27 صفر 1438

السؤال

ما الضابط في عد أسماء الله الحسنى؟ فهل يصح عد المتضايفين، وهل يكتفى بالمضاف عن المضاف إليه؟ فهل يسمى الله (بديع السماوات والأرض) أو البديع؟ وهل يسمَّى: خير الفاصلين، وأحكم الحاكمين؟ وهل تصح تسميته بالأعز؟

نرجو توضيح ذلك، فقد رأيت تفاوتا واختلافا بين أهل العلم في عد الأسماء الحسنى؟

جزاكم الله خيرا ورفع قدركم.

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله، والصلاة، والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فما ذكرتَه ـ أيها السائل ـ من الحاجة إلى ضابط يعرف به عدُّ الأسماء الحسنى، نظرا لاختلاف العلماء في ذلك، هو كما ذكرتَ، وسبق أن أمليتُ جوابا عن سؤال قريب من سؤالك، وأرجو أنه يفي بمطلوبك إن شاء الله، فإليك الجواب مع سؤال السائل، وستتبين من الجواب أنه تعالى يسمَّى بالأسماء المتضايفة؛ مثل أرحم الراحمين ورب العالمين، وأنه لا يسمَّى بالمضاف فقط، فتقول: من أسماء الله: بديع السماوات والأرض، ولا تقل: البديع، وفاطر السماوات والأرض، ولا تقل: فاطر أو الفاطر، وسيتبين لك أيضا أن من أسمائه تعالى الأكرم، كما جاء في سورة العلق، والأعز، كما جاء عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما في دعائهما في السعي، رواه عنهما ابن أبي شيبة وغيره، ومما يحسن التنبيه عليه أن من أسماء الله ما يُدعى الله به بصيغة التوسل، ومن شواهد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء؛ اقض عني الدين، وأغنني من الفقر)، ويشبهه قوله تعالى عن موسى: (أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)، وقوله: (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)، والله أعلم. وإليك الفتوى:

"السؤال: هل يوجد ضابط دقيق يتم من خلاله عد أسماء الله الحسنى؟ حيث لاحظت أن من العلماء من يثبت اسم الله "الرفيق" و"المحسن" و"الجواد" و"الرشيد"، ولا يثبت مثل "المتجاوز" و"الصانع" و"الصايغ" و"المنعم".

الإجابة: الحمد لله؛ قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} وقال صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما مئة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة" وفي حديث دعاء الهم: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته فيه كتابك، أو علمته أحدا أو من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء همي" فأفادت هذه الآيات والأحاديث أمورا:

1ـ أن أسماء الله كلها حسنى، أي أحسن الأسماء، وذلك لما تدل عليه من صفات الكمال، فإن كل اسم متضمن لصفة.

2ـ أن من أسمائه تعالى تسعة وتسعين اسما من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، ولم يصح في الرواية تعيين هذه الأسماء، والرواية الواردة في ذلك ضعيفة عند المحققين من أهل العلم.

3ـ أن أسماء الله لا تنحصر في تسعة وتسعين، بل له سبحانه أسماء كثيرة، منها ما أنزله في كتبه، ومنها ما علَّمه بعض عباده، ومنها ما استأثر بعلمه، وأخصُّ هذه الأسماء به تعالى: الله والرحمن، وقد جمع عدد من العلماء قديما وحديثا أسماء الله مستمدين لها من الآيات والأحاديث، وشرحوها، وذكروا قواعد تتعلق بعددها ومعانيها وأحكامها؛ فمنهم من يعتمد في إحصائها عددا على تتبع ما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من اعتمد رواية سرد الأسماء الحسنى، كما رواها الترمذي وضعَّفها، وفيها اختلاف، ومنهم من اقتصر على جمع تسعة وتسعين، ومنهم من زاد على ذلك.

والغالب على من جمع أسماء الله الاقتصار على الأسماء المفردة، مما أخبر الله به عن نفسه، أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ مثل: العزيز والحكيم والرفيق والجميل، دون الأسماء المضافة؛ كأرحم الراحمين وأسرع الحاسبين.

ولا ريب أن أكثر الأسماء المضافة أدلَّ على الله وأخصُّ به من أكثر الأسماء المفردة، وعمدةُ جميع العلماء في عدِّ الأسماء الحسنى ما ذُكر منها في الكتاب والسنة، ولا يكادون يتفقون على ضابط فيما يُعدُّ من أسماء الله الحسنى، وأحسن ما يقال في ضابط الأسماء الحسنى -والله أعلم- أن كل ما يدعى الله به وقد تمدح الله به فهو من أسماء الله الحسنى، ويشمل ذلك الأسماء المفردة كالغفور والرحيم والفتاح العليم، والأسماء المركبة كأحسن الخالقين وخير الرازقين، ومن ذلك ذو الجلال والإكرام، ونحوها، وهذا معنى ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال: "الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يُدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها والعلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك، وهي في نفسها صفات مدح، والأسماء الدالة عليها أسماء مدح" [ شرح العقيدة الأصفهانية ص: 5].

وبمراعاة هذا الضابط يتبين أن أسماء الله الحسنى لا تنحصر في تسعة وتسعين، فلا ينكر على من بلغ بها المئات إذا التزم هذا الضابط، وتتضح هذه الكثرة إذا اعتبرنا الأسماء المتقاربة في لفظها ومعناها، مثل الملك والمليك ومالك يوم الدين وملك يوم الدين وملك الناس، ومن هذا الكبير والأكبر والكريم والأكرم والعلي والمتعال والقدير والمقتدر والعليم وعالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب، وكذا إذا اعتبرنا اختلاف المضاف إليه اسمُ الرب كرب العالمين ورب الفلق ورب الناس ورب العرش العظيم ورب السماوات والأرض، واختلاف المضاف إليه أفعلُ التفضيل صفة لله تعالى كخير الناصرين وخير الغافرين وخير الراحمين، وكل هذه ونحوها ينطبق عليها الضابط المتقدم، والله أعلم" انتهت الفتوى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال ذلك عبد الرحمن بن ناصر البراك في يوم السبت لأربع بقين من صفر 1438ه.