدى اعتباره في صرف الزكاة" للمؤلف.
(57) كشف الأسرار للبزدوي 4/137.
(58) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث ج1، ص335 -.406 أحكام الزكاة على ضوء المذاهب الأربعة لعبد الله علوان ص97. وقد أيد هذا القول بعض المشاركين في الدورة الثالثة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي مثل الشيخ تجاني صابون - المدرس بمدرسة المعلمين العليا بتشاد - حيث قال: "إن توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحقين لا يمكن أن يتم إلا إذا وجد مستحقو الزكاة حقوقهم "يقصد حاجاتهم" وبقدر الكفاية المحددة لهم، لأنه لأبد أن يعطي الفقير القدر الذي يخرجه من الفقر إلى الغنى ، ومن الحاجة إلى الكفاية على الدوام… فإذا ما وجد كل ذي حق حقه من أموال الصدقة، وفاضت فيمكن بعد ذلك توجيهها إلى مثل هذا المشروع" (بحث توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق مجلة المجمع ج1، ص335). كما أيد هذا القول الشيخ آدم عبد الله علي- خطيب مسجد التضامن الإسلامي بمقديشو بالصومال حيث قال:"إن توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع دون تمليك فردي للمستحق غير جائز، لأنها تعرض المال للفائدة والخسارة، فربما يترتب عليها ضياع الأموال، ولأن توظيفها في المشاريع الإنمائية يؤدي إلى انتظار الفائدة المترتبة عليها، وهذا قد يأخذ وقتاً طويلا، فيكون سبباً لتأخير تسليم أموال الزكاة لمستحقيها بدون دليل شرعي، مع أن المطلوب التعجيل في أداء حقوقهم، ولأن أموال الزكاة أمانة في أيدي المسؤولين عنها حتى يسلموها إلى أهلها وشأن الأمانة الحفظ فقط (بحث توظيف الزكاة،مجلة المعجم ج1 ص354).
(59) مجلة مجمع الفقه الإسلامي- العدد الثالث، ج1، ص4.4.
(60) بحث: "آثار الزكاة في الأفراد والمجتمعات "للقرضاوي- منشور ضمن أعمال مؤتمر الزكاة الأول عام 1984 ص45، مجلة مجمع الفقه الإسلامي المشار إليها سابقاً.
(61) فتوى له منشورة في مجلة المجتمع الكويتية عدد (793) ص34.
(62) الاتحاد الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي للدكتور: محمد فاروق النبهان ص293،488.
(63) بحث: "توظيف أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق "للخياط - منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي- العدد الثالث، ج1 ، ص371، وبحث: "الزكاة وتطبيقاتها واستثمارها" للخياط مقدم لندوة" الزكاة واقع وطموحات" المنعقدة في أربد عام 1989 ص58.
(64) فتوى فقيهة في بحث: "توظيف أموال الزكاة مع عدم التمليك للمستحق" للدكتور الفرفور - منشور في مجلة الفقه الإسلامي العدد الثالث، ج1، ص358.
(65) أحكام الزكاة لعبد الله علوان ص 97.
(66) بحث: "توظيف أموال الزكاة "للشيخ آدم شيخ عبد الله، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد3 ، ج1، ص354.
(67) المرجع نفسه.
(68) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد3، ج1، ص388،406.
(69) بحث: "توظيف أموال الزكاة " للشيخ آدم، مجلة المجمع المشار إليها ص354.
(70) اجتووا المدينة : أي أصابهم الجوي، وهو مرض وداء الجوف إذا تطاول إذا لم يوافقهم هواؤها (النهاية لأبن الأثير 1/381)
(71) صحيح البخاري 2/137.
(72) الموطأ مع المنتقي 2/157، والبيهقي بإسناد صحيح كما قال صاحب مغني المحتاج (3/109).
(73) تفسير الرازي 16/115.
(74) المجموع للنووي 6/160..
(75) الحلس: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله، وهو بساط يبسط في البيت- والجمع أحلاس (المصباح المنير).
(76) القعب: إناء ضخم كالقصعة، والجمع قعاب وأقعب (المصباح المنير)
(77) فقر مدقع: أي شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء أي التراب (النهاية 2/127)
(78) غرم مفظع: أي شديد شنيع (النهاية 3/459).
(79) دم موجع: هو أن يتحمل دية، فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول فإن لم يؤدها قتل المتحمل عنه، فيوجعه (النهاية 5/157).
(80) سنن أبي داود 2/120 ، سنن الترمذي (3/522) وقال: حسن
(81) رواه مسلم في صحيحه 3/1255.
(82) رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/107، وقال: إسناده صحيح، وله شواهد عن عمر _رضي الله عنه_ .
(83) بحث : "توظيف الزكاة…" للفرفور ص319.
(84) حنكة: أي مضغ ثمراً وذلك حنك الصغير، يقال حنك الصبي، وحنكه.
(85) الميسم: (بكسر الميم) الحديدة التي يكوى بها، وجمعه مياسم ومواسم، وأصله من السمة وهي العلامة. والوسم أثر الكيه.
(86) رواه البخاري 2/138.
(87) فتح الباري 4/109، عمدة القاري 9/106، نيل الأوطار للشوكاني 4/177.
(88) مواهب الجليل للحطاب 2/363.
(89) المبدع لأبن مفلح 2/400...
(90) الأموال لأبي عبيد 779.
(91) قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/43.
(92) الخراج لأبي يوسف110..
(93) الموسوعة الاقتصادية والعلمية للبنوك الإسلامية 6/35.
(94) التمويل والاستثمار لسيد هواري ص81، الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية 6/34.
• الاستثمار والتمويل لسيد هواري ص83 بتصرف عن إن بتصرف عن (Clifton & D.Fyffe Project Feasibility Analyses New York 5 John Wiley, 1977)
• الاستثمار والتمويل لسيد هواري ص85.
(95) آية:60. من سورة التوبة.
(96) لتفصيل ذلك انظر: بحث" مبدأ التمليك ومدى اعتباره في صرف الزكاة" للباحث.
(97) حاشية الخرشي 2/223.
(98) المجموع للنووي 6/120..
(99) كوماء : ناقة ضخمة السنام.
(100) مسند الأمام أحمد /349.
(101) المغني 2/674.
(102) رواه مسلم 4/1726.
(103) مجمع الأنهر 1/221، حاشية الخرشي 2/218، المجموع 6/158، كشاف القناع 2/283، الأموال لأبي عبيد801.
(104) بحث: "توظيف أموال الزكاة في مشاريع ريع بلا تمليك فردي للمستحق" للدكتور حسن عبد الله الأمين منشور ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد3 ، مجلد1، ص367.
(105) غياث الأمم في اجتياث الظلم للجويني 183-184.
(106) الخراج لأبي يوسف 141.
(107) المرجع نفسه ص24.
(108) صحيح البخاري 3/37-38، صحيح مسلم 4/2099 ،مسند احمد 2/116.
(109) عمدة القاري 12/26، صحيح مسلم بشرح17/58.
(110) نفس المرجع
(111) سنن أبي داود 3/256، سنن الترمذي 3/558، مسند أحمد 4/375، 376، قال المنذري والنووي: إسناده حسن صحيح وفيه كلام كثير، وقال ابن حجر: الصواب أنه متصل في إسناده مبهم "سبل السلام 3/31".
(112) سبل السلام 3/31، فتح العلام لشرح بلوغ المرام لصديق حسن خان2/24، معالم السنن للخطابي 3/90..
(113) الطبقات الكبرى لأبن سعد 3/276.
(114) الموطأ مع تنوير الحوالك 1/257.
(115) الأموال لأبي عبيد ص767.
(116) فتح الباري لأبن حجر 4/109.
(117) حاشية قليوبي وعميرة 4/196، مغني المحتاج 3/1.8، المغني 6/426.
(118) المغني 6/426.
(119) مغني المحتاج3/108.
(120) حاشية ابن عابدين 2/339، حاشية قليوبي 3/196، المجموع6/132، المغني 6/424.
(121) آية:60. من سورة التوبة
(122) المجموع للنووي 6/132.
(123) المغني 6/424.
(124) حاشية الدسوقي 1/495.
(125) المجموع 6/134.
(126) حاشية الخرشي 2/216، المهذب مع المجموع 6/132، مغني المحتاج 3/108، حاشية قليوبي 3/196، كشاف القناع 2/275.
(127) بدائع الصنائع للكاساني 2/44.
(128) البدائع 2/9، حاشية ابن عابدين 2/259، إعانة الطالبين للبكري 2/62، المغني 2/577.
(129) البدائع 2/9 حاشية ابن عابدين 2/259.
(130) الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي 1/459/ 485.
(131) المجموع 5/292 والأنصاف للمرداوي 3/14-15.
ـــــــــــــــــــــــــ
أصل البحث تقدم به الباحث إلى الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة في الكويت بتاريخ 8-9الآخرة 1413هـ الموافق2-3/12/1992