بين السيف والندى
3 ربيع الثاني 1430
يحتاج المربون أثناء إدارتهم للمواقف التربوية المختلفة لنوع من الحزم الموجه الذي يؤتي أثارا إيجابية على الأفراد , وأقصد به ذلك النوع من الحزم الذي يغلفه المربي بالرفق بأعضاء الفريق ..
ويخطىء ههنا كثير من المربين فيتصورون أن شدتهم في تعاملهم تجاه الأفراد في المواقف ستجلب لهم نوعا من التقدير والوقار, وأن حزمهم الشديد تجاه كل موقف وكل تصرف سينتج نوعا من الضبط أثناء الآداء ..
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هينا لينا سهلا ميسرا , ولطالما مرت بالجماعة المسلمة في عهدة مواقف حاول بعض أصحابه حلها بالشدة والقوة ولكنه كان يرفض ذلك ويتعامل بكل رفق ويسر ..
فأعرابي يبول في المسجد ويهم به القوم فيمنعهم ويقول لهم اتركوه ولا تزرموه ثم يناديه ليعلمه أن المساجد لم تصنع لذلك , وصحابي له سابقة خير معروفة , يخطىء في خطأ , فيهم أصحابه بقتله فيمنعهم ويقول لهم : لعل الله اطلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم , إلى غير ذلك مما هو معروف مشهور فصلى الله على خير معلم وأعظم مربي
كما يخطىء آخرون حين يظنون أن المعاملة اللينة في جميع المواقف هي المطلوبة وأنه يجب على المربي أن يكون كفرد من الفريق ولا يتميز عنهم في شىء ..
فقد كان صلى الله عليه وسلم يستعمل الحزم في موضعه فهاهو يشاور الناس في الخروج لأحد , فيشيرون عليه بالخروج , ثم يعودون عن قولهم فيقول لهم صلى الله عليه وسلم حازما : " ماكان لنبي إذا لبس لامته للحرب أن يخلعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه "
وهاهو يأمر المتخلفين عن صف الجهاد في غزوة تبوك أن يعتزلوا الناس وأن يعتزلوا زوجاتهم ويستمر ذلك أربعين يوما حتى جاءهم الفرج .
ونحب هنا أن نبين أن الحزم صفة إيجابية لمن استطاع أن يطبقها كما يراد منها وأن يحصد ثمارها إذا استطاع أن يحسن زرعها .
كما أن الحزم المبالغ فيه يؤدي إلى نوع من تسلط وشعور الأفراد بإدارة دكتاتورية داخل الجماعة مما يكون له النتاج السلبي على أفرادها وينبت الكره والسخط في قلوب الأعضاء تجاه مربيهم ..
كما أن الليونة المبالغ فيها هي أيضا نوع من الخضوع الذي يؤثر على الأفراد سلبيا ويفقدهم معيار التصويب ومقام التقدير للأكبر سنا والأكثر علما كما يفقدهم كثيرا من الأخلاق الإسلامية المرجوة ..
إذن على كل مرب أن يهيىء نفسه أن يكون حازما في رفق ورفيقا في حزم , فلا هو متصلب في سلوكه متشنج في كلامه , متأفف في تعليقاته , ولا هو متساهل أمام الخطأ , ولكنه يحزم عند تكرار الأخطاء ويلين عند مواقف اليسر والليونة ..
ونحب أن نشير أنه على كل مرب أن يعتبر الخطأ التربوي العملي الأول دائما هو خطأ النصح والنصيحة وأن الخطأ الثاني هو خطأ التحذير والتوجيه والرفض وأن الخطأ الثالث هو خطأ العقوبة , فلا هو يتسرع في عقوبة الأشخاص من خطئهم الأول ولا هو يلين معهم عند تكراره , بل يتدرج معهم خطوه خطوة ودرجة درجة