من عوامل ضعف المسلمين اليوم الفرقة التي يعانون منها، فالمجتمع المسلم تجزأ إلى جماعات وأحزاب وطوائف وفرق، وكل يرى من ضروريات بقائه عداء الآخرين، والتقليل من شأنهم وجهودهم إلا من رحم الله، وقد كثر النهي في القرآن والسنة عن التفرق قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[الأنعام: 159].
إن المرء ليعجب من اجتماع أهل الكفر على باطلهم وتفرق المسلمين عن حقهم، إن ما يجمع بين كثير من تلك الجماعات التي تزحم الساحة الإسلامية أكثر مما يفرق بينهم، وإن السلف الصالح رضي الله عنهم اختلفوا في الفروع ولم يمنعهم ذلك أن يكونوا يداً واحدة يتعاونون على البر والتقوى ويتناهون عن المنكر ويتناصحون في جو من الود والمحبة.
إن الرقي بالأمة والعودة بها إلى مجدها الغابر والسير بها وفق كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو ما تصبو إليه كل تلك الجماعات الإسلامية، وتعمل من أجله ولا يصح أن يشكك مسلم في النوايا أو يتهم الطوايا، ولكن التعصب الحزبي ربما ينسى العاملين للإسلام تلك الغايات السامية التي يعملون لها وتلك الأهداف النبيلة التي يسعون لتحقيقها فتتحول الوسائل إلى غايات وهذا خطأ فادح.
ولكن لا تعني الدعوة إلى وحدة المسلمين أن نجمع أهل الحق وأهل الباطل في صعيد واحد، كالدعوات التي تجمع بين السني والشيعي والوثني، على ما يسمى بأخوة المواطنة، فلا يصح أن يسوي بين من باين بينهم الله تعالى، كما لا سبيل إلى توحيد الحق مع الباطل، فالله تعالى جعل خلقه مختلفين ،قال الله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)[هود: 118-119].
وليس من العقل أن يكون اجتماع المسلمين اجتماعاً تتراص فيه الأجساد وتتنافر فيه الأفكار والعقائد، فالوحدة التي ندعو إليها وحدة المسلمين المستقيمين على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وهذه الفئة والحمد لله كبيرة في المجتمع الإسلامي ولكن للأسف يقع التفرق بينهم دون مفرق غير البغي وترك الإنصاف.
إن أهل السنة صف واحد، وجميعهم في خندق واحد، وكثيراً ما تكون تلك الاتهامات التي يرمي بها بعضهم بعضاً غير صحيحة، بل باطلة، ومع هذا تجد من يشهر تلك التصنيفات في وجه إخوانه، وقد تجد الإخوان في البيت الواحد، وجميعهم على خير، ولهم مشاركة في طلب العلم، ولكن الترهات الباطلة قد عملت فيهم عملها، ففرقت وحدتهم، وأذهبت ريحهم وتآلفهم، وقد أفاد الشيخ بكر أبو زيد في كتابه تصنيف الناس بين الظن واليقين في هذا الموضوع وأجاد، أسأل الله تعالى أن يغفر له ويرحمه.