1 جمادى الثانية 1430

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انا شاب سلفي مستقيم على دين الله إلا إنني أشكو من كثر نقص إيماني وقلة الطاعات وارجع ذلك كله للمجتمع الذي أحيا فيه لما فيه من الاختلاط وكثرة المعاصي ..... أفكر كثيرا في السفر لبلد استطيع أن أقيم فيه طاعة لله ... فهل هذا هو الحل برأيكم أفيدوني جزاكم الله خيرا

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الأخ السائل
مشكلة منتشرة بين كثير من الشباب الملتزم , أنه يستسلم أمام العقبات , وينكسر أمام المعوقات , ولايقوى أمام الصعاب .
والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن :" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " ومن القوة الصبر أمام الشهوات والثبات في المشكلات , وعدم الميل في الملمات .
والواقع أن إرجاعنا السبب للتقصير في حق الله سبحانه والوقوع في المعاصي للمجتمع وما ذكرته من اختلاط وغيره هو نوع من هروب من تحميل النفس مسئوليتها أن تستقيم على دين الله سبحانه مهما كانت الخطوب , فقد خاطب الله سبحانه اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بينما كانوا في مجتمع قد عج بالخطأ والمعصية هو مجتمع مكة قبل ظهور الرسالة وفتح مكة الذي لايمكن أن يقارن بأي مجتمع في بلدان العالم الإسلامي الآن بحال , بقوله سبحانه :" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق " .. يقول ابن عاشور في تفسير هذه الآية :" قد علم من صدر تفسير هذه السورة أن هذه الآية نزلت بمكة سنة أربع أو خمس من البعثة رواه مسلم وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } إلى { وكثير منهم فاسقون } إلا أرْبَعُ سنين .
والمقصود من { الذين آمنوا } : إما بعض منهم ربما كانوا مقصرين عن جمهور المؤمنين يومئذٍ بمكة فأراد الله إيقاظ قلوبهم بهذا الكلام المجمل على عادة القرآن وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم في التعريض مثل قوله : " ما بال أقوام يفعلون كذا " وقوله تعالى : { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } [ آل عمران : 154 ] ... ثم قال : " والمقصود التحذير لا أنهم تلبسوا بذلك ولم يأن لهم الاقلاع عنه . والتحذير مُنْصَبٌّ إلى ما حدث لأهل الكتاب من قسوة القلوب بعد طول الأمد عليهم في مزاولة دينهم ، أي فليحذر الذين آمنوا من أن يكونوا مثلهم على حدثان عهدهم بالدين . وليس المقصود عذر الذين أوتوا الكتاب بطول الأمد عليهم لأن طول الأمد لا يكون سبباً في التفريط فيما طال فيه الأمدُ بل الأمر بالعكس ولا قصدُ تهوين حصوله للذين آمنوا بعد أن يطول الأمد لأن ذلك لا يتعلق به الغرض قبل طول الأمد ، وإنما المقصود النهي عن التشبه بالذين أوتوا الكتاب في عدم خشوع قلوبهم ولكنه يفيد تحذير المؤمنين بعد أن يطول الزمان من أن يقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب "
ودعني ههنا أخي السائل أقف معك على عدة نقاط هامة في سؤالك الذي أثرته :
أولا : أولا , يندر أن تجد مكانا خاليا من الآثام والمعاصي , وبالتالي فإن المرء لو علق تقواه على خلو المجتمعات من المعاصي فقد أخطأ , ولكن أيضا فإن في مجتمعاتنا الإسلامية كثير من الطاعات , فالمساجد مفتوحة تقام فيها الصلاة والخير لا ينعدم بين أبناء أمتنا في كل أرجاء بلادنا والحمد لله , فلماذا دوما نرى هذا الجزء في مجتمعنا ولا نتحدث عن الأجزاء الفاضلة والإيجابيات الظاهرة ؟! ولماذا لايكون نصيب المعاصي في مجتمعاتنا النصح والإرشاد والتعليم والإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة , ويكون نصيب الطاعات هو الدعم والتعاون على البر والتقوى ؟ أليس في ذلك خير كبير وإصلاح عميم ؟!
ثانيا : نقص الإيمان وزيادته يحصل للمؤمنين بنص القرآن الكريم إّ يقول :" فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون " ونقل البغوي في تفسير هذه الآية قول علي بن أبي طالب إّ ذ يقول : " إن الإيمان يبدو لُمْظَة بيضاء في القلب، فكلما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض حتى يبيض القلب كله " واللمظة يعني النكتة والشىء الأبيض " , فأنت مرشح الآن أيها السائل الكريم لأن تكبح جماح نفسك وترغمها على الطاعة فيزيد إيمانك .., يقول ابن كثير في تفسيره للآية : " وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص، كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء، بل قد حكى الإجماع على ذلك غير واحد "
ثالثا : لست اتفق مع الذين كلما واجهوا معصية أو رأوا خللا في مجتمعاتهم أن يسافروا ويتركوها سعيا وراء طاعة مظنونة , ربما تعود عليهم بأشكال سلبية أخرى قد لا يدركونها , نعم لاشك أن ترك مكان المعاصي والخروج إلى أماكن الطاعة أمر مرغوب فيه , ولكن ليس هذا الأمر على إطلاقه هكذا ولو كان هكذا ما أمر النبي أصحابه بالتواجد في مجتمعات جديدة ليدعوهم إلى الله سبحانه , فقد أرسل مصعبا إلى المدينة بينما هي تعج باليهود وفيها منافقون , وأرسل معاذا إلى اليمن وهم أهل كتاب ... فأنصحك بالبقاء في مجتمعك الذي أنت به وقد دريته وعرفته واشتغل فيه بالدعوة إلى الله سبحانه بالحسنى والموعظة الحسنة واقترب من ربك سبحانه لعل الله أن يهدي على يديك عصاة ويقرب على يديك بعيدين .. وإن أردت السفر فسافر لعمرة أو حج أو طلب علم مؤقت ثم تعود إلى بيتك ومجتمعك .
رابعا : انبهك ههنا اخي السائل أن المدار الأهم في العبودية هو مدار القلب , وأن الابتلاء الحقيقي هو ابتلاء القلوب , فأنصحك بمراعاة قلبك والاعتناء بالعبادات القلبية والطاعات الخفية ففيها زيادة الإيمان والقرب من الرحمن...وفقك الله