السؤال
أنا فتاة مسلمة من بلد عربي أحب الإسلام و أحب أن ألقى الله وهو راض عني.
مشكلتي تتمثل في أني تعرفت على شاب محترم ذو أخلاق عالية يصلي و يعمل في الجيش له مركز محترم غير أن في بلدي و للأسف يحرم عليهم الزواج بامرأة متدينة، إذ أنه يحرم من عمله هو يريد أن يرتبط بامرأة تصلي، ومحافظة و لكن الحجاب ممنوع صحيح أنا الآن لست متحجبة لأن في الجامعة يمنعوننا من ذلك، وأريد الحجاب و لا أنوي تأجيل الأمر إلى سن الأربعين كما يحتم عمل هذا الشخص الذي تعلقت به و تعلق بي كثيراً إذ تقع مراقبتهم له في العشر السنوات الأولى، أقول هل يمكن أن أكون محترمة في لبسي وأوافق عليه و نكون أسرة صالحة و أكتفي بلباس محترم، حقيقة ياشيخ نحن متأزمين جداً و لا ندري ماذا نفعل و ماهو؟ هل يستقيل كل من في مثل حال خطيبي من عمله ؟<BR>أرجو توجيهي من الناحية الشرعية ما يكون موقفي وهل ذلك يجيز لي شرعاأن أترك الحجاب؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد ..
فبداية أشكرك على حبك للدين الحق ، وحرصك على أن تَلْقَيْ الله وهو عنك راضٍ ، وهذه هي والله الأمنية الكبرى لكل مسلم ، نسأل الله عز وجل أن يحيينا وإياك مسلمين وأن يتوفانا مؤمنين .
وأمَّا مشكلتك .. فإنَّ الجواب عليها ، والجزم بالخيارات الشرعية الممكنة في حلها بالتفصيل ، يتطلب معرفة عدد من القضايا المتعلقة بالواقع في بلادك ، والإجابة على عدد من الأسئلة ؛ ولكن إليك هذا الجواب العام ، الذي أرجو أن يكون فيه ما يعينك – إن شاء الله تعالى - على حل المشكلة ؛ وأبدأ ذلك بالجواب على الأسئلة الثلاثة التي ختمتِ بها مشكلتك، اذكرها، وأختصر لك الإجابة عليها:
سألتِ حفظك الله : هل يمكن أن أكون محترمة في لبسي و أوافق عليه و نكون أسرة صالحة و أكتفي بلباس محترم ؟
والجواب : أنَّ اللباس المحترم ، ليس سوى اللباس الشرعي الساتر المحتشم ، الذي شرعه الله عز وجل لنساء المؤمنين في قوله سبحانه : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }(الأحزاب59) ، فأما اللباس الذي يخالف الشرع فليس بمحترم ، وإن رأته بعض المجتمعات محترما أو رسمياً .
وسألتِ قائلة : لا ندري ماذا نفعل ، و ما هو وضعنا في هذا البلد ، هل تحرم كل البنات من الدراسة و تبقى في البيت ؟
والجواب : أنَّ المسلم يتقي الله حيثما كان ، ويتقي الله قدر استطاعته :{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (التغابن16) ؛ وليعلم المسلم - ذكراً كان أو أنثى - أنه متى كان متمسكاً بالشرع مع شدة الحال والتضييق على أهل المحافظة والتدين ، فإنَّ أجره يكون أعظم , {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } (الحديد10) وذلك أنَّ المسلمين قبل الفتح كانوا يعانون من التضييق عليهم والحاجة .
ولأنك ذكرت في رسالتك تعلقك بهذا الرجل وتعلّقه بك ، فأذكرك بوجوب التوقف عن الأسباب التي أوصلتكما إليه ، ولا سيما أنكما على قدر من المحافظة الدينية ؛ كما أجزم لك أن الحياة الزوجية المستقرّة لا تقوم على مجرد التعلق العاطفي ، بل إنَّ نتائج عدد من الدراسات الميدانية تثبت فشل أكثر الزواج الذي يتم بسبب التعلق .
وأمَّا الدراسة الجامعية في الحال التي ذكرت ، ففيها بدائل وفيها خيارات شرعية ، مثل الدراسة المنزلية ، أو الانتقال إلى بلد آخر لا تضييق فيه على المحافظين ولا اختلاط فيه بين الجنسين في الدراسة ، أو بالانتساب في الجامعات التي تتيح هذا الخيار ، أو الالتحاق بنظام الجامعات المفتوحة في الداخل إن وجد أو الخارج إن لم يوجد .. وهكذا توجد حلول على المستويات الرسمية لمن استطاع وأوتي الحكمة ، وذلك في الإصلاح أو التخفيف من السوء ، حتى يزيل الله الغمة ويكشف الكربة .
وهناك كثير من الأخوات الصالحات والأسر الفاضلة وجدت حلولاً وطبقتها ونفع الله عز وجل بها .
وعلى فرض تحتم الأمر لأمر ما واضطرت إلى الدراسة ، فللمسلمة أن تسلك المسلك الشرعي باستشارة من تثق به من أهل العلم والدين في البلد ، ثم تلزم نفسها بالانضباط بالضوابط الشرعية قدر طاقتها ، وتسير في خطواتها بالرجوع إلى أهل العلم والدين عند الإشكالات ، فهناك آليات شرعية يستعملها الفقيه في تقدير الأمور الواقعية الميدانية ، والإرشاد إلى الحلول الشرعية الممكنة للحالات استثنائية ؛ فإن خشيت المسلمة على دينها وعفتها وجب عليها التوقف عن الذهاب للجامعة ، حتى لو لزمت بيتها دون دراسة نظامية ، إلى أن يجعل الله لها مخرجا {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }(الطلاق2) .
وسألتِ : هل يستقيل كل من في مثل حال خطيبي من عمله ؟
والجواب : إذا كان بقاؤه في عمله لا يضره في دينه ، فليس من الضروري استقالته ، ولا سيما إن نصحه أهل علم ثقات بالبقاء فيه ، كما لو كان في ذلك مصلحة للإسلام وأهل الإسلام ، ولا سيما إذا كان صاحب ولاية على غيره ، وكان مؤثراً في إصلاح من تحته ، ومنع الظلم عن المسلمين ، أو تخفيفه الظلم عنهم . وهذا موضوع كبير متشعب ، يعالجه فقهاء الإسلام في مسائل السياسة الشرعية .
وفي ظني أنَّ مشكلتك يمكن حلّها بقبول الرجل ، مع بقاءك فيما بعد في منزل الزوج و بعدك عن الأماكن التي يطلع عليها هؤلاء ؛ مع استمرارك في الدراسة بأحد الخيارات الشرعية التي لا يلزمك فيها الخروج للجامعة ؛ وذلك كله ، بعد التأكد من صلاح حاله ، وخلو حياته من السوابق غير المشروعة أو المرغوبة ، وصدقه في التوابة إن كان صاحب سوابق .
وبعد هذا أود التنبيه على بعض ما ورد في رسالتك في النقاط التالية :
أولاً : ذكرت أنك تعرفت على رجل ذي خلق ، مع محافظة على الصلاة . وظني بك أنَّك تعرّفت عليه بطرق شرعية ، كالتواصل عن طريق محرم له من النساء أو عن أي طريق تواصل شرعي لا خلوة فيه مثلا . فمثلك لا يخفى عليه حرمة التواصل غير الشرعي وفقنا الله وإياك لطاعته .
ثانياً : ذكرتِ أن هذا الرجل يعمل في الجيش في مركز محترم على حد وصفك ، وأنه محافظ على الصلاة ، ويرغب الظفرَ بامرأة متدينة يتزوجها . وهذا يعني أنه قادر على البقاء في الجيش دون أن يؤثر بقاؤه فيه على تدينه .
ومن خلال قراءتي لرسالتك أكثر من مرّة ، لا أخفيك أنني أنظر إلى هذه المعلومات بصفتها انطباعاً لديك ، قد لا تكون مصادره مؤكَّده . ومن هنا أنصحك أن لا تتعجلي في الأمر ، وأن لا تتخذي قرارك في الموضوع إلا بعد مزيد من التحري ، والاستعانة بولي أمرك في ذلك .
ثالثاً : ذكرت أنك غير محجبة أثناء وجودك في الجامعة ، بسبب المنع الحكومي من الحجاب ؛ وهذا على فرض اعتمادك على فتاوى ما ، في هذا التصرف ، فلا أظنك تتركين الحجاب بالمرَّة ، كما أظن أنك محجبة خارج الجامعة ، وهو ما أستطيع فهمه من رسالتك ، وحرصك فيها على الخير في هذا الجو الجامعي الآثم . وفقك الله لما فيه الخيرة لك في الدنيا والآخرة .
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .