كان لمواقف الكنيسة والتقاليد التي سادت في أوربا قرونا طويلة ، وحتى القرن التاسع عشر ، دور كبير في ما يمكن أن نطلق عليه ، الانقلاب الكبير ، أوما سمي بعصر النهضة ، فمنع الكنيسة الطلاق ،واعتبار الزواج الثاني للمرأة أو الرجل زنا ، وما ساد لفترات طويلة من مواقف تجاه المرأة وجسدها ذلك الجدل الذي دار طويلا حول طبيعتها وما إذا كان لها روح وهل هي روح انسانية أو شيطانية ، أدى ذلك بمرور الزمن لثورة اجتماعية تجاوزت كل الاطر التقليدية وسلطة الكنيسة ، وحكام الحق الالهي المتحالفين معها في أوربا .
وأصبح الكثير من الحركات النسوية وغيرها في الغرب تطالب بتمكين المرأة والرجل من علاقات جنسية خارج إطار الزواج ( للمتزوجين أيضا ) بناء على مقولة جان بول سارتر " لا أحد يخص أحد " متجاوزين بذلك المقولات التقليدية عن معاشرة " نصف رجل " كناية عن اشتراك أكثر من إمرأة في رجل واحد . وهو ما تحدث عنه سارتر في كتابه " الجنس الثاني " لكن هل مثلت الثورة أو الانقلاب على المفاهيم القديمة حلا مرضيا للمرأة ،وهل تشعر المرأة الغربية حاليا بالسعادة ،وهل تخلصت من كل أشكال التمييز والاضطهاد والاستغلال على كافة الاصعدة ؟ هذا ما نحاول الاجابة عليه في هذه الدراسة .
صيرورة المظالم : في القرنين التاسع عشر والعشرين ومع خروج المرأة في االغرب للعمل ، حيث " من لا يعمل لا يأكل " بالمفهوم الشيوعي "، أو " أفواه تأكل ولا تنتج " بالمفهوم النازي ، أو " لا تأكل المرأة من عرق جبينها " بالمفهوم الكنسي ، وهو أحد المفاهيم الكنسية الذي نتج عنه ردود الفعل العكسية والتي نشهدها اليوم على أكثر من صعيد .
وللأمانة فإن المرأة الغربية كانت محقة في ثورتها على الاستغلال والامتهان الذي كانت ولا تزال تتعرض لاشكال مختلفة منه حتى اليوم .
لقد فرضت الحاجة عليها الخروج للعمل ، في مصانع النسيج وغيرها في البداية ، ثم وجدت نفسها تمارس كافة أوجه العمل بما في ذلك الأعمال التي تحولها إلى كائن " لم يعد إمرأة ولم يصبح رجلا " بتعبير أميرسون .
وللأسف فإن ما يعتبره البعض تقدما ، ليس في الحقيقة سوى ردة عن المفاهيم النصرانية إلى الجذور الوثنية لأوربا ، ولا سيما الاغريقية وبالتحديد الأفلاطونية . ففي " اليوتوبيا " المثالية التي وضعها أفلاطون في كتابه " الجمهورية " جعل النساء مشاعا في طبقات الجنود ، وعلى هذا الأساس بنيت العلاقة بين الرجل والمرأة على اعتبار أن النساء مجرد آلات جنسية ، يستخدمها الرجل وقتما شاء وكيفما شاء.
وقد تجسد هذا التصور في الحفلات النسائية التي تقام للجنود الغربيين في المهام الاستعمارية في مختلف أنحاء العالم اليوم ،وذلك منذ أيام مارلين مونرو وغيرها . كما يتم استقطاب نساء في الجيوش الغربية المعاصرة لهذا الغرض .
أما في العصور التي تحكمت فيها الكنيسة في شئون البلاد والعباد، فلم تكن المرأة بأفضل حال، إذ اعتبرت المرأة شرا لا بد منه، فهي التي أغرت آدم ، حسب زعم الكنيسة ، فطرد من الجنة، وبتعبير أحدهم" مدخل الشيطان إلى النفس، ودافعة بالمرء إلى الشجرة الممنوعة، ناقضة لقانون الله، ومشوهة لصورة الرجل "، وبتعبير آخر: "هي شر لا بد منه، ووسوسة جلية، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتاكة، ورزء مطلي مموه ".فما الذي تغير في علاقات الرجال بالنساء سوى الانتقال من "الاحتكار" إلى المشاعية باسم الحرية .
لقد أعطيت المرأة الحرية في اختيار نوع العبودية الذي تريده ، إذ أن الخيارات المتاحة أمامها تجعلها في فلك الرأسمال .
لقد خاضت الجمعيات النسائية معارك كثيرة جدا ، لكنها لم تمس جوهر العبودية المتمثل ، في بيوت الدعارة التي ترزح تحتها مئآت الآلاف من الضحايا وقبول الضحايا لتلك الأوضاع المخلة بالكرامة الانسانية والمساواة ،و حرمانهن من الامومة غاية كل إمرأة بحكم الفطرة ( انظر اهتمام الفتيات الصغيرات بالعرائس واللعب في شكل طفل رضيع ) ، نابع من خوفهن ، واعتقادهن بأنهن لن يجدن عملا شريفا يعشن منه ، وليس رضا بتلك المهنة القذرة الغارقة في القدم .
لكن منظمات الدفاع عن حقوق الانسان ولا سيما المرأة في الغرب ، وانطلاقا من المفهوم الافلاطوني السابق لم يلتفتوا لاوضاع ذلك النوع من البشر في قاع المجتمعات الغربية وتوابعها في الشرق .
كما لم يولوا عمليات استغلال جسد المرأة من قبل الشركات في الترويج للسلع والاعلانات أو تجارة الرقيق الأبيض ،ومساومة الطالبات من قبل اساتذتهن في الغرب في معادلة " الجسد مقابل الشهادة الجامعية " ما تستحقه من اهتمام في مقابل الحديث مثلا عن ، الميراث في الاسلام ، وهو نظام لا يمكن الحديث عنه بمنآى عن المنظومة الاسلامية في الاجتماع والاقتصاد ، أوتعدد الزوجات ، الذي لم يفهموه على وجهه السليم ، حيث أنه ليس تعددا من أجل المتعة ، كما يظنون وإنما لأسباب كانت سائدة في السابق ،وحسب مقتضيات حال الشخص والمجتمع والظروف التي يمكن أن يكون فيها التعدد مرغوبا فيه أو مرغوبا عنه و هو ما يحتاج لمعالجة خاصة .
لقد ازداد عدد الجمعيات النسائية ، ولم تسترجع تلك الحركات قوتها إلا عند نهاية فترة السبعينات. واتسمت في تلك الفترة بالتركيز على المساواة بين الرجل والمرأة في المجالين الاقتصادي والعلمي خصوصا منح النساء أجورا مماثلة لزملائهن من الرجال وفرصا متساوية في الحصول على العمل بالإضافة إلى منحهن الحق في تبوء المناصب العلمية وتسهيل مواصلتهن للدراسات العليا ". كما أن " تلك الموجة بدأت التركيز على محاربة مظاهر استغلال المرأة في أماكن العمل مثل التحرش الجنسي والاغتصاب والتقليل من قيمة المرأة ككائن بشري ، فتم سن قوانين جديدة تمنع مثل تلك الممارسات وتعرض مرتكبيها لعقوبات قاسية " لكن تلك الممارسات ازدادت كما تفيد الدراسات وباضطراد مخيف .
كما " تميزت تلك الفترة بتطرف بعض الجمعيات النسوية التي بدأت تطالب المرأة بالتخلي عن أي مظاهر للأنوثة سواء في لباسها أو في حديثها وظهرت دعوات للتخلص من أحذية الكعب العالي التي تم رميها في القمامة خلال مظاهرات الاحتفال باليوم العالمي للمرأة بالإضافة إلى محاربة استعمال الماكياج أو العطور". بل " وصلت بعض تلك الدعوات حد مطالبة النساء بقص شعرهن والتنكر لأنوثتهن حتى يثبتن للرجال بأنهن لا يختلفن عنهم وبدأت تظهر دعوة "المسترجلات" بشكل أساسي في المجلات والصحف التي أسسنها للترويج لنظرتهن الخاصة بالمساواة " ( 1 ) ( فدوى بنياعيش – حقوق المرأة في أمريكا ) . وهي نفس المقالات التي كان يرددها أفلاطون قبل أكثر من ألفي سنة ولكن بطلاء معاصر.
وإذا كانت النساء الغربيات قد ناضلن من أجل حصولهن على حقوقهن ، المهنية والاجتماعية فإن أطرافا أخرى ،( الرجل الغربي ) استطاع بمكره ودهائه تطويع تلك المطالب لخدمة مصالحه ،وجعل المرأة تدور في فلكه ، بطريقة أخرى وبأسلوب جديد ، وأخذ المدير ورئيس العمل مكان الزوج في بعض الأحيان ، فيما يتعلق بالطاعة ، وقد يتجاوزها إلى أمور أخرى ، خاصة جدا .
كما خرج مفهوم الحريم من طابعه التقليدي المتعلق بالبيت ، وتجمل المرأة لزوجها ،إلى مفهوم أوسع مثل صالات عرض الأزياء ،وملكات الجمال ، وصور المجلات الخليعة ، والأفلام الإباحية التجارية التي أصبحت تدر أموالا طائلة على أصحابها ، الذين استغلوا قضية " تحرير المرأة " أبشع استغلال ، بما في ذلك استخدام جسدها للترويج للسلع الاستهلاكية ، ومواد التجميل وغير ذلك ، فضلا عن ما يعرف بتجارة الرقيق الأبيض .