أمنية قاصرة !
15 شوال 1429
إن مجرد أمنية المرء أن يتغير حاله من السوء إلى الخير لا تكفي ليحدث له ذاك التغيير الذي يتمناه , ذاك أن التغيير الفعلي إنما هو نتاج تفاعل في عمق النفس البشرية الثائرة , تفاعل إيجابي يدفع الجوارح والظواهر كلها لتتبدل نحو الإصلاح الذاتي .
لكأنه إصلاح باطن يفرض نفسه حتما إذا أراد المرء صلاح دنياه ونيل الخير الذي يرتجيه والنجاح الذي يحلم به والفلاح الذي يأمله .
والأمر ذاته في ظروف المعاناة وأحوال الألم , فالحزن قرين أيام الدنيا , إلا أن لذة الإيمان في عمق النفس والرضا بقضاء الله يحولان الأحزان إلى نوع آخر من الألم , قد يستشعر المرء أثره دون أن يصيبه منه الأذى , فهو قاهر لمظاهر الألم , ومقيد لصرخات الآه .
والناظر لضيق ذات اليد على أنها فقر ومعاناة , قد تتغير نظرته بعد أن يُعلم نفسه معنى القناعة , وعندئذ يبدأ في الغنى الحقيقي الفعلي الذي يجعله يستغنى عن الناس كل الناس , يقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس " أخرجه مسلم .
والتارك عينه تحوم حول ما متع الله به الآخرين حسدا وحقدا , سيظل يتألم مهما نظر وحسد , ولن يتغير حاله إلا عندما يقتل ذاك الشر العميق في نفسه والسوء المتغلغل في باطن ذاته , فيعلمها الرضا بقدر الله ورزقه , ويرضيها بما قسمه له ولئن هذبها من داخلها , فهو عندئذ مؤذن بخير ينتظر , وبركة تعم قد تغنيه عن كثرة الأموال وكثرة العرض .
الأمر ذاته في شأن المجتمعات , لابد أن ينطلق الإصلاح من داخل نفوس أبنائه , ورغبتهم الفعالة في تعديله وتصحيح مساره , متخلين عن الأنانية البائسة , وعن المصلحة المذلة , ساعين خلف معاني الأهداف النبيلة التي جعلها الله ليحيا بها البشر معا , وتصلح بها خلافة الإنسان للأرض .
لقد شاء الله سبحانه أن يجعل ذاك التغيير الباطن للصلاح شرطا أساسيا لكل خير منتظر , قال سبحانه " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "