25 شعبان 1435

السؤال

رجل يدعو لأحد أقربائه، ويتوخى أسباب الإجابة ، ثم بعد ذلك يسأل من دعا له عن أحواله حتى يرى هل استجيب دعوته أم لا ؟ فإذا علم أنه لم يحصل للمدعو له أي شيء من دعائه له أخذ يستغرب كيف لا يستجاب لي، مع أني عملت بأسباب إجابة الدعاء ؟ فما رأي فضيلتكم في ذلك ، وكيف نرد عليه . جزاكم الله خيراً .

أجاب عنها:
د. خالد الماجد

الجواب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذا الداعي قد أساء الأدب مع ربه ـ جل وعلا ـ ، ثلاث مرات :
الأولى : حين بحث في أحوال من دعا له ، لينظر هل استجيبت دعوته له أم لا ، فكأنه يمتحن ربه.
الثانية : حين ادعى لنفسه تكميل أسباب إجابة الدعاء، ونسي موانعها التي قد يكون تلبّس بواحد منها، وهذا من العجب ، فهو بذلك قد أحسن الظن بنفسه، وأساء الظن بربه عكس ما يجب عليه.
الثالثة : حين استعجل الإجابة ، وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لايزال يستجاب للعبد مالم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحم ، مالم يستعجل " قيل : يارسول الله ما الاستعجال ؟ قال : " يقول : قد دعوت ، وقد دعوت فلم أر يستجب لي ، فيستحسر عند ذلك ويَدَعُ الدعاء " . أخرجه بهذا اللفظ مسلم ( 2735 ) .
ثم إنّ مما ينبه عليه أن ثمرة الدعاء مضمونة ـ بإذن الله ـ فإذا أتى الداعي بشرائط الإجابة فإنه سيحصل على الخير ، وسينال نصيباً وافراً من ثمرات الدعاء ولابد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : " ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ماسأل ، أو كفّ عنه من السوء مثله ، مالم يدع بإثم أوقطيعة رحم " رواه أحمد (14879) ، والترمذي (3381) ، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع ( 5678).
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : " ما من مسلم يدعو ليس بإثم ولاقطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدّخرها له في الآخرة ، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها ، قال : إذن نكثر ، قال : " الله أكثر " . أخرجه البخاري في الأدب المفرد ( 710) وقال الألباني : صحيح .
كما ننبهك أيضاً إلى أن لله ـ عزوجل ـ حكماً بالغة في تأخير الإجابة ، وهو سبحانه لا يعجل عجلة المخلوق . فمن الحكم في تأخر الإجابة :
1ـ أن تأخر الإجابة من البلاء الذي يحتاج إلى صبر ، فتأخر الإجابة من الابتلاء ، كما أن سرعة الإجابة من الابتلاء قال تعالى : " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" (الأنبياء :35) .
2ـ أن الله ـ عز وجل ـ له الحكمة البالغة، فلا يعطي إلا لحكمة، ولا يمنع إلا لحكمة، وقد ترى في الشيء مصلحة ظاهرة ، ولكن الحكمة لاتقتضيه ، فقد تخفى الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر، ولكنه يقصد بها المصلحة الآجلة ، فلعل هذا من ذاك .
3ـ قد يكون في تحقق المطلوب زيادة في الشر ، فربما تحقق للداعي مطلوبه ، وأجيب له سؤله ، فكان ذلك سبباً في زيادة إثم ، أو تأخير عن مرتبة ، أو كان ذلك حاملاً على الأشر والبطر ، فكان التأخير أو المنع أصلح .
4ـ أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، وهذا سرّ بديع يحسن بالعبد أن يتفطّن له حال دعائه لربه، ذلك أن الله ـ عزّ وجلّ ـ أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، فهو أعلم بمصالح عباده منهم، وأرحم بهم من أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم .
5- تأخر الإجابة سبب لتفقّد العبد لنفسه ، فقد يكون امتناع الإجابة، أو تأخرها لآفة في الداعي ، فربما كان في مطعومه شبهة ، أو في قلبه وقت الدعاء غفلة ، أو كان متلبساً بذنوب مانعة .
وانظر لزاماً كتاب ( الدعاء) للشيخ / محمد بن إبراهيم الحمد ، ففيه بسط لما ذكرناه ، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.