[email protected]
لاشك أن كثيرا منا قد واجهته كثير مشكلات تربوية في مشواره لتربية أبنائه وتأهيلهم وتعليمهم , أو في طريقه لتربية تلاميذه المتلقين للعلم عنه أو المعرفة .
ونكاد نتفق جميعا على أن كثيرا ممن يتولون مهمة التربية تلك , هم غير مؤهلين تربويا وعلميا لذلك والشواهد على ذلك غير قابلة للحصر ..
ففي كثير من البلاد يولون مسئولية تربية الأبناء إلى الأقل ثقافة والأقل مستوى تعليميا , بل يجعلون الترقي في التأهل للقيام بتربية الأكثر سنا متناسبة طرديا مع علو درجة التعليم , ففي كثير من البلاد الإسلامية يتولى خريجو الدبلومات المتوسطة تربية الأبناء الصغار , ثم يتولى خريجو الجامعات من الفئة المتوسطة أبناء المرحلة المتوسطة , ثم يتولى خريجو الجامعات العليا تربية أبناء المرحلة الثانوية ....
وتلك البلاد تعتبر العملية التربوية هي عملية ملحقة بالتعليم , فتجعل التعليم أصلا تلحق به التربية كشىء زائد فرعي ملحق له , فترى جميع المعلمين يصبون جل اهتمامهم على تعليم المواد العلمية مهملين الجانب التربوي الذي لا يتذكرونه إلا عند حدوث مشكلة ما مع المتربي ..وعندئذ يقف الجميع عاجزا ويستدعون متخصصا تربويا لحل الأزمة !!
ولا أبالغ إذا قلت أنه في بعض دولنا لا يعرف أشهر المعلمين شيئا يذكر عن العملية التربوية ,,
نعم توجد كليات متخصصة باسم كليات التربية , ولهم جهد مشكور في توصيل بعض المفاهيم ودراسة بعض النظريات التربوية وتقريرها كمقررات علمية للطلاب , وكليات أخرى أريد منها إعداد المعلمين وغيرها , إلا أن الواقع المرير يخبرنا بما لا يستطيع أن يخبرنا به غيره , فهاهو مستوى المعلمين في مدارسنا وهاهو مستوى المعلمين في حصص الدرس الخاصة ينبئنا عن قصور بالغ في الجانب التربوي الذي أعتبره الأخطر والأهم في حياة الأبناء ..
والحق أنه لا ينبغي أن يقوم بهذه المهمة إلا من يتصف بالخبرة التربوية الطويلة والعلم بالعملية التربوية وأهدافها وأساليبها وطرق توصيل المفاهيم وأساليب التعامل مع الأفراد وكذلك طرق التعامل مع المشكلات التربوية الطارئة في تلك اللقاءات , وينبغي أن تكون تلك الخبرة وذلك العلم قد اتصف بهما المربي بنجاح في أدائه التربوي , أو بمعنى آخر أن يكون المربي القائم بتلك العملية ذو تاريخ تربوي ناجح في هذا المجال , ثم يجب أن يجتمع ذلك كله في ثوب حسن من الإيمان والتقوى وخوف الله سبحانه والعبادة..
وقد يتصور البعض أن كل إنسان به بعض الصفات الحسنة كالهدوء أو الذكاء أو الرفق , أو حتى شيئا من العلم أنه قادر على القيام بمهمة تربية الأبناء وتوجيههم من خلال تواجدهم مع أقرانهم وفي حلقاتهم , وهو تصور خاطىء إذا أطلق , فينبغي أن يكون هذا الذي نوليه مسئولية صياغة شخصية أبنائنا متصفا بالوصف التربوي المميز له للنجاح في عمله .
ولاشك أن كثيرا من الخبراء التربويين يميلون نحو تولي المختصين التربوين والدارسين في العملية التربوية هذه المهمة , خصوصا إذا انضم إلى ذلك التخصص بعض الصفات المطلوبة في الداعية إلى الله كالرفق وحسن الخلق والتقوى وغيرها من محاسن الصفات ..
المؤلم أن القصور الذي تحدثنا عنه قد تسرب بكل وضوح إلى حقل الدعوة الإسلامية أيضا , فرأينا كثيرا من الدعاة العاملين في حقل الدعوة إلى الله إذا أرادوا إبلاء مهمة تربية أبنائهم لأحد فيبحثون عن قليل العلم قليل الخبرة , ثم يطلبون منه الابتداء بتحفيظهم القرآن مثلا أو تعليمهم حديثا أو غيره ..
ثم كذلك في حلقات التحفيظ , نجد أن الاختيار يقع على الأقل خبرة والأقل علما والأقل ثقافة , بحجة أنه سيقوم بعمل يرونه سهلا بسيطا وهو تحفيظ الأولاد القرآن .. وعليه يتم استيراد بعض المحفظين من أماكن متفرقة ممن لاعلم لهم ولا خبرة ولا دراسة ولا ....الخ
ثم تعدى الأمر ذلك إلى القيام بتربية طلاب العلم أيضا , فوجدنا الاهتمام في كثير من حلقات العلم قاصرا على تحفيظ المادة العلمية وتدريسها وإتقانها , مع ضعف بالغ في بث المادة التربوية التي على أساسها تتم عملية بناء طالب العلم ليصير داعية ناجحا ومؤثرا ..
وللأسف هانحن نجني ثمارا سلبية من كل ما سبق ..
فقد نجد من أبنائنا من هو متميز في دراسته وناجح متقدم في صفه , وهو فاشل على المستوى الشخصي والنفسي , وقد يكون بعضهم متكبرا معجبا بنفسه , وآخر عدائيا شرسا , وآخر حسودا غيوظا , وآخر منحرفا جنسيا , وآخر منطويا متقوقعا ...وغيرها
بل قد تعدى الأمر لبعض طلاب العلم , فخرج علينا طلاب علم يسيؤون الأدب مع مشايخهم , وآخرون يتعصبون لهم مهما كان الحق خلافا لهم , وآخرون يغتابون وينمون في مجالس علمهم , وآخرون وقعوا فريسة للحقد والحسد على بعضهم , وآخرون تهافتوا على الأموال وجمعها والزينة ورونقها وسقطوا في بئر عميق من الشهوات ....
إن ممارسة العملية التربوية هي ممارسة صياغة لشخصية الأبناء والطلاب التي ستتكون لديهم فيما بعد ويتعاملون بها ويتسمون بسماتها , ومن ثم لزمنا جميعا أن نولي اكبر اهتمام بها خصوصا في المراحل العمرية التي لا تكون قادرة على التمييز في الانتقاء فتنتقى الحسن والقبيح معا , والتي لا تزال تفقد البوصلة التوجيهية بعد , فتراها تتوجه إلى حيث يوجهها موجهها وتتربي كيفما شاء لها مربوها , وكذلك فيما يخص الذين يتربون ليصيروا دعاة أو علماء أو قادة ..
ولكأن الظرف الذي نعيشه يدفعنا دفعا نحو تخريج مجموعات تربوية متخصصة في العملية التربوية , يعتمدون في أعمالهم على العلم الدقيق والفهم العميق للنفسية والشخصية والسلوك ..
ولاشك أيضا أن هذا يحتاج منا إلى إيلاء الاهتمام نحو إنشاء مؤسسات تربوية متخصصة لهذا المجال وعدم الاعتماد على مجرد المتخرجين الذين يتلقوا المعرفة التربوية عن التلقي العام أو عن طريق التلقي العام , أو الآخرين الذين يتعرفون عليها من طريق دورة أو دورتين ..
( يتبع ..الجزء الثاني )