الخطوة التالية ..وفرصة الرسالة (1)
4 صفر 1427

لدى المسلمين رسالة من واجبهم أن يبلغوها إلى الناس، وإيصال هذه الرسالة دون بصيرة بواقع غير المسلمين قد يؤدي إلى نتائج عكسية وغير محمودة، وموقف الغرب من الإسلام على وجه الخصوص، على الرغم من العداء الغالب والمتأصل فيه للإسلام والمسلمين، يحتاج إلى جهد كبير لتحليله ودراسته، حتى ينطلق المسلمون في مواقفهم منه بصورة صحيحة، ولكي يتمكنوا من التعامل معه بما يليق برسالة الإسلام العالمية، التي تتصف بالحكمة والعدل والرحمة، لا أن يكون تعاملهم مقصوراً على نمط واحد ووجه واحد مع جميع دول المجتمع الغربي وفئاته ومواقفه، دون تمييز بين منصف وظالم أو مهادن ومحارب، أو جاهل وحاقد، أو دون تمييز بين موقف وآخر.

فأوضاع العلاقات بين الدول والمجتمعات قد تغيرت في عدد من الجوانب عما كانت عليه في الماضي، وأبرز هذه التغيرات ظهور مجتمعات مسلمة، من المسلمين المهاجرين والذين أسلموا من أهل تلك البلاد، تقيم داخل البلاد غير الإسلامية، وانفتاح المجال للمراكز الإسلامية لدعوة غير المسلمين هناك، وهو ما يستوجب مراعاة التوصيف الشرعي الصحيح لتلك الأوضاع، ومراعاة مصالح الجاليات المسلمة هناك، ومصالح المسلمين عموماً، لكي تكون مواقف المسلمين من الغرب، في السلم أو الحرب، مواقف شرعية صحيحة، تحقق مصالح المسلمين وتدعم رسالتهم الدعوية.

ولعل من المهم إدراكه في معركتنا لمواجهة العداء الغربي للإسلام؛ أن نحـيّد الفئات التي لا علاقة لها ولم تشارك في الاستهزاء، وألا نستفزها ضدنا بأعمال عنف ضد سفارات بلادهم أو مواطنيهم في بلادنا، وأن يكون هناك تمييز بينها وبين الأفراد أو الجهات التي تتعمد الاعتداء على مقدسات المسلمين، قال _تعالى_: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" [العنكبوت: 46]، ففرقت هذه الآية الكريمة بين أهل الكتاب الذين لا يعتدون علينا، فأمرت بمجادلتهم بالأسلوب الحسن, والقول الجميل, والدعوة إلى الحق بأيسر طريق موصل لذلك, وبين الذين حادوا عن وجه الحق منهم فظلموا وعاندوا وكابروا وأعلنوا الحرب. فلا ينبغي أن تجرنا تلك الفئات التي دفعها جهلها وحقدها للاستهزاء بالإسلام إلى أن ننسى دورنا في أداء رسالتنا للفئات الأخرى.
ومع أهمية تفعيل المقاطعة والمظاهرات والاحتجاجات، والتي تبين للغرب شدة الجريمة التي ترتكبها تلك الفئات عندهم في حق خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام؛ فإن من الخير للمسلمين والإسلام توجيهها بحكمة حتى تؤتي ثمارها، وأن يكون توجه الجموع إلى سفارات الدول التي حدثت فيها إساءات للمسلمين للاحتجاج السلمي لا لتدميرها وإحراقها.

لقد فتح الله _تعالى_ للمسلمين بموقفهم القوي إزاء تلك الاعتداءات الصادرة من فئات جاهلة وحاقدة في الغرب على دين الإسلام، باباً واسعاً لبيان ما معهم من الحق وإبلاغه إلى الناس، وليس من الحكمة أن يتحول المسلمون في موقفهم الشجاع، والذي أذعنت له عدد من المؤسسات الرسمية الغربية والعقلاء في الغرب، من مظلومين إلى ظالمين، وأن يشوهوا موقفهم الحضاري الذي وقفوه أمام العالم في وجوب احترام جميع الأنبياء، وفي قوة تمسكهم بدينهم ودفاعهم عن خاتم المرسلين _صلى الله عليه وسلم_، بل ينبغي أن نتجه بعد هذا الانتصار إلى إبلاغ الرسالة نفسها التي دافعنا عن الرسول الذي جاء بها إلى البشرية، لنري الغرب والعالم أن موقفنا الحضاري للدفاع عن أنبياء الله _تعالى_ هو موقف نابع من عقيدة قويمة لا تقف عند احترام الأنبياء فقط بل هي عقيدة شاملة تدعو إلى توحيد الخالق وتنزيهه عن أن يكون له شريك، وأن موقفنا من رفض الإساءة للأنبياء ليس هو الخلق الإيماني الوحيد لدينا بل إنه واحد من أخلاق الإسلام القويمة وتعاليمه الحكيمة، التي يتمسك بها المسلم حتى إن كان في ساحة القتال يحارب العدو، كما علمنا رسولنا الحبيب محمد _صلى الله عليه وسلم_، حيث كانت وصيته _عليه الصلاة والسلام_ إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية بعد أن يوصيه بالتقوى أن يقول: "اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا وليداً"1
وأرى أن الموقف القوي الذي وقفه المسلمون في أنحاء العالم من المساس بدينهم، لن يؤتي ثماره الحقيقية إلا أن يتحقق فيه أمران:
1- أن لا نكلّ في تعليم العالم الموقف الحضاري من أنبياء الله _تعالى_، وألا ننحرف في التعبير عنه، وأن تتواصل الجهود على المستوى الرسمي والشعبي لوضع اتفاق عالمي لتجريم كل ما يمس بالأنبياء عليهم السلام، فإن لم يتمكن المسلمون من تحقيق ذلك، فلا أقل من أن يكون هناك تجريم عالمي على مستوى الدول الإسلامية لتجريم المساس بالإسلام ونبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_ بل وجميع الأنبياء _عليهم السلام_.
ولا ينبغي أن يكون موقف المسلمين أضعف من موقف اليهود مع الغرب في قصة الهولوكست، والتي استطاع اليهود بشأنها أن يرغموا الغرب على إصدار القوانين التي تجرم التشكيك فيها أو مناقشتها، حتى وصل الأمر إلى حظر مناقشة تاريخ اليهود في دوائر البحث العلمي أو نشره على الملأ، ففي فرنسا مثلاً استطاع اليهود استصدار قانون عرف باسم "جاسيو" يمنع أي أكاديمي مهما كان وزنه أو ثقله أن يقترب من قائمة موضوعات وقضايا حددها يهود أوروبا وعلى رأسها قضية الهولوكست2.

2- أن نحوله إلى صحوة عالمية إسلامية لعرض رسالة الإسلام، تشارك فيها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وجماعات الدعوة في بلاد المسلمين، والجاليات والمؤسسات الإسلامية في الخارج، فخطوة التنديد والاستنكار والمقاطعة التي سجل فيها المسلمون في أنحاء العالم نجاحاً كبيراً، ينبغي ألا تقف عند هذا الحد، بل لا بد من أن تتلوها الخطوة التالية، وهي استثمار نجاحنا في هذه المعركة لإحياء واجبنا الذي نسيناه وسط هموم الأمة ومشكلاتها وتخلفها، وهي إيصال رسالة الإسلام للناس كما أوصلها نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_، حيث كان _عليه الصلاة والسلام_ يبعث الدعاة والرسل والرسائل التي تدعو الناس جميعاً إلى الإسلام، عن أنس _رضي الله عنه_ "أن نبي الله _صلى الله عليه وسلم_ كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جـبّار، يدعوهم إلى الله _تعالى_. وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي _صلى الله عليه وسلم_"3.

وللحديث بقية نستكمله في حلقة قادمة _بإذن الله_.

-----------------
1- أخرجه مسلم، رقم 1731.
2- د. سعيد اللاوندي – لماذا العداء للإسلام بدعوى حرية الفكر- الأهرام 4/2/2006م.
3- أخرجه مسلم، رقم 1774.