مصطلح "الأسهم النقية" يراد به أن تكون الشركة خالية من الاستثمارات المحرمة المعلنة أو البارزة في نشاط الشركة أو قوائمها، وذلك أنه لا يمكن أن يشترط على المسلم أن يتتبع جزئيات الشركة وأعمالها اليومية، فهذا متعذر ولا يمكن اشتراطه، فيُكتفى بما يظهر من أعمال الشركة ونشاطاتها وقوائمها.
أما ما يسمى بـ"الشركات المختلطة" فهي الشركات ذات النشاط المباح في الأصل لكنها تتعامل ببعض المعاملات المحرمة كالربا وغيره، وهذا أجازها بعض أهل العلم على اختلافٍ بينهم في ضوابط الجواز، بينما حرمها بعض أهل العلم مهما كانت نسبة المحرم.
والذي ظهر لي من خلال بحث المسألة والأقوال والأدلة فيها رجحان القول بالتحريم.
وليس المقصود هنا بحث هذه المسألة، وإنما المراد الحديث عن مسألة مبنية على القول بتحريم الأسهم المختلطة.
وهي أن بعض الشركات "النقية" التي لا تستثمر بالحرام قد تستثمر في أسهم الشركات المختلطة، وقد يرد على الباحث إشكالٌ حول تأثير هذا الاستثمار على جواز تلك الشركات النقية.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن مثل هذا الاستثمار يؤدي إلى اعتبار تلك الشركات شركات مختلطة ويخرجها عن كونها من الشركات النقية.
وحيث إن هذه المسألة متصلة بأحد مباحث رسالة الدكتوراة التي أقوم بإعدادها، فقد كتبت فيها وجهة نظر أحببت أن أطرحها بين يدي إخواني من الباحثين وطلبة العلم، أرجو أن أستفيد من مداخلاتهم حولها.
ولعلي أطرح المسألة من خلال النقاط التالية:
أولاً: لا بد أن نحدد الوصف الفقهي لتحريم الأسهم المختلطة، ثم نبني الحكم انطلاقاً من ذلك الوصف، بحيث نعطي حكماً مضطرداً لكل مسألة مماثلة، فلا نفرق بين المتماثلات في الحكم أو العكس.
فإذا اعتبرنا تحريم الأسهم المختلطة أمراً قطعياً أو أن الخلاف فيها خلافٌ شاذ، فيجب أن يكون أثر الاستثمار فيها على الشركات كأثر الاستثمار بالربا وغيره من المعاملات المحرمة.
أما إذا اعتبرنا أن تحريمها مسألة اجتهادية مختلف فيها وأنه مع كون الراجح هو تحريمها، إلا أنها تظل مسألة اجتهادية والخلاف فيها له حظ من النظر، فيجب هنا أن نعطيها حكم المعاملات المختلف فيها.
ثانياً: إذا كان محل العقد أو النشاط الغالب في الشركة هو المختلف فيه فإن الشريك الذي يرى القول بالتحريم يحرم عليه الدخول في الشركة أو الاستمرار إذا كان داخلاً فيها، لأن يعتقد حرمة المحل.
أما إن كان محل العقد أو النشاط الغالب في الشركة مما يعتقد الشريك حله وإباحته، فإنه يجوز له المشاركة بالاتفاق، فإذا دخلت الشركة في نشاطٍ مختلف فيه لكون الشركاء يعتقدون الإباحة فالحكم هنا مختلف وهو محل البحث.
ثالثاً: المعاملات المختلف فيها كثيرة جداً، والشركاء قد يتفقون أن يكون محل الشركة ونشاطها مما يتفقون على جوازه، ولكن قد يقع من بعضهم من المعاملات ما يرى إباحتها هو ويدخلها بتأويل سائغ، بينما قد يكون بعض الشركاء ممن يرى التحريم، فهل تخرج الشركة من كونها نقية إلى أن تكون مختلطة بمجرد أن تدخل في أي عقد مختلف فيه؟ لا سيما إذا كان دخولها في هذا المختلف فيها مبنياً على تأويل سائغ وفتوى معتبرة.
فلو كان الأمر كذلك لم يصح من الشركات إلا التي تكون جميع المعاملات فيها جائزة بالإجماع وهذا متعذّر لكثرة الخلاف في المعاملات، أو التي يكون الشركاء فيها متفقين في جميع مسائل الخلاف، وهذا لا يقول به أحد.
رابعاً: نظراً لاختلاف أقوال العلماء في بعض مسائل المعاملات المالية الاجتهادية، فإن الشركاء إذا كانوا من مذهبين مختلفين قد يقع من أحدهما معاملة مالية جائزة في مذهبه، لكنها محرمة في مذهب شريكه، فيرد بناءً على هذا مسألة حكم مشاركة المسلم للمسلم إذا كانا من مذهبين مختلفين.
وإذا كانت العلة من اشتراط أن لا يلي الكافر العمل إذا شاركه المسلم هي في كونه قد يتعامل بالحرام، فإن العلة موجودة هنا، وهي أنه من المحتمل أنّ من يلي العمل من الشريكين قد يتعامل بما هو عند شريكه محرم.
ورغم ذلك لم أجد من أهل العلم من اشترط اتحاد المذهب، مما يدل على أنها على الأصل وهو الجواز، بل إن هناك من نصّ على الجواز في أوسع نوع من أنواع الشركات وهي المفاوضة، كما جاء عند الحنفية: "وتصح المفاوضة(1) بين حنفيٍّ وشافعيٍّ، وإن تفاوتا تصرفاً في متروك التسمية؛ لتساويهما ملّةً"(2).
فالمذاهب الأربعة بالاتفاق تصحح الشركة بين مختلفي المذاهب، رغم أنه من المعلوم اختلاف المذاهب في كثير من مسائل المعاملات، وأن الشريك لا بد أن يقع منه من العقود والمعاملات ما يرى جوازه بينما شريكه يرى التحريم.
ولو لم نقل بهذا للزم أن يشترط في المضاربة مثلاً أن لا يدفع رب المال ماله لأحدٍ ليتاجر به إلا إذا حدد له أنواع العقود بدقة أو كان متفقاً معه في جميع مسائل الخلاف بلا استثناء حتى ولو كان العامل مسلماً لا يجري من العقود إلا ما اعتقد جوازه.
خامساً: من الواضح اتفاق الفقهاء من المذاهب الأربعة على التفريق بين أمرين:
الأول: دخول الشركة في الحرام المحض، ولذلك يشترطون لجواز مشاركة الكافر أن لا يلي التصرف؛ لكونه قد يعقد على الحرام المحض.
الثاني: دخول الشركة في المعاملات المختلف فيها إذا كان من يلي عقدها هو من يرى الجواز بناءً على مذهبه أو اجتهاده أو نحو ذلك، ولذلك لا يشترط أحد منهم أن يتفق الشركاء في المذهب.
ولذلك من المهم التفريق بين الأمرين في مسألتنا، وأقصد التفريق بين الدخول في الشركة التي تتعامل بالحرام المحض، وبين الشركة التي تستثمر في مجالات هي محل خلاف بين أهل العلم.
سادساً: من المهم أن يقال لمن اعتبر الشركات النقية شركات مختلطة إذا ما استثمرت بالأسهم المختلطة: ما ضابط الشركات المختلطة؟
فإن قيل: هي التي تتعامل بالحرام المحض المقطوع بحرمته أو ما كان القول بجوازه قولاً شاذاً.
قيل: فالأسهم المختلطة ليست من المقطوع بحرمته، وليس القول بالجواز من الأقوال الشاذة التي لا اعتبار لها – رغم أننا نقول برجحان التحريم -.
وإن قيل: بل هي التي تتعامل بالمعاملات المختلف فيها والمعاملات المحرمة.
قيل: كل الشركات – سواء المساهمة أو غيرها – تتعامل بالمختلف فيه، بل أنتم ذكرتم شركة مكة مثلاً من النقية رغم الخلاف المشهور في حكم تأجير دور مكة، ورغم كونها تؤجر بعض المحرمات.
وذكرتم نادك من النقية رغم وجود عقد تأمين صحي عندها وهو محل خلاف.
والتورق مختلف فيه فهل نقول بأن كل الشركات التي لديها تورق مختلطة؟
وكذلك المرابحة للآمر بالشراء، والتأجير المنتهي بالتمليك وغيرها.
سابعاً: لعلي أمثِّل لما أشرت إليه من أنه لا بد أن يكون المحل جائزاً أو مطلقاً، وأن يكون المختلف فيه تابعاً، أما إن كان محل الشركة هو المختلف فيه فإن من يرى التحريم يحرم عليه الدخول فيا لشركة.
ومثال ذلك: بيعُ كلاب الصيد محرمٌ عند الحنابلة والشافعية، وجائزٌ عند الأحناف(3).
فلو تشارك حنبليٌ وحنفيٌ شركةً مطلقة، فلا إشكال في الجواز.
وإن تشاركا شركةً محددة في بيع البهائم مثلاً، فإن محل العقد هنا مباحٌ في الجملة عندهما، مع احتمال أن يبيع الحنفي في الصورتين كلاب الصيد أحياناً، فالشركة هنا جائزة أيضاً.
ولو تشاركا على أن يتاجرا ببيع كلاب الصيد بالتحديد، أو بأنها الأغلب على تجارتهما، فهذه هي الصورة الثالثة، والتي يظهر للباحث تحريمها؛ لأن محل العقد محرمٌ عند الحنبلي فلا يجوز له الإقدام عليه.
ومثله ما يتعلق بالأسهم المختلطة، فإن الشركة إذا كان محلها المتاجرة في الأسهم المختلطة فإنه يحرم على من يرى تحريم الأسهم المختلطة الدخول في الشركة، أما إن كانت الشركة في الصناعة أو الزراعة أو غيرها ثم استثمرت في الأسهم المختلطة لكونها ترى الجواز ودخلت بتأويل سائغ، فإن الأصل هو الجواز، إلا إن رأى أن القول بجواز المختلطة قولٌ شاذٌ وأن التحريم مقطوعٌ به.
ثامناً: يتلخص مما سبق أن الشركات النقية إذا استثمرت بالأسهم المختلطة لا تخرج من كونها نقية، وذلك وفق الضوابط التالية:
• ألا يكون الاستثمار بالمختلط هو محل الشركة أو النشاط الغالب فيها.
• أن يكون الاستثمار في الأسهم المختلطة مبنياً على تأويل سائغ، واتباعاً لفتوى من يعتد بقوله من أهل العلم.
أسأل الله أن يجنبنا والمسلمين ما يغضبه ويسخطه من الأقوال والأفعال..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه..
________________
*محاضر في المعهد العالي للقضاء
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
(1) كونهم ينصون على صحة المفاوضات بينهما أبلغ؛ لأن التصرف في المفاوضة عند الأحناف أوسع من العنان، ولذلك يشترطون فيها اتحاد الدين، فلا يصح مشاركة الكافر شركة مفاوضة مطلقاً، وذلك أن التصرف الشركة في المفاوضة مطلق، ويعمل الشريك فيها بالتفويض المطلق في كل أنواع التجارة وبدون علم صاحبه ويتساويان في التصرف وفي العمل وفي المال وفي الربح من كل وجه.
(2) حاشية ابن عابدين (6/471)، والنص هو من شرح تنوير الأبصار الذي عليه الحاشية، وانظر: شرح فتح القدير (6/150).
(3) الشرح الكبير مع الإنصاف (11/43)، أما المالكية فعندهم روايتان وفيهما تفصيل.