لمن تركتم القيادة يا أهل الريادة؟
27 ربيع الأول 1427

قرون متوالية مضت كان العلم الشرعي فيها مناراً ومقصداً للنفوس الحرة الطموحة التي لا ترضى إلا بالحق المؤصل كتاباً وسنة, و رائداً لذوي القدرات العالية والذكاء المرتفع, كان هذا وكان لأصحابه إذ ذاك القدح المعلى في ريادة وسيادة المجتمع والرقي به إلى مدراج الفلاح والكمالات البشرية.

وكان طالب العلم يومها هو ذلك الفرد الذي يعي حجم المسؤولية, وأمانة العلم الذي يحمله بين جنبيه, ولم يكن المجتمع لينيبه في أموره على شتى أنواعها إلا لما رأى فيه من التكامل والوعي على أصعدة مختلفة, فكان يعيش هموم أفراد مجتمعه ويعي مشكلاتهم, ويتجشم الصعاب ليبقي هيمنة الشرع وأحكامه السامية على دقائق أمورهم وجليلها.

أما اليوم فما عاد الأمر كما كان أو حتى لا يكون حكمي معمما لم تعد ثلة غير قليلة كما يرجى ويتوقع ويؤمل منها, وهم في ذلك على صنفين:
صنف اكتفى من العلم بالانتساب إلى الكليات الشرعية- وإن كانت لا تعد القناة الرئيسة لطلب العلم- هذا الصنف اكتفى بالانتساب إلى الكليات الشرعية دون أدنى صبغة تميزه كطالب علم في تفكيره و رؤاه و اطروحاته و دفاعه عن قضايا أمته, أو حتى في سمته!!

والصنف الثاني, صنف تشرّف بحمل العلم, وتشرّف العلم بأن كان بين جنباتهم, وهؤلاء هم من نعتب عليهم, فقد حازوا من العلم ما يؤهلهم إلى التصدي والردّ والمنافحة والمدافعة, وإن لم يكن الجميع وصل إلى هذه المرتبة لكن المؤهلين للوصول كثير وكثير, لو صدقنا العزم وتقاسمنا العبء, وأخلصنا النية.

ففي الحين الذي يراد فيه لأمة الإسلام خوض غمار حرب فكرية شرسة القوى فيها مسدّدة نحو المرأة, والندوات والمؤتمرات على أشدها في طرح هذه القضايا, نلتفت يمنة ويسرة فلا نجد من طلبة العلم - رجالاً ونساءً- إلا النزر اليسير والعدد الذي لا يكفي لإيصال صوت الحق..

ختاماً.. فإن الرد والمدافعة والمنافحة لحراسة الدين وحمايته من العاديات عليه, وعلى أهله, هو شعيرة من شعائر علماء الأمة, ووظيفة من وظائفهم, وأصل من أصولهم التعبدية, ومن ذلك مدافعة الشعارات الرامية لضغط الإسلام للواقع, وتطويع أحكامه للحياة الغربية تحت شعارات التحديث والتطوير والتجديد(1), فرسالتي إلى أهل المحجة البيضاء,الثغور ما تزال بحاجة لمن يسدها, والمسؤولية عظيمة, وكل ميسر لما خلق له.. والله الموفق.

________________________
(1) انظر: كتب (الرد على المخالف من أصول الإسلام) للشيخ بكر أبو زيد-حفظه الله