إحداث الكنائس في (قطر) تحرير ومناقشة
14 جمادى الثانية 1429
أحمد عبد العزيز القايدي

أثارت فتوى الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – حفظه الله – تمكين النصارى من بناء كنيسة في مدينة الدوحة - إذا كان لهم حاجة حقيقية إليها بأن تكاثر عددهم وافتقروا إلى مكان للتعبد - ردود فعل مختلفة بين طلاب العلم في العالم الإسلامي بين غال وجاف ، بين من انتصر للفتوى وهو لم يقف عليها أو يعرف تفاصيلها وبين من نال من عرض الشيخ– حفظه الله – بالسباب والشتائم بلا احترام ولا إنزال للشيخ منزلته العلمية والدعوية والجهادية في الأمة ودين الله وسط بين الغلو والجفاء
اعتمد الشيخ – حفظه الله – في فتواه على ثلاثة أدلة (حق ولي الأمر) (فقه السياسة الشرعية القائم على مقاصد الشريعة ومصالح الخلق) (الموازنة بين المصالح والمفاسد)
وفي هذا البحث المختصر سنحرر رأي فقهاء المذاهب في مسألة تمكين النصارى من إحداث الكنائس ومن ثم سنناقش أدلة الشيخ– حفظه الله –

تحرير محل النزاع في مسألة إحداث الكنائس
اتفق العلماء على أن المصر الذي مصره المسلمون كالبصرة والكوفة وبغداد والقاهرة أو بلد أسلم كل أهله -كاليمن (1)- أن النصارى لا يمكنون من إحداث الكنائس فيه مطلقا، واتفقوا أيضا على البلد الذي فتح عنوة بالسيف كالعراق والشام _ومصر على الراجح (2)- أنهم لا يمكنون من الإحداث فيه ، واختلفوا في البلد الذي صالحنهم عليه . وعليه فان البلدان على ثلاثة أقسام قسمان متفق عليهما (الممصر والعنوي) وقسم مختلف فيه وهو (الصلحي)

القسم الأول:(الممصر) أجمع العلماء على أن النصارى لا يمكنون من إحداث الكنائس في أمصار المسلمين . حكى الإجماع ابن الهمام (3) والدردير (4) وبن هبيرة (5) وبن تيمية (6) وما أحدث من الكنائس فيها يهدم باتفاق حكاه بن تيمية (7).

القسم الثاني:(العنوي) لا يمكنون من الإحداث فيه بإجماع حكاه بن الهمام (8) ونص عليه مالك والشافعي واحمد(9)
وزاد بعض المالكية أنهم إذا شرطوا الإحداث في العنوي فلهم ذلك (10) وهو شرط فاسد عند الجمهور(11) وهي الرواية الثانية عند المالكية فلا يفي لهم بالشرط وصوبها صاحب الشرح الكبير والجواهر وعبد الملك والبساطي ونسبها الخرشي لمحققي المذهب وجعلها المعتمدة فيه وأوجب الإفتاء بها واعتمدها الدردير(12)

القسم الثالث:(الصلحي) أن يُصَالَحوا على أرضهم وهو على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أن يُصَالَحوا على أن الأرض لهم والخراج لنا كحال دار الحرب في الهدنة . وقع فيه الخلاف على قولين:
القول الأول: يمنعون من الإحداث فيها وهو قول عند الشافية (13) وقول عند الحنابلة (14) وبه قال بن الماجشون من المالكية إن خالطهم فيها مسلمون (15)
القول الثاني: يمكنون من الإحداث عند الحنفية (16) وهو مشهور المالكية وبه قال بن القاسم (17) وقول عند الشافعية اختاره النووي (18) وقول عند الحنابلة اختاره بن قدامة (19)
النوع الثاني:أن يُصَالَحوا على أن الأرض لنا ويسكنوها ، وقع الخلاف على قولين:
القول الأول:وهو قول الجمهور(20) أن الأمر على ما وقع عليه الصلح فإن اشترطوا الإحداث فلهم ذلك والأولى أن يصالحهم على ما وقع عليه صلح عمر رضي الله عنه (المنع)
القول الثاني: لا يصح الشرط إن صالحهم على الإحداث في هذا النوع ويكون شرطهم فاسد عند بعض الحنفية (21) واشترط الرملي (22) والزركشي (23) الشافعيين للإحداث في هذه الحالة الضرورة وإلا فلا
النوع الثالث: أن يقع الصلح مطلقا فلا يمكنون من الإحداث(24)

الخلاصة
و بعد عرض أقوال العلماء نسأل هنا : أي الصور الثلاثة تنطبق على الدوحة هل هي مصر مصره المسلمون أو فتحت عنوة بالسيف أو فتحت صلحا؟
فإن كانت مصر مصره المسلمون.... فالإجماع منعقد على عدم تمكينهم من الإحداث
وإن فتحت عنوة.... فالإجماع منعقد أيضا على عدم تمكينهم، وان أخذنا بزيادة بعض المالكية – تمكينهم من الإحداث إن شرطوه – يقال أين هؤلاء النصارى القطريين الذين اشترطوا على المسلمين عندما فتحوا قطر بالسيف هذا الشرط حتى نعطيهم إياه؟؟!!!
وإن فتحت صــلحاً.... فأين هم هؤلاء النصارى القطريين الذين صالحناهم؟؟ وأين عقد الصلح ومتى عقد؟؟ ومن الأمير الذي صالحهم؟؟ ومن كان ممثل النصارى في الصلح ؟؟ وعلى ماذا صولحوا؟؟!!
المقصود انه على فرض جميع الصور في المسألة لن نجد أحدا من الفقهاء سبق الشيخ– حفظه الله – إلى هذه الفتوى بل سنجد أن الشيخ– حفظه الله – إما أنه خالف الإجماع في هذه المسألة وهذا وحده كافٍ في سقوط فتوى الشيخ– حفظه الله – وردها أو أنه اعتمد على صورة -الصلح- وفي هذه الحالة نحن بحاجة إلى دليل تاريخي لا يستطيعه أحد إما لعدمه أو لفقدانه وفقدان مدعيه إن كان له مدع حقيقي.

مناقشة أدلة الشيخ– حفظه الله –
سبق وان اتضح بأن الشيخ– الذي نتعبد الله بحبه – لم يُسبق بفتواه تلك ومناقشة ما استدل به هنا ليس إقرار بأن المسألة اجتهادية أو أنها محل نزاع وإنما هو استكمال لمناقشة فتوى الشيخ – حفظه الله – فعدم تمكينهم من الإحداث أمر مجمع عليه

الدليل الأول: (حق ولي الأمر)
ماذا لو تعارض حقه هذا مع أصل من أصول الشريعة أو مع نص شرعي أو مع أمر مجمع عليه ومسألتنا هذه لا تخرج عن احد هذه الأمور ؟
ماذا لو أمر ولي الأمر أن تحكم البلاد بالقانون اليوناني أو غيره في كل صغيرة وكبيرة؟؟
وماذا لو أمر أن يقام له ضريح بعد وفاته يدعى عنده ويذبح وينذر له ويحج إليه ويطاف به؟؟
ماذا لو منع إقامة القصاص والحدود بالكلية أو أجبر النساء على نزع الحجاب أو أباح الزنا والخمر؟؟
ماذا لو سمح للكفار بضرب العراق وأفغانستان من قواعد عسكرية ببلاده أو أذن ببناء سفارة لإسرائيل؟؟
ماذا لو أمر بطرد جميع المصريين من بلاده لان بعض الصحف المصرية نشرت كاريكاتير يسخر من حرمه المصون؟؟
ماذا لو جعل المناهج الدراسية الشرعية والتطبيقية في بلاده تكتب في مؤسسة البحث الأمريكية (راند)؟؟
هل يعد قرار ولي الأمر في هذه الأمور وغيرها شرعيا ويعمل به أم يجب نقضه ورده والإنكار عليه؟؟
قال بن الهمام السكندري الحنفي (وَيَبْعُدُ مِنْ إمَامٍ تَمْكِينُ الْكُفَّارِ مِنْ إحْدَاثِهَا جِهَارًا فِي جَوْفِ الْمُدُنِ الْإِسْلَامِيَّةِ) (25)

الدليل الثاني: (فقه السياسة الشرعية القائم على مقاصد الشريعة ومصالح الخلق)
هل مقاصد الشرع تتحقق في بناء الكنائس التي يقام فيها الكفر وتكذيب الله ورسوله، وإتاحة الفرصة للنصارى أن يسعوا في تنصير أبناء المسلمين، وأن تضرب الأجراس وترفع الصلبان في بلاد المسلمين كيف يكون هذا مقصد شرعي؟ !!!!!!
ليست مصالح الخلق في أن يقروا على الكفر ويعانوا على المداومة عليه ويتركوا للقساوسة المحرفين بل مصالحهم تتحقق في دعوتهم إلى الإسلام وإقامة المراكز التي تدعوهم إليه وتأليف قلوبهم بالمال وتفنيد معتقداتهم.
وحقيقة الأمر أنها مجرد مقاصد ومصالح لرجل يريد من وراء تمكين النصارى من البناء إرسال إشارة للغرب على انفتاحه وتقبله (للأديان) واعترافه بها وتعايشه معها وهذا كله سيحسب لدولته الصغيرة فيعطى هامشا أكبر يتحرك فيه بين الدول العربية والإسلامية التي بدا واضحا في السنوات الأخيرة مدى تحصيله كثير من الأدوار والمكانة بينها وهو حق له لكن ليس على حساب عقائد المسلمين وبلدانهم.

الدليل الثالث: (الموازنة بين المصالح والمفاسد)
مصلحة ولي الأمر الشخصية أم مصلحة احتواء النصارى أم مصلحة التعايش والتقريب ؟
أي هذه المصالح يقدم على مفسدة إظهار شعائر الكفر وتقوية شوكة النصارى وإعطائهم موطيء قدم في الحديقة الخلفية لجزيرة العرب وقلب الإسلام (نجد والحجاز) ؟ لا يخفى ضرر هذا الفعل ؛ فهذا الموطئ يتحول مع مرور الزمن إلى تغيير ديموغرافي، وهنا مفسدة أخرى يذكرها السادة الحنفية؛ بأن بناءها يؤدي للاستخفاف والاستهانة بالمسلمين .
إن الهولنديين والبرتغال والفرنسيين والانجليز كانت حملاتهم إلى العالم الإسلامي وغيره قائمة على سببين رئيسيين (حماية رعايا الكنيسة) و(التجارة)؛ فمن أقام هذه الكنائس الخمس في قطر وغيرها من دول الخليج علق مسمار جحا لهؤلاء على الجدار الخلفي لجزيرة العرب . إن إقامة هذه الكنائس أعظم من بناء القواعد العسكرية فالعسكر اليوم أو غدا سيذهبون لأهاليهم لكن الكنائس تبقى الناس وتأتي بأهلها ولا ترحل – فهي تعادل الجنسية القطرية - بل ستكون الراية التي يجتمعون حولها فكثير من النصارى العرب يُفضل الحصول على فرصة عمل في قطر على غيرها من دول الخليج لذا فإن أبناء ودعاة وعلماء الجزيرة والخليج مدعون للسعي في دفع هذا الشر بالنصح والتوجيه والاحتساب فالأمر لا يعني القطريين وحدهم، ثم إن لم تكن استجابة الآن؛ فللأيام القادمة حتى تعرف الأمة والأجيال القادمة بأنه لاحق لهم في هذه البلاد فيُخرجوا منها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

________________________
(1) حاشيتا قليوبي وعميرة 15 -490 نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 27_ 55حاشيةالجمل22-13 الإقناع 2-226
(2) حاشيتا قليوبي وعميرة 15 -490 مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج 17- 459 نهاية المحتاج 27_ 55 أحكام أهل الذمة لابن القيم 2-680
(3)العناية شرح الهداية 16-202رد المحتار 16-194 فتح القدير 13-194 البحر الرائق شرح كنز الدقائق13-449
(4)الشرح الكبير للدردير2-203
(5) الافصاح2-300
(6)الفروع11-471 الإنصاف 7-193
(7)أحكام أهل الذمة 2-686
(8)رد المحتار16-194 فتح القدير13-194 البحر الرائق13-449
(9) المدونة 10-361 مختصر المزني 1-277أحكام أهل الذمة2-699
(10)حاشية الدسوقي 7-280
(11)الفتاوى الهندية 17-25 حاشية الجمل 22- 14شرح منتهى الإرادات للبهوتي 4-310
(12) مواهب الجليل شرح مختصر خليل 10- 14حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 7- 281 شرح الخرشي على مختصرخليل10-147 الشرح الكبير للدردير 2-204 الذخيرة للقرافي3-458
(13) مغني المحتاج 17- 461
(14) الفروع11-426 الإنصاف 7- 128
(15) التاج والاكليل5-259 مواهب الجليل10-14 حاشية الدسوقي 7-282الذخيرة3-458
(16) حاشيةردالمحتار4-385 بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع15 -340 فتح القدير13-196
(17) المدونة10-361 التاج والاكليل5-259 مواهب الجليل10-14 حاشية الدسوقي 7-282
(18)روضة الطالبين 4- 46 أسنى المطالب21-206
(19) الشرح الكبير10-619 شرح منتهى الارادات4-240 المغني21-258
(20) حاشية رد المحتار 4 -385 البحر الرائق 13 -449 روضة الطالبين 4- 46 مغني المحتاج 17- 458 الشرح الكبير 10-619 شرح منتهى الإرادات 4-240 كشاف القناع 8-346 المغني 21-257
(21) البحر الرائق 13-452
(22)حشيتا قليوبي وعميرة 15 -490
(23)مغني المحتاج 17- 460
(24) فتح القدير13-196 روضة الطالبين 4- 46 أسنى المطالب 21-206 الإقناع 2-226
(25) فتح القدير13-196