التحرر الحقيقي والتحرر المزيف .. دعوات مشبوهة ورموز مشبوهة 1\2
18 صفر 1430
د. محمد مورو

فرق كبير بين التحرر الحقيقي للمرأة والتحرر المزيف لها، التحرر الحقيقي للمرأة العربية والمسلمة هو تسليحها بالوعي بحقوقها الضخمة في الإسلام ودفعها لممارسة دورها الطبيعي الذي فرضه عليها الإسلام أو أتاحه لها، أما التحرر المزيف فهذا الذي يدعوها إلى الانسلاخ عن دينها وثقافتها والاندماج في ثقافة الغرب.

والتحرر الحقيقي للمرأة هو دفاعها عن دينها ووطنها ونضالها ضد الظلم وتحملها مسئوليات الدعوة إلى الله أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو طلب العلم وتحريضها أبناءها وزوجها وإخوتها على حمل الأمانة والتحدي الحضاري ومشاركتهم في ذلك، أما التحرر المزيف فهو دعوتها إلى مهادنة الظلم أو القبول به وبدعوته وبتقاليده وقيمه وأفكاره وسلوكه.

والتحرر الحقيقي هو تمسك المرأة بهويتها الإسلامية فكرًا وسلوكًا وتمسكها بهدى الإسلام الأخلاقي، أما التحرر المزيف فهو جريانها وراء أزياء الغرب والإباحية والشذوذ والتحلل الأخلاقي.

وعندما يدعو الشيخ حسن البنا 1 في "رسالة التعاليم" المرأة المسلمة ألا تأكل ولا تلبس إلا من صنع وطنها، فهذا هو التحرر الحقيقي، لأن هذا نوع من المقاطعة الاقتصادية للاستعمار وقطع خيوط التبعية معه، أما هؤلاء الذين يدعون المرأة إلى الجري وراء الموضة وأحدث الأزياء فهم يدعونها إلى الخضوع الاقتصادي والثقافي للغرب، بل ويروجون لسلع الغرب ويحققون أقصى ما يطمع فيه الغرب وهي التبعية الاقتصادية.

إن المرأة المسلمة حين تلتزم بالزي الإسلامي والآداب الإسلامية في اللبس والزينة فإنها في حقيقة الأمر تطيع الله أولاً ثم هي تحقق استقلالاً اقتصاديًا لبلدها وتقطع خيوط التبعية الاقتصادية للغرب، فليس جديدًا أن نعرف أن بيوت الأزياء ومصانع الغرب تكسب كثيرًا جدًا من ترويج بضاعتها من ملابس وأدوات زينة وغيرها في بلادنا.

التحرر الحقيقي هو الذي مارسته النساء اللاتي قاومن الحملة الفرنسية في مختلف الأماكن وكذا حملة فريزر والحملة الإنجليزية الثانية سنة 1882، ثم قتالهن ضد الاستعمار الإنجليزي ثم ضد الاستبداد السياسي، هذا التحرر الحقيقي هو ما عرفته المرأة التي أطلقت النار على نابليون أو شاركت الرجال في قتال الفرنسيين أو التي تبرعت للمجهود الحربي للجيش المصري سنة 1882 أو هؤلاء اللاتي سقطن شهداء في الإسكندرية سنة 1882 أو في حادثة دنشواي، أو أثناء ثورة 1919 أو من تصدين للاستبداد الناصري، والتحرر المزيف هن النسوة اللاتي ارتبطن بجنود الاحتلال الفرنسي أو الإنجليزي أو عقدن الصفقات مع مؤسسات المال الأمريكية لتمويل مؤتمراتهن المشبوهة.

رموز التحرر الحقيقي هُنَّ المرأة التي أطلقت النار على نابليون في الإسكندرية سنة 1798، أو اللائي قاتلن الفرنسيين في الوجه البحري والقبلي، أو هؤلاء اللائي أعدمن بتهمة الاشتراك في ثورة القاهرة الأولى أو هؤلاء اللاتي شاركن في ثورة القاهرة الثانية، أو هؤلاء اللاتي استشهدن في طوابي الإسكندرية سنة 1882 أو داخل المدينة، أو هؤلاء اللاتي استشهدن في طوابي الإسكندرية سنة 1882 أو داخل المدينة، أو هؤلاء اللاتي تبرعن بالمال وغيره للمجهود الحربي المصري سنة 1882، أو اللاتي نظمن المظاهرات في ثورة 1919، واللاتي سقطن فيها شهيدات، أو هؤلاء اللاتي تصدين للاستبداد الناصر مثل زينب الغزالي، وحميدة قطب. والسيدة أم أسامة زوجة المستشار حسن الهضيبي، أو اللائي وقفن بجانب أبنائهن عقب حادثة المنصة سنة 1981 مثل أم خالد الإسلامبولي.

 

أما رموز التحرر المزيف فهن اللاتي دُرْنَ مع جنود الاحتلال الفرنسي 1798 – 1801 مثل هوى وشوق أو اللاتي أخذن التمويل من مؤسسات فورد كونديش وغيرها مثل نوال السعداوي.

دعاة التحرر الحقيقي أمثال مصطفى كامل ومحمد فريد فريد وحسن البنا ، ودعاة التحرر المزيف أمثال قاسم أمين ولويس عوض وأمينة السعيد ونوال السعداوي.

 

فمصطفى كامل حين يتصدى لقاسم أمين ويرد على ما يروجه بشأن الدعوة إلى الانحلال وتقليد سلوك الغرب بالنسبة إلى المرأة، وحين يكشف حقيقة تلك الدعاوى المريبة فإنه هنا كان يدافع عن التحرر الحقيقي للمرأة، لأنه كان يدعوها في الوقت نفسه للنضال ضد الاحتلال، ورفض ثقافة هذا الاحتلال وعدم تقليده في العادات والسلوك بل التمسك بالعادات الإسلامية الوطنية والسلوك الإسلامي الوطني والزي الإسلامي الوطني2.

 

ومحمد فريد كان من دعاة التحرر الحقيقي للمرأة حينما بذل جهوده في فتح المدارس والمعاهد للبنيين والبنات على السواء، وعندما دعا لجعل تعليم البنات إلزاميًا في المرحلة الابتدائية وفي نفس الوقت حرص على دعوة المرأة إلى النضال ضد الاحتلال والتمسك بالثقافة الإسلامية الوطنية ورفض الثقافة الاستعمارية3.

 

والإمام حسن البنا كان من دعاة التحرر الحقيقي للمرأة حين طالبها بطلب العلم والتزود منه، وحين طالبها بأداء دورها في الدعوة إلى الله أو النضال ضد الاستعمار وحين طالبها بالعمل على التمسك بالعادات الإسلامية ونبذ العادات الغربية الاستعمارية، وحين طالبها بمقاطعة منتجات الاحتلال وألا تأكل أو تلبس إلا من صنع يديها، بل قام بعمل خاص بالأخوات المسلمات كانت المرأة المسلمة تمارس من خلاله نشاطها السياسي والاجتماعي والخيري، وقام بإنشاء العديد من المدارس "مدارس أمهات المسلمين" في أكثر من مدينة مصرية، وقد بدأت هذه المدارس بمدرسة أمهات المسلمين بالإسماعيلية، وكان لقسم الأخوات المسلمات دور هام في أثناء عمليات الاعتقال والسجون التي لحقت بالحركة في عهد عبد الناصر حيث قامت الأخوات المسلمات بزيارة أسر المسجونين وتقديم الرعاية لهم، وكذلك إعداد الطعام والملابس للإخوان المسلمين بالسجون4.

 

وكان لقسم الأخوات المسلمات دور هام في النضال السياسي ضد الاحتلال الإنجليزي، ففي مجلة الإخوان المسلمين الصادرة في 5 مارس 1946 نشرت المجلة برقية أرسلها قسم الأخوات المسلمات إلى المندوب السامي البريطاني بالقاهرة تحتج فيه الأخوات المسلمات على اعتداء جنود الجيش البريطاني المحتل على المصريين الآمنين5.

                           .............. ( يتبع الجزء الثاني )