يوم ما وُلدنا وفرح بنا أهلونا , ثم كبرنا شيئاً فشيئاً, وعشنا قدرنا وكتابنا, وهكذا.. وتدور عجلة الزمان يوما بعد يوم , وعاما بعد عام لترسو سفيننا يوما ما على شاطئ الدنيا وتدركنا المنية , ونودع إلفنا, ونفارق دنيانا , وسيحزن علينا من فرح بنا بالأمس وكأننا نعيش بين يومين , يوم فرح وسرور , ويوم حزن وعزاء , وبينهما تتقلب الأحوال.
كُتِب علينا يومنا الأول بلا اختيار منا , وسيُكتب يومنا الثاني , ولكن سنكون نحن من يُحدد ملامحه ,ويرسم معالمه , وإن كنا لا نعرف موعده وأجله... إن من عاش لشيء حتى تشرب قلبه , وملأ حياته , وبذل لأجله وضحى في سبيله ,, فإنه لاشك سيموت عليه وسيُختم له به , وستوافيه المنية متلبسا به وقائما عليه , , سنة ماضية , وحقيقة غالبة
لذا أوصانا ربنا بتقواه ثم قال (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ولو لم يكن بأيدينا أن نموت كما نشاء , لما أمرنا بأن نموت مسلمين , إذ كيف نُعطى خيارا لا نملكه , وليس بأيدينا حسمه , وإلى غيرنا منتهاه ؟؟ هذا مع إيماننا بأن قدر الله غالب , ومشيئته نافذة (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) فليس لنا حول ولا قوة في اختيار خاتمة لم يُردها لنا ربنا , ولم يشأها لنا ,وهو سبحانه أعدل العادلين.
وقلب النظر إن شئت في خواتيم من حولك ..واختر لنفسك مثالا تحب أن يُختم لك بمثله ,لترى خاتمتك , و تحدد معالمها وترسم أُطُرَها ,وازرع لنفسك , لتحصد ثمرة زرعك ,, وكما تُدين تدان والجزاء من جنس العمل .
ومن بين تلك لخواتيم والنهايات التي تشرئب إليها النفوس الطامحة , والهمم العلية الزاكية , والقلوب الطاهرة المتوضئة , خاتمة تبعث في النفس مشاعر الغبطة , تنتهي دونها كل الأماني ,وتضيع معها كل الآمال … خاتمة نالها أناس صادقون بارون , اصطفاهم ربهم من بين ملايين البشر, واختارهم ليكرمهم ويتفضل عليهم ...
إنها الشهادة في سبيل الله تعالى , إرضاءله وإعلاء لكلمته , وإعزازا لدينه , وانتصارا لأوليائه …الشهادة في سبيل الله تعالى التي يصطفى الله لها من أحب من عباده , ويتخذهم أولياء له من دون الناس " ويتخذ منكم شهداء " وهنا تشرئب النفوس المؤمنة لبلوغ تلك المرتبة العلية والمنزلة الكريمة , وهذه تحية إجلال وإعظام نهديها لهؤلاء المصطفين , نعرف نفوسنا بهم , ونحدثها بعظيم منزلتهم ومكاتهم , لعلنا نبلغ مبلغهم …الشهداء .
الذين أشهدوا العالم كله على حبهم لسيدهم ومولاهم ,, وقبل الله شهادتهم ,, الشهداء . . الذين بذلوا أرواحهم ومُهَجَهم من أجل مبدئهم وعقيدتهم , ولم يتخلوا عنهاطرفة عين ,, الشهداء . . الذين أمهروا الحور العين نفوسهم و أجسادهم , وسيبلغون مرادهم .
الشهداء الذين روّوا بدمائهم شجرة الإيمان في الأرض , فأثمرت وأينعت , وآتت أُكُلها بإذن ربها ,, الشهداء . . الذين سطروا بمداد الدم كلمة العزة والكرامة .
الشهداء الذين لقنوا الأمة درس الحرية والإباء بكل جلاء , إنها الكرامة حقا… أن يبلغ المرء تلك المنزلة ,, وهي والله منتهى الآمال..وغاية الأماني …
وعلام سيحزن الشهيد بعد بلوغ تلك المنزلة ؟ ولم سيجزع وقد حصّل كل شيء و ما فاته شيء فهنيئا لهم , وتحية نهديها لأرواحهم , ومحبة ووفاء نبعثه للطاهرة نفوسهم , وقبلة نرسمها على جباههم ..
وهنا تخنق العبرة كل صادق حر, أبيّ باسل , وتهيج مشاعر الغيرة والغبطة, وتختلط الدموع .. دمعة فرح لعظيم ما سيلاقيه الشهيد من الكرامة والنعيم , مع دموع الحسرة والندم على الحرمان من بلوغ درجتهم واللحاق بهم .
إن من مات ولم يخطو خطوة في طريقهم , أو يقتفي أثرهم , أو يحدث نفسه بسلوك دربهم , واللحاق بركبهم مات ميتة جاهلية – كما في الحديث - , وشتان بين النور والظلمة , والصدق والمراوغة , والحرية والعبودية , والشرف والمهانة (وما يستوي الأحياء ولا لأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور)؟؟!
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( تضمن الله تعالى لمن خرج في سبيل الله لا يخرجه إلا
جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم لونه لون دم وريحه ريح مسك والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله عز وجل أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ويشق عليهم أن يتخلفوا عني والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل )) أخرجه مالك والشيخان .