كثيرا ما نرى أبناءنا يلعبون فلا يلفت أنظارنا في لعبهم سوى ما يصدر منهم من صخب أو ضجيج , أو ما يرتكبونه من أعمال قد تتلف الأشياء تارة أو تضر بعضهم تاره , أو تتعدى الخطوط الحمر في الأخلاق تارة أخرى ..
ودعني أيها القارىء الكريم أصف لك اللعب باعتباره : ( المؤثر ذو الحدين ) فربما بحد من حديه نفع أبناءنا وقوم سلوكهم وعلمهم ورباهم وأثر فيهم إيجابيا , وبحد آخر آلمهم فاشتد الألم بهم ورافقهم طوال سني حياتهم , وربما كان له الأثر الذي لا يستهان به في انحراف بعض شخصيات الأبناء , من أجل ذلك أردت للآباء والأمهات اليوم أن يروا معي اللعب برؤية أخرى , رؤية علمية تجريبية نستطيع بها الاإطلاع على الوجه الآخر الغير مرئي في اللعب.
كذلك فإن شخصية الطفل تكتسب سماتها وأنماطها من خلال أنشطة التفاعل مع الآخرين , وأول هذه الأنشطة التي يتعرض إليها الطفل هو نشاط اللعب .
فاللعب يقدم للطفل قدرة بنائية على تقييم مدى أثر أفعالة المختلفة وتصرفاته وردود الأفعال تجاهها , وهو كذلك يمد الطفل بسعة خيالية وإمكانات إبتكارية تساعد على تميزه فيما بعد .
إلا أن آخرين يرون أن تحديد وقت للجدية وإيقاف اللعب في بعض ساعات النهار - سواء للاستذكار أو للصلاة أو للطعام أو مثاله- ينشئ حداً فاصلاً بين حياة اللهو واللعب عند الطفل وبين الجدية والتأثير وهذا ما نميل إليه بالفعل , بشرط أن يتم ذلك تدريجياً في السنتين الأوليين من سني الدراسة الابتدائية , وأن يرتبط إدخال العملية الدراسية لبيئة اللعب إدخالا تشجيعيا وتحفيزيا يصل بالطفل لحب العملية الدراسية , فيتكون لديه مزيج نفسي شعوري بين رغبة اللعب والإنجاز فيه ورغبة التعلم والانجاز فيه .
وباعتبار اللعب نشاطاً , فإننا بصدد الحديث عن الحاجة في توجيه ذاك النشاط وإن كان بعض العلماء التربويين أمثال " شابلن " و" لينور" وغيرهم يرى أن اللعب نشاط غرضه الاستمتاع فقط ولا ينصحون بتوجيه ذاك النشاط نحو أي مكسب آخر , إلا أننا نستطيع أن نقف موقفاً متميزاً من الرأيين القائليْن بتوجيه اللعب أو عدم توجيهه , بأن نسمح بعناصر التوجيه الإيجابية في المتعلقات المؤثرة في اللعب , دون التدخل في نفس النشاط الذي يمارسه الطفل .
كذلك فإن أمراً هاماً ههنا ننصح به المربين الذين يعتمدون في مسألة اللعب على نوع مخصص من الألعاب والدمى , فيجب ألا نختار للأطفال الألعاب كثيرة الجاذبية أو واسعة الإمكانات , ولنحاول دوماً أن نختار نوع اللعبة التي يتفاعل معها الطفل أثناء لعبه , ويقوم هو بذاته تجاهها بدور ما .
كما أننا هنا لا ننصح بما نراه في بعض الروضات ونوادي الأطفال من تخصيص غرفة يوجد بها أو تحوي ألعاباً معينة يراها الطفل ويتفاعل معها يومياُ بطريقة ثابتة , ونرشح بصورة أكبر إمكانية وضع مواد أوليه مناسبة للأطفال تجعلهم يبنون بأنفسهم تصورهم للعبتهم التي يختارونها , ولا شك أن التجوز في هذا الاختيار مفتوح , ولا يخضع لقواعد صارمة ولكنه من قبيل اختيار الأفضل .
والحقيقة أننا لو تفهمنا الوظائف الفعلية للعب عند الأطفال سنستطيع رؤية الموقف الذي يمر به الطفل أثناء لعبه بشكل أوضح :
فمثلا لو نظرنا إلى اللعب كوسيلة لتفاعل الطفل مع بيئته , سنجد أن الطفل من خلال اللعب يكرر , ويجرب , ويحاول , ويكتشف , ويغير أشكالا وأوضاعا مختلفات أثناء لعبه , وهذا يمَكنه من بناء تصور خيالي ذاتي في ذهنه مع إمكانية تحويله إلى واقع .
كذلك لو نظرنا إلى اللعب كوسيلة للوعي , فسنرى كيف يمزج الطفل بين الكائنات الحية وبين الجمادات , ويحاول بناء شبكة اتصال مع الأشياء من حوله .
وظيفة أخرى فعالة للعب يجب أن نحسن رؤيتها , وهي إكساب أنماط السلوك المختلفة للطفل أثناء لعبه , فنستطيع أن نرى الطفل ( باحثاً ) عن بعض ما يخفى عليه , و (اجتماعيا ) مع الذين من حوله , و(مديراً ) للعناصر المحيطة به , و( أباً وأما أو ابنا أو جندياً أو غيره ) في بعض الأحيان ..