أحكام زكاة الفطر
28 رمضان 1435
د.حسين العبيدي

أحكام زكاة الفطر
د: حسين بن عبد الله العبيدي
زكاة الفطر هي: الزكاة التي سببها الفطر من صيام شهر رمضان، نسبت إلى الفطر من باب تسمية المسبب بسببه، وأضيفت إلى الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان، وهي صدقة البدن والنفس مأخوذة من الفطرة التي هي أصل الخلقة، فتلخص أن صدقة الفطر تجب على الأبدان فهي زكاة بدنية لا مالية.

أما حكم زكاة الفطر فهي واجبة بل هي فريضة من الفرائض وهذا ما عليه جمهور العلماء من السلف والخلف ومنهم الأئمة الأربعة، وقد دل على فرضيتها الكتاب والسنة والإجماع :
أما الكتاب فعموم الآيات التي فيها أمر بإيتاء الزكاة، فزكاة الفطر داخلة في هذا العموم فدخلت زكاة الفطر في عموم قول الله _تعالى_: " وَآتُوا الزَّكَاةَ"(البقرة:43)، فبيّن النبي _صلى الله عليه وسلم_ تفاصيلها ومن جملتها زكاة الفطر.
وقال الله _تعالى_: " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى" (الأعلى:15).
فقد جاء عن كثير من السلف أنها نزلت في زكاة الفطر وصلاة العيد، بل روي ذلك مرفوعاً إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_، وقد كان عمر بن عبد العزيز _رحمه الله_ يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر ويتلو هذه الآية: " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى"، وقد روي ذلك عن أبي سعيد الخدري وابن عمر وابن عباس _رضي الله عنهم_ وغيرهم وفي هذه الآية إثبات حقيقة الفلاح لمن تزكى(1).

ومن السنة ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر _رضي الله عنهما_ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - _صلى الله عليه وسلم_ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ،(2) وفي رواية عند مسلم من حديث ابن عمر أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "أمر بزكاة الفطر صاعٍ من تمر أو صاع من شعير"(3)، مما يدل على فرضية زكاة الفطر ووجوبها للأمر بها، لذا قال البخاري في صحيحه: باب فرض صدقة الفطر، ورأى أبو العالية وعطاء وابن سيرين صدقة الفطر من رمضان فريضة.(4)

وأجمع أهل العلم على فرضية زكاة الفطر من رمضان ووجوبها ومعنى "فرض" أوجب وألزم، وقد نقل ابن المنذر وغيره إجماع أهل العلم على ذلك.
أما وقتها فإنها تجب بغروب شمس ليلة عيد الفطر لأنه أول فطر يقع من جميع رمضان بمغيب الشمس ليلة الفطر، وهذا قول أكثر أهل العلم، ودليل ذلك حديث ابن عباس _رضي الله عنهما_ "فرض رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين"(5) فأضاف الصدقة إلى الفطر فكانت واجبة به لأن الإضافة تقتضي الاختصاص، وأول فطر يقع من جميع رمضان بمغيب الشمس من ليلة الفطر.

أما وقت إخراجها فالأفضل أن تخرج يوم العيد قبل الصلاة لقول ابن عمر _رضي الله عنهما_ "إن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة" رواه البخاري(6)، فقد دل هذا الحديث على أن المراد بيوم الفطر أوله وهو ما بين صلاة الصبح إلى صلاة العيد، ويجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين لقول ابن عمر _رضي الله عنهما_: "وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين" رواه البخاري(7)، ولا تجزئ قبل الفطر بأكثر من يومين – على الصحيح – لفوات الإغناء المأمور به في قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "أغنوهم عن الطلب هذا اليوم" ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد فيأثم من أخرها لأنها زكاة فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج الصلاة عن وقتها، أما إذا أخرها إلى بعد صلاة العيد وأخرجها بعد الصلاة في يوم العيد ففعله مكروه لمخالفته الأمر بالإخراج قبل الخروج إلى المصلى، وحمله بعض أهل العلم على أن هذا الفعل محرم لقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "...فمن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"(8) يعني التي يتصدق بها في سائر الأوقات، وأمر القبول فيها موقوف على مشيئة الله _تعالى_، والظاهر من الحديث أن من لم يخرجها إلا بعد صلاة العيد كان كمن لم يخرجها باعتبار اشتراكهما في ترك هذه الصدقة الواجبة، قال الشوكاني: "وقد ذهب الجمهور إلى أن إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مستحب فقط وجزموا بأنها تجزئ إلى آخر يوم الفطر، والحديث يرد عليهم"(9). ومن أخرها عن يوم العيد أثم لتأخيره الواجب عن وقته، وعليه القضاء لأنها عبارة فلم تسقط بخروج الوقت كالصلاة.

أما إخراج النقد في زكاة الفطر فهو محل خلاف بين أهل ا لعلم، وذلك أن جنس المخرج في زكاة الفطر طعام، لذا اختلف الفقهاء في كون المخرج جنساً محدداً كما جاءت به السنة "البر والشعير والزبيب والتمر والأقط" أو أنها تجزئ بكل حب وثمر يقتات من غالب قوت بلده وهذا الذي عليه الأكثر.

وإذا تأملنا النصوص الواردة في جنس المخرج وجدناها تنص على الطعام وكذا الأقوات المدخرة، وكذا جاءت النصوص بإغناء الفقراء عن الطواف يوم العيد وبأنها طعمة للمساكين، ومن هنا اختلف الفقهاء في جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر فيرى جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الثلاثة عدم إجزاء إخراج القيمة في زكاة الفطر لأنه خلاف سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حيث فرضها صاعاً من تمر أو بر أو شعير، لذا لما سئل الإمام أحمد – رحمه الله – عن إعطاء الدراهم في زكاة الفطر؟ قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.(10)
وقال النووي _رحمه الله_: "ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة وأجازه أبو حنيفة"(11)؛ لذا فالواجب هو إخراج زكاة الفطر من غالب قوت بلد المخرج ولو لم يكن من الأعيان المنصوص عليها في السنة.
كما قال ابن القيم – رحمه الله – لما ذكر الأنواع الخمسة قال: وهذه كانت غالب أقواتهم في المدينة، أما إذا كان أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك فإنما عليهم صاع من قوتهم من غير الحبوب... أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائناً ما كان، هذا قول جمهور العلماء وهو الصواب الذي لا يقال بغيره، إذ المقصود سد خلة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتات أهل بلدهم"(12).

لذا فعلى المسلم أن يحتاط لدينه وعبادته ويتقيد بالسنة الصحيحة الصريحة دون لجوء إلى الاجتهاد والاستحسان.
سائلاً الله أن يفقهنا في ديننا وأن يتقبل منا صالح أعمالنا، إنه سميع مجيب، والله _سبحانه وتعالى_ أعلم وأحكم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــ
(1) راجع سنن البيهقي جماع أبواب زكاة الفطر برقم (7456)،(7457)،(7458)
(2) رواه الجماعة، منهم البخاري (1503)، ومسلم (2325) .
(3) رواه مسلم، (2328)، (2335)، وكذا رواه البخاري (1509) بلفظ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ . أطرافه 1503 ، 1504 ، 1507 ، 1511 ، 1512.
(4) البخاري في أول باب فَرْضِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ .برقم ( 70 ) وَرَأَى أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرِيضَةً.
(5) رواه أبو داود برقم (1611)، رواه ابن ماجه (1899)، سنن الدارقطني (2090) وحسنه الألباني.
(6) سبق تخريجه.(1511).
(7) رواه البخاري (1511).
(8) رواه أبو داود برقم (1611)، رواه ابن ماجه (1899)، سنن الدارقطني (2090).
(9) نيل الأوطار للشوكاني، جـ 4 صـ 255.
(10) المغني جـ2 صـ 671 وذكر فيه " مسألة :ومن أعطى القيمة لم تجزئه:
قال : ومن أعطى القيمة لم تجزئه، قال أبو داود : قيل لأحمد وأنا أسمع أعطى دراهم - يعني في صدقة الفطر - قال : أخاف أن لا يجزئه خلاف سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "
(11) شرح النووي على مسلم جـ 7 صـ 70
(12) إعلام الموقعين جـ 3 صـ 12