24 جمادى الأول 1437

السؤال

فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك سلمه الله:
أنكر بعض طلاب العلم عبارة (حديث القرآن عن كذا) في تسمية بعض البحوث العلمية، كمثل: حديث القرآن عن القرآن، وحديث القرآن عن الصحابة، زعما أن هذا من إسناد الفعل إلى القرآن، وقال: "إن العلماء بحثوا مسألة إسناد الأفعال إلى القرآن، -قال القرآن-، ومنعوا منها، ذلك لأنها توحي برأي المعتزلة في القرآن، وأنه مخلوق" ا.هـ، فما يقول الشيخ عبد الرحمن البراك في ذلك؟

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فإن إسناد الأفعال إلى القرآن كثير في القرآن، كقوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)، وقوله: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)، وقوله سبحانه: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ)، وقوله: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) أي: وما يتلى عليكم في الكتاب يفتيكم فيهن، ونظير هذا إضافة الكلام إلى السلطان المنزَّل في قوله: (أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ)، وكقوله تعالى عن كتاب الأعمال: (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، وقوله تعالى: (وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)، وقوله: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا).
ومثل إسناد الفعل إسنادُ اسم الفاعل في قوله سبحانه: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)، وقوله: (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ)، وقوله: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ).
وقد ورد في كلام العلماء: أَمَر القرآن ونَطق القرآن والكتاب وما أشبه ذلك، كقول الإمام البخاري رحمه الله في كتابه خلق أفعال العباد (2/112): "تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن كلام الله، وأن أمره قبل خلقه، وبه نطق الكتاب"، وقول عبد الله بن المبارك: "إذا نطق الكتاب بشيء وإذا جاءت الآثار بشيء جسرنا عليه" الخبر، رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/478)، وقول ابن بطة العكبري في الإبانة الكبرى (3/242): "فبهذا العلم من النجوم نطق الكتاب ومضت السنة"، وقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (13/210): "فإن الخوارج خالفوا السنة التي أمر القرآن باتباعها، وكفَّروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم"، وقول ابن القيم في الصواعق المرسلة (1/256): "وقد نطق القرآن والسنة بذكر اليد مضافة إليه سبحانه مفردة ومثناة ومجموعة". وكلامهم في مثل هذا كثير، والبحث عنه متيسر.
هذا؛ ويشهد لما تقدم ما ورد في القرآن من إسناد الأمر والنهي إلى أمور معنوية، كقوله تعالى: (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ)، وقوله عن قوم شعيب: (أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)، وقوله سبحانه: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ).
فعلم مما تقدم كله جوازُ إسناد الأفعال إلى القرآن، وعليه فيصح أن تقول: أحلَّ القرآن كذا، وحرَّم كذا، وأمر ونهى، وأخبر بكذا، ومثله: تحدَّث عن كذا، ومثله: حديث القرآن عن كذا، ومعنى هذا كله أن القرآن تضمَّن هذه المعاني من الأمر والنهي، والإحلال والتحريم، والإخبار.
هذا؛ وما ذُكر في السؤال من دعوى أن العلماء منعوا من ذلك فهي دعوى باطلة لا مستند لها، وهي مردودة بما تقدم من الأدلة، ولم يذكر المدعي شاهدا عليه من قول أحد من أهل العلم، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. أملاه: عبد الرحمن بن ناصر البراك، الأستاذ (سابقا) بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لثمان بقين من جمادى الأولى لعام 1437هـ.