حسن الظن بالله من العبادات الجليلة، والطاعات القلبية العظيمة التي تدل على حب العبد لربه وتصديقه بوعده، قال الله تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور:55) فقد وعد الله تعالى المؤمنين بأن ينصرهم ولا ينصر عليهم، وأن يمكِّنَ لهم لا أن يسلط غيرهم عليهم، وعدهم بالاستخلاف، وعدهم بالأمن والاطمئنان.
قال الشوكاني: "وهذا وعد من الله سبحانه لمن آمن بالله وعمل الأعمال الصالحات بالاستخلاف لهم في الأرض، كما استخلف الذين من قبلهم من الأمم، وهو وعد يعم جميع الأمة، وقيل هو خاص بالصحابة، ولا وجه لذلك، فإن الإيمان وعمل الصالحات لا يختص بهم، بل ويمكن وقوع ذلك من كل واحد من هذه الأمة، ومن عمل بكتاب الله وسنة رسوله فقد أطاع الله ورسوله، واللام في "لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ" جواب لقسم محذوف، أو جواب للوعد بتنزيله منزلة القسم، لأنه ناجز لا محالة، ومعنى ليستخلفهم في الأرض: ليجعلنهم فيها خلفاء، يتصرفون فيها تصرف الملوك في مملوكاتهم، وقد أبعد من قال: إنها مختصة بالخلفاء الأربعة أو بالمهاجرين، أو بأن المراد بالأرض أرض مكة، وقد عرفت أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وظاهر قوله: "كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ"، كل من استخلفه الله في أرضه، فلا يخص ذلك ببني إسرائيل ولا أمة من الأمم دون غيرها"(1).
فلماذا نسيء الظن بربنا وقد علمنا أنه لا يخلف وعده، قال الله تعالى: "وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (الروم:6)، وقال الله تعالى: "وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ" (التوبة: من الآية111)، وقال الله تعالى: "وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ" (الرعد: من الآية31)، فلِمَ نتشاءم وعندنا هذه الوعود من الذي لا يخلف الميعاد، والله تعالى يقول: "أنا عند ظن عبدي بي"(2) فمن أحسن الظن به أعانه وبلغه مراده، ومن أساء بالله الظن لن يعطيه الله تعالى إلا ظنه، وقد استوجب مسيئو الظن بالله غضبه ولعنته قال الله تعالى: "الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً" (الفتح: من الآية6).
إن من أسماء الله تعالى البر الرحيم الودود العزيز اللطيف وغيرها من الأسماء الحسنى، فربٌ هذه أسماؤه وتلك صفاته يظن به ظن السوء؟ والله ما قدرنا الله حق قدره، وما عرفناه حق معرفته، فالمتأمل في الأسماء الحسنى للخالق تعالى لن يجد بداً من التفاؤل وحسن الظن به والثقة في نصره.
_______________
(1) فتح القدير، 4/69.
(2) رواه البخاري، 6/2694، 06970)، ومسلم، 4/2061، (2675).