رحمك الله شيخي نزار ريان
24 محرم 1430
أحمد عبد العزيز القايدي

أول لقاء بشيخنا كان في منزل الدكتور سعود مختار بمدينة جدة حيث نزل الشيخ في ضيافة الدكتور . لقيمت في ذلك اليوم ندوة عن واقع الأمة .. تكلم الجميع ولم يشكل الأمر فرقا ... لكن عندما تكلم الشيخ نزار ريان كان هناك فرق .. تسمع كلمات العز و الإباء والصمود وهي تصدر من رجل يعرف معانيها و ليس مجرد شخص حفظها أو قرأها في كتاب ثم عاد وألقاها من جديد على طلابه .... الشيخ رجل مختلف .. لبس لأمة الحرب وحمل السلاح ورابط على تخوم غزة وهو صاحب فكرة الدروع البشرية لحماية منازل القساميين التي يستهدفها الاحتلال بالقصف .. استشهد ابنه إبراهيم في عملية نوعية ، وابنه بلال شلت قدمه في قصف استهدفه في سيارة.

شيخنا من أوائل الذين نشأوا مع الشيخ ياسين في المجمع الإسلامي .. قال لي ذات مرة كان الشيخ يأخذنا ويطوف بنا في مساجد غزة لنلقي الكلمات على الناس .. كنا نضع الرسائل والكتب التي حددها لنا الشيخ ياسين في شراب الكندرة لتعميتها عن اليهود و اعتقلنا معه مرات ومرات.

ذهبت به ذات يوم من الطائف إلى الرياض من اجل لقاء العلماء والدعاة ، وكانت بصحبته والدته فرأيت من معاني بر بأمه وخدمته لها الكثير .. كانت معه ابنته الصغيرة عائشة فكان يلاعبها ويلاطفها ويقول هذه أمي ، يمازح رفيقه معنا في السيارة الدكتور عطا الله السبع .. كل هذا أزال عني كثير ما ظننته سابقا من أني سألقى رجلا صلبا جامدا  .

حدثني الشيخ عن المرحلة الجامعية التي قضاها في الرياض بجامعة الإمام وطلب أن يلتقي بشيخه(كما قال )العلامة عبد الرحمن البراك ، وطلب لقاء أستاذه الشيخ الدكتور خالد العجيمي ، طلب أيضا اللقاء بالشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف زميله في مرحلة الدراسة ، طلب أن يلتقي برجل استضافهم في داره في بداية قدومهم للدراسة .. كان الشيخ نزار رجلا وفيا يصل أشياخه وإخوانه ويحفظ المعروف لأهله.

كان هدف الرحلة لقاء العلماء والنخب فقط ، طلب مني احد الإخوة مرارا وتكرارا أن يلتقوا بالشيخ وكنت أحاول أن اعتذر له .. و في احد اتصالات الأخ سمع الشيخ ما دار في المكالمة وقال أن كان في وقتنا متسع ذهبنا إليهم .. كان ذلك اليوم مثقلا بالمواعيد من الصباح إلى المساء و لا يوجد وقت إلا بعد العشاء بمدة و يعرف من له عناية بمثل هذه الأمور مدى الإرهاق والتعب الذي يلحق بالشيخ لذا توقعت من الشيخ أن يعتذر خصوصا أن اللقاء كان مع مجموعة من الشباب شباب ولكن كانت المفاجأة لي عندما قال لي الشيخ :: يا بني نحن لدينا قضية نخدم فيها الإسلام لا نخدم فيها أنفسنا نذهب إليهم وكان ما أراد الشيخ. همة وعزم لا تجده عند كثير من الدعاة والفضلاء من رجل جاوزت سنه 50سنة.

شاهدت الكثير من تواضع الشيخ وتفانيه في خدمة الناس ، كنا نسير على الطريق  الدائري الجنوبي بمدينة الرياض فسقط من السيارة التي تسير أمامنا براد كبير وتعطلت مسيرة الطريق المزدحم أصلا  والناس تمر من جانبه و لا يتوقف احد لرفعه .. هنا أمرني الشيخ بالتوقف ونزل بنفسه ولحقته وقمنا بإزاحة البراد عن الطريق ، البلد ليست بلده والطريق أصبح سالك بتجاوزنا له ولديه موعد مهم وهناك أشخاص في وسعهم حمله عن الطريق كل هذه القرائن تحمل على ترك ذلك الشغل  ولكن الشيخ مجاهد أشرب قلبه التذلل للمؤمنين والسعي في مصالحهم.

كان كثيرا ما يتصل ويسأل عن أشخاص طالهم الأذى ويسأل عن أهلهم وعن حالهم كنت أقف و أتسأل بعد كل اتصال له أليس هو الذي يعيش في حصار وضائقة أليس هو أولى بالسؤال عن حاله ثم لديه ما يشغله في غزة عن غيره الكثير الكثير ، ولكنه الوفاء والأخوة في الله.

شيخنا أنهى شرح مقدمة صحيح مسلم وكان بعض إخوانه يسعون له في طباعة الكتاب وأثناء سعينا معهم في خدمته أكد شيخنا انه لا يريد مالا مقابلا لطباعة الكتاب لأن الهدف خدمة العلم وأهله لا التكسب ... عكس حال كثير من المؤلفين في هذه الأيام.

كان كثيرا ما يتحدث شيخنا عن الشهادة والشهداء وقد تخرج من مسجده  أكثر من 70شهيد .. في العدوان الأخير على غزة عرضوا عليه تأمينه كما يحصل مع كل القادة ولكنه رفض وأصر على مواجهة العدوان مع الناس وكان أمر الله قدراً مفعولاً.

رحمك الله يا شيخي كنت عالما ومجاهدا ومصلحا ومربيا
رحمك الله يا شيخي سبقت أفعالك أقوالك
رحمك الله يا شيخي سأبقى محبا لك داعيا لك ولن أنساك ما حييت سأخبر أبنائي عنك وأربيهم على كلماتك ، علمتنا الكثير حيا وبموتك تعلمنا منك أكثر ، سأظل أذكر مواقفك وكلماتك الدافئة ودروسك .. كثيرون هم الذين ماتوا ومات معهم ذكرهم وأثرهم لكنك يا شيخنا ستبقى في النفوس وأثارك ستبقى على تلاميذك وفي كتاباتك ، ارحل فأنت الحي ونحن الأموات نحن المأسوف علينا وأنت إلى الهناء والسعد بإذن الله .
رحمك الله يا شيخي ما الدنيا بعدكم إلا ذل وهوان وخذلان معكم كنا نشعر بشيء من كرامتنا وعزتنا
رحمك الله يا شيخي … رحمك الله يا شيخي … رحمك الله يا شيخي