الحمد لله وبعد: لا زالت الفوائد تستنبط من قول الله –تعالى-: "وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"..
إن مقام الاعتذار مقام صعب عسير ينبغي للعاقل أن يحرص ألا يعرض نفسه له، ولكن بالمقابل ما أشرفه من مقام وأكرم بصاحبه وأنعم إذا وقفه من اختار سبيل الرشاد، ورأى الرجوع إلى الحق خيراً من التمادي في الباطل، قد يعظم الذنب وقد يسود منه الوجه، بيد أن عبرات التوبة كفيلة بجلائه، ويعقوب _عليه السلام_ يدرك هذا، فكيف كان موقفه لما " قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ"، ماذا فعل؟ هل طردهم، هل عاقبهم، هل عنفهم، هل بكتهم؟!
أيها الآباء أيها الأمهات أيها القادة أيها المسؤولون تعاملوا مع الناس بالشفقة، تعاملوا مع الناس بالرفق، تعاملوا مع الناس بالإحسان، تعاملوا مع الناس بالرحمة، ولتكن لكم في الأنبياء أسوة، لقد أُجرِم في حق يعقوب _عليه السلام_، ولم يُكتف بالجرم، بل سنوات طوال يسمع فيها يعقوب _عليه السلام_ الأذى، وإلى حين قدوم البشير، فما ندت منه عبارة ولا تفلَّتت من بين شفتيه لفظة، ثم هاهو يصفح الصفح الجميل كما صبر الصبر الجميل.
فما بال بعض الأمهات وبعض الآباء وبعض المسؤولين عندما يعثر إنسان أمامهم فيسقط في خطيئة أو يجيء ذنباً، ما بالهم يهوون عليه بسياط اللوم والتثريب، ألا مدوا إليه أيدي الشفقة! نعم قد يحدث –بعد ذلك- عفو ولكن بعد أن تضيع فرصة للاستصلاح والتقويم، ويفسد الجو بأنفاس الانتقام المحمومة.