لقد عرفت الكاتبة لمى خاطر منذ سنين من مقالاتها عرفتها قلما حرا وعاطفة صادقة وجرأة لا تجدها عند الكثير من الرجال فليس سهلا أن تكون كاتبا تحت حراب الاحتلال تنتقد سياساته وتتحدث عن انتهاكاته للإنسان وللبشرية وللحقوق والحريات لطالما كتبت عن الشهداء ومجدت أفعالهم وهذا ليس عملا بسيطا في ظل الاحتلال الذي يعتقل على الرأي وعلى الكلمة الحرة الصادقة وهي قد دفعت ثمن وضريبة هذا الرأي باعتقالها قبل أيام بتلك الطريقة البشعة والمؤلمة.
وهي تودع طفلها الذي ربما لم يتجاوز السنتين وحولها فرقة كاملة من الجنود المددجين بأحدث الاسلحة لاعتقال امرأة وأم لخمسة أطفال فأي نوع من النساء وأي صحافية تلك وأي قلم ذاك الذي يرهب دولة نووية وجنود مجهزين للقتال مستنفرين لاعتقال القلم وحرية الكلمة وأي دولة تلك التي بعد سبعين عاما من احتلالها للأرض تخشى من كلمة صحافية حرة.
غريبة هي هذه الأمة والأغرب هو من يحمل هم قضيتها المركزية قضية فلسطين ففي الوقت الذي تتخاذل فيه جيوش وتتسابق أنظمة بل وشعوب للتطبيع مع هذا الاحتلال ودولته وأمام كل هذا الكم من الخذلان تتقدم امرأة وضع الله عنها الحرج ورفع عنها التكليف بالقتال ومواجهة الاحتلال فذكر سبحانه بعد الأمر بالقتال في القرآن واستثنى إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا.
لكنها النفوس الكبيرة العظيمة التي تعبت في مرادها الأجسام النفوس التي تعودت أن تعطي لا أن تأخذ ان تقول كلمة الحق ولا تخاف في سبيلها لومة لائم تعودت أن تتقدم حين يتراجع غيرها ولم يكن يضيرها أن تكون لوحدها حين تجهر بكلمة الحق في الوقت الذي يجبن ويتخاذل عن قول تلك الكلمة علماء وعمائم أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يبينوا للناس الحق ولا يكتمونه “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ“.
لقد سمعنا عن حديث الطائفة الظاهرة على الحق القاهرين لعدوهم والذين لا يضرهم من خذلهم كما أخبر بذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم كنا نقرا هذا الحديث في الماضي ونمر على كلمة الخذلان هكذا مرور الكرام لكن هذا الكم الكبير من الخذلان أجزم أنه ما كان واضحا متجليا للناظرين كما هو اليوم فلكم أن تتصوروا لو كان اعتقال صحافية على الكلمة تم في أي بلد اخر فيما وراء البحار في أوروبا أو أمريكا وكيف ستكون ردة فعل العالم المنافق بل وحتر عالمنا العربي والإسلامي.
ولكم أن تتصوروا التفاعل والتباكي على الصحافية الحرة والجريئة ذات العيون الزرقاء والشعر الأشقر وكم التفاعل العالمي مع قضيتها وأسرتها وأطفالها أما صورة لمى خاطر وهي تحتضن طفلها الصغير ذو النظرات الحائرة الذي لا يفقه شيئا مما يدور من حوله هذه الصورة لا تسترعي انتباه نقابات الصحافيين في العالم العربي والإسلامي هذا الطفل الذي حاول الاحتلال اعتقال امه وهو رضيع عمره بضعة اشهر فقط فرفضت ان تذهب معهم الا وطفلها معها ويبدو ان الاحتلال في ذلك الوقت رأى أن مضار ذلك الاعتقال للام وطفلها مساوئه أكثر من منافعه فهو سيسيئ وجهه أمام العالم وسيصوره بتلك الصورة الشوهاء وبذلك الاحتلال الذي يعتقل الطفل الرضيع مع أمه أو في أبسط الحالات الاحتلال الذي ينتزع إما مرضعا من طفلها ذو الأشهر.
لطالما تحدثت لمى خاطر عن واقع فلسطين المؤلم ولطالما كتبت وهي المرأة عن قهر الرجال وهم يرون ممارسات الاحتلال أعلم أن ملايين من الرجال لن يشعروا بالقهر وهم يرون نسائاً يؤدين من أعمارهن ومن تربية أبناءهن ضريبة العزة والكرامة ويرسمن بتضحياتهن صورة الفجر القادم. سلام على القلم الحر سلام على لمى خاطر وهي تساق إلى السجن تحت جنح الظلام سلام عليها وهي تودع أطفالها أمام أعين العالم سلام عليها وهي تمسح عار جنرالات وجيوش ورتب.
المصدر/ اشراقات