د.العمر لصحيفة الرأي العام الكويتية: أمريكا يد مع إيران وأخرى ضدها..طالبان صاعدة..ثبات حماس مكسب
14 رمضان 1427

أجرت صحيفة الرأي العام الكويتية حواراً مع فضيلة الشيخ د.ناصر العمر، الأسبوع الماضي، هذا نصه:
وصف المشرف العام على موقع شبكة «المسلم» الداعية السعودي الدكتور ناصر بن سليمان العمر «أمير العمل الخيري» الراحل عبدالله العلي المطوع بأنه رجل نادر اجتمعت فيه كثير من الصفات وهو صاحب عبادة ظاهرة تميز بصفاء النفس وسلامة القلب وكان قلبه مفتوحا للجميع.
ورأى العمر، في حواره مع « الرأي العام»، أن « الرئيس الأميركي جورج بوش أراد من خلال كشفه عن سجون سرية تابعة للـ C.I.A بخلاف «غوانتانامو» أن يسبق غيره بالتصريح قبل أن يفتضح أمره من قبل الأحزاب الأخرى لينقذ الحزب الجمهوري قبل الانتخابات المقبلة»، مشيرا إلى أن « الكشف عن هذه السجون إسقاط لأميركا من القلوب ودليل على أنها ليست جديرة بزعامة العالم». وأكد، بحسب قناعته، أن « أميركا ستسقط من قلوب المعجبين بها، فكل يوم يثبت زيف دعوى عدالتها وديموقراطيتها وحريتها ما يثبت قرب سقوطها من الواقع، وهذه سنة كونية لانتهاء الدولة الظالمة فالقوة المعنوية والمبادئ هي التي تثبت»، لافتا إلى أن « أميركا اليوم في ورطة بعد ثلاث سنوات من الاحتلال للعراق، تضع يدها في يد إيران داخل العراق وتتقاتل معها خارجها ما يدل على تخبطها». واعتبر العمر أن « ثورة العاطفة والحماس والعداء لليهود والفرح بالنكاية بهم غيبت عقول بعض الناس عن حقيقة حرب لبنان، فهي عبارة عن أطراف لاعبة في المنطقة».
وقال أن « اليهود انتصروا في تدمير لبنان وحزب الله انتصر في تمرير المخططات التي كان يسعى إليها بتتويجه زعيماً يدافع عن مقدسات المسلمين».
العمر رأى أن « الخوف يأتي بالخوف ولا يولد الأمان، والعرب المسلمون يملكون القوة الشرعية والبشرية والمالية ولو وقفوا موقفا صحيحا لتغيرت موازين الغرب فالعالم اليوم لا يحترم الضعيف»، لافتا إلى أنه « لا يمكن أن يقف أمام اليهود إلا المجاهدون الصادقون المخلصون، والهجمة على حكومة «حماس» أكبر من طاقتها، وحتى لو سقطت فسينتخب الناس مرة أخرى كل من يحمل هم هذا الدين»، معتبرا أن « حكومة «حماس» لو استقالت أو أسقطت وهي ثابتة على مبادئها أولى من أن تتنازل فتصبح كغيرها من المنظمات السابقة وستنتهي عمليا حتى لو بقيت كحكومة شكلية».
وأوضح العمر أن « حركة طالبان بدأت تستعيد عافيتها بعد أن شعر الأفغان أن الدولة التي كانت توفر لهم الأمان ليست الحكومة العميلة الحالية وإنما حكومة طالبان بغض النظر عن تحفظنا عن بعض سياساتها»، مشيرا إلى أن « المحاكم الشرعية انتشرت في الصومال بعد أن رسخت الأمان في المناطق التي بدأت بها، ويصعب الحكم النهائي على هذه التجربة مع ضخامة المؤامرات ضدهم وقلة المعين والناصر من المسلمين ولكنها تعد سقوطا وفشلا للمشاريع الغربية هناك».
واعتبر أن « مواقف الحكومة السودانية من قضية دارفور مشرفة حين رفضوا القبول بالتنازلات أو مساومات الأمم المتحدة - التي أسميها دائما الأمم المتحدة ضد المسلمين»، مشيرا إلى أن « أقوى الظلم ما يمارسه مجلس الأمن وتحكم الأقلية بالأكثرية فهو مجلس الظلم والجور والطغيان وعند فلسطين الخبر اليقين، وما قيمة قرارات الأمم المتحدة عندما لا تلتزم بها الدول الكبرى وخير دليل غزو أميركا للعراق دون موافقة أحد؟».
وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
• زيارتكم جاءت للتعزية في الفقيد عبد الله المطوع، فماذا تعرف عنه وما علاقتك به؟
- أولاً أتقدم لعائلة المطوع بالعزاء بفقيدهم، الشيخ عبد الله بن علي المطوع، وفي الوقت نفسه أعزي أهل الكويت والمسلمين في أي مكان، لأن هذا الرجل - كما تعرفون ويعرف الناس ويشهد له الجميع - لم يعد أثره ونفعه على عائلته فقط ولا على المجتمع الكويتي فحسب، بل على المسلمين في أنحاء الأرض.
ولهذا فالخسارة فيه كبيرة، وأقول كلمة حق فيه أنه رجل نادر، اجتمعت فيه كثير من الصفات من خلال معرفتي به، وان كنت أعتبر معرفتي المباشرة به محدودة ولا ترتقي لمن هو في منزلته ومكانته، وكنت أتمنى لو كانت أكبر من ذلك، ولكن بما عرفه الآخرون وعرفته الأمة عنه، فالرجل يعد صاحب الأيادي البيضاء وداعماً للعمل الإسلامي أينما كان، داعماً للفقراء والمساكين ولقيام المساجد والمؤسسات الإسلامية وكفالة الدعاة، تجد أنه في كل باب خير ضرب بسهم وافر، لأن الله أكرمه وأكرم عائلته بهذا المال الوفير، فأحسن استخدامه واستثماره.
اذن فهو يعد من الرجال الداعمين للمشروعات الخيرية والإغاثية والدعوية في البلاد الإسلامية.
وثانيا يعد رجلا مؤسسا، فقد أسس عدداً من المؤسسات الدعوية أو ساهم في تأسيسها، كجمعية الإرشاد وجمعية الإصلاح التي أصبح رئيسا لها حتى وفاته رحمه الله، ويتميز الرجل كذلك بصفات شخصية أعدها نادرة لمستها منه من خلال لقاءاتي معه في المملكة وبالذات في أبها، وزياراتي المحدودة للكويت، فمثلا كان الرجل صاحب عبادة ظاهرة من التزام الصلوات بالمساجد والمحافظة على الأذكار وقراءة القرآن والجلوس في المسجد إلى طلوع الشمس وغير ذلك من أوجه العبادة المعروفة.
ويتميز الرجل، وهكذا أحسبه وقد قدم إلى ربه، بصفاء النفس وسلامة القلب، فتجده لا يتعرض إلى المسلمين بسوء - وهذا يجتمع مع عفة اللسان - وفي الوقت نفسه تجد أن قلبه مفتوح للجميع فلا يسأل من قدم إليه طالبا المساعدة أن كان تبع الجماعة الفلانية أو غيرها، ولكن كل ما في الأمر أنه يتوثق أن هذا المشروع لخدمة المسلمين فيدعمه، وأعرف أنه وقف مع عدد من الدعاة الذين أوذوا في سبيل الله في بلادهم فوقف معهم على اختلاف مواطنهم وبلدانهم وانتماءاتهم.
وقضية سلامة القلب وعفة اللسان وكرم الخلق مع البذل تعد نادرة، وأخيرا أحسب الرجل والله حسيبه يحمل همّا عظيما جدا هو همّ هذه الأمة.
لا أذكر أني زرته في مجلسه في أبها بالصيف أو حتى في الكويت، إلا وجدت المجلس يعمر بهموم المسلمين، ما رأيت مجالسه تعمر بالأحاديث العامة التي لا جديد فيها فضلا عن أن يكون فيها غيبة أو نميمة أو إساءة لآخرين، فتجد من أول ما تدخل المجلس القضية المطروحة تتعلق بهموم المسلمين في الداخل أو الخارج.
وأذكر في لقاء لي معه في العام قبل الماضي عندما جئنا إلى مؤتمر الجمعيات الخيرية وشاركت به، تحدثت وإياه في بيته في ما يتعلق بموضوع المرأة والهجمة على المرأة المسلمة وخصوصا في الكويت ومحاولة البعض لإقحامها في مجالات ليست من اختصاصها، فكان له رأي قاله لي ويحاول قدر الإمكان أن يبين لبعض المتأثرين بهذا الأمر أن لا تقحم المرأة في أي عمل لا يتوافق مع طبيعتها وضمن الضوابط الشرعية، وكان هذا من الهموم التي يحملها، وأضف إلى ذلك ما يعرف عنه من الشفاعات في داخل الكويت وفي خارجها.
أعتقد أن رجلا يحمل هذا الهم مع اطراده على هذا المنهج حتى آخر يوم من حياته، بل حتى آخر ساعة كما حدثني أقاربه بذلك أننا أمام رجل نادر في زمنه - رحمه الله -.
كل هذا مع أن الرجل بلغ من العمر سنين كثيرة وضربته أمراض عديدة كما حدثني بعض أقاربه، ومع ذلك لم تثنه عن القيام بمسؤولياته وما آمن به، فهو يقوم بنشاط لا يقوم به بعض الناس في الثلاثينات والأربعينات، وهو في سن الثمانين رحمه الله. فالأمة تحتاج إلى هذا النوع من الرجال في الثبات وحمل الهم، والاتصاف بالصفات الخلقية التي تكون صفة للداعية المسلم.
• ذكرت آخر لقاء تم مع العم « أبو بدر» رحمه الله، فمتى وكيف كان أول لقاء لك معه؟
- أول لقاء قد يكون حين زرت الكويت زيارة خاطفة في مرحلة الدكتوراه قبل أكثر من عشرين سنة، وكان المشرف أحد الأساتذة في جامعة الكويت، فالتقيت معه، وربما أكون التقيت معه قبل ذلك لا أذكر بالتحديد، ولكن قطعا قبل أكثر من عشرين سنة، وكان لقاء عابرا.
ولكن تعرفت عليه أكثر من خلال زياراته للمملكة سواء في مكة أو في الرياض، وأكثرها إبان الغزو العراقي للكويت، والتقيت معه كثيرا، ثم كنا نلتقي في أبها فأزوره في منزله سنويا في أبها، لأن لديه أشبه ما يكون بالديوانية أو الندوة، والتقيت معه كذلك حينما زرت الكويت في مؤتمر الجمعيات الخيرية قبل سنتين تقريبا حيث دعانا إلى منزله، وآخر لقاء لي معه كان في البحرين عندما حضرت مؤتمر نصرة النبي _صـلى الله عليه وسلم_.
• كيف تنظر إلى واقع الأمة الإسلامية اليوم في ظل الظروف الراهنة وتكالب الأمم عليها؟
- الواقع ذو شقين، فإذا رأينا الواقع المباشر قد تكون الأحوال الظاهرة والهجمة الشرسة على هذه الأمة ومقدساتها توحي لكثير من الناس بالألم والحزن، ولا شك أن هذا يفت في عضد كثير من المسلمين، فهذا الوجه الذي يبدو لأول وهلة.
ولكنني تعلمت من هدي النبي _صلـى الله عليه وسلم_ أن أنظر إلى ما وراء الأحداث، فوجدت أن النبي عليه الصلاة والسلام، من خلال دراستي للسيرة والسنة، أنه في أشد الأحوال التي تمر بالأمة ظلمة يكون أكثر الناس تفاؤلا، وحسن ظن بالله.
فأنا أنظر بتفاؤل بأن الأمة قادمة، ولذلك ألقيت محاضرة بعنوان «الآلام محاضن الآمال»، فهذا العنوان يعبر عن قناعتي، أي أن الواقع الآن مؤلم، ولا يمكن إنكار ذلك، ولكن من خلال هذا الواقع المؤلم بدأت تنبت نباتات الأمل الكبير لهذه الأمة.
والسر في ذلك يكمن في عدة جوانب منها، الأول: أن هذه سنة النبي _صلـى الله عليه وسلم_ حيث كان يعجبه الفأل الحسن وهذا منهجه وهو ما يرسمه القرآن ويؤكده.
وثانيا: أنه لولا أن لهذه الأمة هذه المكانة ما كانت هذه الهجمة، ومع اجتماع قوى الكفر والشر على أمة الإسلام ما استطاعوا أن يقضوا عليها، فهناك آمال قوية، فعندما ننظر إلى قضية فلسطين مثلا من كان يتصور هذا الثبات وهذه البطولات بعد أن فشلت غالبية المنظمات غير الإسلامية في فلسطين، فتخرج المنظمات الإسلامية عبر أطفال الحجارة وتقف هذا الموقف مع أعتى وأشرس عدو وهم اليهود، ومع ذلك لا تزال الانتصارات تتوالى، وأعظمها اختيار الجهاد طريقاً لتحرير فلسطين.
• مقاطعا: دعنا نتوقف هنا فضيلة الشيخ، فلسطين تعاني اليوم هجمات "إسرائيلية" شرسة خلت حتى من مجرد الاستنكار من دول العالم الإسلامي، بالإضافة إلى الاضرابات والاعتصامات الداخلية التي شارفت على الأسبوع مطالبة بدفع الرواتب واستقالة حكومة «حماس»، فما رأيك في ما يجري في فلسطين؟
- الهجمة التي حدثت بعد انتخاب حكومة «حماس» أكبر من طاقة الحكومة، فـ «حماس» محدودة الإمكانات، وليست هناك أرض صلبة تقف عليها، لا حدود خارجية ولا بحر ولا طيران، فكلمة الدولة غير متوافرة في معناها الدقيق لحكومة «حماس» كما صرح بذلك الأستاذ خالد مشعل، أضف إلى ذلك الأعداء من داخل فلسطين، فلها خصوم، من بقايا المنظمات تملك رصيداً لا يمكن تجاهله، فاستطاعت أن تستغل المعوقات التي وضعت أمام حكومة «حماس» فالناس يرتبطون بمصادر معيشتهم وأكلهم وشربهم، حيث تحملوا شهراً واثنين وثلاثة مما يصعب تحمّله.
فلهذا ما يحدث اليوم هو مؤامرة عالمية بحصار فلسطين وقطع المساعدات والتهديد لمن يساعد حكومة «حماس» من الدول العربية والإسلامية تصاحبها مؤامرة من داخل فلسطين عن طريق بعض المنظمات والجيوب الفلسطينية ضد حكومة «حماس»، وكما قلت في مقابلة « الرأي العام» قبل سنتين الآن أقول حتى لو سقطت فسيعود الناس مرة أخرى لينتخبوا كل من يحمل هم هذا الدين، سواء كانت حركة «حماس» أو غيرها، فمن يحمل هذا الدين هو الذي سينتخبه الناس وان حدثت له هزيمة في فترة من الفترات، فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم حدث لهم في معاركهم نوع من الهزائم المؤقتة والمحدودة ثم يحدث الانتصار العظيم.
القضية في رأيي ليست مرتبطة بحركة «حماس» أو غيرها، ولكنها مرتبطة بهذا الدين، فالعالم اليوم مجمع، ولا أقول العالم المسلم فقط، بل حتى العالم الكافر لديه قناعة، أن القوة لهذا الدين ولهذا جاءت هذه الهجمة.
حكومة «حماس» قد تبدل وتشكل حكومة أخرى، ولكن تبقى قناعة الناس في هذا الدين ثابتة ولن تتغير، بل سيزدادون قناعة أنه لا يمكن أن يقف أمام اليهود إلا المجاهدون الصادقون المخلصون.
• المراقبون على الساحة يرون أن الشعب الفلسطيني يموت جوعا وحكومة «حماس» لو تنازلت أو استقالت لربما أعيد بث الأموال والدعم إلى الشعب الفلسطيني؟
- عندما انتخبت حكومة «حماس» دعوت الأستاذ خالد مشعل عندما زار الرياض مترئساً وفد «حماس» لزيارة المملكة، واجتمعت معه في منزلي مع قرابة 50 من المشايخ والدعاة، وكان حديثنا معه (اثبتوا على مبادئكم ولو سقطت الحكومة)، وقلنا لهم: (ما قيمة حكومة بدون مبادئ)، فقال كلمة رائعة موجودة على موقع المسلم ويمكن الرجوع إليها، قال خالد مشعل: (إن غيرنا فغيروا)، أي سنثبت على مبادئنا، ولكنه قال كلمة أعجبتني: الثبات على المبادئ ليس هو الانعزال بالمبدأ وإنما هو التحرك بالمبدأ.
فلو استقالت الحكومة مثلا أو أسقطت وهي ثابتة على مبادئها أولى من أن تتنازل فتصبح كغيرها من المنظمات السابقة والله المستعان.
أما في ما يتعلق في سياسة «حماس» الخاصة فلا أرى الحديث عن ذلك، فانه يرى الحاضر مالا يرى الغائب، ولا أدعي أنني أعرف كل أطراف القضية والأطراف اللاعبة فيها، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولكن أنصح حماس أن تثبت على مبادئها، فان تنازلت عن مبادئها فأعتقد أنها ستنتهي عمليا وإن بقيت حكومة شكلية.
• لبنان خرج للتو من حرب استمرت أكثر من شهر دمرت خلالها البنية التحتية له، من قبل إسرائيل، بدأت بخطف حزب الله لأسيرين منها، كيف تنظر لما جرى في لبنان؟
- اتضح الأمر الآن، وكنت قد صرحت في قناة المجد في لقاء كامل، وفي قناة الجزيرة مرتين، وموقع المسلم يشهد بذلك فقلت: إذا أقبلت الفتنة يتخبط الناس فيها، ولكن إذا أدبرت الكل يعرفها، والآن عرف الناس هذه الحقيقة.
كنت أقول أن القضية عبارة عن أطراف لاعبة في المنطقة، قد يكون حزب الله أحد الأطراف، أو أحدى الأدوات المستخدمة في القضية، سواء علم أو لم يعلم، وقلت أن دخوله في هذه الحرب لمصالح أطراف أخرى، تتقاسم فيها المصالح اليهودية والمصالح الأميركية والمصالح الإيرانية، سواء كان الحزب استخدم استخداما أو كان شريكا في هذا الأمر، ولم أكن مقتنعا أن الحزب كان يحارب حربا حقيقية (أي من أجل فلسطين)، والأدلة على ذلك ظاهرة، فحزب الله أعلن أنه أطلق آلاف الصواريخ، وقتل خلالها 50 أو مئة من اليهود كما يقول، ولو كانت ألعابا نارية كان يمكن أن يقتل فيها أكثر من هذا العدد (...).
اليهود ضربوا الجميع ودمروا لبنان وهذه فرصتهم، ضمن استراتيجية لتغيير الخط الفاصل، ثم ما هي الآن حصيلة الحرب؟ دعك من كلامي، ولكن انظر إلى تصريح نصر الله عبر القنوات الفضائية أنه لو كان يعلم بنسبة واحد في المئة أن ما حدث سيحدث في لبنان ما دخل هذه الحرب، فكيف يكون ذلك قائداً؟ وهو لا يتصور أن يحدث ذلك بنسبة واحد أو اثنين أو عشرة في المئة؟ لو قال كنت أتوقع حدوث 50 في المئة لكان له وجه معتبر!! الأمر الذي يدل على أما أنه جاهل في ما يستخدم له أو أنه شريك في اللعبة.
ولذلك كان صوتي من أول الأمر أننا لا يجوز أن نقف مع هذا الحزب، وهو يؤدي دوراً محدداً أما بجهالة أو مرسوما له لأغراض أخرى، ولعل الأحداث التي تلت من مواقف بعض الدول العربية كما تعلم وموقف إيران يؤكد هذه الحقيقة، وفي الوقت نفسه تصريحات نصر الله تؤكد هذه الحقيقة التي لم يعد للمدافعين عنه حجة في ما أرى في هذا الموقف، وكنت أقول وقتها:
أمرتهم وأمري بمنعرج اللواء
فلم يستبنوا النصح إلا في ضحى الغد
وقبل ذلك قلت وأنا أتحدث مع الذين رفعوا أصواتهم عاليا للوقوف مع حزب الله: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللَّهِ) (غافر: من الآية 44) حيث غلبت العاطفة والحماس والعداء لليهود والفرح بالنكاية فيهم ما جعل عقول بعض الناس تغيب عن الحقيقة في هذا الأمر.
ونحن نتحمل المسؤولية، فتخاذل الدول العربية في قتال اليهود، وأكبر من ذلك تآمر بعض الدول العربية في الحفاظ على اليهود، ومنع المسلمين من مجاهدتهم والمشاركة في الجهاد ضدهم، فقوة العاطفة الجياشة ضد اليهود - وهي عاطفة في مكانها بلا شك - جعلتهم يبحثون عن أي منقذ كالغريق، ونحن السبب في ذلك بسبب تخاذلنا في نصرة إخواننا في فلسطين وخصوصا أكثر الأنظمة العربية على مرّ السنين.
• ولكن حزب الله مازال ينادي بأنه منتصر، و"إسرائيل" تنادي بأنها منتصرة، فمن برأيك المنتصر ومن المهزوم؟
- ما معنى الانتصار؟ هل يقصد به النكاية باليهود؟ أنا أعتقد أن اليهود انتصروا في تدمير لبنان، وحزب الله انتصر في تمرير المخططات التي كان يسعى إليها بتتويجه زعيماً يدافع عن مقدسات المسلمين، وإلا ماذا حقق؟ أعطني الأرقام على أرض الواقع؟ بل الأرقام تؤكد أنه هزم هزيمة نكراء، وقد اعترف بشيء من ذلك.
• ألا يكفي أنه هزّ وأثبت عدم صحة المقولة: أن "إسرائيل" الدولة التي لا يمكن الاعتداء عليها أو حتى ضربها؟
- هذا غير صحيح، من قال ذلك؟ دولة اليهود هزها الأطفال قبل ذلك بالحجارة، هل كنا ننتظر حتى يأتي حزب الله ليهز قناعتنا باليهود؟ أطفال الحجارة الذين لا يملكون سوى الحجارة هزوا قناعة العالم في هذه الدولة اليهودية، بل هذه الحقيقة معروفة قبل أطفال الحجارة مع شجاعتهم وبسالتهم، حيث قال الله _سبحانه وتعالى_ عنهم في كتابه "لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ" (الحشر:14) فيا سبحان الله النصوص القطعية الثابتة في الكتاب والسنة أمامنا ونحتاج إلى أن يأتينا مثل هذا الحزب ليهز القناعة؟ ثم الواقع العملي حيث نرى أطفالا لا يملكون ما يملكه حزب الله من صواريخ وقنابل وغيرها ومع ذلك هزوا قناعة العالم كله، وأثبتوا أن هذه الدولة من أجبن الدول وأضعفها تأكيدا لما ورد في القرآن والسنة وتجارب التاريخ، بل أعتقد أن القول بأن الحزب «هزّ» هذا ظلم لإخواننا الفلسطينيين، فثبات الفلسطينيين والمجاهدين في داخل فلسطين هو الذي هزّ العالم في قناعته فان اليهود جبناء وضعفاء، لكن هل أتيحت الفرصة للمسلمين أن يجاهدوا في ظل المؤامرات التي حيكت لإخواننا في فلسطين، وبعض الأنظمة العربية شريكة فيها.
• ملك الأردن سبق أن حذر من هلال شيعي، وبعض المراقبين يعتبرون حزب الله امتدادا للثورة الإيرانية، في مقابل بعض آخر يراه حامي حمى الإسلام ورافع راية الجهاد؟
- أخي الكريم.. لو رأيت غصنا يتدلى من شجرة فهل الغصن ينتمي إلى الشجرة؟ بكل تأكيد. ا
إذن لو سألنا من الذي أنشأ حزب الله؟ ومن الذي يموله؟ حزب الله يرفع صور قادة إيران ويفتخر بذلك، وإيران تدعم «المنار» بالملايين ولا شك في ذلك، ولا تقل هذه دعوى من عندي، بل أحد زعماء حزب الله ولعله إبراهيم الأمين قيل له: هل أنتم تبع لإيران؟ فقال: بل نحن إيران في لبنان (...)، وهذا تصريحه هو وليس تصريحي أنا.
ثم ذكرت بعض الصحف الألمانية أن السفارة الإيرانية هي غرفة العمليات لحزب الله، فلا شك أنه ينفذ استراتيجية إيرانية، ولذلك فالخطورة تأتي من هنا.
أما أن يكون حامي حمى الإسلام، أو قائداً للمجاهدين أو محرراً لفلسطين فأبرأ إلى الله من هذا القول، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
• ولكن يبقى حزب حسن نصر الله في ظل التخاذل والضعف والهوان الذي تعيشه الأمة هو من رفع راية الجهاد..؟
- مقاطعا: ما رفع راية الجهاد ولا أوافقك على ذلك، ولكن أقول رفع راية إيران.
• بمناسبة ذكر إيران، كيف ترى الحملة الغربية ضد إيران بسبب برنامجها النووي، في مقابل السكوت التام على الممارسات النووية "الإسرائيلية"؟
- أولا يجب أن أنبه إلى النقاط التالية:
لاشك أن ثمة خلافا حقيقيا بين إيران والغرب، بسبب المفاعل النووي، ولكن في الوقت نفسه لا نجعل من ضعفنا مبررا لشرعية الآخرين، فكثير من الدول العربية متخاذلة ومواقفها ضبابية، فأرى بالنسبة للمفاعل النووي الإيراني أن إيران ستحقق مصالح بعيدة يخدم مشروعها الاستعماري، ولا شك عندي أن المنطقة ستشكو من آثار ذلك، وتبقى أميركا في النهاية تتخوف من هذا المفاعل وآثاره، وبخاصة إذا قامت الدول الأخرى وحذت حذو إيران، كباكستان وتركيا وغيرهما بحجة السكوت عن المفاعل الإيراني.
ومن جانب آخر، هذه الضجة حول المفاعل الإيراني تبرز الوجه الحقيقي الكالح للغرب وأميركا بالذات.
فما معنى أن تثور هذه الثورة العجيبة على إيران وتدمر المفاعل العراقي قديما وتحدث ضجة حول باكستان، وإسرائيل من أبرز الدول النووية مسكوت عنها؟! هذه عدالة أميركا لمن يتكلم ويدافع عنها وديموقراطيتها وشرعيتها والغرب تبع لها.
• ألا ترى أن امتلاك إيران للمفاعل النووي يشكل نوعا من توازن القوى الدولية؟
- لو كان ثمة مفاعل نووي في الصين فانه يشكل توازنا دوليا، ولو وجد في كوريا فانه كذلك، ولكنه يختلف عن تحقيق التوازن مع القوى الدولية في ما يخدم المصالح الإسلامية الحقيقية، وإنما هو ذراع لتحقيق الدولة الفارسية الصفوية.
• بدأت بعض الأصوات في الجامعة العربية تنادي بامتلاك الدول العربية للبرامج النووية السلمية، فهل ترى جدية ذلك؟
- سلمية؟ ياليت، فإذا أخذوا السلمية فهذه بداية الطريق الصحيح، ولكن مع كل أسف رأيت تصريحات عدد من المسؤولين في الدول العربية يعلنون أنهم براء من النووي، بدلا من أن يرفعوا أصواتهم ويسعوا إلى امتلاك المفاعل النووي وهم يقدرون على ذلك لو أرادوا، فكل الوسائل متوافرة، العقول البشرية والمال والأرض والعمق والهدف، ولكن مسلسل الخذلان مستمر، ونقول حسبنا الله ونعم الوكيل " وَاِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" (محمد: من الآية38).
• ربما خوفا من الهجوم الغربي والحصار الاقتصادي؟
- الخوف لا يولّد الأمان، بل الخوف يأتي بالخوف، يقول أبو بكر رضي الله عنه: «أطلبوا الموت توهب لكم الحياة»، فلو وقفت الدول العربية موقفا صحيحا، لتغيرت موازين الغرب، لأنهم يملكون القوة البشرية بل القوة الشرعية والعقدية والقوة المالية، فكلها يملكها العرب والمسلمون، فهم مركز الثقل في العالم واليوم لا احترام للضعيف، ولكن ما يحدث من خلافات داخل الأمة الإسلامية والوهن الذي أصبنا به هو الذي أطمع العدو فينا، وهو مصداق حديث النبي _صـلى الله عليه وسلم_: « تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله، قال:» لا أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل».
وقول النبي _صـلى الله عليه وسلم_: « إذا تركتم الجهاد، ورضيتم بالزرع وأخذتم أذناب البقر، وتبايعتم بالعينة، سلط الله عليكم ذلاّ لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم».
هذه الموازين الحقيقية، وإلا فالأمة الآن مشتعلة في داخلها، فقد ثبت أن تعاطف كثير من الناس مع حزب الله ليس قناعة بحزب الله ولكن نكاية بالأطراف الأخرى، بسبب تخاذل الحكام العرب مع عمق العداوة لليهود وأميركا، ولو أن أهل الراية استلموها كما ينبغي وأعادوا موازين القوة لتغيرت الحسابات الدولية تماماً، فلا احترام إلا للقوي.
• كشف الرئيس الأميركي بوش في خطاب له عن سجون سرية تابعة لـ C.I.A خارج أميركا لارهابيين خطرين، بحسب وصفه، متهمين بأداء أبرز الهجمات على أميركا ومصالحها في مختلف الدول، ثم أمر بمعاملة السجناء بشكل عام وفق اتفاقية جنيف، ما وراء كشف الرئيس الأميركي بوش في الوقت الحالي تحديدا عن هذه السجون؟
- هذا يتماشى مع ما ذكرت لكم في «الرأي العام» قبل سنتين أن أميركا تسقط من القلوب إيذانا بسقوطها من الواقع، فأميركا كل يوم يمر تسقط من قلوب الناس من المعجبين بها الذين يدعون عدالتها وديموقراطيتها وحريتها، فالأحداث اليومية تثبت هذه الحقيقة.
ولذلك فأنا لا أستغرب ما صرح به الرئيس بوش، وأراه طبيعيا جدا وهذا ما يتوقع من أميركا، وربما الذي لم يكشف أعظم مما كشف.
وعندما نتلمس سر التصريح فأنا لا أملك الجواب الكافي ولكن أشير إشارات استنباطية: فالانتخابات الأميركية مقبلة، والرئيس الأميركي الحالي انتهى وليس له أن يترشح مرة أخرى، ولكن هو يمثل الحزب الجمهوري، فأراد أن يسبق غيره بالتصريح قبل أن يفضح من قبل الحزب الديموقراطي وأطراف أخرى، بأن يكون هو من كشف عن هذه الحقيقة، ولذلك دائما قبل الانتخابات تبدأ موجة جديدة في أميركا تختلف عن غيرها، بحسابات أميركية معينة، ولكنه بحساباتنا أنه إسقاط لأميركا من القلوب، وأن هذه الدولة ليست جديرة بزعامة العالم كما يقال، بل هي دولة الظلم والطغيان والبغي، بمؤامراتها وبدعمها لليهود في فلسطين وفي غير فلسطين، كما هو واضح للعيان.
• في حين تجد الأميركيين يعادون إيران وسورية ويهددون بضربهما، تجدهم موالين للشيعة في العراق، بينما أعطت أميركا الضوء الأخضر لـ"إسرائيل" لضرب لبنان، وهي تتدخل ضد السودان وفي الصومال، وتعد دول الخليج حليفا استراتيجيا، هل تعد السياسة الأميركية في رأيك ذكية بهذه التصرفات أم متناقضة ومتخبطة؟
- أفسر هذا على أنه سنة كونية لسقوط أميركا، سمه تخبط أو ذكاء، فالله تعالى يكشف عن حقيقتهم، وأنا مقتنع بسقوط أميركا بإذن الله، وهذا واقع الآن. ويكفي أنك لو عرضت استفتاء في جريدة الرأي العام - مثلا - عن الذين يؤيدون أميركا الآن والذين يؤيدونها قبل 30 سنة، وانظر الفرق الشاسع بين ذلك، فهذه سنة كونية لانتهاء هذه الدولة الظالمة "وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ" (إبراهيم: من الآية 42)، وسيستمر مسلسل التخبط والفضائح والمؤامرات حتى تنتهي زعامة هذه الدولة، كما انتهت زعامة الدولة التي كانت لا تغيب عنها الشمس.
• ولكنها تملك قوة جعلتها شرطية العالم؟
- القوة الحقيقية هي القوة المعنوية، والقوة المادية مؤقتة، فكم مرّ في التاريخ من قوة؟ كقوة فرعون والجبارين بل أين قوة روسيا؟ وقوة صدام أين ذهبت؟ القوة المادية لا تستمر، فكما قيل: جولة الباطل ساعة ولكن جولة الحق إلى قيام الساعة. القوة المعنوية والمبادئ هي التي تثبت، وان ضعف صاحبها يوماً من الدهر فسرعان ما يعود أقوى وأبقى.
• الأخبار الأخيرة تشير إلى استعادة حركة «طالبان» لشيء من عافيتها، وبدأت ببعض المناوشات والقتال مع حكومة كابول، وقوات التحالف هناك، فهل ثمة دلالة على ذلك؟
- الناس الآن في أفغانستان شعروا أن الدولة التي كانت توفر لهم الأمان ليست الحكومة العميلة الحالية وإنما حكومة طالبان بغض النظر عن تحفظنا عن بعض سياساتها، ولكن هي من يتعطش الناس إليها، وأؤكد مرة أخرى أن هذه سنة لو درسناها ودرسنا منهج السنن، وهو مؤذن بسقوط أميركا لأنها ما استطاعت أن تحمي مناطق النفوذ، ويكفي العراق من أقوى الأدلة على ذلك، وأميركا اليوم في ورطة بعد ثلاث سنوات من الاحتلال للعراق، تضع يدها في يد إيران داخل العراق، وتتقاتل معهم خارج العراق، وهذه أدلة على تخبطها، وأبشر بمبشرات قادمة للأمة في كل مكان، وليس فقط في أفغانستان أو في العراق أو في فلسطين، ولكن لا نعد وعودا وهمية فالأمة تحتاج إلى عمل جاد وصادق، كما تحتاج إلى أبنائها ورجالها، والى اتفاق في كلمتها، وصدقني أخي الكريم أننا لم نغلب إلا باختلافنا وبهزيمتنا النفسية، وإلا فالأمة الثابتة الصابرة هي المنتصرة ولو هزمت ظاهرا في فترة من الفترات.
• ننتقل إلى الصومال، نجد أن «المحاكم الشرعية» استولت على غالبية مناطق الصومال، فكيف ترى المحاكم الشرعية؟ والوضع الصومالي بشكل عام؟
- التقيت مع بعض مشايخها عندما زاروا المملكة للعمرة، وقالوا أنهم بدؤوا عندما حدثت الفوضى في الصومال والدمار والسرقات والنهب، فأقاموا محاكم في الأحياء فكل حي فيه محكمة شرعية فتوفر للناس الأمان، حتى لما بدأت المحاكم في الجنوب نزح أهل الشمال إلى الجنوب، والعكس، حتى وصلت المحاكم إلى قرابة عشر محاكم، فشعر أهل مقديشو العاصمة بالأمان وهذا طبيعي جدا لأنهم حكموهم بالشرع على مستوى بسيط يسير، فتحالفوا في ما بينهم فجاءت بعض الأقاليم تطالب بما يحدث في مقديشو، وهذا ما حدث في شكل مبسط، ولا نستطيع أن نحكم على التجربة لأنها لا تزال في بدايتها، ولكنها تعد سقوطا وفشلا للمشاريع الغربية في الصومال ولغيرها، ويصعب الحكم النهائي على هذه التجربة وبخاصة مع ضخامة المؤامرات ضدهم وقلة المعين والناصر من المسلمين.
• ألا يعد ذلك نوعا من الخروج على الحكومة ؟
- أي حكومة؟ فليست هناك حكومة صومالية حقيقية، مجموعة من المنتفعين تقطن في فنادق نيروبي، وهذه ليست حكومة، فالحكومة هي التي تحكم على أرض الواقع لا توجد حكومة حقيقية في الصومال، بل مرتزقة موالون لأثيوبيا والغرب.
• وماذا عن السودان الذي يعاني من مشكلة دارفور التي تتفاقم ثم تتضاءل ثم تعود للتفاقم مرة أخرى، وهو يرفض وجود الاتحاد الأفريقي؟
- الأمر واضح، فقد كنا في السودان قبل سنتين، ومعروف أن السودان بلد كبير وعظيم وبوابة لأفريقيا، وفيه مقومات بشرية ومادية عظيمة، فالعدو أدرك خطورة السودان، وكل يوم ينقلونه من مشكلة إلى أخرى، وبعد انتهاء مشكلة الجنوب حيث حلت بحل لم يرض كثيرا من السودانيين ولكنهم كانوا مضطرين لذلك ثم نشأت لهم مشكلة في دارفور وغيرها وحتى لو حلت مشكلة دارفور ستنشأ مشكلة أخرى، فالمقصود هو تشتيت السودان وتفتيته، ولكن المواقف الأخيرة من الحكومة السودانية مشرفة - أسأل الله أن يثبتهم عليها - حيث رفضوا أن يقبلوا بالتنازلات ولا بمساومات الأمم المتحدة ضدنا - أسميها الأمم المتحدة ضد المسلمين، وإلا فهي ليست متحدة في الحقيقة، هي أمم متفرقة "تحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى" (الحشر: من الآية 14) ، ولكن عندما يتعلق الموضوع في فلسطين أو في قضايا المسلمين فهنا يتحدون، فهي منظمة الأمم المتحدة ضد المسلمين.
والواقع كما أشرت، فهي جزء من سلسلة الفتن التي تحاك للأمة، لا أريد أن أتوسع في نظرية المؤامرة، ولكن بسبب اختلافنا وتفرقنا وذنوبنا سُلّط هؤلاء علينا "َمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ". (الشورى:30)
• الأمم المتحدة التي تقود العالم عبر مجلس الأمن وتسعى إلى ترسيخ العدالة والديموقراطية بحسب زعمهم، هل ترى أن ممارسة الدول الأعضاء الخمس لحق الفيتو ديموقراطية أو عدالة؟
- قبل ذلك لا بد أن نسأل هل هناك أصلا ديموقراطية وعدالة حتى نقول أن هناك من يطبقها أو من يناقضها؟ لم أؤمن يوما بأن لديهم ديموقراطية أو عدالة. اللهم نعم عندهم ديموقراطية لبلادهم، وعندهم حرية تتعلق بشعوبهم، ولكن لا توجد ديموقراطية على مستوى العالم، ولا شك أن من أقوى الظلم هو ما يمارسه مجلس الأمن، وتحكم الأقلية بالأكثرية، فهو مجلس الظلم والجور والطغيان، وعند فلسطين الخبر اليقين.
باختصار فان ما يحدث في مجلس الأمن هو تحكم الأقلية في الأكثرية، من خلال هذه الأصوات الخمسة، وليس الخمسة مجتمعة بل يكفي أي واحد منها أن يستخدم حق الفيتو ليوقف أي قرار لا يعجبه.
بل حتى القرارات التي عارضتها الأمم المتحدة لأميركا مثل غزو العراق لم تنتظر موافقة الأمم المتحدة، إذن ما قيمتها؟ هي ألاعيب وأياد تستخدمها أميركا ويستخدمها الغرب ضد المسلمين وضد الشعوب الحرة والمستضعفة في أنحاء العالم.
• فضيلة الشيخ كلمة توجهها إلى كل من: حكام المسلمين؟
- على الحكام أن يتقوا الله جل وعلا في شعوبهم، وهم يملكون مواطن القوة: دين الإسلام والقوة البشرية والثروة المادية، وأوصيهم بالعودة إلى الله جل وعلا، وتحكيم شرع الله تعالى في شعوبهم والاتحاد في ما بينهم، وهنا والله سيأتيهم العالم راغباً أو راهباً، أما إذا بقوا على تخلفهم وتفرقهم أقول إن سنة الله جارية "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم".
• وإلى الدعاة إلى الله؟
- أوصيهم بالاتحاد وتوحيد الكلمة والمنهج وأن تصفى القلوب، وإذا وجدت مسائل اجتهادية تحل بالحوار بين الدعاة، وبهذا تكون لهم مكانتهم وثقلهم بين شعوبهم أولاً، وتأثير الكلمة عند حكوماتهم وعند شعوب العالم أجمع، ولذلك نقول لهم { تعالوا إلى كلمة سواء}.
• والى الشعوب الإسلامية؟
- الشعوب الإسلامية تنتظر قيادات راشدة، فإذا وجدت القيادات الراشدة على مستوى الحكام وعلى مستوى العلماء، والخير موجود في الأمة بلا شك، فهناك الكثير من العلماء الأخيار، فإذا سارت الشعوب خلف علمائها وقاداتها فستكون هي المنتصرة في النهاية بإذن الله.
الشعوب الإسلامية شعوب ضعيفة مغلوبة على أمرها مع أنها تملك مخزون القوة القادمة بإذن الله.
• ولكن الشعوب أحيانا هي التي تحرك القيادات؟
- تحريك نسبي، تستطيع أن تحرك إذا تضامنت ووقفت مواقف موحدة، ولكنه يبقى تحريكا نسبيا، لأن الشعوب معزولة ومغلوبة على أمرها، وان الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن.
وأشكر «الرأي العام» لاتاحة هذه الفرصة، كما أشكر أهلنا في الكويت على مالقيته وصحبي من حسن وفادة وتكريم، وأسأل الله أن يغفر لأبي بدر عبدالله بن علي المطوع وأن يعوض الأمة وأهله خيراً.