23 ربيع الأول 1439

السؤال

كيف نجمع بين الحديثين التاليين:
الحديث الأول: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه حين سئل عن شأن ثقيف إذ بايعت؟ وأنه قال: ((اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: ((سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا)) رواه أبو داود (3025) وأحمد (14674)، وحديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ... اشترطوا عليه أن لا يُحشروا ولا يُعشروا ولا يُجَبُّوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكم أن لا تُحشروا ولا تعشروا، ولا خير في دين ليس فيه ركوع)) رواه أبو داوود (3026) وغيره.
الحديث الثاني: عن رجل من ثقيف قال: ((سألْنا رسول الله صلى الله وسلم ثلاثا، فلم يرخص لنا، فقلنا: إن أرضنا أرضٌ باردة، فسألناه أن يرخص لنا في الطهور، فلم يرخص لنا، وسألناه أن يرخص لنا في الدُّبَّاء، فلم يرخص لنا فيه ساعة، وسألناه أن يرد إلينا أبا بكرة، فأبى، وقال: هو طليق الله وطليق رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكرة خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف فأسلم)) رواه أحمد (17530). كيف نجمع بينهما؟ أثابكم الله.

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن المتأمل لهذين الحديثين يجد أن ظاهر حديث جابر وحديث عثمان يدلان على قبول النبي صلى الله عليه وسلم ما اشترطوه من ترك الجهاد والصدقة وعدم مطالبتهم بذلك بخلاف ما شرطوه من ترك الصلاة حيث قال لهم: ((وَلاَ خَيْرَ فِي دِينٍ لَيْسَ فِيهِ رُكُوع)) أي صلاة، والذي يظهر من هذين الحديثين -إن صحَّا- جواز قبول مثل هذا الشرط ممن يريد الدخول في الإسلام لما يؤمَّل من رجوعهم عن هذا الشرط بأنفسهم إذا دخل الإيمان قلوبهم، كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر رضي الله عنه: ((سَيَتَصَدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا))، ولا يلزم من قبول شرطهم إقرارهم على التمسك به بعد إسلامهم؛ فإن قبول الإسلام لا يتجزّأ بقبول بعض دون بعض، فقبول اشتراط عدم الالتزام ببعض شرائعه نوع من التيسير للدخول فيه، وإن كان لا يلزم الوفاء بهذا الشرط بل ولا يجوز، وهو يشبه عندي قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)) متفق عليه،[البخاري (2375)، ومسلم(2762).].
    وأما حديث الرجل من ثقيف فظاهر قوله: ((فلم يرخص لنا)) يعارض ما في حديث جابر وعثمان رضي الله عن الجميع من قبول ما اشترطوه، والذي يظهر لي: أن سؤالهم المسائل الثلاث التي سألها الرجل من ثقيف كان بعد إسلامهم، ومعلوم أنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن يجابَ إلى طلب الرخصة له في ترك شريعة من شرائع الإسلام، ويُعفَى من لزومها له من بين سائر المسلمين وبهذا يزول الإشكال.

والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

أملاه: عبد الرحمن بن ناصر البراك 23 ربيع الأول 1439ه.