مسلمو البرازيل .. نداء في واد سحيق !
10 صفر 1430
أحمد عامر
" تواجه الأقلية المسلمة في البرازيل صعوبات كبيرة في الحفاظ على هويتهم الإسلامية، نتيجة تجاهل العالم العربي والإسلامي لهم، وعدم وجود مؤسسات دعوية وإعلامية تقوم بدور تقوية الصلات بين مسلمي البرازيل والمنطقة العربية"، بهذه العبارة لخص الدكتور أحمد الصيفي، مدير مركز الدعوة الإسلامية بأمريكا اللاتينية، الأزمات التي تواجه المسلمون في البرازيل.
 
حيث تواجه الأقلية المسلمة في البرازيل العديد من التحديات لعل أهمها عدم امتلاكها أي نوع من وسائل الإعلام فليس لهم جريدة تنقل أخبار الأقلية وتوثق الصلات بين أفرادها الموجودين في جميع أطراف البلاد وعرضها وبذلك فلا يعلم المسلم ما يحدث لأبناء دينه، هذا بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة لمسلمي البرازيل، حيث تعجز الكثير من المؤسسات الدعوية عن تدبير نفقات الدعوة؛ لذا يقوم نشاط هذه الجمعيات على التبرع.
 
كما يعاني أبناء المسلمين من الذوبان في المجتمع البرازيلي؛ لأن الجيل الموجود الآن لا ينطق اللغة العربية، علاوة على أن الدعاة الذين يأتون من بلاد العالم الإسلامي لا يعرفون البرتغالية – اللغة الأساسية في البرازيل- وبالتالي يصعب التواصل والتفاهم معهم.
 
لذلك كان من الضروري إلقاء المزيد من الضوء على أوضاع الأقلية المسلمة في البرازيل من حيث عددها وبداية دخول الإسلام البلاد، مع التركيز على التحديات والمعوقات التي تواجه الدعوة الإسلامية في البرازيل .....
 
دخول الإسلام البرازيل
الدراسات التاريخية تؤكد وصول المسلمين إلى البرازيل قبل 1200 عام، وهناك بعض النقوش في مغارات جبلية في ولاية "باهيا" شمال البرازيل وبها كلمات كتبت باللغة العربية يعود تاريخها إلى 1200 عام، ومن الأدلة أيضاً أنه توجد قبائل من الهنود الحمر لهم عادات في اللباس تشبه الزي الإسلامي واستعمالهم لبعض المصطلحات اللغوية العربية.
 
إلا أن بعض الباحثين يرجع وجود المسلمين في البرازيل إلى وصول البرتغاليين للقارة منذ 500 سنة فقط، كبحارة وأدلة إبحار إضافة إلى الزنوج المسلمين الذين أحضروا من أفريقيا كرقيق لعمارة القارة الجديدة منذ القرن السابع عشر، وهؤلاء قاموا بعدة ثورات كانت تهدف إلى إنشاء دولة إسلامية وتحرير الرقيق التي بدأت عام 1807 وانتهت عام 1837.
 
وهناك دراسات أخرى تؤكد وصول المسلمين إلى أمريكا اللاتينية قبل وصول الأسبان إلى العالم الجديد، وكان هذا الوصول المبكر من مسلمي شمال وغرب أفريقيا والأندلس، وتلا ذلك وصول المسلمين الذين قدموا مع الأسبان والبرتغاليين، وفيما جلبه الأوربيون من رقيق.
 
وفي عام 1860م هاجر عدد من المسلمين من بلاد الشام حين بدأ الضعف يدب في أركان الدول العثمانية، واستمرت هذه الهجرات حتى احتل الصهاينة فلسطين، فعملوا على تهجير عدد كبير من المسلمين الفلسطينيين إلى هذه الدول، وكانت هجرة إجبارية تحت التهديد بالقتل وغيره، وتكونت من هذه الهجرات الجالية العربية والإسلامية التي قُدِّر عددها بنحو 289 ألف نسمة عام 1980م.
 
في الوقت الحالي لا يوجد إحصاء دقيق لأعداد المسلمين في البرازيل، غير أن العدد التقريبي للمسلمين هو 3 ملايين مسلم من مجموع 180 مليون برازيلي، ينتشرون في مختلف المدن، حيث أنه لا توجد مدينة برازيلية إلا بها تجمع للمسلمين.
 
المساجد والمدارس الإسلامية في البرازيل
وقد حقق مسلمو البرازيل في السنوات الأخيرة نجاحاً بعد اندماجهم في الحياة السياسية والاقتصادية بشكل تام، لدرجة أن جميع الولايات لها نواب مسلمون في البرلمان، كما يتمتع المسلمون بالحرية الكاملة في إقامة الشعائر والاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية، واستطاعوا - بعد عناء طويل - تكوين كيان إسلامي متماسك تمثل في عدد من المساجد الكبرى والمدارس الإسلامية إلا أن ذلك ليس كافياً لنشر الإسلام الصحيح في هذه البلاد.
 
وقد كان أول مسجد تم بناؤه في البرازيل في ساوباولو في ثلاثينات القرن الماضي، حيث اشتريت أرضه في عام 1935 ووضع حجر أساسه في عام 1948 واكتمل بناؤه عام 1960 وذلك لوجود صعوبات شديدة في جمع تكاليف البناء، وعندما تم بناء المسجد ظهر كيان الأقلية المسلمة في البرازيل واتسع نشاطها فأخذوا في بناء مدرسة إسلامية ثم حصلت الجمعية الخيرية الإسلامية على أرض من الحكومة لتكوين مقبرة للمسلمين ثم انتقل هذا النشاط إلى ولايات أخرى من البرازيل فتعددت المساجد وكثرت الجمعيات الإسلامية وبنيت مساجد في كورتييبا، واراتجوا، وكويابا، ولندربنا.
 
ويوجد في البرازيل العشرات من المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس الإسلامية، وحسب إحصاءات قادة الأقلية المسلمة في البرازيل فإن هناك 60 مركزاً إسلاميّاً و45 مسجداً.
وبالنسبة للمدارس، ففي أوائل الستينات من القرن الماضي بنيت أول مدرسة إسلامية في "فيلا كارون"، حيث كان هناك جمع كبير من الأسر المسلمة وقد بدأت المدرسة بنجاح نسبي كبير ولكن لم تستطع مدرسة واحدة أن تسد احتياجات كثيرة من أبناء المسلمين ثم أقيمت مدرسة في كورتييبا وفصول عدة في أماكن أخرى لتعليم اللغة والدين رغم أن النتيجة دائماً كانت أقل مما يرجى.
 
ورغم ذلك فإن حالة التعليم الديني واللغة العربية في البرازيل لا تبعث على التفاؤل وليس هذا عن تقصير من الجالية, ولكن الظروف كلها غير ملائمة لتحقيق الهدف، فباستثناء المدرسة الأولى في فيلا كارون لا توجد مدارس بالمعنى الكامل لتعليم الدين واللغة العربية إنما هي فصول محدودة تقوم بهذا العمل في إمكانيات ضيقة، ثم إن الالتحاق بهذه الفصول ليس سهلاً على كل أبناء المسلمين بسبب البعد الشاسع وبسبب المواصلات الصعبة، ومن هنا اقتصرت هذه الفصول على أولاد المسلمين الذين يسكنون قريباً منها وتكون النتيجة على العموم غير مرضية.
 
تحديات تواجه مسلمي البرازيل
(1) وسائل الإعلام
تتعدد التحديات التي تواجه الأقلية المسلمة في البرازيل، أولها عدم امتلاكها أي نوع من وسائل الإعلام فليس لهم جريدة تنقل أخبار الأقلية وتوثق الصلات بين أفرادها الموجودين في جميع أطراف البلاد وعرضها وبذلك فلا يعلم المسلم ما يحدث لأبناء دينه، كما لا يعلم المسلم ماذا يجرى في بلاده الأصلية إلا ما يقرأ من أخبار عن طريق وكالات الأنباء وكثيراً ما تصل محرفة، ولا توجد مجلة تنشر المقالات عن الإسلام وعظمته وترد على الافتراءات التي ينشرها المغرضون وترفع صوت المسلمين بين طبقات الشعب البرازيلي، وبذلك فإن أكثر البرازيليين لا يعلمون شيئاً عن الإسلام إلا ما يصلهم من مصادر مضللة وما يسمعونه من أخبار مشوهة.
 
(2) الوضع الاقتصادي
من التحديات التي تواجه المسلمين والدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي في البرازيل أن الأحوال الاقتصادية لمسلمي البرازيل سيئة، وتعجز الكثير من المؤسسات الدعوية عن تدبير نفقات الدعوة؛ لذا يقوم نشاط هذه الجمعيات على التبرع.
 
(3) أزمة اللغة
كما أوضحنا في البداية فإن أبناء المسلمين في البرازيل يواجهون تحدي الذوبان في المجتمع البرازيلي؛ وذلك لأن الجيل الموجود الآن لا ينطق العربية، علاوة على أن الدعاة الذين يأتون من بلاد العالم الإسلامي لا يعرفون البرتغالية، وبالتالي يصعب التواصل والتفاهم معهم.
 
كذلك يُشكل انعدام الكتب والمراجع الدينية باللغة البرتغالية عائقاً كبيراً أمام انتشار الإسلام في البرازيل، فهناك تقصير من جانب الدول الإسلامية فيما يتعلق بترجمة الكتب وإيفاد البعثات الدينية التي تخاطب البرازيليين بلغتهم، وهي أمور قد تساهم إلى حد كبير في تجاوز حاجز اللغة الذي يحول بين عدد كبير من البرازيليين واعتناق الإسلام.
 
ويعود انعدام الترجمات للغة البرتغالية إلى عوامل ثقافية أبرزها أن أوائل المسلمين الذين وصلوا إلى البرازيل كانوا من ذوي الثقافة المحدودة، فهم إما أنهم تم استجلابهم من أفريقيا أو مهاجرون جاؤوا من بعض الدول العربية والإسلامية بحثاً عن لقمة العيش وانشغلوا بالتالي في أعمال تدر عليهم المال بعيداً عن عالم الثقافة والتأليف.
 
وفي هذا الصدد يقول الكاتب والمؤلف البرازيلي من أصل عربي سمير الحايك :"إن من أبناء العرب والمسلمين من نبغوا فيما بعد في مجالات ثقافية وعلمية عدة، لكن معرفتهم باللغة العربية كانت محدودة أو منعدمة".
 
ويضيف: "إن الصعوبات التي يواجهها الكتاب من المسلمين البرازيليين في ترجمة بعض المراجع الدينية من اللغة العربية إلى البرتغالية، تكمن أساساً في عدم تمكنهم من اللغتين بما فيه الكفاية وانعدام المعاجم والقواميس الناطقة بالعربية والبرتغالية، إضافة إلى الصعوبات المادية التي تحول دون النشر في كثير من الأحيان".
وخلص الحايك إلى القول إن الحل المناسب الآن - في ظل هذه الظروف - هو الاكتفاء بترجمة بعض الكتب صغيرة الحجم التي ألفها مسلمون غير عرب بلغات أخرى لأنها أقل تكلفة وأسهل قراءة.
 
ويرى الباحث "ياسر حسين" أنه يتعين على مسلمي البرازيل التفكير في طرائق أخرى لتعريف البرازيليين بالدين الإسلامي في ظل انعدام الكتب والمراجع المترجمة، موضحاً: "أن اعتماد التسجيلات الصوتية على الأقراص المدمجة مثلاً يمكن أن يشكل حلاً مؤقتاً حتى يتمكن المسلمون في البرازيل من تنظيم أنفسهم وتأسيس مؤسسة للأوقاف تهتم بشؤون الدعوة وبناء المساجد وفتح المدارس لتعليم أبناء المسلمين"، فيما يرى أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة سان باولو "حلمي نصر" والذي أصدر مؤخراً ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة البرتغالية أنه لا بديل عن التأليف والترجمة، وأن على الدول الإسلامية أن تساعد مسلمي البرازيل على ذلك، متحدثاً في هذا السياق عن تجربته الشخصية التي استمرت عقدين من الزمن عكف خلالهما على ترجمة وتمحيص معاني القرآن الكريم وتمت طباعتها بإشراف من رابطة العالم الإسلامي.
 
(4) أزمة التجاهل
من جانبه أكد الدكتور أحمد الصيفي، مدير مركز الدعوة الإسلامية بأمريكا اللاتينية، أن مسلمي البرازيل يواجهون صعوبات كبيرة في الحفاظ على هويتهم الإسلامية، نتيجة تجاهل العالم العربي والإسلامي لهم، وعدم وجود مؤسسات دعوية وإعلامية تقوم بدور تقوية الصلات بين مسلمي البرازيل والمنطقة العربية.
 
ويضيف الصيفي أن مسلمي البرازيل في حاجة لقناة فضائية إسلامية باللغة البرتغالية، خصوصاً أن غالبية المسلمين لا يجيدون العربية، مشدداً على أن إرسال القناة لثلاث ساعات فقط، كافٍ جداً بوجه نظره للتصدي لمحاولات تذويب هويتهم وإفشال مساعي جماعات التنصير التي تسعى إلى إيجاد حالة انفصام بين مسلمي البرازيل وبين دينهم الحنيف.
 
ونبه الصيفي إلى أهمية مسلمي البرازيل كقناة حوار بين العالم العربي والمجتمع اللاتيني، خصوصاً أن هناك حرصاً لاتينياً على توثيق الصلة مع العالم العربي، إلاّ أن هذا يُواجه بتجاهل عربي.
من جهته يناشد الدكتور محمد حلمي نصر رئيس المركز الإسلامي في البرازيل، الأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي والمؤسسات الدينية والخيرية في العالم العربي والإسلامي بضرورة مساعدة مسلمي البرازيل في تدبير علماء مسلمين؛ لتدريس مناهج الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات البرازيلية، وقال :"إن مسلمي البرازيل في حاجة ماسّة إلى العلماء والفقهاء وأساتذة أصول الدين؛ لتدريس الثقافة الإسلامية بالمدارس والجامعات"، مشيرًا إلى أنه بالرغم من وجود أكثر من 73 جامعة في البرازيل إلا أنه لا توجد أقسام للدراسات الإسلامية والعربية مستقلة بذاتها في هذه الجامعات.
 
تحديات كثيرة تواجه مسلمي البرازيل تكمن خطورتها في أثرها على الهوية الإسلامية لهم والانعكاس على مستقبل الدعوة في البرازيل، وجذب مسلمين جدد، ومن ثم فهي تستلزم مزيداً من النظر والاهتمام من قبل الدعاة والمؤسسات الإسلامية.