تعتبر تربية الأبناء تربية حسنة وسليمة غاية كل أبوين مسلمين يطمحان إلى أن يسلك أولادهما وبناتهما الطريق الصائب والتوجيه القويم حتى يلقن هؤلاء الأبناء بدورهم لأولادهم هذه التربية الفاضلة والسليمة، فتنشأ أجيال بارة وواعية بما لها وما عليها، تعرف الخطأ فتبتعد عنه، وتدرك الصواب والحسن فتسعى إليه.
ولعل التربية الجنسية من أهم ما يجب تلقينه للأبناء وهم صغار وأيضا وهم شباب مراهقون، غير أن التربية الجنسية لها شروطها وآدابها وضوابطها، وآلياتها التي تتطلب من الوالدين الكثير من الحكمة والتروي والتؤدة باعتبار الجنس موضوعا ذا تشعبات وتفرعات قد لا تُحمد عقباها إن لم يحسن الأب أو الأم إبلاغ أبجدياته وآدابه لأبنائهما.
ومن الأمثلة الأخرى التي تؤكد ضرورة تحلي الوالدين بقسط هام من الحنكة في إيصال وتبليغ تربية جنسية سليمة ما يحدث للفتاة الصغيرة حيت تطرأ على جسمها متغيرات فيزيولوجية من قبيل العادة الشهرية، حيث ترتبك الفتاة لهذا الحدث "الجلل" وتتخوف منه، بل هناك من الفتيات من يبكين ولا يستطعن إبلاغ الأمر لأمهاتهن خوفا من عقوبة أو تعليق ليس في محله، في حين كان الأجدى أن تُفهم الأم خاصة ابنتها هذا الحدث الطبيعي بأنه سنة من سنن الحياة وطبيعة نسائية محضة وضعها الله تعالى في الإناث، وأن الأمر لا يدعو للتخوف، وغيرها من المعلومات التي ينبغي على الأم أن توصلها لابنتها قبيل البلوغ ببضعة أشهر حتى لا يصيبها خوف أو تقزز من طبيعة إنسانية لا دخل للفتاة فيها.
ومن أمثلة التربية الجنسية التي منبعها ثقافة جنسية إسلامية وسليمة هو أدب العورات ومواقيتها، فأي تقصير من الوالدين في هذا الجانب حيث أحيانا يمكن أن يرى الولد أو تشاهد الفتاة والديهما في وضع المعاشرة، قد تتولد عنه أشياء تؤثر على شخصية البنت أو الولد مستقبلا، ومع ذلك يمكن تدارك الأمر بتعليم البنت أو الفتى معنى الاستئذان وأدبه وعواقبه إذا لم يتم التقيد به.. وبما أن هذا الحادث يمكن أن يقع في أي فترة من فترات العمر ، فالواجب يحتم على الوالدين أن يحسنا تمرير وتبليغ مفاهيم التربية الجنسية للطفل وفق مراحل وخطوات تربوية ومنهجية.
مثلا، في ما يتعلق بمداعبة الطفل لعضوه التناسلي، يرى الدكتور كمال الرضاوي نائب رئيس الجمعية العالمية للعلاج النفسي أن التعامل الصحيح يكمن في "ترك الطفل على حريته، يمارس عمله بشكل عادي، لأن الطفل لا ينظر إلى هذه الأعضاء نظرة خاصة، وإذا استطاع الآباء أن يصرفوا نظره إلى التسلية بوسائل أخرى دون تعنيف بالطبع، ودون أن يشعروه بأن لتلك المناطق خصوصية معينة لكان أفضل..
ويعتبر الرضاوي أنه "لا يمكن للأجوبة أن تسبق التساؤلات، فعلى الطفل أن ويسأل، ويعلمه والداه كيف يطرح الأسئلة، ثم يجيباه على أسئلته، وهنا يجب على الآباء أن يكونوا على استعداد لأي سؤال مهما كان محرجا، وكذلك عليهم أن لا يفصلوا في الإجابات، وأن يراعوا مبدأ التدرج في عملية التربية، وأن لا يتهربوا من الرد على أسئلة أبنائهم ، لأن هذا الهروب يدفع الطفل إلى الاعتماد على مصادر أخرى تناقض الواقع".
ويرى الرضاوي أنه لا توجد "سن محددة لبدء عملية تلقين الطفل مبادئ التربية الجنسية، لأن مرحلة اهتمام الأطفال بالمسائل الجنسية تختلف حسب مستوى ملاحظاتهم لمجريات الأمور، وكذا حسب فهمهم وإدراكهم لطبيعة الأشياء، لكن هناك أسئلة تثار حسب الفئات العمرية، فالفترة العمرية من السنة الثانية إلى الثالثة تتمحور أسئلة الطفل حول الفارق بين الجنسين، ومن السنة الثالثة إلى السادسة تتركز الأسئلة حول مسألة الحمل والولادة، أما خلال فترة المراهقة فتنصب الأسئلة حول الأمور الجنسية الدقيقة كالزواج والتناسل مثلا".
ويؤكد الباحث التربوي والنفسي محمد الصدوقي في حديث للمسلم على أن التربية الجنسية للأطفال ـ نظرا لخطورتها وأهميتها النفسية والاجتماعية في حياة وتاريخ توازن شخصية الفرد الإنساني وفي تحديد نماذج وأنماط تمثلاته وعلاقاته الجنسية مع ذاته ومع الجنس الآخر، وتأثيراتها السلبية أو الايجابية على حياته الاجتماعية ـ (التربية الجنسية) يجب أن تبدأ منذ الطفولة الأولى إلى الطفولة المتأخرة وبعدها لأنه، من جهة، التربية الجنسية هي سيرورة تربوية و نمائية مستمرة ( فيزيولوجيا/جسميا، ونفسيا، ومعرفيا واجتماعيا وقيميا...؛ ومن جهة أخرى، وحسب الأدبيات التحليل ـ نفسية، فإن العمليات والسيرورات الجنسية المسئولة على بناء نماذجنا ومواضيعنا الجنسية تبدأ منذ المراحل الأولى من الطفولة.. وعليه، فإن تدخل التربية الجنسية كحمولات معرفية وعلائقية وقيمية أخلاقية يبتدئ منذ الطفولة المبكرة وصولا
وترتبط التربية الجنسية للأبناء بآليات الشرح والمناقشة والتوعية والتقويم والتوجيه بأدب ودون تعنيف أو ازدراء أو تعالي أو ترفع، ذلك أنها تربية تلازمهم طيلة حياتهم وتنير لهم جانبا حيويا من علاقاتهم مع أجسادهم وأيضا مع الجنس الآخر في علاقات الزواج وما تتضمنها من روابط المعاشرة الجنسية.
وحدد الباحث المغربي محمد الصدوقي الشروط الواجب توفرها من طرف الوالدين من أجل التمكن من التربية الجنسية ومنها:
ـ التأهيل المعرفي العلمي: أي المعرفة العلمية بالجنس وثقافة وآليات التربية الجنسية، والمعرفة العلمية بالخصوصيات والحاجيات النفسية والنمائية للطفل ذكرا أو أنثى".
وتعتبر، من جهتها، الأخصائية صليحة الطالب أنه لا يجب أن نقمع الأطفال، بل يجب أن نرد على تساؤلاتهم، فالطفل الصغير يتساءل عن أمور يسهل الجواب عليها إلى حد ما ، مضيفة أن الإشكال يقع مع الراشدين، فالنزعة والإعجاب للطرف الآخر يكون عاديا، و كثير من المراهقين يقعون في أخطاء نظرا لجهلهم بهذا الموضوع وكثير من الزيجات قد تؤول إلى الطلاق بسبب هذا الجهل أيضا".
ويعتبر الصدوقي أن كيفية شرح الوالدين للمواضيع الجنسية لأبنائهم مشروطة بطبيعة المرحلة النمائية والعمرية للأبناء وجنسهم وطبيعة الثقافة والعلاقات السائدة داخل الأسرة، مؤكدا أنه عموما يجب أن يكون هذا الشرح والتدخل مراعيا لما يلي:
ـ استعمال لغة علمية بسيطة ومفهومة حسب المرحلة العمرية للأبناء.
ـ تشجيع الأبناء على البوح بأسئلتهم ومشاكلهم التي تهم حياتهم الجنسية والعلاقة مع الجنس الآخر، وجعلهم يفهمون أن الأمور الجنسية طبيعية وعادية، وأن معرفتها أمر ضروري من أجل حياة جنسية سليمة نفسيا، وشرعية قيميا وأخلاقيا، وأن الجنس يتجاوز معنى الممارسة السائد في مجتمعاتنا، حيث إن الجنس هو أخلاق وقيم، والتزام اجتماعي تجاه الجنس الآخر، ومعرفة الجنس في أبعاده المختلفة مفيد من أجل بناء شخصية سوية ومتوازنة، وتأسيس حياة زوجية سليمة وناجحة".
وتضيف صليحة الطالب عاملا آخر مساعدا على التربية الجنسية وهو غض البصر بكل محاوره، والحجاب وعفة المرأة بالحجاب وأبعاد الحجاب في تواصل الفتاة مع الشاب، فالشاب ينظر للشابة من خلال الحجاب نظرة المرأة الإنسانة وليست نظرة المرأة الأنثى".
أهون الحالات قد تلجأ إلى الكتب أو الفضائيات دون معرفة درجة صدقيتها ووثوقيتها؛ فتنهل منها المعلومات المطلوبة وتتشكل تربية جنسية خاطئة تماما لديها تؤثر سلبا على حياتها، والأمر نفسه بالنسبة للفتى الذكر.
ويرى الأخصائي التربوي منذر الحاج حسن أنه "لم يَعُد الوالدان وحدهما أو حتى المعلم من يمتلك مصدر المعلومات وتوجيه السلوك، فهناك العديد من المؤسسات التي تساهم اليوم إلى جانب الأسرة والمدرسة في تشكيل شخصية أبنائنا وتوجيه سلوكهم، وبث القيم في نفوسهم سلبًا أو إيجابًا، وخاصة ما تتيحه وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة من معلومات وتبثه من قيم، في كثير من الأحيان يحكم المربون عليها بالسلبية، حيث لا تنسجم مع قيمنا وتراثنا الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بالتربية الجنسية ومفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة..".
ومن هذا المنطلق، وجب أساسا على الأسرة أن تعي أهمية التربية الجنسية من خلال روافدها الإسلامية المعروفة من قرآن وسنة نبوية وكتب علمية سليمة ينصح بها أهل العلم والتخصص، فضلا عن الدروس العلمية التي يمكن أن يتلقاها التلميذ والطالب بخصوص التربية الجنسية دون أن يتعدى ذلك الضوابط الشرعية أو يتجاوز الذوق والآداب العامة..
وبذلك تؤدي التربية الجنسية أدوارها وغاياتها المطلوبة منها من أجل جيل سليم معرفيا وتربويا، ومحصن أفضل تحصين من مجموعة من العوامل والمغريات التي تحاول اختراق هذا الحصن وتفتيت ركائزه خاصة في عصر العولمة الكاسحة التي اختلط فيها الحابل بالنابل والضار بالنافع، مما يستدعي من الآباء والأمهات وضع عين مراقبة لأبنائهم دون أن يعني هذا رقابة لصيقة أو خنقا لحريتهم أو إحصاء لحركاتهم، بل توجيها من بعيد إن اقتضى الحال أو توجيها مباشرا إن دعت الضرورة ذلك بما فيه من أساليب الترغيب والترهيب، فلكل مقام مقال..