
هذا هو التحرر الحقيقي للمرأة المسلمة، أما التحرر المزيف فهو الذي يدعو إلى الانحلال والتخلي عن ثقافتنا وهويتنا والاندماج في ثقافة الاستعمار والرضى بوجوده في بلادنا، فها هو لويس عوض مثلاً وهو المنحاز إلى الاستعمار والثقافة الاستعمارية، بل ويعتبر أن الحملة الفرنسية على مصر لم تأت من أجل الاحتلال والاستعمار ولكن من أجل تحرير مصر!
بل ويعتبر المتعاونين مع الحملة أي الخونة من أمثال يعقوب وفرط الرمان هم دعاة التحرر الوطني ورموز القومية المصرية! وهو الذي يدافع عن وجود الإنجليز في مصر ويعتبر كل من قاوم الاحتلال من أمثال الأفغاني والنديم ومصطفى كامل ومحمد فريد ما هم إلا مجموعة من المهرجين أو العملاء أو ضيقي الأفق!، بل ويدعو إلى نبذ اللغة العربية واستخدام العامية وغيرها من الدعوات المشبوهة 6، هو نفسه الذي يعتبر رموز تحرر المرأة المصرية هي هوى وشوق وغيرهما من اللائي درن مع جنود الاحتلال وأقمنا علاقات جنسية مع الفرنسيين أي أنه يعتبر المومسات والمتعاونات مع جنود الاحتلال بالسلاح وهن اللاتي ذكرناهم في فصل سابق، وخاصة هؤلاء اللاتي أعدمن بسبب اشتراكهم في ثورة القاهرة الأولى، وهذه التي أطلقت النار على بونابارت في أول أيام دخوله إلى الإسكندرية في إحدى حواري الإسكندرية7.
وينقل لويس عوض عن الجبرتي في قوله "إن الجواري السود فإنهن لما علمن رغبة القوم في مطلق الأنثى ذهبن إليهم أفواجًا فرادي وأزواجًا فنططن الحيطان وتسلقن إليهم من الطبقات ودلوهم على مخبأة أسيادهم وخبايا أموالهم ومتاعهم إلى غير ذلك"9
وعلى الرغم أن الجبرتي هنا يصف أوضاعًا اجتماعية جزئية صاحبت الاحتلال وترتبت عليه إلا أن لويس عوض يعتبرها ثورة تحرير للمرأة، ويعلق جلال كشك على ذلك قائلاً "ومع أن الجبرتي لم يترك فرصة لسوء الفهم هذا فإن لويس عوض يصر على أنها ظاهرة عامة نابعة عن ثورة تحريرية وليست حالة انهيار تحدث في جميع المجتمعات التي تتعرض للاحتلال والنهب والسلب والتجويع" ويضيف جلال كشك "لويس عوض مؤرخ المدرسة الاستعمارية يجعل انحطاط المرأة إلى حد التكسب بالجنس ثورة نساء وبداية تحرر المرأة"10
ولنعرض مزيدًا من وقاحات لويس عوض يقول لويس عوض "وليس هناك ما يدعو إلى الظن بأن كل من خالط الفرنسيين أو حاكاهم أو قبل وجوها من حضارتهم قد فعل ذلك عن فُجْر وافتتان بأسلوب الحكام – وهو ظاهرة اجتماعية وإنسانية – أو عن مصلحة ذاتية أو رغبة في التزلف إلى الحكام، ولا شك أن تحرير المرأة على النحو العملي هذا الذي وصفه الجبرتي كان حركة اجتماعية بالمعنى المألوف وتعبيرًا عن رأي عام وفي شرائح معينة من مختلف مستويات المجتمع المصري بضرورة الانفتاح لهذه الحضارة الحديثة والقيم الاجتماعية الحديثة التي جاء بها الفرنسيون من أوروبا"11
وبالطبع فإن الجبرتي لم يقصد هذا الذي استنتجه لويس عوض بل كان يرصد ظاهرة يرفضها هو وكل المؤرخين المحترمين، ولكن لويس عوض يريد أن يجعل من الدعارة مع جنود الاحتلال تحررًا ويريد أن يجعل من ظاهرة جزئية منحطة ومرفوضة ظاهرة اجتماعية تريد الانفتاح على الحضارة الحديثة التي جاء بها الفرنسيون من أوروبا، وبالطبع لويس عوض يدعو إلى الأخذ بتلك الحضارة وسلوكها وقيمها بل ويقدم لنا رمزين لتحرر المرأة من أسوأ ما يكون.
أما هوى فهي امرأة ساقطة تعيش مع أي صاحب سلطان سواء كان مملوكيًا أو تركيًا فرنسيًا، وتهرب من هذا إلى ذاك، أو تهرب منهم جميعًا 12
أما قاسم أمين الذي يعتبره كل رواد ودعاة حركة تحرر المرأة المزيف رائدًا له، فأمره محير، فهو مؤلف كتاب "المصريون" سنة 1894 باللغة الفرنسية، وقد أورده الدكتور محمد عمارة الكاملة لقاسم أمين13 وهو كتاب دافع فيه قاسم أمين عن الإسلام وعن المرأة المسلمة كأفضل ما يكون الدفاع وكأنه شيخ متعصب بل ومتزمت، وهو في كتابه الثاني "تحرير المرأة" يقف موقفًا وسطًا قريبًا من مدرسة الإمام محمد عبده التوفيقية، وفي كتابه الثالث "المرأة الجديدة" يدعو إلى خلع الدين تمامًا والتبرؤ من الإسلام والأخذ بكل الثقافة الغربية فيما يخص المرأة، بل يهاجم الإسلام هجومًا مريرًا.
وبعيدًا عن الخوض في أسباب هذا التغير في فكر قاسم أمين، فإن ما يعنينا هنا أن مدرسة التحرير المزيف للمرأة أخذت كتابه الثالث واعتبرته مرجعًا لتحرير المرأة بل واعتبرت قاسم أمين، رائدًا لتحرير المرأة والمسألة هنا ليست قيمة فكر قاسم أمين المضطرب ولا دعوته ولكن المسألة في أصلها كما هي دائمًا مسألة أن هؤلاء الذين يرفعون رايات تحرر المرأة، المزيف لا يريدون إلا القضاء على الإسلام والكيد له، وذلك بالطبع خدمة لأسيادهم ومحركيهم من الأوروبيين والأمريكيين الذين يدركون أن الإسلام هو وحده العقبة الرئيسية للسيطرة على بلادنا ونهبها وتنفيذ مخططاتهم فيها.
قاسم أمين هو أحد المروجين للاستعمار، وهو أحد أعضاء حزب الأمة وهو الحزب المعروف بولائه للإنجليز وخيانته للقضية الوطنية، ولم يكن عجيبًا أن تدافع "الجريدة" وهي صحيفة حزب الأمة عن قاسم أمين وآرائه لأنها تصب في خانة خدمة الإنجليز.
"قاسم أمين محرر المرأة نفسه الذي يصف مصطفى كامل بأنه نصاب، وهو الذي يرى أن الاستعمار الإنجليزي هو الذي حررنا وأسرف في تحريرنا فقد كنا محكومين بالاستبداد، ولما احتلنا الجيش البريطاني وأصبحت مصر تحكم من دار المندوب السامي أصبحنا أحرارًا ونحب الحرية وبدأ التعليم الصحيح ينتشر بين أفراد أمتنا14
أما عن نوال السعداوي فقد كشفها وعراها زميلاتها في حركة تضامن المرأة المزعوم، وقد اعترفت نوال السعداوي بنفسها بأن الذين مولوا مؤتمر تضامن المرأة المنعقد في القاهرة سنة 1986 في أفخم فنادقها وهو فندق النيل كانوا من الهيئات الأجنبية المشبوهة.
تقول جريدة "الأهالي" وهي جريدة قريبة الاتجاه لأمثال د. نوال السعداوي وليس من مصلحتها فضحها ومع ذلك اضطرت للاعتراف بالحقيقة فنقلت اعترافات نوال السعداوي – تقول جريدة الأهالي "عندما سألت إحدى المشتركات عن مصادر تمويل هذا المؤتمر أجابت د. نوال السعداوي رئيس المؤتمر ورئيس جمعية تضامن المرأة العربية أن هناك بالفعل جهات أجنبية قامت بتمويل المؤتمر فقد أرسلت رسائل إلى ما يقرب من مائة جهة طلبًا لتمويل المؤتمر واستجابت لها ثلاث جهات فقط هي جمعية نوفيك الهولندية، ومكتب مؤسسة فورد فونديشن الأمريكية بالقاهرة، ومكتب اكسفوان الأجنبي بالقاهرة، وأضافت د. نوال السعداوي أن مكتب مؤسسة فورد فونديشن بالقاهرة هو الذي تحمل نفقات سفر المشاركات فقط وتحملت المكاتب الأخرى باقي النفقات، وقالت د. نوال السعداوي إن مكتب هيئة المعونة الأمريكي في القاهرة "الأيد" سوف سيتحمل نفقات طبع كتاب باللغة العربية والإنجليزية لأهم الأبحاث التي نوقشت في لجان المؤتمر "15
وبالطبع كان من البديهي أن تنسحب الشخصيات النسائية والوفود النسائية التي ما زال لها بقية من احترام نفسها
أو تلك التي لا تريد أن تسقط ورقة التوت عن عورتها في هذا المؤتمر المشبوه الذي افتضح أمره.
وكانت وما زالت تلك الحركات المشبوهة تستخدم قضية تحرير المرأة كقفاز للهجوم على الإسلام، وها هي إحدى السيدات تقول تلك الحقيقة بعد أن اكتشفتها من خلال هذا المؤتمر، تقول السيدة نفيسة عابد في مجلة صباح الخير "ولست أدري لماذا يهاجم الإسلام من بعض الذين يدعون
أو يدعون الدعوة إلى حرية المرأة أو المطالبة بحقوقها، فهذا الهجوم يحمل في طياته ما يقنعني تمامًا بعدم صدق دعواهم"16
ونقول لهذه السيدة عليك الآن أن تدري أن تلك الدعوات والمؤتمرات والحركات ما صنعت أساسًا من أجل المرأة، بل من أجل الهجوم على الإسلام خدمة لأهداف الغرب الاستعماري.