شباب الجسم وشباب العقل
26 جمادى الثانية 1430
د. محمد العبدة
لاشك أن هناك تأثيرا متبادلا بين صحة الجسم وصحة العقل، ولكن هذا ليس دائمًا، فهناك من يتمتع بشباب جسمي وهو منحدر في مهاوي الشيخوخة العقلية، وأما العكس وهو التمتع بشباب عقلي متوقد مع ضعف الجسم فهذا موجود وملاحظ.
إن بعض الشباب اليوم تدركهم الشيخوخة أسرع مما أدركت أجدادهم، وليس عندهم القدرة على مواجهة الصعاب وأعباء الحياة، وذلك بسبب ضعف الإيمان والرجاء بالله سبحانه وتعالى، ولعدم وجود أهداف سامية يسعى الشباب لها، تحدد له هويته وطريقه، وتنمي فيها شخصيته، ويبتعد بها عن الاهتمامات الفارغة والثقافة الضحلة الآتية من التلفزة وتصفح الجرائد وقراءة كتب التسلية، ويبتعد بها عن الاهتمامات الموزعة بين نجوم الفن أو نجوم الكرة.
وإذا كان هناك غذاء للجسم الكل يعرفه ويعرف تفاصيله أو يسأل الخبراء والأطباء عنه وعن طب الأعشاب والطب البديل، فهناك غذاء للعقل والروح يجب أن نتعلمه للتغلب على المشاكل التي تواجهنا.
الإيمان بالله هو حياة النفوس، حيث تنسجم قوى الإنسان ولا تتفرق أجزاء، ولا تتساقط متهافتة، ولا تضطرب أمام الأهوال أو أمام المطامع والرغبة في تملك الأشياء ولو على حساب المبادئ والقيم.
الإيمان بالله يملأ النفس قوة وطاقة تذلل العقبات، ويملأ النفس ألفة ووئامًا حيث تدرك الحق والخير وتنفر عن الباطل والشر.
بعض الشباب وبسبب الإحباط أو رد الفعل على الواقع وعدم وجود طريق واضح في الحياة، هؤلاء أصبح همهم الأول هو الرفض لكل ما هو قديم ولو كان هو الحق، ولو كان تراثًا أنتجته أكبر العقول وأفضلها، وهذا الرفض لا ينفعهم شيئًا، بل هو أقرب للعبث، بينما نجد أن الشخصيات الكبيرة سواء في الماضي القريب أو البعيد كانوا قادرين على البحث في القضايا الكبرى، قضايا الحياة، وأين تكمن مصلحة الإنسان في هذه الحياة الدنيا وذلك بسبب معارفهم الواسعة واطلاعهم على الكتب العظيمة.
إن ظهور التخصصات الشديدة التركيز على موضوعات معينة وتجزئة المعرفة قد أضر بالثقافة التي تساعد على اقتراح الحلول وتكّون البيئة الاجتماعية التي تساعد الشباب على أن يخط طريقه بنجاح.
ما المانع أن يحمل الشباب واجب الاهتمام بشؤون الأمة والمشاركة في العمل العام، ولا يبتعدون ـ كما هو ملاحظ ـ عن الفعل السياسي الذي يسعى لحفظ الدين وحفظ الأوطان أن تقع في براثن الاستعمار أو الاستبداد ولا أعني السياسة الجوفاء التي هي كالنار تدفئ مجلسك وتحرق ملابسك، ولكنها السياسة التي تسعى لكرامة الأمة واستقلالها.
الشباب بحاجة إلى قراءات واسعة كي يتعرفوا على إمكاناتهم وقدراتهم.