إكراه البنات .. والخيال القاصر
17 ذو القعدة 1429
د. سلوى البهكلي

كثير من الناس يرسمون صورا مزخرفة زاهية يتصورون فيها شريك حياتهم الذي يرجونه , ويتصورن كثيرا أنهم سيلتقون بتلك الصورة التي زينتها عقولهم ورسمتها ريشة خيالهم , لقاء على الحقيقة , فيعيشون تلك الحياة الوادعة ويستمتعون طوال أوقاتهم بما رسمت آمالهم وارتجت خيالاتهم .

 

إلا أن الغالب من هؤلاء ربما صدمته وقائع الحياة , فوجد صورته تلك التي رسمها مجرد خيالات وأوهام كما يجد سمات الآخر الذي يرتجيه إنما هي مجرد كذبات لا أصل لها في الواقع ..

 

أقول ذلك تعليقا على كل الذين ظلوا يحلمون بما يسمونه فتاة أحلامهم أو فتى أحلامهن , فتطير معهم الأحلام طيرانا لا علاقة له بالواقع ثم إذا بهم يصطدمون بواقع أليم يؤلمهم ويجرح مشاعرهم ويكسر طموحهم في إيجاد شريك الحياة المناسب .

 

فربما حلم احدهم بمقارنة فتاة وظل يتخيل بها كل صفات الحسن والرقة والخير , حتى إذا قارب الارتباط بها واجهته بوجهها الذي قد أخفته عنه طوال أيام طويلات فهو عندئذ يصر على الارتباط بها ولو قصرا عنها ورغما عنها ويبذل كل جهد في ذلك غير عابىء بما وراء فعله الخاطىء ..

 

وقد وردتني قصة شاب لطالما ارتبط بقريبته وصور لها أجمل صورة في مخيلته وخياله , فصارت فتاة أحلامه وصارت أمنيته الكبرى أن يرتبط بها على ما صورها لنفسه , وإذا بها ترفض الارتباط به , وتأباه زوجا لها , فإذا به يريد أن يرغمها على قبوله , ظنا منه أنه لا حياة له بدونها , وقد تمعنت في تلك القصة وتذكرت كم من مرة تكررت وحدثت بين الناس فوددت ألا أغفلها وأن أقف معها وقفات لكبير أثرها وكثير سلبياتها .

 

فإلى الذين رسموا الصورة المزخرفة الواهمة قبل أن يعرفوا الواقع ممن يرتجون الارتباط بها , وإلى الذين لم يختاروا شريكة حياتهم على أساس الدين والإيمان والوفاق , وإلى الذين يصرون على الارتباط بمن تصوره خيالاتهم من جانب واحد حتى ولو كان ذلك رغما عنها وعن رضاها وقناعتها أقدم تلك النصائح ..

 

إن علينا أن نقف مع أنفسنا وقفة صارمة ونراجع حساباتنا جيدا قبل أن نتخذ خطوة الاختيار لشريكة الحياة , كما علينا بكل وضوح أن ننظر فيها على مواصفات المرأة الصالحة من الديانة قبل أن ننظر إلى غير ذلك .

 

واحذر ايها المقدم على الزواج من رسم شخصية لمن تريدها في خيالك كما تريد أنت فتتعلق بها كما رسمتها، واعلم ان هذه ليست الحقيقية إنما هي صورة من الخيال متلبسة أو مجسدة ,  فأنت في الواقع لا تريد من تريدها ولكنك تحب وتريد تلك التي في خيالك.

 

كذلك قد تكون تلك التي تريدها هي أيضا قد رسمت في مخيلتها صورة معينة لفتى أحلامها أو لزوج المستقبل، وقد لا تكون أنت هذا الشخص، وهذا لا يقدح في شخصك أنت , وإذا كان الحال في مثل قصة صاحبنا فكانت قريبته عاقلة وراشدة فلا بد أنها قد فكرت كثيرا في الأمر ولم تجد انه هو الخيار المناسب لها، فربما تكون لديهاِ خطط لمستقبل حياة مختلفة عن مخططاته التي يرسمها فهي تدرك أنه ليس الشخص الذي سيحقق لها آمالها وأحلامها كما تريد .

 

فالزواج ليس صفحة يمكن أن تطوى من حياة أي شخص منا بسهولة دون أي تبعات إذا فشلت، خاصة إذا كان هناك أطفال فهم من سيدفع ثمن سوء الاختيار , وعلينا أن نسأل أنفسنا ما هو الهدف الذي نرجوه بعد الزواج؟ ألا نريد أن نكون حياة مستقرة وسعيدة ؟ كيف سيحدث هذا الاستقرار؟ وكيف ستحصل على السعادة إذا كان الطرف الأخر ليس لديه الاستعداد لان يبادلنا نفس الإحساس  والمشاعر؟ 

 

والفتاة إن أكرهناها على الزواج بأي طريقة، فلن نحصل أبدا على النتيجة التي رسمتها أنت أيها الحالم في خيالك، ولن تعيش معها حياة مستقرة أو سعيدة كما ترجو. بل ستعيش أنت أو هي أو كلاكما في وضع نفسي كئيب أنت في غنى عنه. لأنك إن أكرهتها على الزواج ستشعر انك قد قيدتها وستحاول أن تتخلص من هذه القيود بأي شكل كان سواء بوعيها وإرادتها أو دون إرادتها أي في اللاوعي مهما طال الزمان.

 

اسأل نفسك ياايها الحالم .. ما هو شعورك إذا أصبحت حياتكما مملة وأصابها الفتور وشعرت رغم زواجك بها بأنك مع إنسانة غريبة عنك، وأنها ليست المرأة التي تصورتها وكنت تحلم بها، وأنكِ لست إلا سلعة مهملة في صفحات حياتها وانك لا تمثل لها أي شيء سوى زوج قد أَكرهت عليه. بالتأكيد ستخسر حبها وبالتالي ستخسر حبك أنت أيضا لها ، لأنك ستكتشف مع الأيام أن هذه الفتاة ليست من أحببت. فأنت قد رسمت لها صورة معينة في خيالك وقد أحببت هذه الصورة وتعلقت بها ولكنها ليست الصورة الحقيقية ولا تنطبق عليها.

 

إذا كان الهدف من زواجك هو إشباع رغباتك الجنسية فقط، فتخيل ما الذي سيحدث لك أثناء حياتك الزوجية عندما لا تستجيب زوجتك دوما لك، أو إذا استجابت لك ببرود أو بطريقة منفرة أو مهينة لك، وما الذي قد يحدث إذا حاولت أن تحصل على رغباتك بالعنف، ولا يشترط أن يكون العنف بالضرب فقط فللعنف عدة أشكال كسوء المعاملة، أو الإهانة ، أو الإكراه ... وغير ذلك.

 

إن علينا أن نفكر بتعقل وبدون عصبية أو أنانية، ولنحذر من الظلم فإننا لو ظلمنا تلك الفتاة أو غيرها وصممنا على الزواج منها بالإكراه رغم إدراكنا تماما أنها ترفض الزواج فان الله سبحانه وتعالى سيحاسبنا على ذلك , لأن ذلك ظلم لها ولحقوقها، فالزواج بالإكراه مخالف لشريعتنا الحنيفة ومخالف لقوانين حقوق الإنسان، وليس لأحد الحق مهما كان أن يرغم أحداً على الزواج، فقد قال صلى الله عليه وسلم، ( لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الأيم حتى تستأمر).

 

وليتذكر صاحب القصة وكل قصة مثلها أن الإسلام قد شرَع الزواج كوسيلة للاستقرار والتناسل، وقد حرص أشد الحرص من خلال تشريعاته الخاصة بالأسرة على الحفاظ عليها ومنعها من التفكك والانهيار، لذلك سمى الرابطة الزوجية ميثاقاً غليظاً، وقد أضفى عليه صفة الاستمرار ، وحذر من الزواج بالإكراه، لما قد ينتج عنه من الأضرار والعقبات ما قد لا يتخيله المكره على الزواج، وما قد ينعكس ذلك على الأزواج في المستقبل وعلى انحرافهم وخيانة احدهما أو كلاهما للآخر، وما قد يؤثر من تبعات هذا الزواج على البناء النفسي والعقلي والعاطفي للأطفال بصفة خاصة، وعلى استقرار المجتمعات بصفة عامة.  وهذا ما قد لوحظ فعلا في الآونة الأخيرة، فقد ازدادت نسبة الطلاق في مجتمعنا وزاد التفكك الأسري بشكل كبير.