السؤال
ما قولكم في المناظرات الخيالية التي تُصاغ لتقريب المعلومات في مختلف الفنون، كأن يتخيل الكاتبُ عالِمَين حضرا في مجلس، وتناقشا في بعض المسائل العلمية، وكل واحدٍ بيّن وجهة نظره الثابتة عنه، ولكن هذا لم يحصل في الحقيقة والواقع؟
الجواب
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فرض مناظرة بين عالمين مختلفين في مسألة فقهية أو غير فقهية؛ كحنفي وشافعي، أو فرض مناظرة بين صاحبي مذهبين مختلفين من طائفتين في مسألة عقدية؛ كجبريٍّ وقدريٍّ = يراد من ذلك عرضُ حجج الطرفين، وظهور حجة المحق على المبطل، والمصيب على المخطئ، مع قيام الدليل من السياق، أو دلالة العقل أنها مناظرة فَرْضية، وقد يسميها بعضهم خيالية، فهذا الأسلوب ـ في عرض بعض القضايا، وعرض أدلتها من الجانبين ـ يفعله بعض العلماء لتقريب المسائل للباحثين وطلاب العلم.
فمن ذلك ما فعله ابن القيم في كتابه (شفاء العليل)، فقد عقد فيه عدة مناظرات في مسائل عقدية؛ كقوله: «ذكر مناظرة بين جبريٍّ وسُنِّي»، وقوله: «مناظرة بين قدريٍّ وسُنِّي»، وكذلك ما فعله ابن القيم أيضا في (إعلام الموقعين) من عقد مناظرات في مسائل فقهية وأصولية، ومن ذلك قوله: «فصلٌ في عقد مجلس مناظرة بين مقلد وبين صاحب حجة».
بل إن أسلوب ابن القيم رحمه الله في عرضه لمسائل الخلاف في كتبه كثيرًا ما يسلك فيه هذا المسلك، وكأن أصحاب المذهبين في المسألة جيشان يتزاحفان، أو قِرنان يتصاولان، كما ترى ذلك في إعلام الموقعين في مسألة القياس، ومن ذلك أنه لما ذكر حجج المنكرين لشفعة الجوار والمثبتين لها، قال: «فهذا منتهى إقدام الطائفتين في هذه المسألة»، ثم ذكر الصواب عنده.
والمتأمل لكتاب الرسالة للشافعي يرى أنه يفرض من يناظره في المسائل التي يريد الاحتجاج لها، فتراه كثيرا ما يقول: «فإن قال قائل»، ويقول: «قلتُ»، وللشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله من هذا شيء كثير، كما ألف رسالة بعنوان المناظرات الفقهية.
ومن ذلك أيضا فرضُ المناظرات الأدبية بين الجمادات وغيرها مما لا يعقل؛ كالمناظرة بين السيف والقلم، والليل والنهار، والشتاء والصيف. وهذا النوع ـ أعني المناظرات الأدبية ـ أحقُّ باسم: المناظرات الخيالية.
فهذه المناظرات مشهورة بين العلماء والأدباء، ولم ينكرها أحد فيما أعلم. ولكن الشأن في: أهمية الموضوع، وأسلوب العرض، والصدق، ودرجة الفائدة. والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم