
منذ أسبوع أُهديتْ لنا زجاجة من ماء زمزم، وأخذ يشرب كل منا ويدعو، بما يحب، إلا ابنتي سارة، ذات السنوات العشرة، فلم تشرب، وأرجأت الشرب من الماء؛ حتى تفكر جيدا في الأمنية التي تريدها، قبل أن تدعو.
وفي كل يوم تأتي إلي؛ لتتحدث معي عن أمانيها التي لا تنتهي، فهي تريد فيلا واسعة بها حديقة تملؤها الألعاب، وكذلك بها حمام سباحة، وألعاب مائية، ثم ما تلبث أن تتراجع في أمنيتها، وتقول: لا يا ماما، أنا أريد سيارة جديدة، أهديها لأبي بدلا من تلك السيارة القديمة، بل أتمنى أن يكون عندي دولابا به ثلاثمائة فستانا جديدا، وفي كل يوم ألبس فستانا جديدا، أو حجرة مملؤة بالبنبوني والشيكولاتة والحلوى.
وهكذا استمر الحال خمسة أيام كاملة، تفكر جيدا قبل أن تدعو، ثم ترجأ الدعاء.. وأنا وأبوها نتابع تطلعاتها وأمنياتها التي لا تنتهي، وكثيرا ما نقابلها بالدعابة.
حتى كان أول أمس، فوجدتها خرجت مع أصحابها للعب على سلم العمارة، وما هي إلا دقائق، حتى وجدتها ترفع يدها بالدعاء: يا رب انصر فلسطين، يا رب انصر غزة، يا رب القدس يرجع للمسلمين تاني.. وجميع الأطفال يرددون وراءها، ثم أخذ كل منهم يشرب من ماء زمزم.
ناديت على الأطفال، وشكرتهم على هذا الدعاء الجميل لإخواننا في غزة وفلسطين، ولكن أحدهم سألني: ماذا يمكن أن أفعل غير الدعاء؟
قلت له: يمكنك أن تفعل الكثير والكثير أنت وأصحابك.. أطع والديك ومعلمك فهذه نصرة لإخواننا في فلسطين، ذاكر دروسك جيدا واجتهد في دراستك، فهذه نصرة لإخواننا في غزة وفلسطين، تعلم في كل يوم مهارات جديدة ؛ فهذه نصرة لإخواننا في غزة وفلسطين، اقرأ القرآن الكريم واحفظه، فهذه نصرة لإخواننا في فلسطين،وعليك أن تخبر أصدقاءك وأصحابك بما يحدث في غزة.
فنحن نريد أن تحفظوا القرآن جيدا، وتجعلوه سلوكا في حياتكم، فأنتم نواة الأمة القرآنية، التي بيدها سيتحقق النصر والعزة إن شاء الله.
تُرى هل يجب أن يعايش أطفالنا الأحداث اليومية في غزة وغيرها؟! أم يجب عزلهم عن أحداث الحروب والعنف؛ ليتسنى لهم أن يعيشوا طفولتهم بلا ضعوط أو عقد ومشاكل؟!
كل هذه الأفكار بدأت تدور في عقلي، وبدأت استرجع التاريخ، فتذكرت قصة علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه- وتضحيته في الهجرة ونومه في فراش النبي– صلى الله عليه وسلم-، وتذكرت قصة معاذ ومعوذ، هذان الطفلان الصغيران اللذان قتلا أبا جهل، وتذكرت أسامة بن زيد، ذلك الصحابي الذي قاد جيشا وكان عمره 16 سنة، في جيش كان به أبو بكر وعمر وكبار الصحابة، تذكرت بطولات المسلمين في كل زمان ومكان، تذكرت صلاح الدين وقطز، ومحمد الفاتح، وغيرهم الكثير والكثير.
فهؤلاء الأبطال تربوا على الفداء والعطاء والتضحية، تربوا على العزة والكرامة والإباء، تربوا على حب أرضهم والزود عنها ضد أعدائهم، تربوا على حب الوطن، تربوا على الانتماء، تربوا تربية إيمانية حقيقية قبل أن يتربوا بدنيا.
نريد أن تختفي السلبية من حياتنا، نريد الزوجة التي تؤدي دورها على الوجه الأمثل، والأب الذي يؤدي دوره على الوجه الأمثل، ووقتها من حقنا أن نطالب أبناءنا بالمثالية لأنهم تربوا في عالم مثالي.. فالأسرة هي نواة المجتمع، وبصلاحها صلاح المجتمع، ووقتها فقط سيتحقق لنا النصر على أعدائنا، لأننا أعددنا، نعم أعددنا، فها هو رب العزة يقول: {وأعدوا لهم ما استطعتم..}
فالنصر قادم قادم لا محالة، كما وعدنا النبي صلى الله عليه وسلم، فلن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، ويقاتل معنا الشجر والحجر، ولكن هذا النصر الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم لن يكون لجيل تربى على الترفه السلبية والأنانية، لن يكون بالتواكل دون الأخذ بالأسباب، فهناك أسباب للنصر، وبدون هذه الأسباب لن يتحقق النصر لنا.
والعبودية الكاملة ليست قاصرة على أداء الفروض والعبادات، بل تتسع لتشمل كل مناحي الحياة، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف،والعلم قوة ، والمعرفة قوة، والتقدم في الصناعة والتجارة والاقتصاد قوة، والتقدم العلمي والتكنولوجي قوة، والتقدم الطبي قوة، والتقدم في جميع المجالات والعلوم قوة، وهذه القوة هي التي ستحقق لنا النصر.
بالطبع الأمر ليس سهلا ميسورا، بل يحتاج إلى جهد وتعب وعناء، فالتربية في عصرنا لم تعد سهلة، وبالطبع ستقابلنا بعض المعوقات، ولكن هناك مجموعة من الأسس التي تساعد على الإعداد لهذا الجيل، الذي يستطيع أن يعايش قضايا أمته دون عقد أو مشاكل: