دولة دينية أم مدنيّة
22 ذو القعدة 1428

نقلت بعض الفضائيات حواراً بين بعض الدعاة المسلمين، كان محور الحوار حول الدولة الدينية والمدنيّة. وقال أحدهم إننا نريد دولة مدنيّة لا دينية يتساوى فيها المواطنون مهما اختلفت دياناتهم وأجناسهم.
إن الذي طرح هذه الفكرة داعية مسلم يتحدَّث باسم الإسلام. ولا شك أن هذا الداعية ينضم، أو سبق وانضم، إلى القافلة التي أخذت تفتي في دين الله بما ليس من دين الله.

انحرافات كثيرة أخذت تظهر في واقع المسلمين اليوم، وأخذت تتزايد عدداً وجرأة على دين الله. لقد عالجت عدداً من هذه الانحرافات ورددت على أصحابها في كتب ودراسات ومقالات. ولكن هذه الردود كلها لم تعد توفي لتزايد الانحرافات وما يتبعها من فتاوى خاطئة.

لقد زادت الجرأة كثيراً حتى إن بعضهم حرّفوا حديثاً لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يرويه أنس رضي الله عنه: "أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا إن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلوا صلاتنا، فقد حَرُمَتْ علينا دماؤهم وأموالهم، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم"(1)

فقد حذفوا الحديث كله إلا آخر جملة: فلهم ما لنا وعليهم ما علينا، المعتمدة على شروط رئيسة فصّلها الحديث الشريف. وأخذت هذه الجملة المجزوءة تنتشر بين الدعاة المسلمين وغير الدعاة بالرغم من مخالفتها الصريحة للآية الكريمة: "فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" [التوبة: 11]
هذا مثل واحد من طوفان هادر تدفعه قوى كثيرة في العالم الإسلامي. وكان الأمل أن يقف الدعاة كلهم في وجه هذا الطوفان، لا أن ينزلقوا إلى فتنة بعد فتنة.

والفتنة الجديدة هي حوارهم، حوار الدعاة بعض المسلمين، حول دولة دينيّة أم مدنيّة. ولو دار مثل هذا الحوار بين النصارى فربما كان له مسوّغ. أما بين دعاة مسلمين يحملون أمانة رسالة ربانيّة فهذا مصدر دهشة وذهول!

ويحسن أن نبدأ بالقضية من جذورها بصورة مختصرة. فعندما جاءت النصرانية إلى أوروبا، في ظل الدولة الرومانية، اصطدمت مع الوثنية السائدة المسيطرة. وظل الصراع قرابة ثلاثمائة من السنين، حتى استطاعوا أن يصلوا إلى الإمبراطور قسطنطين، وتدور بينهما مساومات انتهت بإيقاف التعذيب عليهم من ناحية، وتنازلهم عن قواعد أساسية في النصرانية، ليتبنّوا حلاً وسطاً مع الوثنية، أَعقب ذلك مؤتمر في نيقية سنة 325م، والمسمَّى "بالمجمع المسكوني" الذي أقرّ عقيدة نيسين المنحرفة عن رسالة عيسى عليه السلام، رسالة الإسلام، وعقيدة نيسين أقرت الطبيعة الثلاثية لعيسى عليه السلام، ثم قضى هذا الحلف بين النصرانية المنحرفة والدولـة على النصارى الذين تمسكوا بعقيدة التوحيد قضاءً تاماً. وقامت الكنيسة الكاثوليكية ولها سلطان ونفوذ، وكأنها أصبحت تمثل السلطة الدينية، ثم اصطدمت مع العلماء ومع الملوك والسلطة الزمنية، حتى انهار سلطان الكنيسة وظلمها، وقامت سلطة علمانية دنيوية حصرت الدين في الكنيسة في عصر سُمّي عصر التنوير. وبذلك حملت القرون الوسطى في أوروبا مصطلح السلطة الدينية، ثم السلطة الدنيوية في عصر التنوير، وفي الحالتين كانت السلطة خارجة كلِّية عن رسالة عيسى عليه السلام، رسالة جميع الأنبياء والرسل الذين ختموا بمحمد_صلى الله عليه وسلم_.

هذه الرسالة السماوية الربانية، رسالة جميع الأنبياء والمرسلين الذين كانوا جميعاً مسلمين مؤمنين بربٍّ واحد هو الله الذي لا إِله إِلا هو، وبدين واحد هو الإسلام، وجاءت رسالة محمد _صلى الله عليه وسلم_ رسالة خاتمة للعالمين بمنهاج رباني ـ قرآناً وسنة ولغة عربية، منهاجاً متكاملاً يأمر الله به عباده أن يقيموه بينهم، ويحكم بينهم، ليقيموا أمة مسلمة واحدة يحكمها منهاج رباني واحد، تكون كلمة الله فيهم هي العليا. فالذين يؤمنون بالله ربّاً واحداً وبالرسل والأنبياء جميعهم وبمحمد _صلى الله عليه وسلم_، خاتم الأنبياء والمرسلين، يؤمنون كذلك بأن الإسلام في رسالته الخاتمة منهج كامل متكامل متناسق، منهج حياة وحكم في الدنيا، ومنهج حياة وجزاء في الآخرة، يقدّم تصوّراً ربّانيّاً للدولة وللحكم، تصوّراً ربانيّاً واحداً نسميه دولة الإسلام وحكم الإسلام وشريعة الإسلام، فليس فيه تصوّر لدولة دينيّة وتصور آخر لدولة مدنية. للدولة في الإسلام تصوّر واحد، تصوّر رباني، مهمته التي أمر الله بها أن يقيم حكم الله في الأرض، ويبلّغ رسالة الله الخاتمة إلى الناس كافة كما أُنزِلت على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_. هذه هي الأمانة التي حملها الإنسان، والعبادة، والخلافة والعمارة والتي سيحاسب عليها بين يدي الله.

لذلك أعجب من داعية يقول إنه يؤمن بالله ربّاً وبمحمد _صلى الله عليه وسلم_ نبياً ورسولاً، ثمَّ يقول لا نريد أن نقيم حكم الله في الأرض، نريد دولة مدنية يتساوى فيها كل الناس مهما اختلفت نزعاتهم ومواقفهم.

ولقد بيّنا الآن أن مصطلح دولة مدنية أو دولة دينية لا وجود له في التصور الإسلامي، وأن هذين المصطلحين وفدا إلينا من الغرب العلماني الذي أعلن رفضه لسلطة الكنيسة في العصور الوسطى، وكل تحرّكاتها فيما بعد. وأن الإسلام له تصوّر واحد للدولة والحكم، ومنهج كامل يصلح لكل مكان وزمان وواقع، ويعالج مشكلات الإنسان مهما تنوّعت. إنه حكم الإسلام، دولة الإسلام، تكون فيها كلمة الله هي العليا، وشريعته هي التي تحكم، إِنها شريعة الله!
ولقد كان كثير من الدُّعاة في الحركات الإِسلامية ينادون بذلك ويعلنونه، فما الذي حدث حتى تنازل بعض المسلمين، وتنازل بعض الدعاة عن أهم ركن في التصوّر الإيماني الإِسلامي؟!

لا بد من تثبيت أسس التصور الإسلامي في قلوب المؤمنين وقلوب الدعاة. وأهم تلك الأسس ما عرضناه من كتاب الله وسنة نبيه محمد _صلى الله عليه وسلم_ في كتابنا: "حتى نغير ما بأنفسنا".
ذلك أن الله خلق عباده ليحقِّقوا في الحياة الدنيا رسالته إِليهم، وأن يبلِّغ المؤمنون رسالة الله إلى الناس كافَّة كما أُنزلت على محمد _صلى الله عليه وسلم_، ويتعهدوهم عليها حتى تكون كلمة الله هي العليا وشريعته هي التي تحكم في الأرض. وكانت المهمة مسؤولية النبوّة الخاتمة وجنودها المؤمنين الذين انطلقوا في الأرض يبلّغون ويتعهّدون ويجاهدون من أجل ذلك في سبيل الله. ثم أصبحت هذه المهمة مسؤولية الأمة التي اختارها الله لتتابع هذه المهمة مع الزمن: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..." [آل عمران:110].

وبهذه المهمة تكون هذه الأمة صفّا واحداً كالبنيان المرصوص حتى تستطيع الوفاء بهذه المهمة العظيمة الممتدة مع الزمن: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ" [الصف:4].
ولما انفرط عقد هذه الأمة، وتمزّقت شيعاً وأحزاباً: "...كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" [الروم:32]، ضاع تبليغ الرسالة إلى الناس كافة كما أنزلت على محمد _صلى الله عليه وسلم_، وضاع تعهدهم عليها، وأصبح لكل حزب طريقة وتصور وأسلوب، يعلن ذلك شعارات تضجّ، لا نهج معها ولا خُطَّة! فزادت الخلافات وبدأ الجهل يمتدّ، وغلبت العصبيات الحزبيّة، وأصبح الولاء الأول للحزب وقيادته والعهد الأول مع الحزب وقادته، والحب المضطرب بين أفراد الحزب، وغابت أخوّة الإيمان التي تربط المؤمنين أمّة واحـدة، والتي لا تتحقّق إلا إذا كان الولاء الأول لله والعهد الأول مع الله والحبَّ الأكبر لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وغلبـت شهوات الدنيا في كثير من المواقع، والتنافس عليها، وأصبح المنتسبون إلى الإسلام يقتل بعضهم بعضاً في فلسطين والصومال والعراق وأفغانستان، وامتدت الفتن، وتساقطت الديار في هجمة مجنونة وحشية على العالم الإسلامي، هجمة تخضع لنهجهم وخطتهم مستفيدين من جميع نواحي ضعف المسلمين.
وضَعُفَ إِيمان بعض المسلمين، وبدأ مسلسل التنازلات الفكرية، والتنازلات عن الأرض، مسلسلاتٌ طويلة مازالت ممتدة حتى الآن، متحفّزة لتنطلق إلى مدى أبعد ونطاق أوسع.
وأخذت النكبات والفواجع والمجازر تمتد وتتسع في العالم الإسلامي كله، ويبدو أن العالم الإسلامي غير قادر الآن على إيقاف ذلك، أو دفع الغزو والطوفان القادم من الغرب. بل على العكس من ذلك أصبحت بعض نفوس المسلمين تُشْتَرى بدراهم معدودة أو غير معدودة، سرّاً أو جهاراً.

لقد أصبح هناك نفوس تلتجئ إلى أمريكا أو إنكلترا أو فرنسا أو غيرها تطلب عندها النجاة. ونسوا أن النجاة هي من عند الله وحده. ولقد رأينا مصائر الذين فزعوا إلى الأوثان يطلبون نصرتهم والنجاة عندهم، فإذا هم أول ضحايا تلك الأوثان، سرعان ما يخذلونهم ويرمونهم أذلاء خاسرين.
"اللهم أسلمتُ نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيّك الذي أرسلت"(2)

إن الإيمان الصافي من الشرك، الصادق في وعيه واستسلامه لرب العالمين، إن هذا الإيمان هو الذي يدفع إلى اللجوء إلى الله، والاستعانة بالله، دون أن يشرك به شيئاً.
في حديث بيني وبين داعية مسلم، قلت له: ألاحظ أنكم أخذتم تتقرّبون من أمريكا وتلجؤون إليها وتطلبون العون منها. لم ينكر، وإنما قال: سنستعين بالشيطان حتى نحقق ما نريد. فقلت له: إذا استعنتم بالشيطان في أمر ما كالذي ذكرته، فإن علم الشيطان أن في تحقيقه خيراً لكم فلن يعينكم وسيخذلكم ويستحوذ عليكم. وإن علم أن في تحقيق هذا الأمر شرّاً لكم ومصائب تتوالى أسرع في عونكم لتدميركم، والأمر أولاً وآخراً لله وحـده، وإنما هو ابتلاء من الله وتمحيص، ويوم القيامة يكون الحساب والعقاب، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا شياطين الإنس أو الجن، ولا أولياء الدنيا!

الأمثلة مثل هذا المثال كثيرة، تكشف عن انحراف التصور الإيماني واضطرابه، حتى صرنا نسمع من يدعو إلى العلمانيّة جهاراً، أو يدعو إلى الدولة الدينية، أو مساواة المواطنين في شرع دنيوي بشرى، أو بمساواة المرأة بالرجل، ودفع المرأة إلى أجواء لا يأذن الإسلام للمرأة بدخولها، فكأن بعض الناس رأوا في أنفسهم أنهم أعلم من الله بخلقه وبما يصلح لهم.

لن يجد أحد العدالة إلا في الإسلام وفي دولة الإسلام حين يطبّق شرع الله بإيمان وأمانة. فشرع الله أعطى لكل طائفة ولكل إنسان حقّه على ميزان ربّاني. وعدالة الإسلام شريعة تطبق وتمارس في الواقع، وعدالة غيره شعار لا يطبّق وإنما هو شعار للتخدير والمكر والإفساد.

لن يجد أحد الإنسانيّة التي يتغنى بها بعض الدعاة إلا في الإسلام، وخارج الإسلام وحوش كشرت عن أنيابها، ومدّت أظافرها، وانقضّت على فرائسها نهشاً وقتلاً وعدواناً لا يعرف الرحمة. وأمامك الأحداث في الأرض، فانظر إلى جرائم المبادئ كلها: الشيوعية، والديمقراطية، والاشتراكية، والعلمانية، وعدِّد ما شئت من مبادئ الفتنة والضلال.

والآخر! الآخـر الذي يطالب بعض الدعاة بإعطائه حقوقه، والاعتراف به، والقسط معه! سل النصارى كلهم واليهود كلهم هل وجدوا في حياتهم كلها أرحم من الإسلام بهم؟!

لقد أوفى الإسلام الأمانة مع الجميع عدلاً وقسطاً ورحمة وإنسانيّة! ولم يوفِ أحدٌ مع الإسلام والمسلمين إلا من رحم الله. فالآخر الذي يريد أن يُنْصَفَ ويعَتَرف به، هو المسلم!
وبهذه المناسبة، مناسبة مطالبة بعض الدعاة بدولة مدنيّة لا دينيّة، يتساوى فيها المواطنون من ديانات مختلفة وجنسيات مختلفة، فنودّ أن نذكّر بقاعدة رئيسة في الإسلام أكدها الكتاب والسنة، تلك القاعدة هي أنه لا يوجد في التصوّر الإسلامي ديانـات سماوية توحيدية كما يشاع في الصحف والفضائيات والمؤتمرات.

فالله واحد لا إله إلا هو، والدين واحد هو الإسلام، دين جميع الأنبياء والمرسلين ودين من آمن بهم وصدّقهم واتبعهم، فكلهم مسلمون، وكلهم مع التاريخ يكوّنون أمة واحدة، أمة مسلمة واحدة: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" [الأنبياء:92]، "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ. فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" [المؤمنون:53،52].
وكذلك: "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" [آل عمران:19].
وكذلك: "أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" [آل عمران:83].
وكذلك: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [آل عمران:85].

وآيات كثيرة تؤكد هذه الحقيقة الرئيسة التي يجب أن تكون مغروسة في قلب كلِّ مؤمن يقول كما قال إبراهيم عليه السلام: "إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" [البقرة: 131]، "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [آل عمران:67].

آيات كثيرة تثبت هذه الصورة وهذا الأساس، فأعجب وأدهش من داعية مسلم ينسى هذا كله، ثم يدعو في مؤتمرات إسلامية إلى العلمانية، وآخر يدعو إلى الديمقراطية، وثالث يدعو في المؤتمرات الإسلامية إلى العولمة، حتى إن كلمة الإسلام ودعوة الإسلام كادت تختفي من بعض هذه المؤتمرات.

في أحد هذه المؤتمرات يقول داعية مسلم: "لا نملك إلا أن نندمج في النسيج الثقافي والديني الفرنسي"، وآخر يقول: "إن العلمانية مساوية للإسلام في مقصودها"! عجباً كل العجب، فالإسلام يريد من المؤمن أن يؤثر الآخرة على الدنيا وأن يكون هدفه الأكبر والأسمى الدار الآخرة والجنة ورضوان الله، والعلمانية تريد الدنيا فقط لا دينية! وآخرون يقيمون عرساً للديمقراطية.

دعوات منحرفة آخذة بالانتشار، ويتخفّى معظمها تحت شعار الإسلام، وإلى أين نسير؟!
طوفان الغزو على العالم الإسلامي كبير وشديد، والذين يتساقطون فيه كثيرون، والخطر حقيقيّ لا وهم فيه، خطر زاحف في الدنيا، ولا يعقبه إلا خطر أشدّ في الآخرة!
فهل من محاسبة للنفس، ووقفة إيمانية، ومراجعة للمسيرة، وتحديد للأخطاء ومعالجتها؟!


________________
(1) صحيح ابن حبان: رقم 5895، وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي، وأبو داود، والترمذي، وأبو نعيم في الحلية، والخطيب في تاريخه، والبيهقي، وهو صحيح على شرط الشيخين.
(2) أخرجه البخاري ومسلم.