19 رجب 1435

السؤال

أنا فتاة مسلمة من بلد عربي أحب الإسلام و أحب أن ألقى الله وهو راض عني.
مشكلتي تتمثل في أني تعرفت على شاب محترم ذو أخلاق عالية يصلي و يعمل في الجيش له مركز محترم غير أن في بلدي و للأسف يحرم عليهم الزواج بامرأة متدينة، إذ أنه يحرم من عمله هو يريد أن يرتبط بامرأة تصلي، ومحافظة و لكن الحجاب ممنوع صحيح أنا الآن لست متحجبة لأن في الجامعة يمنعوننا من ذلك، وأريد الحجاب و لا أنوي تأجيل الأمر إلى سن الأربعين كما يحتم عمل هذا الشخص الذي تعلقت به و تعلق بي كثيراً إذ تقع مراقبتهم له في العشر السنوات الأولى، أقول هل يمكن أن أكون محترمة في لبسي وأوافق عليه و نكون أسرة صالحة و أكتفي بلباس محترم، حقيقة ياشيخ نحن متأزمين جداً و لا ندري ماذا نفعل و ماهو؟ هل يستقيل كل من في مثل حال خطيبي من عمله ؟<BR>أرجو توجيهي من الناحية الشرعية ما يكون موقفي وهل ذلك يجيز لي شرعاأن أترك الحجاب؟

أجاب عنها:
د. سعد العتيبي

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد ..
فبداية أشكرك على حبك للدين الحق ، وحرصك على أن تَلْقَيْ الله وهو عنك راضٍ ، وهذه هي والله الأمنية الكبرى لكل مسلم ، نسأل الله عز وجل أن يحيينا وإياك مسلمين وأن يتوفانا مؤمنين .
وأمَّا مشكلتك .. فإنَّ الجواب عليها ، والجزم بالخيارات الشرعية الممكنة في حلها بالتفصيل ، يتطلب معرفة عدد من القضايا المتعلقة بالواقع في بلادك ، والإجابة على عدد من الأسئلة ؛ ولكن إليك هذا الجواب العام ، الذي أرجو أن يكون فيه ما يعينك – إن شاء الله تعالى - على حل المشكلة ؛ وأبدأ ذلك بالجواب على الأسئلة الثلاثة التي ختمتِ بها مشكلتك، اذكرها، وأختصر لك الإجابة عليها:
سألتِ حفظك الله : هل يمكن أن أكون محترمة في لبسي و أوافق عليه و نكون أسرة صالحة و أكتفي بلباس محترم ؟
والجواب : أنَّ اللباس المحترم ، ليس سوى اللباس الشرعي الساتر المحتشم ، الذي شرعه الله عز وجل لنساء المؤمنين في قوله سبحانه : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }(الأحزاب59) ، فأما اللباس الذي يخالف الشرع فليس بمحترم ، وإن رأته بعض المجتمعات محترما أو رسمياً .
وسألتِ قائلة : لا ندري ماذا نفعل ، و ما هو وضعنا في هذا البلد ، هل تحرم كل البنات من الدراسة و تبقى في البيت ؟
والجواب : أنَّ المسلم يتقي الله حيثما كان ، ويتقي الله قدر استطاعته :{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (التغابن16) ؛ وليعلم المسلم - ذكراً كان أو أنثى - أنه متى كان متمسكاً بالشرع مع شدة الحال والتضييق على أهل المحافظة والتدين ، فإنَّ أجره يكون أعظم , {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } (الحديد10) وذلك أنَّ المسلمين قبل الفتح كانوا يعانون من التضييق عليهم والحاجة .
ولأنك ذكرت في رسالتك تعلقك بهذا الرجل وتعلّقه بك ، فأذكرك بوجوب التوقف عن الأسباب التي أوصلتكما إليه ، ولا سيما أنكما على قدر من المحافظة الدينية ؛ كما أجزم لك أن الحياة الزوجية المستقرّة لا تقوم على مجرد التعلق العاطفي ، بل إنَّ نتائج عدد من الدراسات الميدانية تثبت فشل أكثر الزواج الذي يتم بسبب التعلق .
وأمَّا الدراسة الجامعية في الحال التي ذكرت ، ففيها بدائل وفيها خيارات شرعية ، مثل الدراسة المنزلية ، أو الانتقال إلى بلد آخر لا تضييق فيه على المحافظين ولا اختلاط فيه بين الجنسين في الدراسة ، أو بالانتساب في الجامعات التي تتيح هذا الخيار ، أو الالتحاق بنظام الجامعات المفتوحة في الداخل إن وجد أو الخارج إن لم يوجد .. وهكذا توجد حلول على المستويات الرسمية لمن استطاع وأوتي الحكمة ، وذلك في الإصلاح أو التخفيف من السوء ، حتى يزيل الله الغمة ويكشف الكربة .
وهناك كثير من الأخوات الصالحات والأسر الفاضلة وجدت حلولاً وطبقتها ونفع الله عز وجل بها .
وعلى فرض تحتم الأمر لأمر ما واضطرت إلى الدراسة ، فللمسلمة أن تسلك المسلك الشرعي باستشارة من تثق به من أهل العلم والدين في البلد ، ثم تلزم نفسها بالانضباط بالضوابط الشرعية قدر طاقتها ، وتسير في خطواتها بالرجوع إلى أهل العلم والدين عند الإشكالات ، فهناك آليات شرعية يستعملها الفقيه في تقدير الأمور الواقعية الميدانية ، والإرشاد إلى الحلول الشرعية الممكنة للحالات استثنائية ؛ فإن خشيت المسلمة على دينها وعفتها وجب عليها التوقف عن الذهاب للجامعة ، حتى لو لزمت بيتها دون دراسة نظامية ، إلى أن يجعل الله لها مخرجا {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }(الطلاق2) .
وسألتِ : هل يستقيل كل من في مثل حال خطيبي من عمله ؟
والجواب : إذا كان بقاؤه في عمله لا يضره في دينه ، فليس من الضروري استقالته ، ولا سيما إن نصحه أهل علم ثقات بالبقاء فيه ، كما لو كان في ذلك مصلحة للإسلام وأهل الإسلام ، ولا سيما إذا كان صاحب ولاية على غيره ، وكان مؤثراً في إصلاح من تحته ، ومنع الظلم عن المسلمين ، أو تخفيفه الظلم عنهم . وهذا موضوع كبير متشعب ، يعالجه فقهاء الإسلام في مسائل السياسة الشرعية .
وفي ظني أنَّ مشكلتك يمكن حلّها بقبول الرجل ، مع بقاءك فيما بعد في منزل الزوج و بعدك عن الأماكن التي يطلع عليها هؤلاء ؛ مع استمرارك في الدراسة بأحد الخيارات الشرعية التي لا يلزمك فيها الخروج للجامعة ؛ وذلك كله ، بعد التأكد من صلاح حاله ، وخلو حياته من السوابق غير المشروعة أو المرغوبة ، وصدقه في التوابة إن كان صاحب سوابق .
وبعد هذا أود التنبيه على بعض ما ورد في رسالتك في النقاط التالية :
أولاً : ذكرت أنك تعرفت على رجل ذي خلق ، مع محافظة على الصلاة . وظني بك أنَّك تعرّفت عليه بطرق شرعية ، كالتواصل عن طريق محرم له من النساء أو عن أي طريق تواصل شرعي لا خلوة فيه مثلا . فمثلك لا يخفى عليه حرمة التواصل غير الشرعي وفقنا الله وإياك لطاعته .
ثانياً : ذكرتِ أن هذا الرجل يعمل في الجيش في مركز محترم على حد وصفك ، وأنه محافظ على الصلاة ، ويرغب الظفرَ بامرأة متدينة يتزوجها . وهذا يعني أنه قادر على البقاء في الجيش دون أن يؤثر بقاؤه فيه على تدينه .
ومن خلال قراءتي لرسالتك أكثر من مرّة ، لا أخفيك أنني أنظر إلى هذه المعلومات بصفتها انطباعاً لديك ، قد لا تكون مصادره مؤكَّده . ومن هنا أنصحك أن لا تتعجلي في الأمر ، وأن لا تتخذي قرارك في الموضوع إلا بعد مزيد من التحري ، والاستعانة بولي أمرك في ذلك .
ثالثاً : ذكرت أنك غير محجبة أثناء وجودك في الجامعة ، بسبب المنع الحكومي من الحجاب ؛ وهذا على فرض اعتمادك على فتاوى ما ، في هذا التصرف ، فلا أظنك تتركين الحجاب بالمرَّة ، كما أظن أنك محجبة خارج الجامعة ، وهو ما أستطيع فهمه من رسالتك ، وحرصك فيها على الخير في هذا الجو الجامعي الآثم . وفقك الله لما فيه الخيرة لك في الدنيا والآخرة .
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .