أهمية الشورى (2/2)
22 محرم 1427

تابعنا في القسم الأولى من أهمية الشورى، مكانة الشورى، وأنها إحدى القدوات التي علمنا إياها سيد الخلق محمد _صلى الله عليه وسلم_، وكيف عظّم الله أمرها، ورفع مكانتها، وأمر بها عباده في مواطن عديدة.
ونتابع اليوم ما يتعلق بصفات المستشار، حيث إنه وإن تقرر في النفس أهمية أمر الشورى فلا بد من العلم أنه ليس كل شخص يستشار بل لابد من تحقق صفات في المستشار يحسن التنبه لها.

صفات المستشار:
يستشار العاقل اللبيب الفطن الذي يحسن ما استشير فيه فلا يستشار في الدعوة من لا يحسنها أو من يخذل عنها بل يستشار الداعية الفطن المعروف بسداد الرأي.
ولا يستشار في الأمور الخاصة من لا يحفظ سرا ولا يستر عيبا بل يستشار الأمين الحافظ.
ولا يستشار في أمور الشباب شيخاً مسناً قد تغير الزمان عليه واختلف بل يستشار من قرب منهم وأدرك أحواله وتطلعاتهم وطموحاتهم.

ومن تأمل استشارة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لأصحابه وجد أنه كان يستشير في كل أمر من يحسنه.
وإن الشخص اللبيب هو من يعرف من يستشير ويتخير من الناس أحذقهم كما يتخير التاجر من البضاعة أجودها.

قال الشيخ محمد الحمد في كتابه (الهمة العالية): فالعاقل اللبيب ذو الهمة العالية والنظرة الثاقبة، لا يستبد برأيه ولا يعتد بنفسه بحيث يقوده ذلك إلى ترك المشورة.
بل إنه يشاور أهل العقول السليمة والتجارب السالفة ممن يجمعون بين العلم والعمل والنصح والديانة.
فبالشورى تشحذ القريحة وتتلاقح الفكر وتنمى المعارف وتقوى الأواصر بين المتشاورين.

والشورى تنفي عن العبد الغرور والإعجاب بالنفس وتفتح له الأبواب وتزيل عنه الحيرة والاضطراب.
قال أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -: نعم المؤازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد.
وقال بشار بن برد:



وإذا بلغ الرأي المشورة فاستعن   برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضةً   فإن الخوافي قوةٌ للقوادم

وأما ترك الشورى, أو استشارة الحمقى فدليل الغرور, وآية الجهل.
وكذلك استشارة القاعدين؛ فإنها تورث الكسل والتخذيل؛ لأن القاعد لن يتصور الأمر كما ينبغي، ولن يجد في نفسه انبعاثا للمعالي؛ ففاقد الشيء لايعطيه. ا هـ
ولا تنسى مشاورة الوالدين, فإن الخير ملازم نطقهما, فهما أحرص الناس على نفعك, ولتجدنّ دعوتهما مقرونة بنصحهما, ودعوة الوالدين لولدهما مستجابة.

وصايا للمستشار:
أيها الأخ المستشار أخلص النية عند إشارتك, واتق الله في قولك, فلم تستشر إلا ثقة بك وبرأيك, فلا تخيب الرجاء, ودل على خير ما تعلم, واستعن بالله ولا تعجل, واستفهم من الأمر كله, ولا تنظر إلى طرف واحد, ولا تفشي سراَ, ولا تظهر عيباً, فإنك مؤتمن.

من فوائد الشورى وثمارها:
أن الشورى إذا توافر فيها الإخلاص والمتابعة, فهي عبادة لله _تعالى_ يؤجر العبد عليها.

قال الشيخ أ.د ناصر العمر عن ثمار الشورى، وأن منها:
- تنسيق الجهود وتجميعها، والإفادة من الطاقات وعدم تبديدها، والقضاء على الازدواجية والتداخل، وهذا أمر واضح وبيّن، ولذلك قال - سبحانه-: "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" فالشورى وسيلة للاجتماع، واستثمار الطاقات، وباب من أبواب التعاون على البر والتقوى، الذي أمر الله به: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى".

- الشورى غنمها لك وغرمها على غيرك.
قال ابن الجوزي : "ومن فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح في أمره، علم أن امتناع النجاح محض قدر فلم يلم نفسه"

- التدريب والإعداد، واكتشاف المواهب والطاقات:
أخرج البيهقي أن عمر _رضي الله عنه_ كان إذا نزل الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم, يقتفي حدة عقولهم.

- البحث عن الحق والصواب ضمن المنهج الشرعي، والوصول إلى أقرب الوسائل الملائمة للأمر المتشاور فيه.
ومما يروى عن علي _رضي الله عنه_ قوله: "الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه".
وقال بعض الحكماء: ما استُنبط الصواب بمثل المشاورة، ولا حُصّنت النعم بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر.

- تأليف القلوب وجمع الكلمة، وسد منافذ الشر، والقيل والقال، وأدعى لقبول الأمر الناتج عن تشاور.
قال الطبري: أمر الله نبيه _صلى الله عليه وسلم _ بقوله: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب، وعند لقاء العدو؛ تطييباً منه بذلك لأنفسهم، وتألفاً لهم على دينهم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد قيل: إن الله أمر بها نبيه _صلى الله عليه وسلم _ لتأليف قلوب أصحابه، وليقتدي به من بعده، وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي. ا هـ

وقال السعدي: فيها تسميح لخواطرهم, وإزالة لما يصير في القلوب, فإن من له الأمر على الناس, إذا جمع أهل الرأي وشاورهم في حادثة من الحوادث, اطمأنت نفوسهم, وأحبوه, وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم, وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع.

وقال العلامة السعدي عن فوائد الشورى:
ومنها أن في الاستشارة تنور الأفكار؛ بسبب إعمالها فيما وضعت له, فصار في ذلك زيادة للعقول.
ومنها ما تنتجه الاستشارة من الرأي المصيب: فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله, وإن أخطأ أو لم يتم له المطلوب فليس بملوم, فإذا كان الله يقول لرسوله _صلى الله عليه وسلم_ وهو أكمل الناس عقلاً وأغزرهم علماً وأفضلهم رأياً "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" فكيف بغيره؟! ا هـ.

وفي الختام هذه خاطرة كتبتها, أسأل الله أن ينفع بها, ما كان فيها من صواب, فهو من الله وحده, وما كان فيها من خطأ, فمن نفسي والشيطان, وأستغفر الله إنه كان غفوراً رحيماً.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.