الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن التفاؤل يدفع الإنسان لتجاوز المحن، ويحفزه للعمل، ويورثه طمأنينة النفس وراحة القلب.
والمتفائل لا يبني من المصيبة سجناً يحبس فيه نفسه، لكنه يتطلع للفرج الذي يعقب كل ضيق، ولليسر الذي يتبع كل عسر. وقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- إماماً في التفاؤل والثقة بوعد الله -تعالى-، تقول أمنا عائشة -رضي الله عنها- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً"(1).
وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يبشر أصحابه بالظهور على الكافرين في جزيرة العرب وما جاورها في أوقات كان الواحد منهم لا يأمن على حياته وهو في بيته، فكانت النتيجة تسابقهم لرفع راية الإسلام في كل البقاع، بنفوس منشرحة قوية واثقة في نصر الله.
إن سم التشاؤم الذي يحاول المنافقون دسه للمنتمين لهذا الدين له ترياق جدير بأن يذهبه ألا وهو بث اليقين بمعية الله تعالى وتوفيقه للمتوكلين الصادقين في صفوف المسلمين، وتعميق الإحساس بقدرة الله تعالى وعظمته في نفوسهم، وتبشيرهم ببوادر النصر التي تلوح في الأفق. ويكون ذلك بذكر حقائق الواقع الماثل، ففي فلسطين مثلاً، رغم تنكيل الصهاينة الغاصبين بالمجاهدين، ورغم تخاذل المسلمين عن نصرتهم، رغم ذلك ينطق تسلسل الأحداث بأن الغلبة لدين الله، وأن النصر لجند الله. فقبل عشرين سنة فقط لم تكن في ساحة المقاومة راية تعرف سوى رايات الشيوعيين والعلمانيين ودعاة القومية العربية، وأشباههم مع بعض عملاء الصهيونية، أما اليوم فيشد أبناء فلسطين على أيدي المجاهدين ويقدمونهم لقيادة البلاد، ورعاية مصالح العباد.
قبل أقل من عشرين سنة كانت الراية المرفوعة هي الأرض مقابل السلام، وكان القادة يتسابقون للقاء الصهاينة ومحاورتهم بل على الأصح تنفيذ شروطهم وإملاءاتهم، واليوم يلتف أبناء فلسطين حول المجاهدين الذين أعلنوا أن الجهاد ماض حتى تطهر أرض الإسراء كلها من كل الصهاينة المعتدين.
قبل عشرين سنة فقط كان المظهر العام في فلسطين مثله مثل كثير من الدول العربية التي ابتليت بالتغريب والانحلال، واليوم يتجه الناس نحو الإسلام، بل صارت سجون الصهاينة كتاتيب ومعاهد يحفظ فيه الأسرى كتاب ربهم.
إذاً فالواقع يصدق الشرع ويقول: إن الدين منصور، ألا بعداً لليأس والتشاؤم، فلنأخذ بأسباب النصر، ولنثق بأن الذي يخرج اللبن من بين الفرث والدم قادر على إخراج النصر من رحم البأساء والضراء.
أما الذي يدعي أنه متفائل ويقعد عن العمل فعاجز لا متفائل، وقد روي في الحديث: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله) (2)، وما حمد التفاؤل إلاّ لأنه يدفع الإنسان إلى المضي، ويطرد عن النفس اليأس لينبعث صاحبها ويعمل في جد واجتهاد، فإذا بطل هذا فلا تفاؤل على الحقيقة.
رزقني الله وإياكم تفاؤلاً إيجابياً يثمر عملاً، ويرفع خور النفوس وعجزها، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________________
(1) البخاري،3/1180 (3059) وغيره.
(2) سنن الترمذي4/638 (2459)، ورواه غيره وهو حديث ضعيف تنظر الضعيفة للألباني 5/1/499-500 (5319).