مهارات العلاقات العامة للدعاة (1)

يحتاج الداعية إلى الله إلى إتقان مهارة إنشاء العلاقات العامة مع الآخرين واستغلالها استغلالاً إيجابياً في صالح دعوته وفكرته، حيث يدعو إلى تعديل السلوك البشري نحو السلوك الإسلامي القويم.

وكلما نشط الداعية في عمله الدعوى ووضع النجاح نصب عينية كلما أصبح من الضروري عليه أن يتعرف على الناس من حوله ويوسع دائرة معارفه ويقوي علاقاته بالناس حتى يستطيع التأثير في أكبر عدد منهم، والداعية الأوسع أثرا هو الداعية الأقوى في الغالب ولما كان الداعية يقوم بدور قيادي في مجتمعه فإن أفراد هذا المجتمع يتوقعون منه دائماً اهتماماً بأحوالهم وانشغالاً بشأنهم....

نصيحة قرآنية:
القرآن الكريم كثيراً ما يوجه إلى إحسان العلاقات بالناس، والاستفادة منها في تعليمهم وهدايتهم وتبصيرهم من خلال الخُلق الحسن والمعاملة النبيلة، يقول الله _تعالى_: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (الأعراف:199)، ويقول _سبحانه_: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ" (النحل: من الآية90)، ويقول _سبحانه_: "وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (لقمان: من الآية17)، ويقول _سبحانه_: "فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (المائدة: من الآية13)، ويقول _سبحانه_: "دْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت: من الآية34)، وقوله _تعالى_: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران: من الآية134).

وقد كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ كثير الضراعة والابتهال دائم السؤال من الله _سبحانه_ أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق وطيب العشرة، فكان يقول: "اللهم حسن خلقي وخلقي" أخرجه أحمد عن ابن مسعود، فأنزل القرآن: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم:4)، وأخرج البيهقي في الزهد بسنده أن معاذاً قال: "أُوصينا بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة وحفظ الجار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل...".

وقد كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ خير الناس في علاقاته بالناس، فقد كان طيب النفس، لين العريكة، هاشاً باشاً، مقبلاً على الناس، ساعياً في حاجاتهم، صبوراً عليهم مهتماً بهمومهم، فرحاً بأفراحهم، يقدم لهم ما يحبون.

يقول القاسمي _رحمه الله_: "كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أحلم الناس وأشجع الناس وأعدل الناس وأعف الناس... وكان أسخى الناس، لا يبيت عنده درهم ولا دينار.. وكان أشد الناس حياء، لا يثبت بصره في وجه أحد، ويجيب دعوة الحر والعبد، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن، ويكافئ عليها، ولا يأكل الصدقة، ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين، ويغضب لربه ولا يغضب لنفسه... وكان أشد الناس تواضعا، وأسكتهم في غير كبر، وأبلغهم في غير تطويل، وأحسنهم بشراً.. يعود المرضى في أقصى المدينة ويحب الطيب، ويجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويكرم أهل الفضل، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، ويصل رحمه، ولا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر، يمزح ولا يقول إلا صدقا...وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة حتى ربما بسط ثوبه يجلسه عليه، وكان يعطي من جلس إليه نصيبا من وجهه، وقد كان يدعو أصحابه بكناهم إكراماً لهم واستمالة لقلوبهم، وكان أبعد الناس غضباً، وأقربهم رضاً، وكان أرأف الناس بالناس وأنفع الناس للناس.."..

والدعاة إلى الله يتخذون رسولهم _صلى الله عليه وسلم_ إماماً لهم وقدوة في علاقاتهم بالناس، إذ إن التعامل مع الناس فن من أهم الفنون الدعوية التي تميز الدعاة المصلحين نظراً لاختلاف طباع الناس وتباين أمزجتهم واهتماماتهم.... فإن استطعت توفير بناء جيد من حسن التعامل فإن هذا سيسعدك أنت في المقام الأول؛ لأنك ستشعر بحب الناس لك وحرصهم على مخالطتك، ويسعد من تخالط ويشعرهم بمتعة التعامل معك ومن ثم يسهل دعوتهم إلى البر ونصحهم إلى الخير وتغيير أنماط سلوكهم وحياتهم نحو كل خير..

السيرة الحسنة:
السيرة الطيبة للداعي وأفعاله الحميدة وصفاته العالية وأخلاقه الزاكية، تجعله قدوة طيبة لغيره، ويكون بها كالكتاب المفتوح يقرأ فيه الناس معاني الإسلام، فيقبلون عليه وينجذبون إليه؛ لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ من التأثر بالكلام، والداعية إلى الله كقنينة عطر كلما حسن شذاها أشتاق الناس إلي أن يتعطروا بعطرها وينعموا بحسن بيئتها.

والإسلام انتشر في كثير من بلاد الدنيا بالسيرة الطيبة التي كانت تجلب أنظار غير المسلمين ولما جاء الإعرابي إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ وسأله " من أنت؟ فقال : "محمد بن عبد الله " فقال الإعرابي: أنت الذي يقال عنك: إنك كذاب؟! ليس هذا الوجه وجه كذاب، ولم يفارق حتى أسلم فالأعرابي استدل بسمت النبي _صلي الله عليه وسلم_ ووجهه المنير علي صدقه وإخلاصه، وللسيرة الحسنه أصلان: الأول حسن الخلق والثاني موافقة القول للعمل والداعية إلى الله على محك خطير إذا كان ذا سيرة سيئة فإن سيرته تسبقه في معاملته للناس فينفر الناس منه ولا يرتضي أحد منهم أن يوطد علاقته به.

الابتداء بامتحان الذات:
لماذا يفترض الدعاة أن في الناس عيوبا شديدة هي سبب فشل العلاقة معهم لماذا لا نفترض أولا أن في داخلنا نحن عيوبا أشد لابد من إصلاحها لننجح في اكتساب علاقة الناس؟! وقبل أن تبدي رأيك في نفسك بصراحة فأجب عن تلك الأسئلة:
هل تشكر الآخرين على ما يفعلون تجاهك بالفعل لا بالقول؟ هل تتمالك غضب إذا أغضبك الناس؟ هل تتذكر أسماء الناس جيدا وبعضا عن معلومات عنهم؟ هل تلقي السلام على الناس ببشاشة ودفء؟ هل تتغاضى عن سقطات الناس؟ هل لا يخرج من لسانك إلا ما هو حسن فقط؟ هل تظهر اهتمامك بالناس؟ تعرف على مواطن ضعفك مع نفسك واستعرض أمام المرآة سماتك الشخصية وحاول علاج نقط الضعف ولا تخجل من أخطائك فإن هناك داءً يغفل عنه معظم الدعاة، وهو: " أن المساوئ التي بداخلهم والتي لا يستطيعون إصلاحها إنما تبدو ظاهرة جلية أمام الناس في حين يظن صاحبها أنه يخفيها "، فالمتعجرف والمتكبر يفتضح أمره في كلماته ولفتاته وسقطاته، والمتعالم يفتضح أمره في حديثه وكلماته والمرائي يفتضح أمره في مواطن حاجة الناس إليه.

الاهتمام بالناس:
كل إنسان له أهميته مهما كان دوره في الحياة، إنها الحقيقة التي يجب أن نضعها في الاعتبار ونحن نتعامل مع الناس، اجعل هذه الحقيقة قاعدة أساسية عند التعامل مع الناس، وأقنع نفسك بأن كل الناس لهم قيمة.. إنك إن فعلت ذلك وانتقل هذا الإحساس والشعور للطرف الآخر الذي تتعامل معه فإنك ستظفر باهتمامه ورعايته، ولقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ مؤكداً في سلوكه وتوجيهه نحو هذا المعنى الهام، ففي الحديث أنه _صلى الله عليه وسلم_ كان إذا حدث أحداً جعله تلقاء وجهه وأصغى إليه وأنه إذا أمسك بيد أحد لم يكن ليتركها حتى يكون الآخر هو الذي يترك يده، وأن الأمة كانت تأخذ بيد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وتذهب به حيث شاءت، وأنه استجاب للحباب بن المنذر في رأيه في مكان التخييم ليلة بدر، واستجاب لنصيحة سلمان يوم الخندق، وأنه _صلى الله عليه وسلم_ لطالما يذكر قيمة أصحابه، ويشكر أفعالهم، ويعرفهم قيمة دورهم، ويثمن سلوكياتهم النبيلة فيقول لعثمان لما جهز جيش العسرة " لا يضره ما فعل بعد اليوم "، ويسمي خالد " سيف الله المسلول "، ويقول عن أبي بكر: " لو وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجحت كفة أبي بكر " ويقول عن عمر: لو أن نبياً بعدي لكنت أنت ياعمر.. إلى غير ذلك من دلائل تقديره لأصحابه وتعريفهم لأهميتهم عنده وبين الناس..

إن العلماء يؤكدون أن معاملتنا للناس تعتمد بشكل كبير على ما نعتقده فيهم وكلما زاد اهتمامنا بالناس وتقديرنا لهم زاد ميلنا إلى احترامهم وإلى وضع آرائهم ومشاعرهم موضع الاعتبار، وعندها ستكون تعاملاتنا قابلة للارتفاع فوق مستوى الاهتمام المتبادل والفهم والزمالة المتبادلة إلى الحب والاحترام والتعاون...
وثق أن أكثر الناس قدرة على التأثير على الناس هم أولئك الذين يؤمنون بأهمية الناس، ويرون فيهم أشخاصا مهمين بالفعل مهما كان دورهم في الحياة.

الحقيقة التي أثبتتها الدراسات العلمية لعينة عشوائية من البشر أن الغالبية من الناس لا تشاهد سوى واحد في المئة مما هو حولهم.. وأننا وبلا وعي منا ندرك أننا لا نلاحظ سوى ما هو مهم بالنسبة إلينا وعندما نجد أحداً يلاحظنا ويهتم بنا فإنه بذلك يعترف بأهميتنا وبالتالي نصبح أكثر وداً وأكثر تعاوناً.. والحقيقة الأساسية عن الطبيعة الإنسانية التي نتعامل معها أن كل إنسان يحتاج إلى الشعور بالأهمية وإلى الإحساس بأن الناس يقدرون ذلك ويعترفون بأهميته، وهذه الخاصية في الطبيعة الإنسانية سمة حيادية في حد ذاتها يمكن استخدامها من أجل الهدف الأسمى، وهو الفوز بالتعامل الجيد مع الناس، وهو سلاح ذو حدين.. فلو إننا تعمدنا عند تعاملنا مع الناس، على أن نترك انطباعا بأهميتنا في نفوسهم دون أن نعطيهم تلك الأهمية أو نجعلهم يشعرون بأنهم يقبلون فإننا لن ننجح في ذلك على الإطلاق لأن كل إنسان له أهميته، والطريقة الوحيدة للتغلب على هذه العقبة والتي ثبت صحتها أنك إذا أردت أن تترك انطباعا جيدا في نفس الناس فإن أمثل طريقة هي أن تجعلهم يدركون أنهم قد أثروا فيك، وأنهم قد تركوا انطباعاً طيباً في نفسك..

فاعمل دائماً وأبداً على تذكير نفسك أن للآخرين أهميتهم، وأنهم بالفعل ذوو أهمية وسوف يتسرب موقفك هذا إليهم ويؤثر تأثيراً إيجابيا في تعاملاتك معهم وإياك أن تشعر الآخرين بضآلة أنفسهم في تحين تشعرهم بأهميتك.