والسنة النبوية الشريفة على خلاف ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم , فما أكثر المواقف التي استشار فيها النبي إحدى زوجاته , ونتخير منها موقفا واحدا :
يذكر ابن كثير في البداية والنهاية عندما جاء الأمين جبريل إلى الرسول الكريم أول مرة عند غار حراء وخاف النبي على نفسه وعاد إلى خديجة رضي الله عنها " فدخل على خديجة بنت خويلد فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان أمرأ قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم فقال نعم لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي ( البداية والنهاية )
وفي هذا الموقف لفتات مباركة للزوج من حياة النبي الكريم وللزوجة الناصحة الصالحة عند هذا الموقف خطوات نقتبسها من فعل وتصرف السيدة خديجة رضي الله عنها :
1- يشعر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمام حدث ربما يغير حياته كلها وربما يعرضه إلى السخرية من الناس حين اعتقد انه مس من الجن وأكثر ما كان يبغضه النبي الكريم أن يقال عنه مجنون ولذلك كان يشعر النبي انه أمام موقف شديد في حياته , فكان أول مكان يخطر بباله , أن يعود إلى بيته حيث المأوى والسكن والطمأنينة , فلم يفكر في الذهاب إلى أي مكان , ولا إلى أي إنسان , وهكذا المسلم لابد وان يعتبر بيته مأواه وسكنه وملاذه عند وقوع الملمات لا أن يفزع إلى مكان آخر ولا إلى مأوى آخر
في هذا الوقت عند لحظة ضعف الزوج وعند طلبه مشورتها لا ينبغي المعاتبة ولا اللوم ولا التقريع إذ أنه لا يحتاج إليه الآن عند وقوع تلك الأزمة فما كان أسهل على السيدة خديجة - كأي زوجة - أن تلقي باللوم علي زوجها صلى الله عليه وسلم لاختياره الانفراد بنفسه في مكان موحش من الجبل ليلا وهو مكان يرتع فيه الجن
ولهذا فمن جاءها زوجها يشكو لها خسارة مالية أو طعنة غدر من صديق أو فشل وإحباط , فلا تبادره باللوم لسوء اختياره ولا لتقصيره ولا تذكره بسابق نصيحتها له في هذا الشأن , ولا تسكت عن قول ذلك أيضا ولكن ليس كل ما يصح قوله قد حضر وقته وأوانه
وهذا ما كان يحتاجه النبي الكريم في ذلك الوقت , وهذا ما يحتاج كل زوج يأتي إلى بيته حزينا مكروبا مهموما يلقي بهمومه على شاطئ أمانه
اقترحت خديجة أن يذهبا معا إلى ابن عمها ليحددا معا هل الذي رآه النبي مسا من الجن فيطلب له علاجه أو ملكا من السماء , ولكل حادث منهما حديث
واستمع ورقة بن نوفل ثم حكم بأن الذي رآه محمد صلى الله عليه وسلم هو الناموس الأكبر الذي كان يتنزل على موسى فاستبشر النبي واستبشرت خديجة وزال الهم من صدر النبي صلى الله عليه وسلم
ولهذا حين اختارت خديجة من تعرض عليه الأمر لمعرفة رأيه اختارت رجلا من بني عمومتها , وهو بطبيعة القرابة حريص على سرها ساتر له , وحينما كلمته لم تقل له اسمع من زوجي ولا اسمع من محمد بل قالت له اسمع من ابن أخيك مذكرة له بقرابته وحقه عليه ووجوب حفظ سره .
وعند اختيارها لورقة حرصت على أن يكون ذا كفاءة لعرض الأمر عليه فلم تكن قرابته لهما فقط هي مؤهله الوحيد , فقد كان رجلا شيخا كبيرا عاش الحياة وخبرها وتزود من معارفها ونال من حكمتها وتعلم العلم وكتب الكتاب بيديه , فكان أقدر على الحكم الصحيح والقرار الصائب .
هذا الشاطئ الذي لا ينفك الرجل عن الحاجة إليه هو الزوجة الصالحة الناصحة , ولهذا لا نتعجب حين سمي العام الذي توفيت فيه خديجة بعام الحزن