27 شعبان 1431

السؤال

الصحابة لم يختلفوا في العقيدة والأصول؟ هذه قاعدة متفق عليها عند أكثر العلماء، فكيف يجمع بين ما قاله ابن عباس –رضي الله عنهما- من أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأى وجه ربه ليلة الإسراء والمعراج، وقول عائشة -رضي الله عنها- من زعم أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية.؟

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالصحابة لم يختلفوا في مسائل الاعتقاد، ولم يختلفوا في صفات الله، بل هم يؤمنون بها، ويصفون الله بها؛ فيؤمنون بأنه تعالى حي قيوم سميع بصير، وأنه على كل شيء قدير، وأنه مستوٍ على العرش، عالٍ على خلقه، وأنه سبحانه وتعالى مع عباده كما أخبر بذلك عن نفسه، وأخبر رسوله –صلى الله عليه وسلم- وهذا هو موجب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، فيجب الإيمان بكل ما أخبر الله به عن نفسه، وأخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يجب الإيمان بما أخبر به من المبدأ والمعاد والجنة والنار، والماضي والمستقبل، هذا ما مضى عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وتبعهم على ذلك أهل السنة والجماعة.
وكذلك لم يختلفوا في القدر وأفعال العباد وفي حكم أهل الكبائر، وهذا الاتفاق لا يمنع أن يختلفوا في بعض الجزئيات، كمسألة رؤية النبي –صلى الله عليه وسلم- لربه ليلة المعراج، كما اختلفوا في تفسير بعض الآيات، هل هي من آيات الصفات؟ كقوله تعالى: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" [البقرة: 115]، فالأكثرون قالوا المراد بالوجه الجهة، وهي القبلة، فوجه الله قبلة الله كما قال مجاهد، وقال بعض أهل السنة: (وجه الله) هو وجهه الذي هو صفته سبحانه وتعالى، وليس ذلك اختلافاً في إثبات الوجه لله -سبحانه وتعالى- فإنه ثابت بالنصوص التي لا تحتمل، كقوله تعالى: "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" [الرحمن: 27]. وعائشة –رضي الله عنها- لم ترو عن النبي -صلى الله عليه وسلم-من قوله (لم ير ربه) بل هذا ما فهمته –رضي الله عنها. صحيح مسلم (177).
وقد سأل أبو ذر النبي –صلى الله عليه وسلم- هل رأيت ربك؟ "قال: رأيت نوراً". صحيح مسلم (178).
وقد جاء عن ابن عباس –رضي الله عنهما- من قوله إن النبي –صلى الله عليه وسلم- رأى ربه، وفي رواية: (رأى ربه بقلبه) انظر صحيح مسلم (176). وليس فيه أنه رأى وجه ربه، ولا أنه رآه بعينه.
ومثل هذا الاختلاف لا يقدح في القول بأن الصحابة لم يختلفوا في مسائل الاعتقاد، ولا يصلح مستنداً في الخلاف في باب الصفات، فإن بعض الذين انحرفوا عن سبيل أهل السنة والجماعة، ووافقوا الجهمية والمعتزلة في أكثر مسائل الأسماء والصفات يذكرون خلاف الصحابة في رؤية النبي –صلى الله عليه وسلم- ربه؛ ليتخذوا منه مسوغاً لخلافهم وهو لا يُسوِّغُ إلا الخلاف في هذه المسألة، والواجب اتباع سبيل المؤمنين، فما أجمع عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وجب اتباعهم فيه، وما اختلفوا فيه يجب رده إلى الله والرسول، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً" [النساء: 59]. والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.