28 جمادى الأول 1424

السؤال

المنقرر عند علمائنا اهل السنة في هذا الزمان اعني بهم ائئمة ادعوة النجدية ان عباد القبور كفار مشركين لا فرق في ذلك بين علمائهم وجهالهم لانهم ناقضوا اصل الاسلام وهدموه لما تلبسوا به من كفر صريح وشرك ناقض من نواقض الاسلام المجمع عليها<BR>فاهل التوحيد واتلاع الملة الحنفية مجمعون على كفرهم وانه لا يقول باسلامهم الا مصاب في دينه وعقله <BR>والسؤال ماحكم من توفق في كفرهم بدعوى الجهل وغير ذلك من اعذار اهل الإرجاء وحكم باسلامهم بل بدع وتهجم على من قطع بكفرهم ، ولا يخفى عليكم أن المتقرر عند اهل التوحيد ان من نواقض الاسلام المجمع عليها بينهم من يكفر الكافر أو يشك في كفره او يتردد ويصحح مذبه فهو كافر مثله <BR>نرجو التوضيح والله الهادي الى سواء السبيل ؟

أجاب عنها:
د. سفر الحوالي

الجواب

الحمدلله وحده وبعد: فهذا السؤال اشتمل على أحكام غير مسلّمة ولابد من التفصيل والاستدلال، وهذا إيجاز لما نرى أهميته بهذا الشأن : 1.لا إجماع عند أهل السنة ولا أئمة الدعوة على تكفير كل من تلبّس بما ذكره السائل بل كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب نفسه صريح في عدم تكفير المعيّن منهم، وكثير ممن كتب عن دعوة الشيخ ودافع عنه قرر هذا بأدلة واضحة من رسائل الشيخ ومؤلفاته وتعامله مع المخالفين وقول الأخ (( عباد القبور)) هو كلمة مجملة والواقع أنهم متفاوتون فمنهم من يقع في الشرك الصريح ومنهم من يقع في التوسل البدعي ومنهم من يكتفي بالزيارة الشرعية ولكنه يصلي في المسجد المبني على القبر. 2.من تلبّس بأمور شركية يستحق الوصف بأنه مشرك وهذا صحيح لغة وشرعاً ولكن استحقاق الوصف شيء وسقوط مانع العقوبة شيء آخر. فالحق أنه لايعاقب أحدٌ إلا بقيام الحجة الرسالية عليه وهذا مادلت عليه النصوص الصريحة من الكتاب والسنة كما في قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الاسراء: من الآية15) وقوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: من الآية165) وقوله: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) (الأنعام: من الآية130) وقوله: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) (الملك: من الآية8) وأمثالها. وقد قرر شيخ الإسلام مسألة التفريق بين استحقاق الوصف وقيام العذر بكلام نفيس أحيل الأخ السائل عليه وهو في الجواب الصحيح ( جـ 2 ص 291– 314) من الطبعة المحققة . ولب المسألة أنه مع أن الله تعالى لايعذب إلا بعد قيام الحجة بإرسال الرسل فإنه يبغض الشرك ويمقته ويسمى فاعله مشركاً ومن الأدلة على ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (( إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب)). وهذا وسط بين من يقول إنهم مسلمون معذورون بالجهل وبين من يقول إنهم مشركون غير معذورين بل مستحقين للعقوبة. وهو أصح من قول من يقول نكتفي بالقول إن هذا العمل شرك ولا نصف فاعله بأنه مشرك. 3.أن المجمع عليه بين أهل السنة وهو الموقف الصحيح في التعامل مع هؤلاء هو دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن لاستنقاذهم مما هم فيه من جهل وابتداع وشرك. 4.ليس التوقف في تكفير أعيان هؤلاء من أعذار أهل الإرجاء كما ذكر السائل، لأن أهل الإرجاء في هذه المسألة يشترطون الاستحلال، أو يقولون أن التلفظ بالشهادة كافٍ في منع إطلاق وصف الشرك عليهم وهذا باطل كما هو مقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة. 5. ليس هذا داخلاً في قاعدة من لم يكفّر الكافر – لأن المقصود بهذه القاعدة الكافر الصريح أما المختلف في تكفيره بين أهل العلم فكيف يقال إن من لم يكفره كافر، مادام المخالف في تكفيره يقرر أن الفعل المكفّر هو كفر ولكنه يرى إعذار الفاعل المعيّن ولايرى إطلاق وصف الكفر عليه. فهذا مثل من يقرر حرمة الزنا وعقوبته ولكنه لايرى أن فلاناً من المتهمين بالزنا زان يستحق الجلد أو الرجم . وأخيراً أنصح الأخوة جميعاً بالاهتمام بنشر الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك والبدعة بالحجة والبرهان، مع التورع عن إطلاق أحكام الكفر والبدعة على الأعيان إلا بيقين وتفصيل، وترك الجدل غير المثمر في هذه المسائل والله الموفق.