من هم النواصب حقا؟
16 شعبان 1428

في الحج قبل بضع سنوات وبعد أن أنهينا رمي الجمرات توجهنا في سيارة الأجرة من منى إلى مكة لأداء طواف الإفاضة.
كنا ثلاثة أصدقاء وركب معنا بعض الحجاج وفي الطريق بادرنا أحد هؤلاء الحجاج بالسؤال عن بلدنا، ومن لكنته عرفت أنه إيراني، وحين أخبرناه سألنا مباشرة عن حبنا لآل النبي صلى الله عليه وسلم، فبادر صاحبي بإجابته وهو حاد الطبع، ولكني أشرت إليه أن يترك لي الحديث معه، وذلك لأنني شعرت بأن السائل معبأ بفكرة معينة ويريد التأكد منها!

فأجبته نحن نحب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حبنا لآل بيت النبي التسمي بأسمائهم حتى إن ملكنا في الأردن اسمه الحسين وأخوه الحسن وابنه علي، فظهرت الدهشة على وجهه واضحة، وتابعت معه: إن أسماء آل البيت رجالاً ونساءً منتشرة بين أهل السنة في كل مكان، فأسماء الحسين والحسن وعلي وجعفر وعباس، وفاطمة وزينب وخديجة لا يكاد يخلو منها بيت سني، وأضفت له قائلا ً: ورغم أننا أهل السنة لا نكفر ولا نشتم معاوية أو يزيد – مع يقيننا أن الحق كان مع علي رضي الله عنه – فإن من النادر أن تجد من تسمى باسم معاوية أو يزيد حتى في بلاد الشام، وهنا زاد تعجبه!!

وأردفت له قائلاً ولكن نحن نعتب عليكم معشر الشيعة، أنكم لا تتسمون بأسماء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا زوجاته رضي الله عنهن، فلماذا؟؟
لماذا تخلو إيران وسائر التجمعات الشيعية من أسماء العشرة المبشرين بالجنة وأمهات المؤمنين وسائر الصحابة؟؟

هنا نظر الرجل لصاحبه وتحدث معه بالفارسية، ويبدو أنه أعلم منه لأنه قال لي بعدها (ما تقوله صحيح)! وحينها أدركت صدق شعوري نحوه وأنه معبأة بفكرة أن أهل السنة لا يحبون آل البيت وأن الرجل صاحب فطرة سليمة لكنه ملبس عليه بالدعاية الطائفية ولعله لم يسبق له الحديث مع أحد من أهل السنة ليوضح له مقدار تعظيم وتبجيل آل البيت عند أهل السنة، لذلك واصلت الحديث معه لأوضح له مقدار الباطل الذي عبئ به تجاه أهل السنة، فقلت له: نحن نعتب عليكم في إيران أن طهران تتسع لسبعة كنس يهودية وعدة معابد مجوسية وتضيق عن مسجد واحد لأهل السنة! فأنكر محدثي قولي هذا وحين أكدته له سأل بالفارسي صديقه أو شيخه فأكد كلامي، وهنا تدخل صديقه وسألني عن دراستي وثقافتي لتحويل وجهة الحديث حتى لا "أفسد" عليه صاحبه بكشف أكذوبة أن أهل السنة يكرهون آل البيت..

هذه الحكاية تذكرتها حين قرأت قبل أيام خبر النائب الشيعي في البرلمان البحريني الذي اتهم أحد أعضاء البرلمان من السنة بأنه "ناصبي" وحين طلب منه الاعتذار زاد "أن أئمة الحرمين الشريفين هم أيضاً نواصب"، ومصطلح "النواصب" عند الشيعة يقصدون به أن صاحبه قد نصب العداوة لأهل البيت!

وللشيعة روايات في النواصب تشيب لها الرؤوس، أنهم أنجاس كفار اشر من اليهود والنصارى، وليس العجيب وجود هذه الروايات المغالية في التراث الشيعي، لكن العجيب هو عدم وجود أصوات فيها شيء من الاعتدال ترفض هذه الروايات وما ينبني عليها من عقائد ومواقف!!
ففي الوقت الذي تجد علماء من الشيعة يؤلفون كتباً مثل محسن المعلم مؤلف كتاب (النصب والنواصب)، يجعل كافة أهل السنة من النواصب الأشرار، لا تجد كتاباً شيعياً واحداً واضحاً وصريحاً في نفي هذه الأفكار و التبرؤ من أصحابها!!

نعود للنائب البحريني والذي هو أحد شيوخ شيعة البحرين والمنتمى لكتلة الوفاق، وإذا كان هذا هو فكر وموقف الشيخ والنائب الذي يفترض فيه أنه حريص على الروح الوطنية ويؤمن بالتعددية، فماذا ستكون حقيقة مواقف الآخرين الذين يعملون في الخفاء وخلف الستار؟؟
ما نفتقده في الطرف الشيعي الرسمي والشعبي، هو المواقف البسيطة والواضحة والتي فعلا تعبر عن رغبة حقيقية في الوحدة والتعاون المزعومين.

في مؤتمر الإسلام المدني الذي عقد في عمان العام الماضي، كان من المشاركين الشيخ محمد شريعتي النائب في البرلمان الإيراني والمستشار الثقافي السابق لإيران في سوريا، وفي لقاء جانبي سألته لماذا لا يصدر مراجع الشيعة بياناً صغيراً وواضحاً حول رفض فكرة تحريف القرآن وتكفير الصحابة وأن من قال بهذا قديماً أو حديثاً ليس من الإسلام في شيء، وبذلك نقفل الطريق على من يكفرون الشيعة من أهل السنة؟؟ فكان جوابه صدمة لي حيث قال: إن هذا يحتاج أشياء كثيرة ويصعب حالياً تنفيذه!! فاستغربت جوابه وقلت له: إذاً لماذا تخلو طهران من مسجد لأهل السنة وفيها أربعة كنس يهودية – وقد تعمدت تقليل الرقم – و هنا صحح لي المحلل والصحفي الإيراني شمس الواعظين وكان حاضراً أنها سبعة كنس وليست أربعة، ومرة أخرى لم يجب شريعتي عن السؤال واستأذن بالانصراف!!

ويثور هنا سؤال من الذي ينصب العداوة لآل البيت فعلاً؟ أأهل السنة الذين يحبونهم ويقدرونهم دون غلو فاحش، أم الذين يزعمون محبتهم ومن ثم يغلون فيهم فيجعلونهم ركناً من أركان الدين! ويعطونهم صفات الربوبية كالرزق والشفاء والضر والنفع! أم الذين دعوا الحسين للكوفة لنصرته وحين أرسل لهم ابن عمه مسلم ابن عقيل خذلوه وأسلموه لأعدائه، وحين قدم الحسين ورأوا الذهب تحولوا إلى أعداء له فحاصره وقتله شيعة الكوفة، الذين يقوم أحفادهم لليوم بالتكفير عن جريمتهم بإسالة دمائهم في عاشوراء، في مخالفة جديدة لنهج آل البيت الذين يرفضون هذه الهمجية المنافية لروح الإسلام، ولكنها تليق بالنواصب!!